(
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا )
النوع الثالث من أعمال الأبرار قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا )
اعلم أن مجامع الطاعات محصورة في أمرين :
التعظيم لأمر الله تعالى ، وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يوفون بالنذر ) .
[ ص: 216 ] nindex.php?page=treesubj&link=30415_30495_30572والشفقة على خلق الله ، وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون الطعام ) . وههنا مسائل :
المسألة الأولى : لم يذكر أحد من أكابر
المعتزلة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13719كأبي بكر الأصم nindex.php?page=showalam&ids=13980وأبي علي الجبائي وأبي القاسم الكعبي ،
وأبي مسلم الأصفهاني ، والقاضي
عبد الجبار بن أحمد في تفسيرهم أن هذه الآيات نزلت في حق
nindex.php?page=treesubj&link=32366علي بن أبي طالب عليه السلام ،
والواحدي من أصحابنا ذكر في كتاب " البسيط " أنها نزلت في حق
علي عليه السلام ، وصاحب " الكشاف " من
المعتزلة ذكر هذه القصة ، فروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما :
أن الحسن والحسين عليهما السلام مرضا ، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة وفضة - جارية لهما - إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، ووضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صائمين ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، وجاءهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أخذ علي عليه السلام بيد الحسن والحسين ودخلوا على الرسول عليه الصلاة والسلام ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم . وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبريل عليه السلام وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك . فأقرأها السورة .
والأولون يقولون : إنه تعالى ذكر في أول السورة أنه إنما خلق الخلق للابتلاء والامتحان ، ثم بين أنه هدى الكل ، وأزاح عللهم ، ثم بين أنهم انقسموا إلى شاكر وإلى كافر ، ثم ذكر وعيد الكافر ، ثم أتبعه بذكر وعد الشاكر ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=5إن الأبرار يشربون ) [ الإنسان : 5 ] ، وهذه صيغة جمع ، فتتناول جميع الشاكرين والأبرار ، ومثل هذا لا يمكن تخصيصه بالشخص الواحد ؛ لأن نظم السورة من أولها إلى هذا الموضع يقتضي أن يكون هذا بيانا لحال كل من كان من الأبرار والمطيعين ، فلو جعلناه مختصا بشخص واحد لفسد نظم السورة .
والثاني : أن الموصوفين بهذه الصفات مذكورون بصيغة الجمع ؛ كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=5إن الأبرار يشربون ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يوفون بالنذر ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7ويخافون ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون ) وهكذا إلى آخر الآيات ، فتخصيصه بجمع معينين خلاف الظاهر ، ولا ينكر دخول
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام فيه ، ولكنه أيضا داخل في جميع الآيات الدالة على شرح أحوال المطيعين ، فكما أنه داخل فيها فكذا غيره من أتقياء الصحابة والتابعين داخل فيها ، فحينئذ لا يبقى للتخصيص معنى ألبتة ، اللهم إلا أن يقال : السورة نزلت عند صدور طاعة مخصوصة عنه ، ولكنه قد ثبت في أصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
المسألة الثانية : الذين يقولون : هذه الآية مختصة
بعلي بن أبي طالب عليه السلام قالوا : المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) هو ما رويناه أنه عليه السلام أطعم المسكين واليتيم والأسير ، وأما الذين يقولون : الآية عامة في حق جميع الأبرار [ فإنهم ] قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=30572إطعام الطعام كناية عن الإحسان إلى المحتاجين والمواساة معهم بأي وجه كان ، وإن لم يكن ذلك بالطعام بعينه ، ووجه ذلك أن أشرف أنواع الإحسان هو الإحسان بالطعام ؛ وذلك لأن قوام الأبدان بالطعام ، ولا حياة إلا به ، وقد يتوهم إمكان الحياة مع فقد ما سواه ، فلما كان الإحسان لا جرم عبر به عن جميع وجوه المنافع ، والذي يقوي ذلك أنه يعبر بالأكل عن
[ ص: 217 ] جميع وجوه المنافع ، فيقال : أكل فلان ماله إذا أتلفه في سائر وجوه الإتلاف ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ النساء : 10 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) [ البقرة : 188 ] إذا ثبت هذا فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=32468_33626_19441_19440إن الله تعالى وصف هؤلاء الأبرار بأنهم يواسون بأموالهم أهل الضعف والحاجة ، وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8على حبه ) ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكون الضمير للطعام ، أي مع اشتهائه والحاجة إليه ، ونظيره (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وآتى المال على حبه ) [ البقرة : 177 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=92لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) [ آل عمران : 92 ] .
والثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض : على حب الله أي لحبهم لله ؛ واللام قد تقام مقام " على " ، وكذلك تقام على مقام اللام . ثم إنه تعالى ذكر أصناف من تجب مواساتهم ، وهم ثلاثة :
أحدهم :
nindex.php?page=treesubj&link=3140المسكين ، وهو العاجز عن الاكتساب بنفسه .
والثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=19440_19814اليتيم ، وهو الذي مات كاسبه ، فيبقى عاجزا عن الكسب لصغره ، مع أنه مات كاسبه .
والثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=14164الأسير ، وهو المأخوذ من قومه ، المملوكـ[ ـة ] رقبته ، الذي لا يملك لنفسه نصرا ولا حيلة ، وهؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى ههنا هم الذين ذكرهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فلا اقتحم العقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=12وما أدراك ما العقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فك رقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=14أو إطعام في يوم ذي مسغبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=15يتيما ذا مقربة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أو مسكينا ذا متربة ) [ البلد : 16 ] وقد ذكرنا اختلاف الناس في المسكين قبل هذا ، أما الأسير فقد اختلفوا فيه على أقوال :
أحدها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن وقتادة : إنه الأسير من المشركين ، روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يبعث الأسارى من المشركين ليحفظوا وليقام بحقهم ؛ وذلك لأنه يجب إطعامهم إلى أن يرى الإمام رأيه فيهم من قتل أو من أو فداء أو استرقاق ، ولا يمتنع أيضا أن يكون المراد هو الأسير ؛ كافرا كان أو مسلما ؛ لأنه إذا كان مع الكفر يجب إطعامه ، فمع الإسلام أولى ، فإن قيل : لما وجب قتله ، فكيف يجب إطعامه ؟ قلنا : القتل في حال لا يمنع من الإطعام في حال أخرى ، ولا يجب إذا عوقب بوجه أن يعاقب بوجه آخر ، ولذلك لا يحسن فيمن يلزمه القصاص أن يفعل به ما هو دون القتل .
ثم هذا الإطعام على من يجب ؟ فنقول : الإمام يطعمه ، فإن لم يفعله الإمام وجب على المسلمين .
وثانيها : قال
السدي : الأسير هو المملوك .
وثالثها : الأسير هو الغريم ، قال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013901غريمك أسيرك ، فأحسن إلى أسيرك .
ورابعها : الأسير هو المسجون من أهل القبلة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، وروي ذلك مرفوعا من طريق
الخدري أنه عليه السلام قال :
( nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8مسكينا ) فقيرا ، ( nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويتيما ) لا أب له ، ( nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وأسيرا ) قال : المملوك المسجون .
وخامسها : الأسير هو الزوجة ؛ لأنهن أسراء عند الأزواج ، قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013903اتقوا الله في النساء ؛ فإنهن عندكم عوان قال
القفال : واللفظ يحتمل كل ذلك ؛ لأن الأصل في الأسر هو الشد بالقيد ، وكان الأسير يفعل به ذلك حبسا له ، ثم سمي بالأسير من شد ومن لم يشد ، فعاد المعنى إلى الحبس .
واعلم أنه تعالى لما ذكر أن الأبرار يحسنون إلى هؤلاء المحتاجين بين أن لهم فيه غرضين :
أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30180تحصيل رضا الله ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إنما نطعمكم لوجه الله ) .
والثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=30180الاحتراز من خوف يوم القيامة ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) ، وههنا مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إنما نطعمكم لوجه الله ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10قمطريرا ) يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون هؤلاء الأبرار قد قالوا : هذه الأشياء باللسان ، إما لأجل أن يكون ذلك القول منعا لأولئك المحتاجين عن المجازاة بمثله أو بالشكر ؛ لأن إحسانهم مفعول لأجل الله تعالى ، فلا معنى لمكافأة الخلق ، وإما أن يكون
[ ص: 218 ] لأجل أن يصير ذلك القول تفقيها وتنبيها على ما ينبغي أن يكون عليه من أخلص لله حتى يقتدي غيرهم بهم في تلك الطريقة .
وثانيها : أن يكونوا أرادوا أن يكون ذلك .
وثالثها : أن يكون ذلك بيانا وكشفا عن اعتقادهم وصحة نيتهم ، وإن لم يقولوا شيئا . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : أنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله تعالى منهم ، فأثنى عليهم .
المسألة الثانية : اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=18697_18710_18707الإحسان من الغير تارة يكون لأجل الله تعالى ، وتارة يكون لغير الله تعالى ؛ إما طلبا لمكافأة أو طلبا لحمد وثناء ، وتارة يكون لهما ، وهذا هو الشرك ، والأول هو المقبول عند الله تعالى ، وأما القسمان الباقيان فمردودان ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ) [ البقرة : 264 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله ) [ الروم : 39 ] ولا شك أن التماس الشكر من جنس المن والأذى . إذا عرفت هذا فنقول : القوم لما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إنما نطعمكم لوجه الله ) بقي فيه احتمال أنه أطعمه لوجه الله ولسائر الأغراض على سبيل التشريك ، فلا جرم نفى هذا الاحتمال بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) .
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=34077الشكور والكفور مصدران كالشكر والكفر ، وهو على وزن الدخول والخروج ، هذا قول جماعة أهل اللغة ، وقال
الأخفش : إن شئت جعلت الشكور جماعة الشكر وجعلت الكفور جماعة الكفر ؛ لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=99فأبى الظالمون إلا كفورا ) [ الإسراء : 99 ] مثل برد وبرود ، وإن شئت مصدرا واحدا في معنى جمع ، مثل قعد قعودا ، وخرج خروجا .
المسألة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10إنا نخاف من ربنا ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لا لإرادة مكافأتكم .
والثاني : أنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة ، فإن قيل : إنه تعالى حكى عنهم الإيفاء بالنذر ، وعلل ذلك بخوف القيامة فقط ، ولما حكى عنهم الإطعام علل ذلك بأمرين : بطلب رضاء الله ، وبالخوف عن القيامة ، فما السبب فيه ؟ قلنا : الإيفاء بالنذر دخل في حقيقة طلب رضاء الله تعالى ؛ وذلك لأن النذر هو الذي أوجبه الإنسان على نفسه لأجل الله ، فلما كان كذلك لا جرم ضم إليه خوف القيامة فقط ، أما الإطعام فإنه لا يدخل في حقيقة طلب رضا الله ، فلا جرم ضم إليه طلب رضا الله وطلب الحذر من خوف القيامة .
المسألة الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=30296_30339وصف اليوم بالعبوس مجازا على طريقتين :
أحدهما : أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء ، كقولهم : نهارك صائم ، روي أن الكافر يحبس حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران .
والثاني : أن يشبه في شدته وضراوته بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل .
المسألة السادسة : قال
الزجاج : جاء في التفسير أن قمطريرا معناه تعبيس الوجه ، فيجتمع ما بين العينين ، قال : وهذا سائغ في اللغة ، يقال : اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورمت بأنفها ، يعني أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077معنى اقمطر في اللغة جمع ، وقال
الكلبي : قمطريرا يعني شديدا ، وهو قول
الفراء وأبي عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة ، قالوا : يوم قمطرير وقماطر ؛ إذا كان صعبا شديدا أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ، قال
الواحدي : هذا معنى ، والتفسير هو الأول .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا )
النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَعْمَالِ الْأَبْرَارِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا )
اعْلَمْ أَنَّ مَجَامِعَ الطَّاعَاتِ مَحْصُورَةٌ فِي أَمْرَيْنِ :
التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) .
[ ص: 216 ] nindex.php?page=treesubj&link=30415_30495_30572وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ ) . وَهَهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَكَابِرِ
الْمُعْتَزِلَةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13719كَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ nindex.php?page=showalam&ids=13980وَأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ الْكَعْبِيِّ ،
وَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ ، وَالْقَاضِي
عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ فِي تَفْسِيرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي حَقِّ
nindex.php?page=treesubj&link=32366عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ،
وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ " الْبَسِيطِ " أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ
عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَصَاحِبُ " الْكَشَّافِ " مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ ، فَرَوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :
أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مَرِضَا ، فَعَادَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، لَوْ نَذَرْتَ عَلَى وَلَدِكَ ، فَنَذَرَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَفِضَّةُ - جَارِيَةٌ لَهُمَا - إِنْ شَفَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَشُفِيَا وَمَا مَعَهُمْ شَيْءٌ ، فَاسْتَقْرَضَ عَلِيٌّ مِنْ شَمْعُونَ الْخَيْبَرِيِّ الْيَهُودِيِّ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنْ شَعِيرٍ ، فَطَحَنَتْ فَاطِمَةُ صَاعًا وَاخْتَبَزَتْ خَمْسَةَ أَقْرَاصٍ عَلَى عَدَدِهِمْ ، وَوَضَعُوهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِيُفْطِرُوا ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ سَائِلٌ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ ، مِسْكِينٌ مِنْ مَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ ، أَطْعِمُونِي أَطْعَمَكُمُ اللَّهُ مِنْ مَوَائِدِ الْجَنَّةِ ، فَآثَرُوهُ وَبَاتُوا وَلَمْ يَذُوقُوا إِلَّا الْمَاءَ وَأَصْبَحُوا صَائِمِينَ ، فَلَمَّا أَمْسَوْا وَوَضَعُوا الطَّعَامَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ يَتِيمٌ فَآثَرُوهُ ، وَجَاءَهُمْ أَسِيرٌ فِي الثَّالِثَةِ ، فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَخَذَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَدَخَلُوا عَلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ وَهُمْ يَرْتَعِشُونَ كَالْفِرَاخِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ ، قَالَ : مَا أَشَدَّ مَا يَسُوءُنِي مَا أَرَى بِكُمْ . وَقَامَ فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ فَرَأَى فَاطِمَةَ فِي مِحْرَابِهَا قَدِ الْتَصَقَ بَطْنُهَا بِظَهْرِهَا وَغَارَتْ عَيْنَاهَا ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ : خُذْهَا يَا مُحَمَّدُ هَنَّاكَ اللَّهُ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ . فَأَقْرَأَهَا السُّورَةَ .
وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ : إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِلِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ هَدَى الْكُلَّ ، وَأَزَاحَ عِلَلَهُمْ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُمُ انْقَسَمُوا إِلَى شَاكِرٍ وَإِلَى كَافِرٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ وَعِيدَ الْكَافِرِ ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ وَعْدِ الشَّاكِرِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=5إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ ) [ الْإِنْسَانِ : 5 ] ، وَهَذِهِ صِيغَةُ جَمْعٍ ، فَتَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الشَّاكِرِينَ وَالْأَبْرَارِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ بِالشَّخْصِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ نَظْمَ السُّورَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بَيَانًا لِحَالِ كُلِّ مَنْ كَانَ مِنَ الْأَبْرَارِ وَالْمُطِيعِينَ ، فَلَوْ جَعَلْنَاهُ مُخْتَصًّا بِشَخْصٍ وَاحِدٍ لَفَسَدَ نَظْمُ السُّورَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَذْكُورُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ ؛ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=5إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7وَيَخَافُونَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ ) وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ ، فَتَخْصِيصُهُ بِجَمْعٍ مُعَيَّنِينَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلَا يُنْكَرُ دُخُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِ ، وَلَكِنَّهُ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى شَرْحِ أَحْوَالِ الْمُطِيعِينَ ، فَكَمَا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهَا فَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ أَتْقِيَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ دَاخِلٌ فِيهَا ، فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِلتَّخْصِيصِ مَعْنًى أَلْبَتَّةَ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ : السُّورَةُ نَزَلَتْ عِنْدَ صُدُورِ طَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَنْهُ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الَّذِينَ يَقُولُونَ : هَذِهِ الْآيَةُ مُخْتَصَّةٌ
بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالُوا : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) هُوَ مَا رُوِّينَاهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَطْعَمَ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَالْأَسِيرَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ : الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَبْرَارِ [ فَإِنَّهُمْ ] قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=30572إِطْعَامُ الطَّعَامِ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُحْتَاجِينَ وَالْمُوَاسَاةِ مَعَهُمْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ بِعَيْنِهِ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أَشْرَفَ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ هُوَ الْإِحْسَانُ بِالطَّعَامِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قِوَامَ الْأَبْدَانِ بِالطَّعَامِ ، وَلَا حَيَاةَ إِلَّا بِهِ ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ إِمْكَانُ الْحَيَاةِ مَعَ فَقْدِ مَا سِوَاهُ ، فَلَمَّا كَانَ الْإِحْسَانُ لَا جَرَمَ عَبَّرَ بِهِ عَنْ جَمِيعِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ ، وَالَّذِي يُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ يُعَبَّرُ بِالْأَكْلِ عَنْ
[ ص: 217 ] جَمِيعِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ ، فَيُقَالُ : أَكَلَ فُلَانٌ مَالَهُ إِذَا أَتْلَفَهُ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِتْلَافِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ) [ النِّسَاءِ : 10 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) [ الْبَقَرَةِ : 188 ] إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=32468_33626_19441_19440إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارَ بِأَنَّهُمْ يُوَاسُونَ بِأَمْوَالِهِمْ أَهْلَ الضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8عَلَى حُبِّهِ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلطَّعَامِ ، أَيْ مَعَ اشْتِهَائِهِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، وَنَظِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) [ الْبَقَرَةِ : 177 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=92لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 92 ] .
وَالثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ : عَلَى حُبِّ اللَّهِ أَيْ لِحُبِّهِمْ لِلَّهِ ؛ وَاللَّامُ قَدْ تُقَامُ مَقَامَ " عَلَى " ، وَكَذَلِكَ تُقَامُ عَلَى مَقَامِ اللَّامِ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَصْنَافَ مَنْ تَجِبُ مُوَاسَاتُهُمْ ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ :
أَحَدُهُمُ :
nindex.php?page=treesubj&link=3140الْمِسْكِينُ ، وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنِ الِاكْتِسَابِ بِنَفْسِهِ .
وَالثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=19440_19814الْيَتِيمُ ، وَهُوَ الَّذِي مَاتَ كَاسِبُهُ ، فَيَبْقَى عَاجِزًا عَنِ الْكَسْبِ لِصِغَرِهِ ، مَعَ أَنَّهُ مَاتَ كَاسِبُهُ .
وَالثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=14164الْأَسِيرُ ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْمِهِ ، الْمَمْلُوكَـ[ ـةُ ] رَقَبَتُهُ ، الَّذِي لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَصْرًا وَلَا حِيلَةً ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى هَهُنَا هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=12وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فَكُّ رَقَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=14أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=15يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) [ الْبَلَدِ : 16 ] وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي الْمِسْكِينِ قَبْلَ هَذَا ، أَمَّا الْأَسِيرُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ : إِنَّهُ الْأَسِيرُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَبْعَثُ الْأَسَارَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِيُحْفَظُوا وَلِيُقَامَ بِحَقِّهِمْ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجِبُ إِطْعَامُهُمْ إِلَى أَنْ يَرَى الْإِمَامُ رَأْيَهُ فِيهِمْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ مِنْ أَوْ فِدَاءٍ أَوِ اسْتِرْقَاقٍ ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْأَسِيرَ ؛ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَ الْكُفْرِ يَجِبُ إِطْعَامُهُ ، فَمَعَ الْإِسْلَامِ أَوْلَى ، فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا وَجَبَ قَتْلُهُ ، فَكَيْفَ يَجِبُ إِطْعَامُهُ ؟ قُلْنَا : الْقَتْلُ فِي حَالٍ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِطْعَامِ فِي حَالٍ أُخْرَى ، وَلَا يَجِبُ إِذَا عُوقِبَ بِوَجْهٍ أَنْ يُعَاقَبَ بِوَجْهٍ آخَرَ ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْسُنُ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مَا هُوَ دُونَ الْقَتْلِ .
ثُمَّ هَذَا الْإِطْعَامُ عَلَى مَنْ يَجِبُ ؟ فَنَقُولُ : الْإِمَامُ يُطْعِمُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
السُّدِّيُّ : الْأَسِيرُ هُوَ الْمَمْلُوكُ .
وَثَالِثُهَا : الْأَسِيرُ هُوَ الْغَرِيمُ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013901غَرِيمُكَ أَسِيرُكَ ، فَأَحْسِنْ إِلَى أَسِيرِكَ .
وَرَابِعُهَا : الْأَسِيرُ هُوَ الْمَسْجُونُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ
الْخِدْرِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ :
( nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8مِسْكِينًا ) فَقِيرًا ، ( nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيَتِيمًا ) لَا أَبَ لَهُ ، ( nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَأَسِيرًا ) قَالَ : الْمَمْلُوكُ الْمَسْجُونُ .
وَخَامِسُهَا : الْأَسِيرُ هُوَ الزَّوْجَةُ ؛ لِأَنَّهُنَّ أُسَرَاءُ عِنْدَ الْأَزْوَاجِ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013903اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ قَالَ
الْقَفَّالُ : وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُ كُلَّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَسْرِ هُوَ الشَّدُّ بِالْقَيْدِ ، وَكَانَ الْأَسِيرُ يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ حَبْسًا لَهُ ، ثُمَّ سُمِّيَ بِالْأَسِيرِ مَنْ شُدَّ وَمَنْ لَمْ يُشَدَّ ، فَعَادَ الْمَعْنَى إِلَى الْحَبْسِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْأَبْرَارَ يُحْسِنُونَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُحْتَاجِينَ بَيَّنَ أَنَّ لَهُمْ فِيهِ غَرَضَيْنِ :
أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30180تَحْصِيلُ رِضَا اللَّهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ) .
وَالثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=30180الِاحْتِرَازُ مِنْ خَوْفِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) ، وَهَهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10قَمْطَرِيرًا ) يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارُ قَدْ قَالُوا : هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِاللِّسَانِ ، إِمَّا لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مَنْعًا لِأُولَئِكَ الْمُحْتَاجِينَ عَنِ الْمُجَازَاةِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِالشُّكْرِ ؛ لِأَنَّ إِحْسَانَهُمْ مَفْعُولٌ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَا مَعْنَى لِمُكَافَأَةِ الْخَلْقِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
[ ص: 218 ] لِأَجْلِ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْقَوْلُ تَفْقِيهًا وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ حَتَّى يَقْتَدِيَ غَيْرُهُمْ بِهِمْ فِي تِلْكَ الطَّرِيقَةِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا وَكَشْفًا عَنِ اعْتِقَادِهِمْ وَصِحَّةِ نِيَّتِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ : أَنَّهُمْ مَا تَكَلَّمُوا بِهِ وَلَكِنْ عَلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18697_18710_18707الْإِحْسَانَ مِنَ الْغَيْرِ تَارَةً يَكُونُ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَارَةً يَكُونُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ إِمَّا طَلَبًا لِمُكَافَأَةٍ أَوْ طَلَبًا لِحَمْدٍ وَثَنَاءٍ ، وَتَارَةً يَكُونُ لَهُمَا ، وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْبَاقِيَانِ فَمَرْدُودَانِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ) [ الْبَقَرَةِ : 264 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ) [ الرُّومِ : 39 ] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْتِمَاسَ الشُّكْرِ مِنْ جِنْسِ الْمَنِّ وَالْأَذَى . إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْقَوْمُ لَمَّا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ) بَقِيَ فِيهِ احْتِمَالُ أَنَّهُ أَطْعَمَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِسَائِرِ الْأَغْرَاضِ عَلَى سَبِيلِ التَّشْرِيكِ ، فَلَا جَرَمَ نَفَى هَذَا الِاحْتِمَالَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077الشُّكُورُ وَالْكُفُورُ مَصْدَرَانِ كَالشُّكْرِ وَالْكُفْرِ ، وَهُوَ عَلَى وَزْنِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ ، هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الشُّكُورَ جَمَاعَةَ الشُّكْرِ وَجَعَلْتَ الْكُفُورَ جَمَاعَةَ الْكُفْرِ ؛ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=99فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 99 ] مِثْلَ بُرْدٍ وَبُرُودٍ ، وَإِنْ شِئْتَ مَصْدَرًا وَاحِدًا فِي مَعْنَى جَمْعٍ ، مِثْلُ قَعَدَ قُعُودًا ، وَخَرَجَ خُرُوجًا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=10إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ إِحْسَانَنَا إِلَيْكُمْ لِلْخَوْفِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا لِإِرَادَةِ مُكَافَأَتِكُمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّا لَا نُرِيدُ مِنْكُمُ الْمُكَافَأَةَ لِخَوْفِ عِقَابِ اللَّهِ عَلَى طَلَبِ الْمُكَافَأَةِ بِالصَّدَقَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمُ الْإِيفَاءَ بِالنَّذْرِ ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِخَوْفِ الْقِيَامَةِ فَقَطْ ، وَلَمَّا حَكَى عَنْهُمُ الْإِطْعَامَ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ : بِطَلَبِ رِضَاءِ اللَّهِ ، وَبِالْخَوْفِ عَنِ الْقِيَامَةِ ، فَمَا السَّبَبُ فِيهِ ؟ قُلْنَا : الْإِيفَاءُ بِالنَّذْرِ دَخَلَ فِي حَقِيقَةِ طَلَبِ رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّذْرَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ اللَّهِ ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ لَا جَرَمَ ضَمَّ إِلَيْهِ خَوْفَ الْقِيَامَةِ فَقَطْ ، أَمَّا الْإِطْعَامُ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي حَقِيقَةِ طَلَبِ رِضَا اللَّهِ ، فَلَا جَرَمَ ضَمَّ إِلَيْهِ طَلَبَ رِضَا اللَّهِ وَطَلَبَ الْحَذَرِ مِنْ خَوْفِ الْقِيَامَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30296_30339وَصَفَ الْيَوْمَ بِالْعُبُوسِ مَجَازًا عَلَى طَرِيقَتَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُوصَفَ بِصِفَةِ أَهْلِهِ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ ، كَقَوْلِهِمْ : نَهَارُكَ صَائِمٌ ، رُوِيَ أَنَّ الْكَافِرَ يُحْبَسُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ عَرَقٌ مِثْلُ الْقَطِرَانِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يُشَبَّهَ فِي شِدَّتِهِ وَضَرَاوَتِهِ بِالْأَسَدِ الْعَبُوسِ أَوْ بِالشُّجَاعِ الْبَاسِلِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَالَ
الزَّجَّاجَ : جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ قَمْطَرِيرًا مَعْنَاهُ تَعْبِيسُ الْوَجْهِ ، فَيَجْتَمِعُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ ، قَالَ : وَهَذَا سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ ، يُقَالُ : اقْمَطَرَّتِ النَّاقَةُ إِذَا رَفَعَتْ ذَنَبَهَا وَجَمَعَتْ قُطْرَيْهَا وَرَمَتْ بِأَنْفِهَا ، يَعْنِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077مَعْنَى اقْمَطَرَّ فِي اللُّغَةِ جَمَعَ ، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : قَمْطَرِيرًا يَعْنِي شَدِيدًا ، وَهُوَ قَوْلُ
الْفَرَّاءِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدِ nindex.php?page=showalam&ids=13436وَابْنِ قُتَيْبَةَ ، قَالُوا : يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَقُمَاطِرٌ ؛ إِذَا كَانَ صَعْبًا شَدِيدًا أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَيَّامِ وَأَطْوَلَهُ فِي الْبَلَاءِ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : هَذَا مَعْنًى ، وَالتَّفْسِيرُ هُوَ الْأَوَّلُ .