(
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29052_33062_31762فلا أقسم بالخنس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الجوار الكنس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17والليل إذا عسعس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18والصبح إذا تنفس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش مكين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع ثم أمين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وما صاحبكم بمجنون nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23ولقد رآه بالأفق المبين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=24وما هو على الغيب بضنين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=25وما هو بقول شيطان رجيم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=26فأين تذهبون nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=27إن هو إلا ذكر للعالمين )
[ ص: 66 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فلا أقسم بالخنس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الجواري الكنس ) الكلام في قوله : ( لا أقسم ) قد تقدم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة ) [ القيامة : 1 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15بالخنس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الجواري الكنس ) فيه قولان : الأول : وهو المشهور ، الظاهرة أنها النجوم الخنس جمع خانس ، والخنوس والانقباض والاستخفاء ، تقول: خنس من بين القوم وانخنس ، وفي الحديث
" الشيطان يوسوس إلى العبد فإذا ذكر الله خنس " أي انقبض ولذلك سمي الخناس و( الكنس ) جمع كانس وكانسة ، يقال : كنس إذا دخل الكناس وهو مقر الوحش يقال كنس الظباء في كنسها ، وتكنست المرأة إذا دخلت هودجها تشبه بالظبي إذا دخل الكناس .
ثم اختلفوا في خنوس النجوم وكنوسها على ثلاثة أوجه .
فالقول الأظهر : أن ذلك إشارة إلى رجوع الكواكب الخمسة السيارة واستقامتها ، فرجوعها هو الخنوس ، وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس ، ولا شك أن هذه حالة عجيبة وفيها أسرار عظيمة باهرة .
القول الثاني : ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عليه السلام وعطاء ومقاتل وقتادة أنها هي جميع الكواكب , وخنوسها عبارة عن غيبوبتها عن البصر في النهار ، وكنوسها عبارة عن ظهورها للبصر في الليل أي تظهر في أماكنها كالوحش في كنسها .
والقول الثالث : أن السبعة السيارة تختلف مطالعها ومغاربها على ما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40برب المشارق والمغارب ) [ المعارج : 40 ] ولا شك أن فيها مطلعا واحدا ومغربا واحدا هما أقرب المطالع والمغارب إلى سمت رءوسنا ، ثم إنها تأخذ في التباعد من ذلك المطلع إلى سائر المطالع طول السنة ، ثم ترجع إليه فخنوسها عبارة عن تباعدها عن ذلك المطلع ، وكنوسها عبارة عن عودها إليه ، فهذا محتمل فعلى القول الأول يكون القسم واقعا بالخمسة المتحيرة ، وعلى القول الثاني يكون القسم واقعا بجميع الكواكب وعلى هذا الاحتمال الذي ذكرته يكون القسم واقعا بالسبعة السيارة ، والله أعلم بمراده .
والقول الثاني : أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15بالخنس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الجواري الكنس ) وهو قول
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي أنها بقر الوحش ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : هي الظباء ، وعلى هذا الخنس من الخنس في الأنف وهو تقعير في الأنف فإن البقر والظباء أنوفها على هذه الصفة ( الكنس ) جمع كانس وهي التي تدخل الكناس والقول هو الأول ، والدليل عليه أمران :
الأول : أنه قال بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17والليل إذا عسعس ) وهذا بالنجوم أليق منه ببقر الوحش .
الثاني : أن محل قسم الله كلما كان أعظم وأعلى رتبة كان أولى ، ولا شك أن الكواكب أعلى رتبة من بقر الوحش .
الثالث : أن ( الخنس ) جمع خانس من الخنوس ، وأما جمع خنساء وأخنس من الخنس خنس بالسكون والتخفيف ، ولا يقال : الخنس فيه بالتشديد إلا أن يجعل الخنس في الوحشية أيضا من الخنوس وهو اختفاؤها في الكناس إذا غابت عن الأعين .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=31755_33062_29052والليل إذا عسعس ) ذكر أهل اللغة أن عسعس من الأضداد ، يقال : عسعس الليل إذا أقبل ، وعسعس إذا أدبر ، وأنشدوا في ورودها بمعنى أدبر قول
العجاج :
حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
وأنشد
أبو عبيدة في معنى أقبل :
[ ص: 67 ] مدرجات الليل لما عسعسا
ثم منهم من قال : المراد هاهنا أقبل الليل ، لأن على هذا التقدير يكون القسم واقعا بإقبال الليل وهو قوله : ( إذا عسعس ) وبإدباره أيضا وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18والصبح إذا تنفس ) ومنهم من قال : بل المراد " أدبر " وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18والصبح إذا تنفس ) أي امتد ضوءه وتكامل فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17والليل إذا عسعس ) إشارة إلى أول طلوع الصبح ، وهو مثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=33والليل إذ أدبر nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=34والصبح إذا أسفر ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18والصبح إذا تنفس ) إشارة إلى تكامل طلوع الصبح فلا يكون فيه تكرار .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18والصبح إذا تنفس ) أي إذا أسفر كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=34والصبح إذا أسفر ) ثم في كيفية المجاز قولان :
أحدهما : أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم ، فجعل ذلك نفسا له على المجاز ، وقيل تنفس الصبح .
والثاني : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28914شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي جلس بحيث لا يتحرك ، واجتمع الحزن في قلبه ، فإذا تنفس وجد راحة . فهاهنا لما طلع الصبح فكأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة لطيفة .
واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم ) وفيه قولان :
الأول : وهو المشهور أن المراد أن
nindex.php?page=treesubj&link=29752_28859القرآن نزل به جبريل .
فإن قيل : هاهنا إشكال قوي وهو أنه حلف أنه قول
جبريل ، فوجب علينا أن نصدقه في ذلك ، فإن لم نقطع بوجوب حمل اللفظ على الظاهر ، فلا أقل من الاحتمال ، وإذا كان الأمر كذلك ثبت أن هذا القرآن يحتمل أن يكون كلام
جبريل لا كلام الله ، وبتقدير أن يكون كلام
جبريل يخرج عن كونه معجزا ، لاحتمال أن
جبريل ألقاه إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الإضلال ، ولا يمكن أن يجاب عنه بأن
جبريل معصوم لا يفعل الإضلال ، لأن العلم بعصمة
جبريل مستفاد من صدق النبي ، وصدق النبي مفرع على كون القرآن معجزا ، وكون القرآن معجزا يتفرع على عصمة
جبريل ، فيلزم الدور وهو محال . والجواب : الذين قالوا : بأن القرآن إنما كان معجزا للصرفة ، إنما ذهبوا إلى ذلك المذهب فرارا من هذا السؤال ؛ لأن الإعجاز على ذلك القول ليس في الفصاحة ، بل في سلب تلك العلوم والدواعي عن القلوب ، وذلك مما لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى .
القول الثاني : أن هذا الذي أخبركم به
محمد من أمر الساعة على ما ذكر في هذه السورة ليس بكهانة ولا ظن ولا افتعال ، إنما هو قول
جبريل أتاه به وحيا من عند الله تعالى ، واعلم أنه تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=29753وصف جبريل هاهنا بصفات ست .
أولها : أنه رسول ولا شك أنه رسول الله إلى الأنبياء فهو رسول وجميع الأنبياء أمته ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) [ النحل : 2 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك ) [ الشعراء : 193 ] .
وثانيها : أنه كريم ، ومن كرمه أنه يعطي أفضل العطايا ، وهو المعرفة والهداية والإرشاد .
[ ص: 68 ] وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة ) ثم منهم من حمله على الشدة ، روي
أنه - عليه الصلاة والسلام - قال لجبريل : " ذكر الله قوتك ، فماذا بلغت ؟ قال رفعت قريات قوم لوط الأربع على قوادم جناحي حتى إذا سمع أهل السماء نباح الكلاب وأصوات الدجاج قلبتها " وذكر
مقاتل أن شيطانا يقال له الأبيض صاحب الأنبياء قصد أن يفتن النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعه
جبريل دفعة رقيقة وقع بها من
مكة إلى أقصى
الهند ، ومنهم من حمله على القوة في أداء طاعة الله وترك الإخلال بها من أول الخلق إلى آخر زمان التكليف ، وعلى القوة في معرفة الله وفي مطالعة جلال الله .
ورابعها : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عند ذي العرش مكين ) وهذه العندية ليست عندية المكان ، مثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=19ومن عنده لا يستكبرون ) [ الأنبياء : 19 ] وليست عندية الجهة بدليل قوله
" أنا عند المنكسرة قلوبهم " بل عندية الإكرام والتشريف والتعظيم . وأما ( مكين ) فقال
الكسائي : يقال قد مكن فلان عند فلان بضم الكاف مكنا ومكانة ، فعلى هذا المكين هو ذو الجاه الذي يعطي ما يسأل .
وخامسها : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع ثم ) اعلم أن قوله : ( ثم ) إشارة إلى الظرف المذكور ، أعني (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عند ذي العرش ) والمعنى أنه عند الله مطاع في ملائكته المقربين يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه ، وقرئ " ثم " تعظيما للأمانة وبيانا لأنها أفضل صفاته المعدودة .
وسادسها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21أمين ) أي هو أمين على وحي الله ورسالاته ، قد عصمه الله من الخيانة والزلل .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وما صاحبكم بمجنون ) واحتج بهذه الآية من
nindex.php?page=treesubj&link=29761فضل جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنك إذا وازنت بين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش مكين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع ثم أمين ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=28751_28753_30173_29052_29284وما صاحبكم بمجنون ) ظهر التفاوت العظيم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23ولقد رآه بالأفق المبين ) يعني حيث تطلع الشمس في قول الجميع ، وهذا مفسر في سورة النجم (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=24وما هو على الغيب بضنين ) أي وما
محمد على الغيب بظنين والغيب هاهنا القرآن وما فيه من الأنباء والقصص والظنين المتهم يقال : ظننت زيدا في معنى اتهمته ، وليس من الظن الذي يتعدى إلى مفعولين ، والمعنى ما
محمد على القرآن بمتهم أي هو ثقة فيما يؤدي عن الله ، ومن قرأ بالضاد فهو من البخل يقال ضننت به أضن أي بخلت ، والمعنى ليس ببخيل فيما أنزل الله ، قال
الفراء : يأتيه غيب السماء ، وهو شيء نفيس فلا يبخل به عليكم ، وقال
أبو علي الفارسي : المعنى أنه يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلوانا ، واختار
أبو عبيدة القراءة الأولى لوجهين :
أحدهما : أن الكفار لم يبخلوه ، وإنما اتهموه فنفي التهمة أولى من نفي البخل .
وثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=24على الغيب ) ولو كان المراد البخل لقال بالغيب لأنه يقال : فلان ضنين بكذا وقلما يقال على كذا .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=25وما هو بقول شيطان رجيم )
nindex.php?page=treesubj&link=30617كان أهل مكة يقولون : إن هذا القرآن يجيء به شيطان فيلقيه على لسانه ، فنفى الله ذلك ، فإن قيل القول بصحة النبوة موقوف على نفي هذا الاحتمال ، فكيف يمكن نفي هذا الاحتمال بالدليل السمعي ؟ قلنا : بينا أن على القول بالصرفة لا تتوقف صحة النبوة على نفي هذا الاحتمال ، فلا جرم يمكن نفي هذا الاحتمال بالدليل السمعي .
[ ص: 69 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=26فأين تذهبون ) وهذا استضلال لهم يقال لتارك الجادة اعتسافا : أين تذهب ؟ مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل ، والمعنى أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم ، قال
الفراء : العرب تقول إلى أين تذهب وأين تذهب ، وتقول ذهبت الشام وانطلقت السوق ، واحتج أهل الاعتزال بهذه الآية ووجهه ظاهر .
ثم بين أن القرآن ما هو ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=27إن هو إلا ذكر للعالمين ) أي هو بيان وهداية للخلق أجمعين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29052_33062_31762فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الْجَوَارِ الْكُنَّسِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=24وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=25وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=26فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=27إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ )
[ ص: 66 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ : ( لَا أُقْسِمُ ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) [ الْقِيَامَةِ : 1 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15بِالْخُنَّسِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) فِيهِ قَوْلَانِ : الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، الظَّاهِرَةُ أَنَّهَا النُّجُومُ الْخُنَّسُ جَمْعُ خَانِسٍ ، وَالْخُنُوسُ وَالِانْقِبَاضُ وَالِاسْتِخْفَاءُ ، تَقُولُ: خَنَسَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ وَانْخَنَسَ ، وَفِي الْحَدِيثِ
" الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ إِلَى الْعَبْدِ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ " أَيِ انْقَبَضَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْخَنَّاسَ وَ( الْكُنَّسِ ) جَمْعُ كَانِسٍ وَكَانِسَةٍ ، يُقَالُ : كَنَسَ إِذَا دَخَلَ الْكِنَاسَ وَهُوَ مَقَرُّ الْوَحْشِ يُقَالُ كَنَسَ الظِّبَاءُ فِي كُنُسِهَا ، وَتَكَنَّسَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا دَخَلَتْ هَوْدَجَهَا تَشَبَّهُ بِالظَّبْيِ إِذَا دَخَلَ الْكِنَاسُ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي خُنُوسِ النُّجُومِ وَكُنُوسِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ .
فَالْقَوْلُ الْأَظْهَرُ : أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى رُجُوعِ الْكَوَاكِبِ الْخَمْسَةِ السَّيَّارَةِ وَاسْتِقَامَتِهَا ، فَرُجُوعُهَا هُوَ الْخُنُوسُ ، وَكُنُوسُهَا اخْتِفَاؤُهَا تَحْتَ ضَوْءِ الشَّمْسِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ عَجِيبَةٌ وَفِيهَا أَسْرَارٌ عَظِيمَةٌ بَاهِرَةٌ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَطَاءٍ وَمُقَاتِلٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهَا هِيَ جَمِيعُ الْكَوَاكِبِ , وَخُنُوسُهَا عِبَارَةٌ عَنْ غَيْبُوبَتِهَا عَنِ الْبَصَرِ فِي النَّهَارِ ، وَكُنُوسُهَا عِبَارَةٌ عَنْ ظُهُورِهَا لِلْبَصَرِ فِي اللَّيْلِ أَيْ تَظْهَرُ فِي أَمَاكِنِهَا كَالْوَحْشِ فِي كُنُسِهَا .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ تَخْتَلِفُ مَطَالِعُهَا وَمَغَارِبُهَا عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ) [ الْمَعَارِجِ : 40 ] وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهَا مَطْلَعًا وَاحِدًا وَمَغْرِبًا وَاحِدًا هُمَا أَقْرَبُ الْمَطَالِعِ وَالْمَغَارِبِ إِلَى سَمْتِ رُءُوسِنَا ، ثُمَّ إِنَّهَا تَأْخُذُ فِي التَّبَاعُدِ مِنْ ذَلِكَ الْمَطْلَعِ إِلَى سَائِرِ الْمَطَالِعِ طُولَ السَّنَةِ ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَخُنُوسُهَا عِبَارَةٌ عَنْ تَبَاعُدِهَا عَنْ ذَلِكَ الْمَطْلَعِ ، وَكُنُوسُهَا عِبَارَةٌ عَنْ عَوْدِهَا إِلَيْهِ ، فَهَذَا مُحْتَمَلٌ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْقَسَمُ وَاقِعًا بِالْخَمْسَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَكُونُ الْقَسَمُ وَاقِعًا بِجَمِيعِ الْكَوَاكِبِ وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ يَكُونُ الْقَسَمُ وَاقِعًا بِالسَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15بِالْخُنَّسِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ) وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهَا بَقَرُ الْوَحْشِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : هِيَ الظِّبَاءُ ، وَعَلَى هَذَا الْخَنَسُ مِنَ الْخَنَسِ فِي الْأَنْفِ وَهُوَ تَقْعِيرٌ فِي الْأَنْفِ فَإِنَّ الْبَقَرَ وَالظِّبَاءَ أُنُوفُهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ( الْكُنَّسِ ) جَمْعُ كَانِسٍ وَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُ الْكِنَاسَ وَالْقَوْلُ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) وَهَذَا بِالنُّجُومِ أَلْيَقُ مِنْهُ بِبَقَرِ الْوَحْشِ .
الثَّانِي : أَنَّ مَحَلَّ قَسَمِ اللَّهِ كُلَّمَا كَانَ أَعْظَمَ وَأَعْلَى رُتْبَةً كَانَ أَوْلَى ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَوَاكِبَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ .
الثَّالِثُ : أَنْ ( الْخُنَّسِ ) جَمْعُ خَانِسٍ مِنَ الْخُنُوسِ ، وَأَمَّا جَمْعُ خَنْسَاءَ وَأَخْنَسَ مِنَ الْخَنَسِ خُنْسَ بِالسُّكُونِ وَالتَّخْفِيفِ ، وَلَا يُقَالُ : الْخُنَّسُ فِيهِ بِالتَّشْدِيدِ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ الْخُنَّسَ فِي الْوَحْشِيَّةِ أَيْضًا مِنَ الْخُنُوسِ وَهُوَ اخْتِفَاؤُهَا فِي الْكِنَاسِ إِذَا غَابَتْ عَنِ الْأَعْيُنِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=31755_33062_29052وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ عَسْعَسَ مِنَ الْأَضْدَادِ ، يُقَالُ : عَسْعَسَ اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ ، وَعَسْعَسَ إِذَا أَدْبَرَ ، وَأَنْشَدُوا فِي وُرُودِهَا بِمَعْنَى أَدْبَرَ قَوْلَ
الْعَجَّاجِ :
حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ لَهَا تَنَفَّسَا وَانْجَابَ عَنْهَا لَيْلُهَا وَعَسْعَسَا
وَأَنْشَدَ
أَبُو عُبَيْدَةَ فِي مَعْنَى أَقْبَلَ :
[ ص: 67 ] مُدَرَّجَاتُ اللَّيْلِ لَمَّا عَسْعَسَا
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْمُرَادُ هَاهُنَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْقَسَمُ وَاقِعًا بِإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ : ( إِذَا عَسْعَسَ ) وَبِإِدْبَارِهِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلِ الْمُرَادُ " أَدْبَرَ " وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) أَيِ امْتَدَّ ضَوْءُهُ وَتَكَامَلَ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=17وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَوَّلِ طُلُوعِ الصُّبْحِ ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=33وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=34وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ) ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) إِشَارَةٌ إِلَى تَكَامُلِ طُلُوعِ الصُّبْحِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَكْرَارٌ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=18وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) أَيْ إِذَا أَسْفَرَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=34وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ) ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَجَازِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إِذَا أَقْبَلَ الصُّبْحُ أَقْبَلَ بِإِقْبَالِهِ رَوْحٌ وَنَسِيمٌ ، فَجَعَلَ ذَلِكَ نَفَسًا لَهُ عَلَى الْمَجَازِ ، وَقِيلَ تَنَفَّسَ الصُّبْحُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28914شَبَّهَ اللَّيْلَ الْمُظْلِمَ بِالْمَكْرُوبِ الْمَحْزُونِ الَّذِي جَلَسَ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ ، وَاجْتَمَعَ الْحُزْنُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِذَا تَنَفَّسَ وَجَدَ رَاحَةً . فَهَاهُنَا لَمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ فَكَأَنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْ ذَلِكَ الْحُزْنِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّنَفُّسِ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لَطِيفَةٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْمُقْسَمَ بِهِ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29752_28859الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ .
فَإِنْ قِيلَ : هَاهُنَا إِشْكَالٌ قَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ قَوْلُ
جِبْرِيلَ ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّقَهُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ نَقْطَعْ بِوُجُوبِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الظَّاهِرِ ، فَلَا أَقَلَّ مِنَ الِاحْتِمَالِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ
جِبْرِيلَ لَا كَلَامَ اللَّهِ ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ
جِبْرِيلَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْجِزًا ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ
جِبْرِيلَ أَلْقَاهُ إِلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ الْإِضْلَالِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ
جِبْرِيلَ مَعْصُومٌ لَا يَفْعَلُ الْإِضْلَالَ ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِعِصْمَةِ
جِبْرِيلَ مُسْتَفَادٌ مِنْ صِدْقِ النَّبِيِّ ، وَصِدْقَ النَّبِيِّ مُفَرَّعٌ عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ مُعْجِزًا ، وَكَوْنَ الْقُرْآنِ مُعْجِزًا يَتَفَرَّعُ عَلَى عِصْمَةِ
جِبْرِيلَ ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ وَهُوَ مُحَالٌ . وَالْجَوَابُ : الَّذِينَ قَالُوا : بِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا كَانَ مُعْجِزًا لِلصِّرْفَةِ ، إِنَّمَا ذَهَبُوا إِلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ فِرَارًا مِنْ هَذَا السُّؤَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْجَازَ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ لَيْسَ فِي الْفَصَاحَةِ ، بَلْ فِي سَلْبِ تِلْكَ الْعُلُومِ وَالدَّوَاعِي عَنِ الْقُلُوبِ ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرَكُمْ بِهِ
مُحَمَّدٌ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لَيْسَ بِكَهَانَةٍ وَلَا ظَنٍّ وَلَا افْتِعَالٍ ، إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ
جِبْرِيلَ أَتَاهُ بِهِ وَحْيًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=29753وَصَفَ جِبْرِيلَ هَاهُنَا بِصِفَاتٍ سِتٍّ .
أَوَّلُهَا : أَنَّهُ رَسُولٌ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ رَسُولٌ وَجَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ أُمَّتُهُ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) [ النَّحْلِ : 2 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 193 ] .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ كَرِيمٌ ، وَمِنْ كَرَمِهِ أَنَّهُ يُعْطِي أَفْضَلَ الْعَطَايَا ، وَهُوَ الْمَعْرِفَةُ وَالْهِدَايَةُ وَالْإِرْشَادُ .
[ ص: 68 ] وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ ) ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الشِّدَّةِ ، رُوِيَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِجِبْرِيلَ : " ذَكَرَ اللَّهُ قُوَّتَكَ ، فَمَاذَا بَلَغْتَ ؟ قَالَ رَفَعْتُ قُرَيَّاتِ قَوْمِ لُوطٍ الْأَرْبَعَ عَلَى قَوَادِمِ جَنَاحِي حَتَّى إِذَا سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ الْكِلَابِ وَأَصْوَاتَ الدَّجَاجِ قَلَبْتُهَا " وَذَكَرَ
مُقَاتِلٌ أَنَّ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ الْأَبْيَضُ صَاحِبُ الْأَنْبِيَاءِ قَصَدَ أَنْ يَفْتِنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَفَعَهُ
جِبْرِيلُ دَفْعَةً رَقِيقَةً وَقَعَ بِهَا مِنْ
مَكَّةَ إِلَى أَقْصَى
الْهِنْدِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْقُوَّةِ فِي أَدَاءِ طَاعَةِ اللَّهِ وَتَرْكِ الْإِخْلَالِ بِهَا مِنْ أَوَّلِ الْخَلْقِ إِلَى آخِرِ زَمَانِ التَّكْلِيفِ ، وَعَلَى الْقُوَّةِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَفِي مُطَالَعَةِ جَلَالِ اللَّهِ .
وَرَابِعُهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) وَهَذِهِ الْعِنْدِيَّةُ لَيْسَتْ عِنْدِيَّةَ الْمَكَانِ ، مِثْلَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=19وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 19 ] وَلَيْسَتْ عِنْدِيَّةُ الْجِهَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
" أَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ " بَلْ عِنْدِيَّةُ الْإِكْرَامِ وَالتَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ . وَأَمَّا ( مَكِينٌ ) فَقَالَ
الْكِسَائِيُّ : يُقَالُ قَدْ مَكُنَ فُلَانٌ عِنْدَ فُلَانٍ بِضَمِّ الْكَافِ مَكْنًا وَمَكَانَةً ، فَعَلَى هَذَا الْمَكِينُ هُوَ ذُو الْجَاهِ الَّذِي يُعْطِي مَا يُسْأَلُ .
وَخَامِسُهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ ثَمَّ ) اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : ( ثَّمَ ) إِشَارَةٌ إِلَى الظَّرْفِ الْمَذْكُورِ ، أَعْنِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ مُطَاعٌ فِي مَلَائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ يُصْدِرُونَ عَنْ أَمْرِهِ وَيَرْجِعُونَ إِلَى رَأْيِهِ ، وَقُرِئَ " ثُمَّ " تَعْظِيمًا لِلْأَمَانَةِ وَبَيَانًا لِأَنَّهَا أَفْضَلُ صِفَاتِهِ الْمَعْدُودَةِ .
وَسَادِسُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21أَمِينٍ ) أَيْ هُوَ أَمِينٌ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ، قَدْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَالزَّلَلِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29761فَضَّلَ جِبْرِيلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنَّكَ إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=28751_28753_30173_29052_29284وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) ظَهَرَ التَّفَاوُتُ الْعَظِيمُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) يَعْنِي حَيْثُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ ، وَهَذَا مُفَسَّرٌ فِي سُورَةِ النَّجْمِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=24وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) أَيْ وَمَا
مُحَمَّدٌ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ وَالْغَيْبُ هَاهُنَا الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَنْبَاءِ وَالْقَصَصِ وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ يُقَالُ : ظَنَنْتُ زَيْدًا فِي مَعْنَى اتَّهَمْتُهُ ، وَلَيْسَ مِنَ الظَّنِّ الَّذِي يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، وَالْمَعْنَى مَا
مُحَمَّدٌ عَلَى الْقُرْآنِ بِمُتَّهَمٍ أَيْ هُوَ ثِقَةٌ فِيمَا يُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ ، وَمَنْ قَرَأَ بِالضَّادِ فَهُوَ مِنَ الْبُخْلِ يُقَالُ ضَنَنْتُ بِهِ أَضِنُّ أَيْ بَخِلْتُ ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ بِبَخِيلٍ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، قَالَ
الْفَرَّاءُ : يَأْتِيهِ غَيْبُ السَّمَاءِ ، وَهُوَ شَيْءٌ نَفِيسٌ فَلَا يَبْخَلُ بِهِ عَلَيْكُمْ ، وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : الْمَعْنَى أَنَّهُ يُخْبَرُ بِالْغَيْبِ فَيُبَيِّنُهُ وَلَا يَكْتُمُهُ كَمَا يَكْتُمُ الْكَاهِنُ ذَلِكَ وَيَمْتَنِعُ مِنْ إِعْلَامِهِ حَتَّى يَأْخُذَ عَلَيْهِ حُلْوَانًا ، وَاخْتَارَ
أَبُو عُبَيْدَةَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يُبَخِّلُوهُ ، وَإِنَّمَا اتَّهَمُوهُ فَنَفْيُ التُّهْمَةِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِ الْبُخْلِ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=24عَلَى الْغَيْبِ ) وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْبُخْلَ لَقَالَ بِالْغَيْبِ لِأَنَّهُ يُقَالُ : فُلَانٌ ضَنِينٌ بِكَذَا وَقَلَّمَا يُقَالُ عَلَى كَذَا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=25وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ )
nindex.php?page=treesubj&link=30617كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَ : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَجِيءُ بِهِ شَيْطَانٌ فَيُلْقِيهِ عَلَى لِسَانِهِ ، فَنَفَى اللَّهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ النُّبُوَّةِ مَوْقُوفٌ عَلَى نَفْيِ هَذَا الِاحْتِمَالِ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ نَفْيُ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ ؟ قُلْنَا : بَيَّنَّا أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّرْفَةِ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ النُّبُوَّةِ عَلَى نَفْيِ هَذَا الِاحْتِمَالِ ، فَلَا جَرَمَ يُمْكِنُ نَفْيُ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ .
[ ص: 69 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=26فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) وَهَذَا اسْتِضْلَالٌ لَهُمْ يُقَالُ لِتَارِكِ الْجَادَّةِ اعْتِسَافًا : أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ مُثِّلَتْ حَالُهُمْ بِحَالِهِ فِي تَرْكِهِمُ الْحَقَّ وَعُدُولِهِمْ عَنْهُ إِلَى الْبَاطِلِ ، وَالْمَعْنَى أَيُّ طَرِيقٍ تَسْلُكُونَ أَبَيْنُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ ، قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْعَرَبُ تَقُولُ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ وَأَيْنَ تَذْهَبُ ، وَتَقُولُ ذَهَبْتُ الشَّامَ وَانْطَلَقْتُ السُّوقَ ، وَاحْتَجَّ أَهْلُ الِاعْتِزَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ .
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَا هُوَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=27إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) أَيْ هُوَ بَيَانٌ وَهِدَايَةٌ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ .