(
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10وإن عليكم لحافظين nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=11كراما كاتبين nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=12يعلمون ما تفعلون )
النوع الثاني : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=29053_29655_29747وإن عليكم لحافظين nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=11كراما كاتبين nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=12يعلمون ما تفعلون ) .
والمعنى التعجب من حالهم ، كأنه سبحانه قال : إنكم تكذبون بيوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء ، وملائكة الله موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17عن اليمين وعن الشمال قعيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 18 ، 17 ] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ) [ الأنعام : 61 ] ثم هاهنا مباحث :
الأول : من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه :
أحدها : أن هؤلاء الملائكة ، إما أن يكونوا مركبين من الأجسام اللطيفة كالهواء والنسيم والنار ، أو من الأجسام الغليظة ، فإن كان الأول لزم أن
[ ص: 76 ] تنتقض بنيتهم بأدنى سبب من هبوب الرياح الشديدة وإمرار اليد والكم والسوط في الهواء ، وإن كان الثاني وجب أن نراهم إذ لو جاز أن يكونوا حاضرين ولا نراهم ، لجاز أن يكون بحضرتنا شموس وأقمار وفيلات وبوقات ، ونحن لا نراها ولا نسمعها وذلك دخول في التجاهل ، وكذا القول في إنكار صحائفهم وذواتهم وقلمهم .
وثانيها : أن هذا الاستكتاب إن كان خاليا عن الفوائد فهو عبث وذلك غير جائز على الله تعالى ، وإن كان فيه فائدة فتلك الفائدة ، إما أن تكون عائدة إلى الله تعالى أو إلى العبد .
والأول : محال لأنه متعال عن النفع والضر ، وبهذا يظهر بطلان قول من يقول : إنه تعالى إنما استكتبها خوفا من النسيان والغلط .
والثاني أيضا محال ، لأن أقصى ما في الباب أن يقال : فائدة هذا الاستكتاب أن يكونوا شهداء على الناس وحجة عليهم يوم القيامة إلا أن هذه الفائدة ضعيفة ، لأن الإنسان الذي علم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30364الله تعالى لا يجور ولا يظلم ، لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه الحجة ، والذي لا يعلم ذلك لا ينتفع بهذه الحجة لاحتمال أنه تعالى أمرهم بأن يكتبوا تلك الأشياء عليه ظلما .
وثالثها : أن أفعال القلوب غير مرئية ولا محسوسة فتكون هي من باب المغيبات ،
nindex.php?page=treesubj&link=28781والغيب لا يعلمه إلا الله تعالى على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) [ الأنعام : 59 ] وإذا لم تكن هذه الأفعال معلومة للملائكة استحال أن يكتبوها والآية تقضي أن يكونوا كاتبين علينا كل ما نفعله ، سواء كان ذلك من أفعال القلوب أم لا ؟
والجواب عن الأول : أن هذه الشبهة لا تزال إلا على مذهبنا بناء على أصلين .
أحدهما : أن البنية ليست شرطا للحياة عندنا .
والثاني : أي عند سلامة الحاسة وحضور المرئي وحصول سائر الشرائط لا يجب الإدراك ، فعلى الأصل الأول يجوز أن تكون الملائكة أجراما لطيفة تتمزق وتتفرق ولكن تبقى حياتها مع ذلك ، وعلى الأصل الثاني يجوز أن يكونوا أجساما كثيفة لكنا لا نراها .
والجواب عن الثاني : أن الله تعالى إنما أجرى أموره مع عباده على ما يتعاملون به فيما بينهم لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم ، ولما كان الأبلغ عندهم في المحاسبة إخراج كتاب بشهود خوطبوا بمثل هذا فيما يحاسبون به يوم القيامة ، فيخرج لهم كتب منشورة ، ويحضر هناك ملائكة يشهدون عليهم كما يشهد عدول السلطان على من يعصيه ويخالف أمره ، فيقولون له : أعطاك الملك كذا وكذا ، وفعل بك كذا وكذا ، ثم قد خلفته وفعلت كذا وكذا ، فكذا هاهنا والله أعلم بحقيقة ذلك .
الجواب : عن الثالث أن غاية ما في الباب تخصيص هذا العموم بأفعال الجوارح ، وذلك غير ممتنع .
البحث الثاني : أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10وإن عليكم لحافظين ) وإن كان خطاب مشافهة إلا أن الأمة مجمعة على أن هذا الحكم عام في حق كل المكلفين ، ثم هاهنا احتمالان :
أحدهما : أن يكون هناك جمع من الحافظين ، وذلك الجمع يكونون حافظين لجميع بني
آدم من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني
آدم .
وثانيهما : أن يكون الموكل بكل واحد منهم غير الموكل بالآخر ، ثم يحتمل أن يكون الموكل بكل واحد من بني
آدم واحدا من الملائكة لأنه تعالى قابل الجمع بالجمع ، وذلك يقتضي مقابلة الفرد بالفرد ، ويحتمل أن يكون الموكل بكل واحد منهم جمعا من الملائكة كما قيل : اثنان بالليل ، واثنان بالنهار ، أو كما قيل : إنهم خمسة .
البحث الثالث : أنه تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=28734وصف هؤلاء الملائكة بصفات :
أولها : كونهم حافظين .
وثانيها : كونهم
[ ص: 77 ] كراما .
وثالثها : كونهم كاتبين .
ورابعها : كونهم يعلمون ما تفعلون ، وفيه وجهان .
أحدهما : أنهم يعلمون تلك الأفعال حتى يمكنهم أن يكتبوها ، وهذا تنبيه على أن الإنسان لا يجوز له الشهادة إلا بعد العلم .
والثاني : أنهم يكتبونها حتى يكونوا عالمين بها عند أداء الشهادة .
واعلم أن وصف الله إياهم بهذه الصفات الخمسة يدل على أنه تعالى أثنى عليهم وعظم شأنهم ، وفي تعظيمهم تعظيم لأمر الجزاء ، وأنه عند الله تعالى من جلائل الأمور ، ولولا ذلك لما وكل بضبط ما يحاسب عليه هؤلاء العظماء الأكابر ، قال
أبو عثمان : من يزجره من المعاصي مراقبة الله إياه ، كيف يرده عنها كتابة الكرام الكاتبين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=11كِرَامًا كَاتِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=12يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )
النَّوْعُ الثَّانِي : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=29053_29655_29747وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=11كِرَامًا كَاتِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=12يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) .
وَالْمَعْنَى التَّعَجُّبُ مِنْ حَالِهِمْ ، كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : إِنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَهُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ ، وَمَلَائِكَةُ اللَّهِ مُوَكَّلُونَ بِكُمْ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَكُمْ حَتَّى تُحَاسَبُوا بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) [ ق : 18 ، 17 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ) [ الْأَنْعَامِ : 61 ] ثُمَّ هَاهُنَا مَبَاحِثُ :
الْأَوَّلُ : مِنَ النَّاسِ مَنْ طَعَنَ فِي حُضُورِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ ، إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مُرَكَّبِينَ مِنَ الْأَجْسَامِ اللَّطِيفَةِ كَالْهَوَاءِ وَالنَّسِيمِ وَالنَّارِ ، أَوْ مِنَ الْأَجْسَامِ الْغَلِيظَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَزِمَ أَنْ
[ ص: 76 ] تَنْتَقِضَ بِنْيَتُهُمْ بِأَدْنَى سَبَبٍ مِنْ هُبُوبِ الرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ وَإِمْرَارِ الْيَدِ وَالْكُمِّ وَالسَّوْطِ فِي الْهَوَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ وَجَبَ أَنْ نَرَاهُمْ إِذْ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونُوا حَاضِرِينَ وَلَا نَرَاهُمْ ، لَجَازَ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِنَا شُمُوسٌ وَأَقْمَارٌ وَفِيَلَاتٌ وَبُوقَاتٌ ، وَنَحْنُ لَا نَرَاهَا وَلَا نَسْمَعُهَا وَذَلِكَ دُخُولٌ فِي التَّجَاهُلِ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي إِنْكَارِ صَحَائِفِهِمْ وَذَوَاتِهِمْ وَقَلَمِهِمْ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ هَذَا الِاسْتِكْتَابَ إِنْ كَانَ خَالِيًا عَنِ الْفَوَائِدِ فَهُوَ عَبَثٌ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ فَتِلْكَ الْفَائِدَةُ ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إِلَى الْعَبْدِ .
وَالْأَوَّلُ : مُحَالٌ لِأَنَّهُ مُتَعَالٍ عَنِ النَّفْعِ وَالضُّرِّ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا اسْتَكْتَبَهَا خَوْفًا مِنَ النِّسْيَانِ وَالْغَلَطِ .
وَالثَّانِي أَيْضًا مُحَالٌ ، لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُقَالَ : فَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِكْتَابِ أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَحُجَّةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ ضَعِيفَةٌ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30364اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ ، لَا يَحْتَاجُ فِي حَقِّهِ إِلَى إِثْبَاتِ هَذِهِ الْحُجَّةِ ، وَالَّذِي لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يَنْتَفِعُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَكْتُبُوا تِلْكَ الْأَشْيَاءَ عَلَيْهِ ظُلْمًا .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ وَلَا مَحْسُوسَةٍ فَتَكُونُ هِيَ مِنْ بَابِ الْمُغَيَّبَاتِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28781وَالْغَيْبُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) [ الْأَنْعَامِ : 59 ] وَإِذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مَعْلُومَةً لِلْمَلَائِكَةِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكْتُبُوهَا وَالْآيَةُ تَقْضِي أَنْ يَكُونُوا كَاتِبِينَ عَلَيْنَا كُلَّ مَا نَفْعَلُهُ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ أَمْ لَا ؟
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ لَا تَزَالُ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِنَا بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْبِنْيَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْحَيَاةِ عِنْدَنَا .
وَالثَّانِي : أَيْ عِنْدَ سَلَامَةِ الْحَاسَّةِ وَحُضُورِ الْمَرْئِيِّ وَحُصُولِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لَا يَجِبُ الْإِدْرَاكُ ، فَعَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُ أَجْرَامًا لَطِيفَةً تَتَمَزَّقُ وَتَتَفَرَّقُ وَلَكِنْ تَبْقَى حَيَاتُهَا مَعَ ذَلِكَ ، وَعَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَجْسَامًا كَثِيفَةً لَكِنَّا لَا نَرَاهَا .
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَجْرَى أُمُورَهُ مَعَ عِبَادِهِ عَلَى مَا يَتَعَامَلُونَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي تَقْرِيرِ الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ ، وَلَمَّا كَانَ الْأَبْلَغُ عِنْدَهُمْ فِي الْمُحَاسَبَةِ إِخْرَاجَ كِتَابٍ بِشُهُودٍ خُوطِبُوا بِمِثْلِ هَذَا فِيمَا يُحَاسَبُونَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُخْرَجُ لَهُمْ كُتُبٌ مَنْشُورَةٌ ، وَيَحْضُرُ هُنَاكَ مَلَائِكَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا يَشْهَدُ عُدُولُ السُّلْطَانِ عَلَى مَنْ يَعْصِيهِ وَيُخَالِفُ أَمْرَهُ ، فَيَقُولُونَ لَهُ : أَعْطَاكَ الْمَلِكُ كَذَا وَكَذَا ، وَفَعَلَ بِكَ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ قَدْ خَلَفْتَهُ وَفَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَكَذَا هَاهُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ .
الْجَوَابُ : عَنِ الثَّالِثِ أَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ تَخْصِيصُ هَذَا الْعُمُومِ بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ) وَإِنْ كَانَ خِطَابَ مُشَافَهَةٍ إِلَّا أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ الْمُكَلَّفِينَ ، ثُمَّ هَاهُنَا احْتِمَالَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ جَمْعٌ مِنَ الْحَافِظِينَ ، وَذَلِكَ الْجَمْعُ يَكُونُونَ حَافِظِينَ لِجَمِيعِ بَنِي
آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْتَصَّ وَاحِدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِوَاحِدٍ مِنْ بَنِي
آدَمَ .
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرَ الْمُوَكَّلِ بِالْآخَرِ ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي
آدَمَ وَاحِدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَ الْجَمْعَ بِالْجَمْعِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمْعًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا قِيلَ : اثْنَانِ بِاللَّيْلِ ، وَاثْنَانِ بِالنَّهَارِ ، أَوْ كَمَا قِيلَ : إِنَّهُمْ خَمْسَةٌ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=28734وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ بِصِفَاتٍ :
أَوَّلُهَا : كَوْنُهُمْ حَافِظِينَ .
وَثَانِيهَا : كَوْنُهُمْ
[ ص: 77 ] كِرَامًا .
وَثَالِثُهَا : كَوْنُهُمْ كَاتِبِينَ .
وَرَابِعُهَا : كَوْنُهُمْ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ حَتَّى يُمْكِنَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوهَا ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَهَا حَتَّى يَكُونُوا عَالِمِينَ بِهَا عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْخَمْسَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيْهِمْ وَعَظَّمَ شَأْنَهُمْ ، وَفِي تَعْظِيمِهِمْ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ الْجَزَاءِ ، وَأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَلَائِلِ الْأُمُورِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا وَكَّلَ بِضَبْطِ مَا يُحَاسِبُ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْعُظَمَاءَ الْأَكَابِرَ ، قَالَ
أَبُو عُثْمَانَ : مَنْ يَزْجُرُهُ مِنَ الْمَعَاصِي مُرَاقَبَةُ اللَّهِ إِيَّاهُ ، كَيْفَ يَرُدُّهُ عَنْهَا كِتَابَةُ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ .