(
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7ويخافون يوما كان شره مستطيرا )
النوع الثاني من أعمال الأبرار التي حكاها الله تعالى عنهم : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) .
[ ص: 215 ] واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30514_30180تمام الطاعة لا يحصل إلا إذا كانت النية مقرونة بالعمل ، فلما حكى عنهم العمل ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يوفون ) حكى عنهم النية ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7ويخافون يوما ) وتحقيقه قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011565إنما الأعمال بالنيات ، وبمجموع هذين الأمرين سماهم الله تعالى بالأبرار ، وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : أحوال القيامة وأهوالها كلها فعل الله ، وكل ما كان فعلا لله فهو يكون حكمة وصوابا ، وما كان كذلك لا يكون شرا ، فكيف وصفها الله تعالى بأنها شر ؟
( الجواب ) : أنها إنما سميت شرا لكونها مضرة بمن تنزل عليه وصعبة عليه ، كما تسمى الأمراض وسائر الأمور المكروهة شرورا .
السؤال الثاني : ما معنى المستطير ؟
( الجواب ) : فيه وجهان :
أحدهما : الذي يكون فاشيا منتشرا بالغا أقصى المبالغ ، وهو من قولهم : استطار الحريق ، واستطار الفجر ، وهو من " طار " بمنزلة استنفر من نفر ، فإن قيل : كيف يمكن أن يقال : شر ذلك اليوم مستطير منتشر ، مع أنه تعالى قال في صفة أوليائه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=103لا يحزنهم الفزع الأكبر ) [ الأنبياء : 103 ] ؟
قلنا : الجواب من وجهين :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30296هول القيامة شديد ، ألا ترى أن السماوات تنشق وتنفطر وتصير كالمهل ، وتتناثر الكواكب ، وتتكور الشمس والقمر ، وتفزع الملائكة ، وتبدل الأرض غير الأرض ، وتنسف الجبال ، وتسجر البحار ، وهذا الهول عام يصل إلى كل المكلفين على ما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ) [ الحج : 2 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17يوما يجعل الولدان شيبا ) إلا أنه تعالى بفضله يؤمن أولياءه من ذلك الفزع .
والجواب الثاني : أن يكون المراد أن شر ذلك اليوم يكون مستطيرا في العصاة والفجار ، وأما المؤمنون فهم آمنون ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=103لا يحزنهم الفزع الأكبر ) [ الأنبياء : 103 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=68لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ) [ الزخرف : 68 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) [ فاطر : 34 ] إلا أن أهل العقاب في غاية الكثرة بالنسبة إلى أهل الثواب ، فأجري الغالب مجرى الكل على سبيل المجاز .
القول الثاني : في تفسير المستطير ؛ أنه الذي يكون سريع الوصول إلى أهله ، وكأن هذا القائل ذهب إلى أن الطيران إسراع .
السؤال الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=34077لم قال : " كان شره مستطيرا " ، ولم يقل : وسيكون شره مستطيرا ؟
( الجواب ) : اللفظ وإن كان للماضي ، إلا أنه بمعنى المستقبل ، وهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=15وكان عهد الله مسئولا ) [ الأحزاب : 15 ] ، ويحتمل أن يكون المراد أنه كان شره مستطيرا في علم الله وفي حكمته ، كأنه تعالى يعتذر ويقول : إيصال هذا الضرر إنما كان لأن الحكمة تقتضيه ؛ وذلك لأن نظام العالم لا يحصل إلا بالوعد والوعيد ، وهما يوجبان الوفاء به ، لاستحالة الكذب في كلامي ، فكأنه تعالى يقول : كان ذلك في الحكمة لازما ، فلهذا السبب فعلته .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا )
النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ أَعْمَالِ الْأَبْرَارِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) .
[ ص: 215 ] وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30514_30180تَمَامَ الطَّاعَةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ مَقْرُونَةً بِالْعَمَلِ ، فَلَمَّا حَكَى عَنْهُمُ الْعَمَلَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يُوفُونَ ) حَكَى عَنْهُمُ النِّيَّةَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7وَيَخَافُونَ يَوْمًا ) وَتَحْقِيقُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011565إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَبِمَجْمُوعِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَبْرَارِ ، وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : أَحْوَالُ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالُهَا كُلُّهَا فِعْلُ اللَّهِ ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِعْلًا لِلَّهِ فَهُوَ يَكُونُ حِكْمَةً وَصَوَابًا ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ شَرًّا ، فَكَيْفَ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهَا شَرٌّ ؟
( الْجَوَابُ ) : أَنَّهَا إِنَّمَا سُمِّيَتْ شَرًّا لِكَوْنِهَا مُضِرَّةً بِمَنْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ وَصَعْبَةً عَلَيْهِ ، كَمَا تُسَمَّى الْأَمْرَاضُ وَسَائِرُ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ شُرُورًا .
السُّؤَالُ الثَّانِي : مَا مَعْنَى الْمُسْتَطِيرِ ؟
( الْجَوَابُ ) : فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : الَّذِي يَكُونُ فَاشِيًا مُنْتَشِرًا بَالِغًا أَقْصَى الْمَبَالِغِ ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ : اسْتَطَارَ الْحَرِيقُ ، وَاسْتَطَارَ الْفَجْرُ ، وَهُوَ مِنْ " طَارَ " بِمَنْزِلَةِ اسْتَنْفَرَ مِنْ نَفَرَ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : شَرُّ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُسْتَطِيرٌ مُنْتَشِرٌ ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي صِفَةِ أَوْلِيَائِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=103لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 103 ] ؟
قُلْنَا : الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30296هَوْلَ الْقِيَامَةِ شَدِيدٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّمَاوَاتِ تَنْشَقُّ وَتَنْفَطِرُ وَتَصِيرُ كَالْمُهْلِ ، وَتَتَنَاثَرُ الْكَوَاكِبُ ، وَتَتَكَوَّرُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، وَتَفْزَعُ الْمَلَائِكَةُ ، وَتُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ، وَتُنْسَفُ الْجِبَالُ ، وَتُسْجَرُ الْبِحَارُ ، وَهَذَا الْهَوْلُ عَامٌّ يَصِلُ إِلَى كُلِّ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) [ الْحَجِّ : 2 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ) إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ يُؤَمِّنُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ ذَلِكَ الْفَزَعِ .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مُسْتَطِيرًا فِي الْعُصَاةِ وَالْفُجَّارِ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَهُمْ آمِنُونَ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=103لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 103 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=68لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) [ الزُّخْرُفِ : 68 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) [ فَاطِرٍ : 34 ] إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِقَابِ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ الثَّوَابِ ، فَأُجْرِيَ الْغَالِبُ مَجْرَى الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : فِي تَفْسِيرِ الْمُسْتَطِيرِ ؛ أَنَّهُ الَّذِي يَكُونُ سَرِيعَ الْوُصُولِ إِلَى أَهْلِهِ ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الطَّيَرَانَ إِسْرَاعٌ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077لِمَ قَالَ : " كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا " ، وَلَمْ يَقُلْ : وَسَيَكُونُ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ؟
( الْجَوَابُ ) : اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ لِلْمَاضِي ، إِلَّا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=15وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ) [ الْأَحْزَابِ : 15 ] ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا فِي عِلْمِ اللَّهِ وَفِي حِكْمَتِهِ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَعْتَذِرُ وَيَقُولُ : إِيصَالُ هَذَا الضَّرَرِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِيهِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ نِظَامَ الْعَالَمِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، وَهُمَا يُوجِبَانِ الْوَفَاءَ بِهِ ، لِاسْتِحَالَةِ الْكَذِبِ فِي كَلَامِي ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : كَانَ ذَلِكَ فِي الْحِكْمَةِ لَازِمًا ، فَلِهَذَا السَّبَبِ فَعَلْتُهُ .