(
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=46كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=47ويل يومئذ للمكذبين nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=48وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=49ويل يومئذ للمكذبين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=46كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=47ويل يومئذ للمكذبين )
اعلم أن هذا هو النوع التاسع من أنواع تخويف الكفار ، كأنه تعالى يقول للكافر حال كونه في الدنيا : إنك إنما عرضت نفسك لهذه الآفات التي وصفناها ، ولهذه المحن التي شرحناها لأجل حبك للدنيا ورغبتك في طيباتها وشهواتها ، إلا أن هذه الطيبات قليلة بالنسبة إلى تلك الآفات العظيمة ، والمشتغل بتحصيلها يجري مجرى لقمة واحدة من الحلواء ، وفيها السم المهلك ، فإنه يقال لمن يريد أكلها ولا يتركها بسبب نصيحة
[ ص: 250 ] الناصحين وتذكير المذكرين : كل هذا ، وويل لك منه بعد هذا ، فإنك من الهالكين بسببه ، وهذا وإن كان في اللفظ أمرا إلا أنه في المعنى نهي بليغ ، وزجر عظيم ، ومنع في غاية المبالغة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=48وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=49ويل يومئذ للمكذبين )
اعلم أن هذا هو النوع العاشر من أنواع تخويف الكفار ، كأنه قيل لهم : هب أنكم تحبون الدنيا ولذاتها ، ولكن لا تعرضوا بالكلية عن خدمة خالقكم ، بل تواضعوا له ، فإنكم إن آمنتم ثم ضممتم إليه طلب اللذات وأنواع المعاصي حصل لكم رجاء الخلاص عن عذاب جهنم والفوز بالثواب ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ثم إن هؤلاء الكفار لا يفعلون ذلك ولا ينقادون لطاعته ، ويبقون مصرين على جهلهم وكفرهم وتعريضهم أنفسهم للعقاب العظيم ، فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=49ويل يومئذ للمكذبين ) أي الويل لمن يكذب هؤلاء الأنبياء الذين يرشدونهم إلى هذه المصالح الجامعة بين خيرات الدنيا والآخرة . وههنا مسائل :
المسألة الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=48وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) المراد به الصلاة ، وهذا ظاهر ؛ لأن الركوع من أركانها ، فبين تعالى أن هؤلاء الكفار من صفتهم أنهم إذا دعوا إلى الصلاة لا يصلون ، وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=20710_20709الكفار مخاطبون بفروع الشرائع ، وأنهم حال كفرهم كما يستحقون الذم والعقاب بترك الإيمان ، فكذلك يستحقون الذم والعقاب بترك الصلاة ؛ لأن الله تعالى ذمهم حال كفرهم على ترك الصلاة ، وقال قوم آخرون : المراد بالركوع الخضوع والخشوع لله تعالى ، وأن لا يعبد سواه .
المسألة الثانية : القائلون بأن الأمر للوجوب استدلوا بهذه الآية ؛ لأنه تعالى ذمهم بمجرد ترك المأمور به ، وهذا يدل على أن مجرد الأمر للوجوب ، فإن قيل : إنهم كفار ، فلكفرهم ذمهم . قلنا : إنه تعالى ذمهم على كفرهم من وجوه كثيرة ، إلا أنه تعالى إنما ذمهم في هذه الآية لأنهم تركوا المأمور به ، فعلمنا أن ترك المأمور به غير جائز .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=46كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=47وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=48وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=49وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=46كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=47وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ التَّاسِعُ مِنْ أَنْوَاعِ تَخْوِيفِ الْكُفَّارِ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لِلْكَافِرِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الدُّنْيَا : إِنَّكَ إِنَّمَا عَرَّضْتَ نَفْسَكَ لِهَذِهِ الْآفَاتِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا ، وَلِهَذِهِ الْمِحَنِ الَّتِي شَرَحْنَاهَا لِأَجْلِ حُبِّكَ لِلدُّنْيَا وَرَغْبَتِكَ فِي طَيِّبَاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا ، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الطَّيِّبَاتِ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الْآفَاتِ الْعَظِيمَةِ ، وَالْمُشْتَغِلُ بِتَحْصِيلِهَا يَجْرِي مَجْرَى لُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَلْوَاءِ ، وَفِيهَا السُّمُّ الْمُهْلِكُ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ يُرِيدُ أَكْلَهَا وَلَا يَتْرُكُهَا بِسَبَبِ نَصِيحَةِ
[ ص: 250 ] النَّاصِحِينَ وَتَذْكِيرِ الْمُذَكِّرِينَ : كُلْ هَذَا ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنْهُ بَعْدَ هَذَا ، فَإِنَّكَ مِنَ الْهَالِكِينَ بِسَبَبِهِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ أَمْرًا إِلَّا أَنَّهُ فِي الْمَعْنَى نَهْيٌ بَلِيغٌ ، وَزَجْرٌ عَظِيمٌ ، وَمَنْعٌ فِي غَايَةِ الْمُبَالَغَةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=48وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=49وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الْعَاشِرُ مِنْ أَنْوَاعِ تَخْوِيفِ الْكُفَّارِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : هَبْ أَنَّكُمْ تُحِبُّونَ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ، وَلَكِنْ لَا تُعْرِضُوا بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ خِدْمَةِ خَالِقِكُمْ ، بَلْ تَوَاضَعُوا لَهُ ، فَإِنَّكُمْ إِنْ آمَنْتُمْ ثُمَّ ضَمَمْتُمْ إِلَيْهِ طَلَبَ اللَّذَّاتِ وَأَنْوَاعِ الْمَعَاصِي حَصَلَ لَكُمْ رَجَاءُ الْخَلَاصِ عَنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَالْفَوْزِ بِالثَّوَابِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَا يَنْقَادُونَ لِطَاعَتِهِ ، وَيَبْقَوْنَ مُصِرِّينَ عَلَى جَهْلِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَتَعْرِيضِهِمْ أَنْفُسَهُمْ لِلْعِقَابِ الْعَظِيمِ ، فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=49وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) أَيِ الْوَيْلُ لِمَنْ يُكَذِّبُ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ يُرْشِدُونَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْمَصَالِحِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَهَهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=48وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ) الْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مِنْ أَرْكَانِهَا ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ مِنْ صِفَتِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا دُعُوا إِلَى الصَّلَاةِ لَا يُصَلُّونَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20710_20709الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ ، وَأَنَّهُمْ حَالَ كَفْرِهِمْ كَمَا يَسْتَحِقُّونَ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ ، فَكَذَلِكَ يَسْتَحِقُّونَ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّهُمْ حَالَ كَفْرِهِمْ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَقَالَ قَوْمٌ آخَرُونَ : الْمُرَادُ بِالرُّكُوعِ الْخُضُوعُ وَالْخُشُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَأَنْ لَا يُعْبَدَ سِوَاهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّهُمْ بِمُجَرَّدِ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُمْ كُفَّارٌ ، فَلِكُفْرِهِمْ ذَمَّهُمْ . قُلْنَا : إِنَّهُ تَعَالَى ذَمَّهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَمَّهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْمَأْمُورَ بِهِ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ غَيْرُ جَائِزٍ .