[ ص: 189 ] ( سورة القيامة )
أربعون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) في الآية مسائل :
المسألة الأولى : المفسرون ذكروا في
nindex.php?page=treesubj&link=34080لفظة " nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا " في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم ) ثلاثة أوجه :
الأول : أنها صلة زائدة ، والمعنى أقسم بيوم القيامة ، ونظيره (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب ) [ الحديد : 29] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ما منعك ألا تسجد ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فبما رحمة من الله ) [ آل عمران : 159] وهذا القول عندي ضعيف من وجوه :
أولها : أن تجويز هذا يفضي إلى الطعن في القرآن ، لأن على هذا التقدير يجوز جعل النفي إثباتا ، والإثبات نفيا ، وتجويزه يفضي إلى أن لا يبقى الاعتماد على إثباته ولا على نفيه .
وثانيها : أن هذا الحرف إنما يزاد في وسط الكلام لا في أوله ، فإن قيل : فالكلام عليه من وجهين :
الأول : لا نسلم أنها إنما تزاد في وسط الكلام ، ألا ترى إلى
امرئ القيس كيف زادها في مستهل قصيدته ، وهي قوله :
لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
الثاني : هب أن هذا الحرف لا يزاد في أول الكلام إلا أن
nindex.php?page=treesubj&link=28899_29568_28900القرآن كله كالسورة الواحدة لاتصال بعضه ببعض ، والدليل عليه أنه قد يذكر الشيء في سورة ثم يجيء جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) [ الحجر : 6] ثم جاء جوابه في سورة أخرى وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) [ القلم : 2] وإذا كان كذلك ، كان أول هذه السورة جاريا مجرى وسط الكلام .
والجواب عن الأول : أن قوله " لا وأبيك " قسم عن النفي ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم ) نفي للقسم ، فتشبيه أحدهما بالآخر غير جائز ، وإنما قلنا : إن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم ) نفي للقسم ، لأنه على وزان قولنا : لا أقتل ، لا أضرب ، لا أنصر ، ومعلوم أن ذلك يفيد النفي . والدليل عليه أنه لو حلف لا يقسم كان البر بترك القسم ، والحنث بفعل القسم ، فظهر أن البيت
[ ص: 190 ] المذكور ليس من هذا الباب .
وعن الثاني : أن القرآن كالسورة الواحدة في عدم التناقض ، فإما أن يقرن بكل آية ما قرن بالآية الأخرى فذلك غير جائز ، لأنه يلزم جواز أن يقرن بكل إثبات حرف النفي في سائر الآيات ، وذلك يقتضي انقلاب كل إثبات نفيا وانقلاب كل نفي إثباتا ، وإنه لا يجوز .
وثالثها : أن المراد من قولنا : " لا " صلة " أن " لغو باطل ، يجب طرحه وإسقاطه حتى ينتظم الكلام ، ومعلوم أن وصف كلام الله تعالى بذلك لا يجوز .
القول الثاني للمفسرين في هذه الآية : ما نقل عن
الحسن أنه
nindex.php?page=treesubj&link=20757قرأ " لأقسم " على أن اللام للابتداء ، وأقسم خبر مبتدأ محذوف ، معناه : لأنا أقسم ، ويعضده أنه في مصحف
عثمان بغير ألف واتفقوا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) على " لا أقسم " ، قال
الحسن : معنى الآية أني أقسم بيوم القيامة لشرفها ، ولا أقسم بالنفس اللوامة لخساستها ، وطعن
أبو عبيدة في هذه القراءة ، وقال : لو كان المراد هذا لقال : لأقسمن ، لأن العرب لا تقول : لأفعل كذا ، وإنما يقولون : لأفعلن كذا ، إلا أن
الواحدي حكى جواز ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والفراء ، واعلم أن هذا الوجه أيضا ضعيف ؛ لأن هذه القراءة شاذة ، فهب أن هذا الشاذ استمر ، فما الوجه في القراءة المشهورة المتواترة ؟ ولا يمكن دفعها وإلا لكان ذلك قدحا فيما ثبت بالتواتر ، وأيضا فلا بد من إضمار قسم آخر لتكون هذه اللام جوابا عنه ، فيصير التقدير : والله لأقسم بيوم القيامة ، فيكون ذلك قسما على قسم ، وإنه ركيك ولأنه يفضي إلى التسلسل .
القول الثالث : أن لفظة " لا " وردت للنفي ، ثم ههنا احتمالان :
الأول : أنها وردت نفيا لكلام ذكر قبل القسم ، كأنهم أنكروا البعث فقيل : لا ليس الأمر على ما ذكرتم ، ثم قيل : أقسم بيوم القيامة ، وهذا أيضا فيه إشكال ، لأن إعادة حرف النفي مرة أخرى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) مع أن المراد ما ذكروه تقدح في فصاحة الكلام .
الاحتمال الثاني : أن " لا " ههنا لنفي القسم كأنه قال : لا أقسم عليكم بذلك اليوم وتلك النفس ، ولكني أسألك غير مقسم أتحسب أنا لا نجمع عظامك إذا تفرقت بالموت ، فإن كنت تحسب ذلك فاعلم أنا قادرون على أن نفعل ذلك . وهذا القول اختيار
أبي مسلم وهو الأصح ، ويمكن تقدير هذا القول على وجوه أخر :
أحدها : كأنه تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم ) بهذه الأشياء على إثبات هذا المطلوب فإن هذا المطلوب أعظم وأجل من أن يقسم عليه بهذه الأشياء ، ويكون الغرض من هذا الكلام تعظيم المقسم عليه وتفخيم شأنه .
وثانيها : كأنه تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم ) بهذه الأشياء على إثبات هذا المطلوب ، فإن إثباته أظهر وأجلى وأقوى وأحرى من أن يحاول إثباته بمثل هذا القسم ، ثم قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ) أي : كيف خطر بباله هذا الخاطر الفاسد مع ظهور فساده .
وثالثها : أن يكون الغرض منه الاستفهام على سبيل الإنكار ، والتقدير : ألا أقسم بيوم القيامة . ألا أقسم بالنفس اللوامة على أن الحشر والنشر حق .
المسألة الثانية : ذكروا في
nindex.php?page=treesubj&link=31825النفس اللوامة وجوها :
أحدها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن كل نفس فإنها تلوم نفسها يوم القيامة سواء كانت برة أو فاجرة ، أما البرة فلأجل أنها لم تزد على طاعتها ، وأما الفاجرة فلأجل أنها لم لم تشتغل بالتقوى ، وطعن بعضهم في هذا الوجه من وجوه :
الأول : أن من يستحق الثواب لا يجوز أن يلوم نفسه على ترك الزيادة ، لأنه لو جاز منه لوم نفسه على ذلك لجاز من غيره أن يلومها عليه .
الثاني : أن الإنسان إنما يلوم نفسه عند الضجارة وضيق القلب ، وذلك لا يليق بأهل الجنة حال كونهم في الجنة ، ولأن المكلف يعلم أنه لا مقدار من الطاعة إلا ويمكن الإتيان بما هو أزيد منه ، فلو كان ذلك موجبا للوم لامتنع الانفكاك عنه ، وما كان كذلك لا يكون مطلوب الحصول ، ولا يلام على ترك تحصيله . والجواب عن الكل : أن يحمل اللوم
[ ص: 191 ] على تمني الزيادة ، وحينئذ تسقط هذه الأسئلة .
وثانيها : أن النفس اللوامة هي النفوس المتقية التي تلوم النفس العاصية يوم القيامة بسبب أنها تركت التقوى .
ثالثها : أنها هي النفوس الشريفة التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الطاعة ، وعن
الحسن أن
nindex.php?page=treesubj&link=19687_19691_29674المؤمن لا تراه إلا لائما نفسه ، وأما الجاهل فإنه يكون راضيا بما هو فيه من الأحوال الخسيسة .
ورابعها : أنها نفس
آدم لم تزل تلوم على فعلها الذي خرجت به من الجنة .
وخامسها : المراد نفوس الأشقياء حين شاهدت أحوال القيامة وأهوالها ، فإنها تلوم نفسها على ما صدر عنها من المعاصي ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت ) [ الزمر : 56] .
وسادسها : أن الإنسان خلق ملولا ، فأي شيء طلبه إذا وجده مله ، فحينئذ يلوم نفسه على أني لم طلبته ، فلكثرة هذا العمل سمي بالنفس اللوامة ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إن الإنسان خلق هلوعا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إذا مسه الشر جزوعا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وإذا مسه الخير منوعا ) [ المعارج : 19] واعلم أن قوله " لوامة " ينبئ عن التكرار والإعادة ، وكذا القول في لوام وعذاب وضرار .
المسألة الثالثة : اعلم أن في الآية إشكالات :
أحدها : ما المناسبة بين القيامة وبين النفس اللوامة ، حتى جمع الله بينهما في القسم ؟
وثانيها : المقسم عليه هو
nindex.php?page=treesubj&link=30340وقوع القيامة ، فيصير حاصله أنه تعالى أقسم بوقوع القيامة .
وثالثها : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة ) ولم يقل : والقيامة ، كما قال في سائر السور : " والطور " ، " والذاريات " ، " والضحى " ؟
والجواب عن الأول من وجوه :
أحدها : أن أحوال القيامة عجيبة جدا ، ثم المقصود من إقامة القيامة إظهار أحوال النفوس اللوامة . أعني سعادتها وشقاوتها ، فقد حصل بين القيامة والنفوس اللوامة هذه المناسبة الشديدة .
وثانيها : أن القسم بالنفس اللوامة تنبيه على عجائب أحوال النفس على ما قال عليه الصلاة والسلام : "
من عرف نفسه فقد عرف ربه " ومن أحوالها العجيبة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72إنا عرضنا الأمانة ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72وحملها الإنسان ) [ الأحزاب : 72] وقال قائلون : القسم وقع بالنفس اللوامة على معنى التعظيم لها من حيث إنها أبدا تستحقر فعلها وجدها واجتهادها في طاعة الله ، وقال آخرون : إنه تعالى أقسم بالقيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوامة ، وهذا على القراءة الشاذة التي رويناها عن
الحسن ، فكأنه تعالى قال : " أقسم بيوم القيامة " تعظيما لها ، ولا أقسم بالنفس تحقيرا لها ، لأن النفس اللوامة إما أن تكون كافرة بالقيامة مع عظم أمرها ، وإما أن تكون فاسقة مقصرة في العمل ، وعلى التقديرين فإنها تكون مستحقرة .
وأما السؤال الثاني : فالجواب عنه ما ذكرنا أن المحققين قالوا : القسم بهذه الأشياء قسم بربها وخالقها في الحقيقة ، فكأنه قيل : أقسم برب القيامة على وقوع يوم القيامة .
وأما السؤال الثالث : فجوابه أنه حيث أقسم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=1والطور ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=1والذاريات ) وأما ههنا فإنه نفى كونه تعالى مقسما بهذه الأشياء ، فزال السؤال والله تعالى أعلم .
[ ص: 189 ] ( سُورَةُ الْقِيَامَةِ )
أَرْبَعُونَ آيَةً مَكِّيَّةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=34080لَفْظَةِ " nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا " فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ ) ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا صِلَةٌ زَائِدَةٌ ، وَالْمَعْنَى أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَنَظِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) [ الْحَدِيدِ : 29] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 159] وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا : أَنَّ تَجْوِيزَ هَذَا يُفْضِي إِلَى الطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجُوزُ جَعْلُ النَّفْيِ إِثْبَاتًا ، وَالْإِثْبَاتِ نَفْيًا ، وَتَجْوِيزُهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ لَا يَبْقَى الِاعْتِمَادُ عَلَى إِثْبَاتِهِ وَلَا عَلَى نَفْيِهِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ إِنَّمَا يُزَادُ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ لَا فِي أَوَّلِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا إِنَّمَا تُزَادُ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ ، أَلَا تَرَى إِلَى
امْرِئِ الْقَيْسِ كَيْفَ زَادَهَا فِي مُسْتَهَلِّ قَصِيدَتِهِ ، وَهِيَ قَوْلُهُ :
لَا وَأَبِيكِ ابْنَةَ الْعَامِرِيِّ لَا يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنِّي أَفِرُّ
الثَّانِي : هَبْ أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ لَا يُزَادُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ إِلَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28899_29568_28900الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ لِاتِّصَالِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ يَذْكُرُ الشَّيْءَ فِي سُورَةٍ ثُمَّ يَجِيءُ جَوَابُهُ فِي سُورَةٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) [ الْحِجْرِ : 6] ثُمَّ جَاءَ جَوَابُهُ فِي سُورَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) [ الْقَلَمِ : 2] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، كَانَ أَوَّلُ هَذِهِ السُّورَةِ جَارِيًا مَجْرَى وَسَطِ الْكَلَامِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ قَوْلَهُ " لَا وَأَبِيكِ " قَسَمٌ عَنِ النَّفْيِ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ ) نَفْيٌ لِلْقَسَمِ ، فَتَشْبِيهُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ ) نَفْيٌ لِلْقَسَمِ ، لِأَنَّهُ عَلَى وِزَانِ قَوْلِنَا : لَا أَقْتُلُ ، لَا أَضْرِبُ ، لَا أَنْصُرُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ النَّفْيَ . وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُقْسِمُ كَانَ الْبِرُّ بِتَرْكِ الْقَسَمِ ، وَالْحِنْثُ بِفِعْلِ الْقَسَمِ ، فَظَهَرَ أَنَّ الْبَيْتَ
[ ص: 190 ] الْمَذْكُورَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ .
وَعَنِ الثَّانِي : أَنَّ الْقُرْآنَ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ فِي عَدَمِ التَّنَاقُضِ ، فَإِمَّا أَنْ يُقْرَنَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا قُرِنَ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ، لِأَنَّهُ يُلْزِمُ جَوَازَ أَنْ يُقْرَنَ بِكُلِّ إِثْبَاتٍ حَرْفُ النَّفْيِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْقِلَابَ كُلِّ إِثْبَاتٍ نَفْيًا وَانْقِلَابَ كُلِّ نَفْيٍ إِثْبَاتًا ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِنَا : " لَا " صِلَةُ " أَنْ " لَغْوٌ بَاطِلٌ ، يَجِبُ طَرْحُهُ وَإِسْقَاطُهُ حَتَّى يَنْتَظِمَ الْكَلَامُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَصْفَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ .
الْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : مَا نُقِلَ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=20757قَرَأَ " لَأُقْسِمُ " عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلِابْتِدَاءِ ، وَأُقْسِمُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، مَعْنَاهُ : لَأَنَا أُقْسِمُ ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّهُ فِي مُصْحَفِ
عُثْمَانَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَاتَّفَقُوا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) عَلَى " لَا أُقْسِمُ " ، قَالَ
الْحَسَنُ : مَعْنَى الْآيَةِ أَنِّي أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لِشَرَفِهَا ، وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ لِخَسَاسَتِهَا ، وَطَعَنَ
أَبُو عُبَيْدَةَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ، وَقَالَ : لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا لَقَالَ : لَأُقْسِمَنَّ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ : لَأَفْعَلُ كَذَا ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ : لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ، إِلَّا أَنَّ
الْوَاحِدِيَّ حَكَى جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاءِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ شَاذَّةٌ ، فَهَبْ أَنَّ هَذَا الشَّاذَّ اسْتَمَرَّ ، فَمَا الْوَجْهُ فِي الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ؟ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ قَدْحًا فِيمَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ ، وَأَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ قَسَمٍ آخَرَ لِتَكُونَ هَذِهِ اللَّامُ جَوَابًا عَنْهُ ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ : وَاللَّهِ لَأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَسَمًا عَلَى قَسَمٍ ، وَإِنَّهُ رَكِيكٌ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى التَّسَلْسُلِ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ لَفْظَةَ " لَا " وَرَدَتْ لِلنَّفْيِ ، ثُمَّ هَهُنَا احْتِمَالَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا وَرَدَتْ نَفْيًا لِكَلَامٍ ذُكِرَ قَبْلَ الْقَسَمِ ، كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ فَقِيلَ : لَا لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ ، ثُمَّ قِيلَ : أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ إِشْكَالٌ ، لِأَنَّ إِعَادَةَ حَرْفِ النَّفْيِ مَرَّةً أُخْرَى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرُوهُ تَقْدَحُ فِي فَصَاحَةِ الْكَلَامِ .
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي : أَنَّ " لَا " هَهُنَا لِنَفْيِ الْقَسَمِ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أُقْسِمُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَتِلْكَ النَّفْسِ ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُكَ غَيْرَ مُقْسِمٍ أَتَحْسَبُ أَنَّا لَا نَجْمَعُ عِظَامَكَ إِذَا تَفَرَّقَتْ بِالْمَوْتِ ، فَإِنْ كُنْتَ تَحْسَبُ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّا قَادِرُونَ عَلَى أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ . وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ
أَبِي مُسْلِمٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى وُجُوهٍ أُخَرَ :
أَحَدُهَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ ) بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْمَطْلُوبِ فَإِنَّ هَذَا الْمَطْلُوبَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَيَكُونُ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَعْظِيمَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَتَفْخِيمَ شَأْنِهِ .
وَثَانِيهَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ ) بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْمَطْلُوبِ ، فَإِنَّ إِثْبَاتَهُ أَظْهَرُ وَأَجْلَى وَأَقْوَى وَأَحْرَى مِنْ أَنْ يُحَاوِلَ إِثْبَاتَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَسَمِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ) أَيْ : كَيْفَ خَطَرَ بِبَالِهِ هَذَا الْخَاطِرُ الْفَاسِدُ مَعَ ظُهُورِ فَسَادِهِ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْهُ الِاسْتِفْهَامَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ ، وَالتَّقْدِيرُ : أَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . أَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ عَلَى أَنَّ الْحَشْرَ وَالنَّشْرَ حَقٌّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31825النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ كُلَّ نَفْسٍ فَإِنَّهَا تَلُومُ نَفْسَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بَرَّةً أَوْ فَاجِرَةً ، أَمَّا الْبَرَّةُ فَلِأَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تَزِدْ عَلَى طَاعَتِهَا ، وَأَمَّا الْفَاجِرَةُ فَلِأَجْلِ أَنَّهَا لِمَ لَمْ تَشْتَغِلْ بِالتَّقْوَى ، وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلُومَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ الزِّيَادَةِ ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ مِنْهُ لَوْمُ نَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ لَجَازَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَلُومَهَا عَلَيْهِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَلُومُ نَفْسَهُ عِنْدَ الضَّجَارَةِ وَضِيقِ الْقَلْبِ ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ حَالَ كَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَلِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مِقْدَارَ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَّا وَيُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِمَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْهُ ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلَّوْمِ لَامْتَنَعَ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ ، وَلَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِ تَحْصِيلِهِ . وَالْجَوَابُ عَنِ الْكُلِّ : أَنْ يُحْمَلَ اللَّوْمُ
[ ص: 191 ] عَلَى تَمَنِّي الزِّيَادَةِ ، وَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ النَّفْسَ اللَّوَّامَةَ هِيَ النُّفُوسُ الْمُتَّقِيَةُ الَّتِي تَلُومُ النَّفْسَ الْعَاصِيَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسَبَبِ أَنَّهَا تَرَكَتِ التَّقْوَى .
ثَالِثُهَا : أَنَّهَا هِيَ النُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي لَا تَزَالُ تَلُومُ نَفْسَهَا وَإِنِ اجْتَهَدَتْ فِي الطَّاعَةِ ، وَعَنِ
الْحَسَنِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19687_19691_29674الْمُؤْمِنَ لَا تَرَاهُ إِلَّا لَائِمًا نَفْسَهُ ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ رَاضِيًا بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْخَسِيسَةِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّهَا نَفْسُ
آدَمَ لَمْ تَزَلْ تَلُومُ عَلَى فِعْلِهَا الَّذِي خَرَجَتْ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ .
وَخَامِسُهَا : الْمُرَادُ نُفُوسُ الْأَشْقِيَاءِ حِينَ شَاهَدَتْ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالَهَا ، فَإِنَّهَا تَلُومُ نَفْسَهَا عَلَى مَا صَدَرَ عَنْهَا مِنَ الْمَعَاصِي ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ ) [ الزُّمَرِ : 56] .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ مَلُولًا ، فَأَيَّ شَيْءٍ طَلَبَهُ إِذَا وَجَدَهُ مَلَّهُ ، فَحِينَئِذٍ يَلُومُ نَفْسَهُ عَلَى أَنِّي لِمَ طَلَبْتُهُ ، فَلِكَثْرَةِ هَذَا الْعَمَلِ سُمِّيَ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ) [ الْمَعَارِجِ : 19] وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ " لَوَّامَةِ " يُنْبِئُ عَنِ التَّكْرَارِ وَالْإِعَادَةِ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي لَوَّامٍ وَعَذَّابٍ وَضَرَّارٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ إِشْكَالَاتٍ :
أَحَدُهَا : مَا الْمُنَاسِبَةُ بَيْنَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسَمِ ؟
وَثَانِيهَا : الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30340وُقُوعُ الْقِيَامَةِ ، فَيَصِيرُ حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِوُقُوعِ الْقِيَامَةِ .
وَثَالِثُهَا : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) وَلَمْ يَقُلْ : وَالْقِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ فِي سَائِرِ السُّوَرِ : " وَالطَّوْرِ " ، " وَالذَّارِيَاتِ " ، " وَالضُّحَى " ؟
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ عَجِيبَةٌ جِدًّا ، ثُمَّ الْمَقْصُودُ مِنْ إِقَامَةِ الْقِيَامَةِ إِظْهَارُ أَحْوَالِ النُّفُوسِ اللَّوَّامَةِ . أَعْنِي سَعَادَتَهَا وَشَقَاوَتَهَا ، فَقَدْ حَصَلَ بَيْنَ الْقِيَامَةِ وَالنُّفُوسِ اللَّوَّامَةِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةُ الشَّدِيدَةُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْقَسَمَ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى عَجَائِبِ أَحْوَالِ النَّفْسِ عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ " وَمِنْ أَحْوَالِهَا الْعَجِيبَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذَّارِيَاتِ : 56] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ) [ الْأَحْزَابِ : 72] وَقَالَ قَائِلُونَ : الْقَسَمُ وَقَعَ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ لَهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا أَبَدًا تَسْتَحْقِرُ فِعْلَهَا وَجِدَّهَا وَاجْتِهَادَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِالْقِيَامَةِ ، وَلَمْ يُقْسِمْ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ، وَهَذَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنِ
الْحَسَنِ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : " أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ " تَعْظِيمًا لَهَا ، وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ تَحْقِيرًا لَهَا ، لِأَنَّ النَّفْسَ اللَّوَّامَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَافِرَةً بِالْقِيَامَةِ مَعَ عِظَمِ أَمْرِهَا ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِقَةً مُقَصِّرَةً فِي الْعَمَلِ ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُسْتَحْقِرَةً .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي : فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا : الْقَسَمُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَسَمٌ بِرَبِّهَا وَخَالِقِهَا فِي الْحَقِيقَةِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : أُقْسِمُ بِرَبِّ الْقِيَامَةِ عَلَى وُقُوعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ : فَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَيْثُ أَقْسَمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=1وَالطُّورِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=1وَالذَّارِيَاتِ ) وَأَمَّا هَهُنَا فَإِنَّهُ نَفَى كَوْنَهُ تَعَالَى مُقْسِمًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، فَزَالَ السُّؤَالُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .