[ ص: 80 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889 [ سورة المطففين ]
ثلاثون وست آيات مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1ويل للمطففين nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1ويل للمطففين nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )
اعلم أن اتصال أول هذه السورة بآخر السورة المتقدمة ظاهر ، لأنه تعالى بين في آخر تلك السورة أن يوم القيامة يوم من صفته أنه لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر كله لله ، وذلك يقتضي تهديدا عظيما للعصاة ، فلهذا أتبعه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1ويل للمطففين ) والمراد الزجر عن التطفيف ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=18524البخس في المكيال والميزان بالشيء القليل على سبيل الخفية ، وذلك لأن الكثير يظهر فيمنع منه ، وذلك القليل إن ظهر أيضا منع منه ، فعلمنا أن التطفيف هو البخس في المكيال والميزان بالشيء القليل على سبيل الخفية ، وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : الويل ، كلمة تذكر عند وقوع البلاء ، يقال : ويل لك ، وويل عليك .
المسألة الثانية : في اشتقاق لفظ المطفف قولان . الأول : أن طف الشيء هو جانبه وحرفه ، يقال : طف الوادي والإناء ، إذا بلغ الشيء الذي فيه حرفه ولم يمتلئ فهو طفافه وطفافه وطففه ، ويقال : هذا طف المكيال وطفافه ، إذا قارب ملأه لكنه بعد لم يمتلئ ، ولهذا قيل : للذي يسيء الكيل ولا يوفيه مطفف ، يعني أنه إنما يبلغ الطفاف .
والثاني : وهو قول
الزجاج : أنه إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف ، لأنه يكون الذي لا يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف ، وهاهنا سؤالات :
الأول : وهو أن الاكتيال الأخذ بالكيل ، كالاتزان الأخذ بالوزن ، ثم إن اللغة المعتادة أن يقال : اكتلت من فلان ، ولا يقال : اكتلت على فلان ، فما الوجه فيه هاهنا ؟ .
الجواب : من وجهين :
الأول : لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالا فيه إضرار بهم وتحامل عليهم ، أقيم على مقام من الدالة على ذلك .
الثاني : قال
الفراء : المراد اكتالوا من الناس ، وعلى ومن في هذا الموضع
[ ص: 81 ] يعتقبان لأنه حق عليه ، فإذا قال اكتلت عليك ، فكأنه قال أخذت ما عليك ، وإذا قال اكتلت منك ، فهو كقوله استوفيت منك .
السؤال الثاني : هو أن اللغة المعتادة أن يقال كالوا لهم ، أو وزنوا لهم ، ولا يقال كلته ووزنته فما وجه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وإذا كالوهم أو وزنوهم ) ؟
والجواب من وجوه :
الأول : أن المراد من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3كالوهم أو وزنوهم ) كالوا لهم أو وزنوا لهم ، فحذف الجار وأوصل الفعل . قال
الكسائي والفراء : وهذا من كلام
أهل الحجاز ، ومن جاورهم يقولون : زني كذا ، كلي كذا ، ويقولون صدتك وصدت لك ، وكسبتك وكسبت لك ، فعلى هذا : الكناية في كالوهم ووزنوهم في موضع نصب .
الثاني : أن يكون على حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، والتقدير : وإذا كالوا مكيلهم ، أو وزنوا موزونهم .
الثالث : يروى عن
عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يجعلان الضميرين توكيدا لما في كالوا ويقفان عند الواوين وقيفة يبينان بها ما أرادا ، وزعم
الفراء والزجاج أنه غير جائز ، لأنه لو كان بمعنى كالوهم لكان في المصحف ألف مثبتة قبل هم ، واعترض صاحب " الكشاف " على هذه الحجة ، فقال إن خط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط .
والجواب : أن إثبات هذه الألف لو لم يكن معتادا في زمان الصحابة فكان يجب إثباتها في سائر الأعصار ، لما أنا نعلم مبالغتهم في ذلك ، فثبت أن إثبات هذه الألف كان معتادا في زمان الصحابة فكان يجب إثباته هاهنا .
السؤال الثالث : ما السبب في أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1ويل للمطففين nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الذين إذا اكتالوا ) ولم يقل إذا اتزنوا ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وإذا كالوهم أو وزنوهم ) فجمع بينهما ؟ أن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فأحدهما يدل على الآخر .
السؤال الرابع : اللغة المعتادة أن يقال خسرته ، فما الوجه في أخسرته ؟
الجواب قال
الزجاج : أخسرت الميزان وخسرته سواء أي نقصته ، وعن
المؤرج يخسرون ينقصون بلغة
قريش .
المسألة الثالثة : عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : لما قدم نبي الله
المدينة كانوا من أبخس الناس كيلا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأحسنوا الكيل بعد ذلك ، وقيل كان
أهل المدينة تجارا يطففون وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة ، فنزلت هذه الآية ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأها عليهم ، وقال " خمس بخمس " ، قيل يا رسول الله ، وما خمس بخمس ؟ قال ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، وما
nindex.php?page=treesubj&link=28803حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ، ولا
nindex.php?page=treesubj&link=2650منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر " .
المسألة الرابعة : الذم إنما لحقهم بمجموع أنهم يأخذون زائدا ، ويدفعون ناقصا ، ثم اختلف العلماء ، فقال بعضهم : هذه الآية دالة على الوعيد ، فلا تتناول إلا إذا بلغ التطفيف حد الكثير ، وهو نصاب السرقة ، وقال آخرون : بل ما يصغر ويكبر دخل تحت الوعيد ، لكن بشرط أن لا يكون معه توبة ولا طاعة أعظم منها ، وهذا هو الأصح .
المسألة الخامسة : احتج أصحاب الوعيد بعموم هذه الآية ، قالوا : وهذه الآية واردة في أهل الصلاة لا في الكفار ، والذي يدل عليه وجهان .
الأول : أنه لو كان كافرا لكان ذلك الكفر أولى باقتضاء هذا الويل من
[ ص: 82 ] التطفيف ، فلم يكن حينئذ للتطفيف أثر في هذا الويل ، لكن الآية دالة على أن الموجب لهذا الويل هو التطفيف الثاني : أنه تعالى قال : للمخاطبين بهذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=4ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=5ليوم عظيم ) [ المطففين : 5 ، 4 ] فكأنه تعالى هدد المطففين بعذاب يوم القيامة ، والتهديد بهذا لا يحصل إلا مع المؤمن ، فثبت بهذين الوجهين أن هذا الوعيد مختص بأهل الصلاة ، والجواب : عنه ما تقدم مرارا ، ومن لواحق هذه المسألة أن هذا الوعيد يتناول من يفعل ذلك ومن يعزم عليه إذ العزم عليه أيضا من الكبائر .
واعلم أن أمر المكيال والميزان عظيم ، وذلك لأن عامة الخلق يحتاجون إلى المعاملات وهي مبنية على أمر المكيال والميزان ، فلهذا السبب عظم الله أمره فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=7والسماء رفعها ووضع الميزان ) [ الرحمن : 7 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=8ألا تطغوا في الميزان ) [ الرحمن : 8 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=9وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) [ الرحمن : 9 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) [ الحديد : 25 ] وعن
قتادة : " أوف يا ابن
آدم الكيل كما تحب أن يوفى لك ، واعدل كما تحب أن يعدل لك " وعن
الفضيل : بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة ، وقال أعرابي
nindex.php?page=showalam&ids=16491لعبد الملك بن مروان : قد سمعت ما قال الله تعالى في المطففين ! أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم في أخذ القليل ، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ الكثير ، وتأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن .
[ ص: 80 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889 [ سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ ]
ثَلَاثُونَ وَسِتُّ آيَاتٍ مَكِّيَّةٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ اتِّصَالَ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِآخِرِ السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ظَاهِرٌ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي آخِرِ تِلْكَ السُّورَةِ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَهْدِيدًا عَظِيمًا لِلْعُصَاةِ ، فَلِهَذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) وَالْمُرَادُ الزَّجْرُ عَنِ التَّطْفِيفِ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=18524الْبَخْسُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَثِيرَ يَظْهَرُ فَيُمْنَعُ مِنْهُ ، وَذَلِكَ الْقَلِيلُ إِنْ ظَهَرَ أَيْضًا مُنِعَ مِنْهُ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ التَّطْفِيفَ هُوَ الْبَخْسُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ ، وَهَاهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْوَيْلُ ، كَلِمَةٌ تُذْكَرُ عِنْدَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ ، يُقَالُ : وَيْلٌ لَكَ ، وَوَيْلٌ عَلَيْكَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي اشْتِقَاقِ لَفْظِ الْمُطَفِّفِ قَوْلَانِ . الْأَوَّلُ : أَنَّ طَفَّ الشَّيْءِ هُوَ جَانِبُهُ وَحَرْفُهُ ، يُقَالُ : طَفَّ الْوَادِي وَالْإِنَاءُ ، إِذَا بَلَغَ الشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ حَرْفَهُ وَلَمْ يَمْتَلِئْ فَهُوَ طِفَافُهُ وَطَفَافُهُ وَطَفَفُهُ ، وَيُقَالُ : هَذَا طَفُّ الْمِكْيَالِ وَطَفَافُهُ ، إِذَا قَارَبَ مَلْأُهُ لَكِنَّهُ بَعْدُ لَمْ يَمْتَلِئْ ، وَلِهَذَا قِيلَ : لِلَّذِي يُسِيءُ الْكَيْلَ وَلَا يُوَفِّيهِ مُطَفِّفٌ ، يَعْنِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَبْلُغُ الطِّفَافَ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
الزَّجَّاجِ : أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي يَنْقُصُ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ مُطَفِّفٌ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ الَّذِي لَا يَسْرِقُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الطَّفِيفَ ، وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَنَّ الِاكْتِيَالَ الْأَخْذُ بِالْكَيْلِ ، كَالِاتِّزَانِ الْأَخْذُ بِالْوَزْنِ ، ثُمَّ إِنَّ اللُّغَةَ الْمُعْتَادَةَ أَنْ يُقَالَ : اكْتَلْتُ مِنْ فُلَانٍ ، وَلَا يُقَالُ : اكْتَلْتُ عَلَى فُلَانٍ ، فَمَا الْوَجْهُ فِيهِ هَاهُنَا ؟ .
الْجَوَابُ : مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : لَمَّا كَانَ اكْتِيَالُهُمْ مِنَ النَّاسِ اكْتِيَالًا فِيهِ إِضْرَارٌ بِهِمْ وَتَحَامُلٌ عَلَيْهِمْ ، أُقِيمَ عَلَى مُقَامٍ مِنَ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ .
الثَّانِي : قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْمُرَادُ اكْتَالُوا مِنَ النَّاسِ ، وَعَلَى وَمِنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
[ ص: 81 ] يَعْتَقِبَانِ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ اكْتَلْتُ عَلَيْكَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَخَذْتُ مَا عَلَيْكَ ، وَإِذَا قَالَ اكْتَلْتُ مِنْكَ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْتُ مِنْكَ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : هُوَ أَنَّ اللُّغَةَ الْمُعْتَادَةَ أَنْ يُقَالَ كَالُوا لَهُمْ ، أَوْ وَزَنُوا لَهُمْ ، وَلَا يُقَالُ كِلْتُهُ وَوَزَنْتُهُ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ ) ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ ) كَالُوا لَهُمْ أَوْ وَزَنُوا لَهُمْ ، فَحُذِفَ الْجَارُّ وَأُوصِلَ الْفِعْلُ . قَالَ
الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ : وَهَذَا مِنْ كَلَامِ
أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَمَنْ جَاوَرَهُمْ يَقُولُونَ : زِنِي كَذَا ، كِلِي كَذَا ، وَيَقُولُونَ صِدْتُكَ وَصِدْتُ لَكَ ، وَكَسَبْتُكَ وَكَسَبْتُ لَكَ ، فَعَلَى هَذَا : الْكِنَايَةُ فِي كَالُوهُمْ وَوَزَنُوهُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَإِذَا كَالُوا مَكِيلَهُمْ ، أَوْ وَزَنُوا مَوْزُونَهُمْ .
الثَّالِثُ : يُرْوَى عَنْ
عِيسَى بْنِ عُمَرَ وَحَمْزَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ الضَّمِيرَيْنِ تَوْكِيدًا لِمَا فِي كَالُوا وَيَقِفَانِ عِنْدَ الْوَاوَيْنِ وُقَيْفَةً يُبَيِّنَانِ بِهَا مَا أَرَادَا ، وَزَعَمَ
الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى كَالُوهُمْ لَكَانَ فِي الْمُصْحَفِ أَلِفٌ مُثْبَتَةٌ قَبْلَ هُمْ ، وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ ، فَقَالَ إِنَّ خَطَّ الْمُصْحَفِ لَمْ يُرَاعِ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ حَدَّ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الْخَطِّ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ إِثْبَاتَ هَذِهِ الْأَلِفِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ يَجِبُ إِثْبَاتُهَا فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ ، لِمَا أَنَّا نَعْلَمُ مُبَالَغَتَهُمْ فِي ذَلِكَ ، فَثَبَتَ أَنَّ إِثْبَاتَ هَذِهِ الْأَلِفِ كَانَ مُعْتَادًا فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ يَجِبُ إِثْبَاتُهُ هَاهُنَا .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : مَا السَّبَبُ فِي أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا ) وَلَمْ يَقُلْ إِذَا اتَّزَنُوا ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ ) فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ؟ أَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ بِهِمَا الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ فَأَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْآخَرِ .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : اللُّغَةُ الْمُعْتَادَةُ أَنْ يُقَالَ خَسَرْتُهُ ، فَمَا الْوَجْهُ فِي أَخْسَرْتُهُ ؟
الْجَوَابُ قَالَ
الزَّجَّاجُ : أَخْسَرْتُ الْمِيزَانَ وَخَسَرْتُهُ سَوَاءٌ أَيْ نَقَصْتُهُ ، وَعَنِ
الْمُؤَرِّجِ يُخْسِرُونَ يَنْقُصُونَ بِلُغَةِ
قُرَيْشٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ
الْمَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَبْخَسِ النَّاسِ كَيْلًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ، فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَقِيلَ كَانَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ تُجَّارًا يُطَفِّفُونَ وَكَانَتْ بِيَاعَاتُهُمُ الْمُنَابَذَةَ وَالْمُلَامَسَةَ وَالْمُخَاطَرَةَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ " خَمْسٌ بِخَمْسٍ " ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا خَمْسٌ بِخَمْسٍ ؟ قَالَ مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ ، وَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28803حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْفَقْرُ ، وَمَا ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْفَاحِشَةُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْمَوْتُ ، وَلَا طَفَّفُوا الْكَيْلَ إِلَّا مُنِعُوا النَّبَاتَ وَأُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَلَا
nindex.php?page=treesubj&link=2650مَنَعُوا الزَّكَاةَ إِلَّا حُبِسَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ " .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الذَّمُّ إِنَّمَا لَحِقَهُمْ بِمَجْمُوعِ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ زَائِدًا ، وَيَدْفَعُونَ نَاقِصًا ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى الْوَعِيدِ ، فَلَا تَتَنَاوَلُ إِلَّا إِذَا بَلَغَ التَّطْفِيفُ حَدَّ الْكَثِيرِ ، وَهُوَ نِصَابُ السَّرِقَةِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَا يَصْغُرُ وَيَكْبُرُ دَخَلَ تَحْتَ الْوَعِيدِ ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ تَوْبَةٌ وَلَا طَاعَةٌ أَعْظَمُ مِنْهَا ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : احْتَجَّ أَصْحَابُ الْوَعِيدِ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ ، قَالُوا : وَهَذِهِ الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي أَهْلِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْكُفَّارِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ .
الْأَوَلُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لَكَانَ ذَلِكَ الْكُفْرُ أَوْلَى بِاقْتِضَاءِ هَذَا الْوَيْلِ مِنَ
[ ص: 82 ] التَّطَفِيفِ ، فَلَمْ يَكُنْ حِينَئْذٍ لِلتَّطْفِيفِ أَثَرٌ فِي هَذَا الْوَيْلِ ، لَكِنَّ الْآيَةَ دَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِهَذَا الْوَيْلِ هُوَ التَّطْفِيفُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : لِلْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=4أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=5لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 5 ، 4 ] فَكَأَنَّهُ تَعَالَى هَدَّدَ الْمُطَّفِفِينَ بِعَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَالتَّهْدِيدُ بِهَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ الْمُؤْمِنِ ، فَثَبَتَ بِهَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الصَّلَاةِ ، وَالْجَوَابُ : عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِرَارًا ، وَمِنْ لَوَاحِقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ يَتَنَاوَلُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَنْ يَعْزِمُ عَلَيْهِ إِذِ الْعَزْمُ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنَ الْكَبَائِرِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَمْرَ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ عَظِيمٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَامَّةَ الْخَلْقِ يَحْتَاجُونَ إِلَى الْمُعَامَلَاتِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَمْرِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ عَظَّمَ اللَّهُ أَمْرَهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=7وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ) [ الرَّحْمَنِ : 7 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=8أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ) [ الرَّحْمَنِ : 8 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=9وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) [ الرَّحْمَنِ : 9 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) [ الْحَدِيدِ : 25 ] وَعَنْ
قَتَادَةَ : " أَوْفِ يَا ابْنَ
آدَمَ الْكَيْلَ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُوَفَّى لَكَ ، وَاعْدِلْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعْدَلَ لَكَ " وَعَنِ
الْفُضَيْلِ : بَخْسُ الْمِيزَانِ سَوَادُ الْوَجْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ
nindex.php?page=showalam&ids=16491لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ : قَدْ سَمِعْتَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُطَفِّفِينَ ! أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُطَفِّفَ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ الْعَظِيمُ فِي أَخْذِ الْقَلِيلِ ، فَمَا ظَنُّكَ بِنَفْسِكَ وَأَنْتَ تَأْخُذُ الْكَثِيرَ ، وَتَأْخُذُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ .