(
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إنا أنذرناكم عذابا قريبا nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذلك اليوم الحق ) ذلك إشارة إلى تقدم ذكره ، وفي وصف اليوم بأنه حق وجوه :
( أحدها ) أنه يحصل فيه كل الحق، ويندمغ كل باطل، فلما كان كاملا في هذا المعنى قيل إنه حق، كما يقال : فلان خير كله إذا وصف بأن فيه خيرا كثيرا، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذلك اليوم الحق ) يفيد أنه هو اليوم الحق وما عداه باطل؛ لأن أيام الدنيا باطلها أكثر من حقها .
( وثانيها ) : أن الحق هو الثابت الكائن، وبهذا المعنى يقال إن الله حق، أي هو ثابت لا يجوز عليه الفناء، ويوم القيامة كذلك فيكون حقا .
( وثالثها ) : أن ذلك اليوم هو اليوم الذي يستحق أن يقال له : يوم؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30339_28766_30296فيه تبلى السرائر وتنكشف الضمائر، وأما أيام الدنيا فأحوال الخلق فيها مكتومة، والأحوال فيها غير معلومة .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ) أي : مرجعا،
والمعتزلة احتجوا به على الاختيار والمشيئة، وأصحابنا رووا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : المراد فمن شاء الله به خيرا هداه حتى يتخذ إلى ربه مآبا .
ثم إنه تعالى زاد في
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30539تخويف الكفار فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إنا أنذرناكم عذابا قريبا ) يعني العذاب في الآخرة، وكل ما هو آت قريب، و[ هو ] كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=46كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) وإنما سماه
[ ص: 24 ] إنذارا؛ لأنه تعالى بهذا الوصف قد خوف منه نهاية التخويف، وهو معنى الإنذار .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ( ما ) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40ما قدمت يداه ) فيه وجهان :
( الأول ) أنها استفهامية منصوبة بـ : ( قدمت )، أي ينظر أي شيء قدمت يداه .
( الثاني ) أن تكون بمعنى الذي وتكون منصوبة بـ " ينظر " والتقدير : ينظر إلى الذي قدمت يداه، إلا أن على هذا التقدير حصل فيه حذفان :
( أحدهما ) أنه لم يقل قدمته، بل قال : ( قدمت ) فحذف الضمير الراجع .
( الثاني ) أنه لم يقل : ينظر إلى ما قدمت، بل قال : ينظر ما قدمت، يقال : نظرته بمعنى نظرت إليه .
المسألة الثانية : في الآية ثلاثة أقوال :
( الأول ) وهو الأظهر أن المرء عام في كل أحد؛ لأن المكلف إن كان قدم عمل المتقين، فليس له إلا الثواب العظيم، وإن كان قدم عمل الكافرين، فليس له إلا العقاب الذي وصفه الله تعالى ، فلا رجاء لمن ورد القيامة من المكلفين في أمر سوى هذين ، فهذا هو المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) فطوبى له إن قدم عمل الأبرار، وويل له إن قدم عمل الفجار .
( والقول الثاني ) وهو قول
عطاء : أن المرء هاهنا هو الكافر؛ لأن المؤمن كما ينظر إلى ما قدمت يداه، فكذلك ينظر إلى عفو الله ورحمته، وأما الكافر الذي لا يرى إلا العذاب، فهو لا يرى إلا ما قدمت يداه؛ لأن ما وصل إليه من العقاب ليس إلا من شؤم معاملته .
( والقول الثالث ) وهو قول
الحسن وقتادة : أن المرء هاهنا هو المؤمن، واحتجوا عليه بوجهين :
( الأول ) أنه تعالى قال بعد هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ) فلما كان هذا بيانا لحال الكافر، وجب أن يكون الأول بيانا لحال المؤمن .
( والثاني ) وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=28686_28685_20002المؤمن لما قدم الخير والشر فهو من الله تعالى على خوف ورجاء، فينتظر كيف يحدث الحال، أما الكافر فإنه قاطع بالعقاب، فلا يكون له انتظار أنه كيف يحدث الأمر، فإن مع القطع لا يحصل الانتظار .
المسألة الثالثة : القائلون بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30531_29468_30503_30525_29494الخير يوجب الثواب والشر يوجب العقاب تمسكوا بهذه الآية، فقالوا : لولا أن الأمر كذلك، وإلا لم يكن نظر الرجل في الثواب والعقاب على عمله بل على شيء آخر . ( والجواب عنه ) أن العمل يوجب الثواب والعقاب، لكن بحكم الوعد والجعل لا بحكم الذات .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ) ففيه وجوه :
( أحدها ) أن
nindex.php?page=treesubj&link=30362_30356_28766يوم القيامة ينظر المرء أي شيء قدمت يداه، أما المؤمن فإنه يجد الإيمان والعفو عن سائر المعاصي على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [النساء : 48] وأما الكافر فلا يتوقع العفو على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ) فعند ذلك يقول الكافر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40ياليتني كنت ترابا ) أي لم يكن حيا مكلفا .
( وثانيها ) أنه كان قبل البعث ترابا، فالمعنى على هذا : يا ليتني لم أبعث للحساب، وبقيت كما كنت ترابا، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=27ياليتها كانت القاضية ) [الحاقة : 27] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ) [النساء : 42] .
( وثالثها ) أن
nindex.php?page=treesubj&link=30364_30363البهائم تحشر فيقتص للجماء من القرناء ثم يقال لها بعد المحاسبة : " كوني ترابا " فيتمنى الكافر عند ذلك أن يكون هو مثل تلك البهائم في أن يصير ترابا ويتخلص من عذاب الله، وأنكر بعض
المعتزلة ذلك وقال : إنه تعالى إذا أعادها فهي بين معوض وبين متفضل عليه، وإذا كان كذلك لم يجز أن يقطعها عن المنافع؛ لأن ذلك كالإضرار بها، ولا يجوز ذلك في الآخرة، ثم إن هؤلاء قالوا : إن هذه الحيوانات إذا انتهت مدة
[ ص: 25 ] أعواضها جعل الله كل ما كان منها حسن الصورة ثوابا لأهل الجنة، وما كان قبيح الصورة عقابا لأهل النار، قال
القاضي : ولا يمتنع أيضا إذا وفر الله أعواضها وهي غير كاملة العقل أن يزيل الله حياتها على وجه لا يحصل لها شعور بالألم، فلا يكون ذلك ضررا . ( ورابعها ) ما ذكره بعض
الصوفية، فقال : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40ياليتني كنت ترابا ) معناه يا ليتني كنت متواضعا في طاعة الله ولم أكن متكبرا متمردا . ( وخامسها ) الكافر إبليس يرى آدم وولده وثوابهم، فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ص : 76] . والله أعلم بمراده وأسرار كتابه، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ) ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ ، وَفِي وَصْفِ الْيَوْمِ بِأَنَّهُ حَقٌّ وُجُوهٌ :
( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ كُلُّ الْحَقِّ، وَيَنْدَمِغُ كُلُّ بَاطِلٍ، فَلَمَّا كَانَ كَامِلًا فِي هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ إِنَّهُ حَقٌّ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ خَيْرٌ كُلُّهُ إِذَا وُصِفَ بِأَنَّ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ) يُفِيدُ أَنَّهُ هُوَ الْيَوْمُ الْحَقُّ وَمَا عَدَاهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الدُّنْيَا بَاطِلُهَا أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهَا .
( وَثَانِيهَا ) : أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الثَّابِتُ الْكَائِنُ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُقَالُ إِنَّ اللَّهَ حَقٌّ، أَيْ هُوَ ثَابِتٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ، وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ حَقًّا .
( وَثَالِثُهَا ) : أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ : يَوْمٌ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30339_28766_30296فِيهِ تُبْلَى السَّرَائِرُ وَتَنْكَشِفُ الضَّمَائِرُ، وَأَمَّا أَيَّامُ الدُّنْيَا فَأَحْوَالُ الْخَلْقِ فِيهَا مَكْتُومَةٌ، وَالْأَحْوَالُ فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ) أَيْ : مَرْجِعًا،
وَالْمُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِهِ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَالْمَشِيئَةِ، وَأَصْحَابُنَا رَوَوْا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : الْمُرَادُ فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا هَدَاهُ حَتَّى يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى زَادَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30539تَخْوِيفِ الْكُفَّارِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ) يَعْنِي الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَ[ هُوَ ] كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=46كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) وَإِنَّمَا سَمَّاهُ
[ ص: 24 ] إِنْذَارًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْوَصْفِ قَدْ خَوَّفَ مِنْهُ نِهَايَةَ التَّخْوِيفِ، وَهُوَ مَعْنَى الْإِنْذَارِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ( مَا ) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
( الْأَوَّلُ ) أَنَّهَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مَنْصُوبَةٌ بِـ : ( قَدَّمَتْ )، أَيْ يَنْظُرُ أَيَّ شَيْءٍ قَدَّمَتْ يَدَاهُ .
( الثَّانِي ) أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي وَتَكُونَ مَنْصُوبَةً بِـ " يَنْظُرُ " وَالتَّقْدِيرُ : يَنْظُرُ إِلَى الَّذِي قَدَّمَتْ يَدَاهُ، إِلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ حَصَلَ فِيهِ حَذْفَانِ :
( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَدَّمَتْهُ، بَلْ قَالَ : ( قَدَّمَتْ ) فَحَذَفَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ .
( الثَّانِي ) أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : يَنْظُرُ إِلَى مَا قَدَّمَتْ، بَلْ قَالَ : يَنْظُرُ مَا قَدَّمَتْ، يُقَالُ : نَظَرْتُهُ بِمَعْنَى نَظَرْتُ إِلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
( الْأَوَّلُ ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْءَ عَامٌّ فِي كُلِّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إِنْ كَانَ قَدَّمَ عَمَلَ الْمُتَّقِينَ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الثَّوَابُ الْعَظِيمُ، وَإِنْ كَانَ قَدَّمَ عَمَلَ الْكَافِرِينَ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْعِقَابُ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَلَا رَجَاءَ لِمَنْ وَرَدَ الْقِيَامَةَ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ فِي أَمْرٍ سِوَى هَذَيْنِ ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) فَطُوبَى لَهُ إِنْ قَدَّمَ عَمَلَ الْأَبْرَارِ، وَوَيْلٌ لَهُ إِنْ قَدَّمَ عَمَلَ الْفُجَّارِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) وَهُوَ قَوْلُ
عَطَاءٍ : أَنَّ الْمَرْءَ هَاهُنَا هُوَ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ كَمَا يَنْظُرُ إِلَى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، فَكَذَلِكَ يَنْظُرُ إِلَى عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ الَّذِي لَا يَرَى إِلَّا الْعَذَابَ، فَهُوَ لَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ؛ لِأَنَّ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْعِقَابِ لَيْسَ إِلَّا مِنْ شُؤْمِ مُعَامَلَتِهِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ : أَنَّ الْمَرْءَ هَاهُنَا هُوَ الْمُؤْمِنُ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ :
( الْأَوَّلُ ) أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ) فَلَمَّا كَانَ هَذَا بَيَانًا لِحَالِ الْكَافِرِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بَيَانًا لِحَالِ الْمُؤْمِنِ .
( وَالثَّانِي ) وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28686_28685_20002الْمُؤْمِنَ لَمَّا قَدَّمَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَوْفٍ وَرَجَاءٍ، فَيَنْتَظِرُ كَيْفَ يَحْدُثُ الْحَالُ، أَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ بِالْعِقَابِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ انْتِظَارٌ أَنَّهُ كَيْفَ يَحْدُثُ الْأَمْرُ، فَإِنَّ مَعَ الْقَطْعِ لَا يَحْصُلُ الِانْتِظَارُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْقَائِلُونَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30531_29468_30503_30525_29494الْخَيْرَ يُوجِبُ الثَّوَابَ وَالشَّرَّ يُوجِبُ الْعِقَابَ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالُوا : لَوْلَا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ نَظَرُ الرَّجُلِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى عَمَلِهِ بَلْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ . ( وَالْجَوَابُ عَنْهُ ) أَنَّ الْعَمَلَ يُوجِبُ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، لَكِنْ بِحُكْمِ الْوَعْدِ وَالْجَعْلِ لَا بِحُكْمِ الذَّاتِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ) فَفِيهِ وُجُوهٌ :
( أَحَدُهَا ) أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30362_30356_28766يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَنْظُرُ الْمَرْءُ أَيَّ شَيْءٍ قَدَّمَتْ يَدَاهُ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّهُ يَجِدُ الْإِيمَانَ وَالْعَفْوَ عَنْ سَائِرِ الْمَعَاصِي عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [النِّسَاءِ : 48] وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَتَوَقَّعُ الْعَفْوَ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ) أَيْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا مُكَلَّفًا .
( وَثَانِيهَا ) أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثِ تُرَابًا، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : يَا لَيْتَنِي لَمْ أُبْعَثْ لِلْحِسَابِ، وَبَقِيتُ كَمَا كُنْتُ تُرَابًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=27يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ) [الْحَاقَّةِ : 27] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ) [النِّسَاءِ : 42] .
( وَثَالِثُهَا ) أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30364_30363الْبَهَائِمَ تُحْشَرُ فَيُقْتَصُّ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ ثُمَّ يُقَالُ لَهَا بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ : " كُونِي تُرَابًا " فَيَتَمَنَّى الْكَافِرُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مِثْلَ تِلْكَ الْبَهَائِمِ فِي أَنْ يَصِيرَ تُرَابًا وَيَتَخَلَّصَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَأَنْكَرَ بَعْضُ
الْمُعْتَزِلَةِ ذَلِكَ وَقَالَ : إِنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَعَادَهَا فَهِيَ بَيْنَ مُعَوَّضٍ وَبَيْنَ مُتَفَضَّلٍ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْطَعَهَا عَنِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْإِضْرَارِ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَالُوا : إِنَّ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ إِذَا انْتَهَتْ مُدَّةُ
[ ص: 25 ] أَعْوَاضِهَا جَعَلَ اللَّهُ كُلَّ مَا كَانَ مِنْهَا حَسَنَ الصُّورَةِ ثَوَابًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَا كَانَ قَبِيحَ الصُّورَةِ عِقَابًا لِأَهْلِ النَّارِ، قَالَ
الْقَاضِي : وَلَا يَمْتَنِعُ أَيْضًا إِذَا وَفَّرَ اللَّهُ أَعْوَاضَهَا وَهِيَ غَيْرُ كَامِلَةِ الْعَقْلِ أَنْ يُزِيلَ اللَّهُ حَيَاتَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ لَهَا شُعُورٌ بِالْأَلَمِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ضَرَرًا . ( وَرَابِعُهَا ) مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ
الصُّوفِيَّةِ، فَقَالَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ) مَعْنَاهُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مُتَوَاضِعًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَلَمْ أَكُنْ مُتَكَبِّرًا مُتَمَرِّدًا . ( وَخَامِسُهَا ) الْكَافِرُ إِبْلِيسُ يَرَى آدَمَ وَوَلَدَهُ وَثَوَابَهُمْ، فَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ الشَّيْءَ الَّذِي احْتَقَرَهُ حِينَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) [ص : 76] . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَأَسْرَارِ كِتَابِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ .