(
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=25ألم نجعل الأرض كفاتا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أحياء وأمواتا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=28ويل يومئذ للمكذبين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=25ألم نجعل الأرض كفاتا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أحياء وأمواتا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=28ويل يومئذ للمكذبين )
اعلم أن هذا هو النوع الرابع من تخويف الكفار ، وذلك لأنه ذكرهم بالنعم التي له عليهم في الأنفس ، وفي هذه الآية ذكرهم بالنعم التي له عليهم في الآفاق ، ثم قال في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=28ويل يومئذ للمكذبين ) ، والسبب فيه ما قدمنا أن النعم كلما كانت أكثر كانت الجناية أقبح ، فكان استحقاق الذم عاجلا والعقاب آجلا أشد ، وإنما قدم تلك الآية على هذه الآية ؛ لأن النعم التي في الأنفس كالأصل للنعم التي في الآفاق ، فإنه لولا الحياة والسمع والبصر والأعضاء السليمة لما كان الانتفاع بشيء من المخلوق ممكنا .
واعلم أنه تعالى ذكر ههنا ثلاثة أشياء :
أولها : الأرض ، وإنما قدمها لأن أقرب الأشياء إلينا من الأمور الخارجية هو الأرض ، ومعنى الكفات في اللغة الضم والجمع ، يقال : كفت الشيء أي ضممته ، ويقال : جراب كفيت وكفت إذا كان لا يضيع شيئا مما يجعل فيه ، ويقال للقدر : كفت . قال صاحب الكشاف : هو اسم ما يكفت ، كقولهم : الضمام والجماع لما يضم ويجمع ، ويقال : هذا الباب جماع الأبواب ، وتقول : شددت الشيء ، ثم تسمي الخيط الذي تشدد به الشيء شدادا ، وبه انتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أحياء وأمواتا ) كأنه قيل : كافتة أحياء وأمواتا ، أو بفعل مضمر يدل عليه ، وهو نكفت ، ويكون المعنى نكفتكم أحياء وأمواتا ، فينصبان على الحال من الضمير ، هذا هو اللغة ، ثم في المعنى وجوه :
أحدها : أنها تكفت أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها ، والمعنى أن الأحياء يسكنون في منازلهم والأموات يدفنون في قبورهم ، ولهذا كانوا يسمون الأرض أما ؛ لأنها في ضمها للناس كالأم التي تضم ولدها وتكفله ، ولما كانوا يضمون إليها ، جعلت كأنها تضمهم .
وثانيها : أنها كفات الأحياء ، بمعنى أنها تكفت ما ينفصل عن الأحياء من الأمور المستقذرة ، فأما أنها تكفت [ الأحياء ] حال كونهم على ظهرها فلا .
وثالثها : أنها كفات الأحياء بمعنى أنها جامعة لما يحتاج الإنسان إليه في حاجاته من مأكل ومشرب ؛ لأن كل ذلك يخرج من الأرض ، والأبنية الجامعة للمصالح الدافعة للمضار مبنية منها .
ورابعها : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أحياء وأمواتا ) معناه راجع إلى الأرض ، والحي ما أنبت ، والميت ما لم ينبت . بقي في الآية سؤالان :
الأول : لم قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أحياء وأمواتا ) على التنكير ، وهي كفات الأحياء والأموات جميعا ؟ الجواب : هو من
[ ص: 242 ] تنكير التفخيم ، كأنه قيل : تكفت أحياء لا يعدون ، وأمواتا لا يحصرون .
السؤال الثاني : هل تدل هذه الآية على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=10196_10242قطع النباش ؟ الجواب : نقل
القفال أن
ربيعة قال : دلت الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=10175_10176الأرض كفات الميت فتكون حرزا له ، والسارق من الحرز يجب عليه القطع .
النوع الثاني من النعم المذكورة في هذه الآية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وجعلنا فيها رواسي شامخات ) ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27رواسي ) أي : ثوابت على ظهر الأرض لا تزول ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27شامخات ) أي عاليات ، وكل عال فهو شامخ ، ويقال للمتكبر : شامخ بأنفه . ومنافع خلقة الجبال قد تقدمت في هذا الكتاب .
النوع الثالث من النعم : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وأسقيناكم ماء فراتا ) ، الفرات هو الغاية في العذوبة ، وقد تقدم تفسيره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=53هذا عذب فرات ) [ الفرقان : 53 ] .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=25أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=28وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=25أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=28وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ تَخْوِيفِ الْكُفَّارِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ بِالنِّعَمِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَنْفُسِ ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَّرَهُمْ بِالنِّعَمِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِمْ فِي الْآفَاقِ ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=28وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) ، وَالسَّبَبُ فِيهِ مَا قَدَّمْنَا أَنَّ النِّعَمَ كُلَّمَا كَانَتْ أَكْثَرَ كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَقْبَحَ ، فَكَانَ اسْتِحْقَاقُ الذَّمِّ عَاجِلًا وَالْعِقَابِ آجِلًا أَشَدَّ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ تِلْكَ الْآيَةَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ النِّعَمَ الَّتِي فِي الْأَنْفُسِ كَالْأَصْلِ لِلنِّعَمِ الَّتِي فِي الْآفَاقِ ، فَإِنَّهُ لَوْلَا الْحَيَاةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْأَعْضَاءُ السَّلِيمَةُ لَمَا كَانَ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقِ مُمْكِنًا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَهُنَا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ :
أَوَّلُهَا : الْأَرْضُ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا لِأَنَّ أَقْرَبَ الْأَشْيَاءِ إِلَيْنَا مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ هُوَ الْأَرْضُ ، وَمَعْنَى الْكِفَاتِ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ ، يُقَالُ : كَفَتُّ الشَّيْءَ أَيْ ضَمَمْتُهُ ، وَيُقَالُ : جِرَابٌ كَفِيتٌ وَكِفْتٌ إِذَا كَانَ لَا يُضَيِّعُ شَيْئًا مِمَّا يُجْعَلُ فِيهِ ، وَيُقَالُ لِلْقِدْرِ : كِفْتٌ . قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : هُوَ اسْمُ مَا يَكْفِتُ ، كَقَوْلِهِمْ : الضِّمَامُ وَالْجِمَاعُ لِمَا يَضُمُّ وَيَجْمَعُ ، وَيُقَالُ : هَذَا الْبَابُ جِمَاعُ الْأَبْوَابِ ، وَتَقُولُ : شَدَدْتُ الشَّيْءَ ، ثُمَّ تُسَمِّي الْخَيْطَ الَّذِي تَشْدُدُ بِهِ الشَّيْءَ شِدَادًا ، وَبِهِ انْتَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) كَأَنَّهُ قِيلَ : كَافِتَةً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ، أَوْ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ نَكْفِتُ ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى نَكْفِتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ، فَيُنْصَبَانِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ ، هَذَا هُوَ اللُّغَةُ ، ثُمَّ فِي الْمَعْنَى وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهَا تَكْفِتُ أَحْيَاءً عَلَى ظَهْرِهَا وَأَمْوَاتًا فِي بَطْنِهَا ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَحْيَاءَ يَسْكُنُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَالْأَمْوَاتَ يُدْفَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ ، وَلِهَذَا كَانُوا يُسَمُّونَ الْأَرْضَ أُمًّا ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمِّهَا لِلنَّاسِ كَالْأُمِّ الَّتِي تَضُمُّ وَلَدَهَا وَتَكْفُلُهُ ، وَلَمَّا كَانُوا يُضَمُّونَ إِلَيْهَا ، جُعِلَتْ كَأَنَّهَا تَضُمُّهُمْ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهَا كِفَاتُ الْأَحْيَاءِ ، بِمَعْنَى أَنَّهَا تَكْفِتُ مَا يَنْفَصِلُ عَنِ الْأَحْيَاءِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْذَرَةِ ، فَأَمَّا أَنَّهَا تَكْفِتُ [ الْأَحْيَاءَ ] حَالَ كَوْنِهِمْ عَلَى ظَهْرِهَا فَلَا .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهَا كِفَاتُ الْأَحْيَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِمَا يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إِلَيْهِ فِي حَاجَاتِهِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ ، وَالْأَبْنِيَةُ الْجَامِعَةُ لِلْمَصَالِحِ الدَّافِعَةُ لِلْمَضَارِّ مَبْنِيَّةٌ مِنْهَا .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) مَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَرْضِ ، وَالْحَيُّ مَا أُنْبِتَ ، وَالْمَيِّتُ مَا لَمْ يُنْبَتْ . بَقِيَ فِي الْآيَةِ سُؤَالَانِ :
الْأَوَّلُ : لِمَ قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) عَلَى التَّنْكِيرِ ، وَهِيَ كِفَاتُ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ جَمِيعًا ؟ الْجَوَابُ : هُوَ مِنْ
[ ص: 242 ] تَنْكِيرِ التَّفْخِيمِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : تَكْفِتُ أَحْيَاءً لَا يُعَدُّونَ ، وَأَمْوَاتًا لَا يُحْصَرُونَ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : هَلْ تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=10196_10242قَطْعِ النَّبَّاشِ ؟ الْجَوَابُ : نَقَلَ
الْقَفَّالُ أَنَّ
رَبِيعَةَ قَالَ : دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10175_10176الْأَرْضَ كِفَاتُ الْمَيِّتِ فَتَكُونُ حِرْزًا لَهُ ، وَالسَّارِقُ مِنَ الْحِرْزِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ .
النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ النِّعَمِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ) ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27رَوَاسِيَ ) أَيْ : ثَوَابِتَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَا تَزُولُ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27شَامِخَاتٍ ) أَيْ عَالِيَاتٍ ، وَكُلُّ عَالٍ فَهُوَ شَامِخٌ ، وَيُقَالُ لِلْمُتَكَبِّرِ : شَامِخٌ بِأَنْفِهِ . وَمَنَافِعُ خِلْقَةِ الْجِبَالِ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي هَذَا الْكِتَابِ .
النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ النِّعَمِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ) ، الْفُرَاتُ هُوَ الْغَايَةُ فِي الْعُذُوبَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=53هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ) [ الْفُرْقَانِ : 53 ] .