(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=15ولو ألقى معاذيره nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=15ولو ألقى معاذيره ) للمفسرين فيه أقوال :
الأول : قال
الواحدي : المعاذير جمع معذرة ، يقال : معذرة ومعاذر ومعاذير . قال صاحب " الكشاف " جمع المعذرة معاذر ، والمعاذير ليس جمع معذرة ، وإنما هو اسم جمع لها ، ونحوه المناكير في المنكر ، والمعنى أن
nindex.php?page=treesubj&link=30359الإنسان وإن اعتذر عن نفسه وجادل عنها وأتى بكل عذر وحجة ، فإنه لا ينفعه ذلك لأنه شاهد على نفسه .
القول الثاني : قال
الضحاك والسدي والفراء nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد والزجاج : المعاذير الستور واحدها معذار ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : هي لغة يمانية . قال صاحب " الكشاف " : إن صحت هذه الرواية فذاك مجاز من حيث إن الستر يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة الذنب ، والمعنى على هذا القول : أنه وإن أسبل الستر ليخفي ما يعمل ، فإن نفسه شاهدة عليه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به ) فيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28740زعم قوم من قدماء الروافض أن هذا القرآن قد غير وبدل وزيد فيه ونقص عنه ، واحتجوا عليه بأنه لا مناسبة بين هذه الآية وبين ما قبلها ، ولو كان هذا الترتيب من الله تعالى لما كان الأمر كذلك .
واعلم أن في بيان المناسبة وجوها :
أولها : يحتمل أن يكون الاستعجال المنهي عنه إنما اتفق للرسول عليه السلام عند إنزال هذه الآيات عليه ، فلا جرم نهي عن ذلك الاستعجال في هذا الوقت ، وقيل له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به ) وهذا كما أن المدرس إذا كان يلقي على تلميذه شيئا ، فأخذ التلميذ يلتفت يمينا وشمالا ، فيقول المدرس في أثناء ذلك الدرس لا تلتفت يمينا وشمالا ثم يعود إلى الدرس ، فإذا نقل ذلك الدرس مع هذا الكلام في أثنائه ، فمن لم يعرف السبب يقول : إن وقوع تلك الكلمة في أثناء ذلك الدرس غير مناسب ، لكن من عرف الواقعة علم أنه حسن الترتيب .
وثانيها :
nindex.php?page=treesubj&link=30200_30554أنه تعالى نقل عن الكفار أنهم يحبون [ ص: 197 ] السعادة العاجلة ، وذلك هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=5بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) ثم بين أن التعجيل مذموم مطلقا حتى التعجيل في أمور الدين ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به ) وقال في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=20كلا بل تحبون العاجلة ) .
وثالثها : أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=14بل الإنسان على نفسه بصيرة nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=15ولو ألقى معاذيره ) فههنا كان
nindex.php?page=treesubj&link=32260الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر التعجيل في القراءة مع جبريل ، وكان يجعل العذر فيه خوف النسيان ، فكأنه قيل له : إنك إذا أتيت بهذا العذر لكنك تعلم أن الحفظ لا يحصل إلا بتوفيق الله وإعانته فاترك هذا التعجيل واعتمد على هداية الله تعالى ، وهذا هو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه وقرآنه ) .
ورابعها : كأنه تعالى قال : يا
محمد إن غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه وتبلغه إليهم لكن لا حاجة إلى هذا ، فإن " الإنسان على نفسه بصيرة " ، وهم بقلوبهم يعلمون أن الذي هم عليه من الكفر وعبادة الأوثان وإنكار البعث منكر باطل ، فإذا كان غرضك من هذا التعجيل أن تعرفهم قبح ما هم عليه ، ثم إن هذه المعرفة حاصلة عندهم ، فحينئذ لم يبق لهذا التعجيل فائدة ، فلا جرم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك ) .
وخامسها : أنه تعالى حكى عن الكافر أنه يقول : أين المفر ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=11كلا لا وزر nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=12إلى ربك يومئذ المستقر ) فالكافر كأنه كان يفر من الله تعالى إلى غيره ، فقيل
لمحمد : إنك في طلب حفظ القرآن تستعين بالتكرار ، وهذا استعانة منك بغير الله ، فاترك هذه الطريقة ، واستعن في هذا الأمر بالله ، فكأنه قيل : إن
nindex.php?page=treesubj&link=30554الكافر يفر من الله إلى غيره ، وأما أنت فكن كالمضاد له ، فيجب أن تفر من غير الله إلى الله وأن تستعين في كل الأمور بالله ، حتى يحصل لك المقصود على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه وقرآنه ) وقال في سورة أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ) [ طه : 114] أي : لا تستعن في طلب الحفظ بالتكرار ، بل اطلبه من الله تعالى .
وسادسها : ما ذكره
القفال وهو أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك ) ليس خطابا مع الرسول عليه السلام بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=13ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) فكان ذلك للإنسان حال ما ينبأ بقبائح أفعاله ، وذلك بأن يعرض عليه كتابه ، فيقال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) [ الإسراء : 14] فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف وسرعة القراءة فيقال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به ) فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك ، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال ، ثم إن علينا بيان أمره وشرح مراتب عقوبته ، وحاصل الأمر من تفسير هذه الآية أن المراد منه
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30355أنه تعالى يقرأ على الكافر جميع أعماله على سبيل التفصيل ، وفيه أشد الوعيد في الدنيا وأشد التهويل في الآخرة ، ثم قال
القفال : فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة به .
المسألة الثانية : احتج من جوز الذنب على الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية ، فقال : إن ذلك الاستعجال إن كان بإذن الله تعالى فكيف نهاه عنه ؟ وإن كان لا بإذن الله تعالى فقد صدر الذنب عنه ؟ الجواب : لعل ذلك الاستعجال كان مأذونا فيه إلى وقت النهي عنه ، ولا يبعد أن يكون الشيء مأذونا فيه في وقت ثم يصير منهيا عنه في وقت آخر ، ولهذا السبب قلنا : يجوز النسخ .
المسألة الثالثة : روى
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه حفظ التنزيل ، وكان إذا نزل عليه الوحي يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ
جبريل مخافة أن لا يحفظ ، فأنزل تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك ) أي : بالوحي والتنزيل والقرآن ، وإنما جاز هذا الإضمار وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه ، كما
[ ص: 198 ] أضمر في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه في ليلة القدر ) [ القدر : 1] ، ونظير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) [ طه : 114] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لتعجل به ) أي : لتعجل بأخذه .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه وقرآنه ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : كلمة " على " للوجوب ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا ) يدل على أن ذلك كالواجب على الله تعالى ، أما على مذهبنا فذلك الوجوب بحكم الوعد ، وأما على قول
المعتزلة : فلأن المقصود من البعثة لا يتم إلا إذا كان الوحي محفوظا مبرأ عن النسيان ، فكان ذلك واجبا نظرا إلى الحكمة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=15وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=15وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ أَقْوَالٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الْمَعَاذِيرُ جَمْعُ مَعْذِرَةٍ ، يُقَالُ : مَعْذِرَةٌ وَمَعَاذِرُ وَمَعَاذِيرُ . قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " جَمْعُ الْمَعْذِرَةِ مَعَاذِرُ ، وَالْمَعَاذِيرُ لَيْسَ جَمْعَ مَعْذِرَةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَهَا ، وَنَحْوُهُ الْمَنَاكِيرُ فِي الْمُنْكَرِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30359الْإِنْسَانَ وَإِنِ اعْتَذَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَجَادَلَ عَنْهَا وَأَتَى بِكُلِّ عُذْرٍ وَحُجَّةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَ
الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَالْفَرَّاءُ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ : الْمَعَاذِيرُ السُّتُورُ وَاحِدُهَا مِعْذَارٌ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : هِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ . قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَذَاكَ مَجَازٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ السِّتْرَ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الْمُحْتَجِبِ كَمَا تَمْنَعُ الْمَعْذِرَةُ عُقُوبَةَ الذَّنْبِ ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّهُ وَإِنْ أَسْبَلَ السِّتْرَ لِيُخْفِيَ مَا يَعْمَلُ ، فَإِنَّ نَفْسَهُ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28740زَعَمَ قَوْمٌ مِنْ قُدَمَاءِ الرَّوَافِضِ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قَدْ غُيِّرَ وَبُدِّلَ وَزِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ عَنْهُ ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا ، وَلَوْ كَانَ هَذَا التَّرْتِيبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي بَيَانِ الْمُنَاسِبَةِ وُجُوهًا :
أَوَّلُهَا : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِعْجَالُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إِنَّمَا اتَّفَقَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ إِنْزَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَيْهِ ، فَلَا جَرَمَ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ الِاسْتِعْجَالِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَقِيلَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْمُدَرِّسَ إِذَا كَانَ يُلْقِي عَلَى تِلْمِيذِهِ شَيْئًا ، فَأَخَذَ التِّلْمِيذُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَيَقُولُ الْمُدَرِّسُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الدَّرْسِ لَا تَلْتَفِتْ يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الدَّرْسِ ، فَإِذَا نَقَلَ ذَلِكَ الدَّرْسَ مَعَ هَذَا الْكَلَامِ فِي أَثْنَائِهِ ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ السَّبَبَ يَقُولُ : إِنَّ وُقُوعَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الدَّرْسِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ ، لَكِنَّ مَنْ عَرَفَ الْوَاقِعَةَ عَلِمَ أَنَّهُ حَسُنَ التَّرْتِيبُ .
وَثَانِيهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=30200_30554أَنَّهُ تَعَالَى نَقَلَ عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ [ ص: 197 ] السَّعَادَةَ الْعَاجِلَةَ ، وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=5بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ التَّعْجِيلَ مَذْمُومٌ مُطْلَقًا حَتَّى التَّعْجِيلَ فِي أُمُورِ الدِّينِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=20كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ) .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=14بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=15وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) فَهَهُنَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=32260الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُظْهِرُ التَّعْجِيلَ فِي الْقِرَاءَةِ مَعَ جِبْرِيلَ ، وَكَانَ يَجْعَلُ الْعُذْرَ فِيهِ خَوْفَ النِّسْيَانِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إِنَّكَ إِذَا أَتَيْتَ بِهَذَا الْعُذْرِ لَكِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْحِفْظَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَإِعَانَتِهِ فَاتْرُكْ هَذَا التَّعْجِيلَ وَاعْتَمِدْ عَلَى هِدَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) .
وَرَابِعُهَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : يَا
مُحَمَّدُ إِنَّ غَرَضَكَ مِنْ هَذَا التَّعْجِيلِ أَنْ تَحْفَظَهُ وَتُبَلِّغَهُ إِلَيْهِمْ لَكِنْ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا ، فَإِنَّ " الْإِنْسَانَ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ " ، وَهُمْ بِقُلُوبِهِمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ مُنْكَرٌ بَاطِلٌ ، فَإِذَا كَانَ غَرَضُكَ مِنْ هَذَا التَّعْجِيلِ أَنْ تُعَرِّفَهُمْ قُبْحَ مَا هُمْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ حَاصِلَةٌ عِنْدَهُمْ ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ لِهَذَا التَّعْجِيلِ فَائِدَةٌ ، فَلَا جَرَمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ) .
وَخَامِسُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكَافِرِ أَنَّهُ يَقُولُ : أَيْنَ الْمَفَرُّ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=11كَلَّا لَا وَزَرَ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=12إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ) فَالْكَافِرُ كَأَنَّهُ كَانَ يَفِرُّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى غَيْرِهِ ، فَقِيلَ
لِمُحَمَّدٍ : إِنَّكَ فِي طَلَبِ حِفْظِ الْقُرْآنِ تَسْتَعِينُ بِالتَّكْرَارِ ، وَهَذَا اسْتِعَانَةٌ مِنْكَ بِغَيْرِ اللَّهِ ، فَاتْرُكْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ ، وَاسْتَعِنْ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِاللَّهِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30554الْكَافِرَ يَفِرُّ مِنَ اللَّهِ إِلَى غَيْرِهِ ، وَأَمَّا أَنْتَ فَكُنْ كَالْمُضَادِّ لَهُ ، فَيَجِبُ أَنْ تَفِرَّ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَأَنْ تَسْتَعِينَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ بِاللَّهِ ، حَتَّى يَحْصُلَ لَكَ الْمَقْصُودُ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) وَقَالَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) [ طه : 114] أَيْ : لَا تَسْتَعِنْ فِي طَلَبِ الْحِفْظِ بِالتَّكْرَارِ ، بَلِ اطْلُبْهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَسَادِسُهَا : مَا ذَكَرَهُ
الْقَفَّالُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ) لَيْسَ خِطَابًا مَعَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلْ هُوَ خِطَابٌ مَعَ الْإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=13يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) فَكَانَ ذَلِكَ لِلْإِنْسَانِ حَالَ مَا يُنَبَّأُ بِقَبَائِحِ أَفْعَالِهِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كِتَابُهُ ، فَيُقَالُ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 14] فَإِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ تَلَجْلَجَ لِسَانُهُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَسُرْعَةِ الْقِرَاءَةِ فَيُقَالُ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا بِحُكْمِ الْوَعْدِ أَوْ بِحُكْمِ الْحِكْمَةِ أَنْ نَجْمَعَ أَعْمَالَكَ عَلَيْكَ وَأَنْ نَقْرَأَهَا عَلَيْكَ ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ عَلَيْكَ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّكَ فَعَلْتَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَ أَمْرِهِ وَشَرْحَ مَرَاتِبِ عُقُوبَتِهِ ، وَحَاصِلُ الْأَمْرِ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30355أَنَّهُ تَعَالَى يَقْرَأُ عَلَى الْكَافِرِ جَمِيعَ أَعْمَالِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ ، وَفِيهِ أَشَدُّ الْوَعِيدِ فِي الدُّنْيَا وَأَشَدُّ التَّهْوِيلِ فِي الْآخِرَةِ ، ثُمَّ قَالَ
الْقَفَّالُ : فَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يَدْفَعُهُ وَإِنْ كَانَتِ الْآثَارُ غَيْرَ وَارِدَةٍ بِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ الذَّنْبَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالَ : إِنَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْجَالَ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ نَهَاهُ عَنْهُ ؟ وَإِنْ كَانَ لَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ صَدَرَ الذَّنْبُ عَنْهُ ؟ الْجَوَابُ : لَعَلَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْجَالَ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ إِلَى وَقْتِ النَّهْيِ عَنْهُ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَأْذُونًا فِيهِ فِي وَقْتٍ ثُمَّ يَصِيرُ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ ، وَلِهَذَا السَّبَبِ قُلْنَا : يَجُوزُ النَّسْخُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ حِفْظُ التَّنْزِيلِ ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ قَبْلَ فَرَاغِ
جِبْرِيلَ مَخَافَةَ أَنْ لَا يَحْفَظَ ، فَأَنْزَلَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ) أَيْ : بِالْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ وَالْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا الْإِضْمَارُ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ ، كَمَا
[ ص: 198 ] أُضْمِرَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) [ الْقَدْرِ : 1] ، وَنَظِيرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) [ طه : 114] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لِتَعْجَلَ بِهِ ) أَيْ : لِتَعْجَلَ بِأَخْذِهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : كَلِمَةُ " عَلَى " لِلْوُجُوبِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَالْوَاجِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَذَلِكَ الْوُجُوبُ بِحُكْمِ الْوَعْدِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ : فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَعْثَةِ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا كَانَ الْوَحْيُ مَحْفُوظًا مُبَرَّأً عَنِ النِّسْيَانِ ، فَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا نَظَرًا إِلَى الْحِكْمَةِ .