( ذرني ومن خلقت وحيدا  وجعلت له مالا ممدودا    ) 
قوله تعالى : ( ذرني ومن خلقت وحيدا    ) أجمعوا على أن المراد ههنا الوليد بن المغيرة  ، وفي نصب قوله " وحيدا " وجوه : 
الأول : أنه نصب على الحال ، ثم يحتمل أن يكون حالا من الخالق وأن يكون حالا من المخلوق ، وكونه حالا من الخالق على وجهين : 
الأول : ذرني وحدي معه فإني كاف في الانتقام منه . 
والثاني : خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد ، وأما كونه حالا من المخلوق ، فعلى معنى أني خلقته حال ما كان وحيدا فريدا لا مال له ، ولا ولد كقوله : ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة    ) [ الأنعام : 94] . 
القول الثاني : أنه نصب على الذم ، وذلك لأن الآية نزلت في الوليد  وكان يلقب بالوحيد ، وكان يقول أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لي في العرب نظير ، ولا لأبي نظير . فالمراد ( ذرني ومن خلقت    ) أعني وحيدا . وطعن كثير من المتأخرين في هذا الوجه ، وقالوا : لا يجوز أن يصدقه الله في دعواه أنه وحيد لا نظير له ، وهذا السؤال ذكره الواحدي  وصاحب الكشاف ، وهو ضعيف من وجوه : 
الأول : أنا لما جعلنا الوحيد اسم علم فقد زال السؤال لأن اسم العلم لا يفيد في المسمى صفة  بل هو قائم مقام الإشارة . 
الثاني : لم لا يجوز أن يحمل على كونه وحيدا في ظنه واعتقاده ؟ ونظيره قوله تعالى : ( ذق إنك أنت العزيز الكريم    ) [ الدخان : 49] . 
الثالث : أن لفظ الوحيد ليس فيه أنه وحيد في العلو والشرف ، بل هو كان يدعي لنفسه أنه وحيد في هذه الأمور . فيمكن أن يقال : أنت وحيد لكن في الكفر والخبث والدناءة . 
القول الثالث : أن وحيدا مفعول ثان لـ " خلق " ، قال أبو سعيد الضرير    : الوحيد الذي لا أب له ، وهو إشارة إلى الطعن في نسبه كما في قوله : ( عتل بعد ذلك زنيم    ) [ القلم : 13] . 
قوله تعالى : ( وجعلت له مالا ممدودا    ) 
في تفسير المال الممدود  وجوه : 
الأول : المال الذي يكون له مدد يأتي من الجزء بعد الجزء على الدوام ، فلذلك فسره  عمر بن الخطاب  بغلة شهر شهر . 
وثانيها : أنه المال الذي يمد بالزيادة ، كالضرع والزرع وأنواع التجارات . 
وثالثها : أنه المال الذي امتد مكانه ، قال  ابن عباس    : كان ماله ممدودا ما بين مكة  إلى الطائف    [ من ] الإبل والخيل والغنم والبساتين الكثيرة بالطائف  والأشجار والأنهار والنقد الكثير ، وقال مقاتل    : كان له بستان لا ينقطع نفعه شتاء ولا صيفا ، فالممدود هنا كما في قوله : ( وظل ممدود    ) [ الواقعة : 30] أي لا ينقطع . 
ورابعها : أنه المال الكثير ، وذلك لأن المال الكثير إذا عدد فإنه يمتد تعديده ، ومن المفسرين من قدر المال الممدود ، فقال بعضهم : ألف دينار ، وقال آخرون : أربعة آلاف ، وقال آخرون : ألف ألف ، وهذه التحكمات مما لا يميل إليها الطبع السليم . 
				
						
						
