[ ص: 104 ] [ سورة البروج ]
عشرون وآيتان مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=1والسماء ذات البروج nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=2واليوم الموعود nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=3وشاهد ومشهود )
اعلم أن المقصود من هذه السورة تسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن إيذاء الكفار ، وكيفية تلك التسلية هي أنه تعالى بين أن سائر الأمم السالفة كانوا كذلك مثل
nindex.php?page=treesubj&link=32008أصحاب الأخدود ومثل فرعون ومثل
ثمود ، وختم ذلك بأن بين أن كل الكفار كانوا في التكذيب ، ثم عقب هذا الوجه بوجه آخر ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=20والله من ورائهم محيط ) [ البروج : 20 ] ذكر وجها ثالثا وهو أن هذا شيء مثبت في
nindex.php?page=treesubj&link=28782اللوح المحفوظ ممتنع التغيير وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=21بل هو قرآن مجيد ) [ البروج : 21 ] فهذا ترتيب السورة .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=1والسماء ذات البروج nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=2واليوم الموعود nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=3وشاهد ومشهود )
اعلم أن في البروج ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها هي البروج الاثنا عشر وهي مشهورة وإنما حسن القسم بها لما فيها من عجيب الحكمة ، وذلك لأن سير الشمس فيها ولا شك أن مصالح العالم السفلي مرتبطة بسير الشمس فيدل ذلك على أن لها صانعا حكيما ، قال
الجبائي : وهذه اليمين واقعة على السماء الدنيا لأن البروج فيها ، واعلم أن هذا خطأ وتحقيقه ذكرناه في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=6إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ) .
وثانيها : أن البروج هي منازل القمر ، وإنما حسن القسم بها لما في سير القمر وحركته من الآثار العجيبة .
وثالثها : أن البروج هي عظام الكواكب سميت بروجا لظهورها .
وأما اليوم الموعود فهو يوم القيامة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال
القفال : يحتمل أن يكون المراد (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=2واليوم الموعود ) لانشقاق السماء وفنائها وبطلان بروجها .
وأما الشاهد والمشهود ، فقد اضطربت أقاويل المفسرين فيه ،
والقفال أحسن الناس كلاما فيه ، قال : إن الشاهد يقع على شيئين :
أحدهما : الشاهد الذي تثبت به الدعاوى والحقوق .
والثاني : الشاهد الذي هو بمعنى الحاضر ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=73عالم الغيب والشهادة ) [ الأنعام : 73 ] ويقال : فلان شاهد وفلان غائب ، وحمل الآية على هذا الاحتمال الثاني أولى ، إذ لو كان المراد هو الأول لما خلا لفظ المشهود عن حرف الصلة ، فيقال : مشهود عليه ، أو مشهود له . هذا هو الظاهر ، وقد يجوز أن يكون المشهود معناه المشهود عليه فحذفت الصلة ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34إن العهد كان مسئولا ) [ الإسراء : 34 ] أي مسئولا عنه ، إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن حملنا الشهود على الحضور احتملت الآية وجوها من التأويل .
أحدها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30291_30336المشهود هو يوم القيامة ، والشاهد هو الجمع الذي يحضرون فيه ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس [ ص: 105 ] والضحاك ، ويدل على صحة هذا الاحتمال وجوه :
الأول : أنه لا حضور أعظم من ذلك الحضور ، فإن الله تعالى يجمع فيه خلق الأولين والآخرين من الملائكة والأنبياء والجن والإنس ، وصرف اللفظ إلى المسمى الأكمل أولى .
والثاني : أنه تعالى ذكر اليوم الموعود ، وهو يوم القيامة ، ثم ذكر عقيبه : "
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=3وشاهد ومشهود " وهذا يناسب أن يكون المراد بالشاهد من يحضر في ذلك اليوم من الخلائق ، وبالمشهود ما في ذلك اليوم من العجائب .
الثالث : أن الله تعالى وصف يوم القيامة بكونه مشهودا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) [ مريم : 37 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) [ هود : 103 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ) [ الإسراء : 52 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=53إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ) [ يس : 53 ] وطريق تنكيرهما إما ما ذكرناه في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت ) [ التكوير : 14 ] كأنه قيل : وما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود ، وإما الإبهام في الوصف كأنه قيل : وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما ، وإنما حسن القسم بيوم القيامة للتنبيه على القدرة إذ كان هو يوم الفصل والجزاء ويوم تفرد الله تعالى فيه بالملك والحكم ، وهذا الوجه اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وعكرمة والحسن بن علي nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
وثانيها : أن يفسر المشهود بيوم الجمعة وهو قول
ابن عمر وابن الزبير : وذلك لأنه يوم يشهده المسلمون للصلاة ولذكر الله . ومما يدل على كون هذا اليوم مسمى بالمشهود خبران .
الأول : ما روى
أبو الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013933أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة " .
والثاني : ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013934تحضر الملائكة أبواب المسجد فيكتبون الناس فإذا خرج الإمام طويت الصحف " وهذه الخاصية غير موجودة إلا في هذا اليوم فيجوز أن يسمى مشهودا لهذا المعنى ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) [ الإسراء : 78 ] وروي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013935أن ملائكة الليل والنهار يحضرون وقت صلاة الفجر فسميت هذه الصلاة مشهودة لشهادة الملائكة " فكذا يوم الجمعة .
وثالثها : أن يفسر المشهود بيوم عرفة والشاهد من يحضره من الحاج وحسن القسم به تعظيما لأمر الحج . روي أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013936الله تعالى يقول للملائكة يوم عرفة : " انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أتوني من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم وأن إبليس يصرخ ويضع التراب على رأسه لما يرى من ذلك " والدليل على أن يوم عرفة مسمى بأنه مشهود قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=27وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28ليشهدوا منافع لهم ) [ الحج : 28 ] .
ورابعها : أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=23443المشهود يوم النحر وذلك لأنه أعظم المشاهد في الدنيا فإنه يجتمع أهل الشرق والغرب في ذلك اليوم بمنى والمزدلفة وهو عيد المسلمين ، ويكون الغرض من القسم به تعظيم أمر الحج .
وخامسها : حمل الآية على يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر جميعا لأنها أيام عظام فأقسم الله بها كما أقسم بالليالي العشر والشفع والوتر ، ولعل الآية عامة لكل يوم عظيم من أيام الدنيا ولكل مقام جليل من مقاماتها وليوم القيامة أيضا لأنه يوم عظيم كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=5ليوم عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=6يوم يقوم الناس لرب العالمين ) [ المطففين : 5 - 6 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) [ مريم : 37 ] ويدل على صحة هذا التأويل خروج اللفظ في الشاهد والمشهود على النكرة ، فيحتمل أن يكون ذلك على معنى أن القصد لم يقع فيه إلى يوم بعينه فيكون معرفا .
أما الوجه الأول : وهو أن يحمل الشاهد على من تثبت الدعوى بقوله ، فقد ذكروا على هذا التقدير وجوها كثيرة .
أحدها : أن الشاهد هو الله تعالى لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو ) [ آل عمران : 18 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19قل أي شيء أكبر شهادة قل الله ) [ الأنعام : 19 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد )
[ ص: 106 ] [ فصلت : 53 ] والمشهود هو التوحيد ، لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو ) أو النبوة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=96قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ) .
وثانيها : أن الشاهد
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والمشهود عليه سائر الأنبياء ، لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) [ النساء : 41 ] ولقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=45إنا أرسلناك شاهدا ) [ الأحزاب : 45 ] .
وثالثها : أن يكون الشاهد هو الأنبياء ، والمشهود عليه هو الأمم ، لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) .
ورابعها : أن يكون الشاهد هو جميع الممكنات والمحدثات ، والمشهود عليه واجب الوجود ، وهذا احتمال ذكرته أنا وأخذته من قول الأصوليين هذا الاستدلال بالشاهد على الغائب ، وعلى هذا التقدير يكون القسم واقعا بالخلق والخالق ، والصنع والصانع . وخامسها : أن يكون الشاهد هو الملك ، لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) [ ق : 21 ] والمشهود عليه هم المكلفون .
وسادسها : أن يكون الشاهد هو الملك ، والمشهود عليه هو الإنسان الذي تشهد عليه جوارحه يوم القيامة ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ) [ النور : 24 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=21وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ) [ فصلت : 21 ] وهذا قول
عطاء الخراساني .
وأما الوجه الثالث : وهو أقوال مبنية على الروايات لا على الاشتقاق .
فأحدها : أن الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : "
اليوم الموعود يوم القيامة ، والشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة ، ويوم الجمعة ذخيرة الله لنا " وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013938المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة ، ما طلعت الشمس ولا غربت على أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب له ، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه منه " وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب مرسلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "
nindex.php?page=treesubj&link=26391سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد ، والمشهود يوم عرفة " وهذا قول كثير من أهل العلم
nindex.php?page=showalam&ids=8كعلي بن أبي طالب عليه السلام ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ، قال
قتادة : شاهد ومشهود ، يومان عظمهما الله من أيام الدنيا ، كما يحدث أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة .
وثانيها : أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم النحر وذلك لأنهما يومان عظمهما الله وجعلهما من أيام أركان أيام الحج ، فهذان اليومان يشهدان لمن يحضر فيهما بالإيمان واستحقاق الرحمة ، وروي أنه عليه السلام ذبح كبشين ، وقال في أحدهما : " هذا عمن يشهد لي بالبلاغ " فيحتمل لهذا المعنى أن يكون يوم النحر شاهدا لمن حضره بمثل ذلك لهذا الخبر .
وثالثها : أن الشاهد هو
عيسى لقوله تعالى حكاية عنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117وكنت عليهم شهيدا ) [ المائدة : 117 ] .
ورابعها : الشاهد هو الله والمشهود هو يوم القيامة ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) [ يس : 52 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ثم ينبئهم بما عملوا ) [ المجادلة : 7 ] .
وخامسها : أن الشاهد هو الإنسان ، والمشهود هو التوحيد لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) [ الأعراف : 172 ] .
وسادسها : أن الشاهد الإنسان والمشهود هو يوم القيامة ، أما كون الإنسان شاهدا فلقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172قالوا بلى شهدنا ) [ الأعراف : 172 ] وأما كون يوم القيامة مشهودا فلقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) [ الأعراف : 172 ] فهذه هي الوجوه الملخصة ، والله أعلم بحقائق القرآن .
[ ص: 104 ] [ سُورَةُ الْبُرُوجِ ]
عِشْرُونَ وَآيَتَانِ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=1وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=2وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=3وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ )
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ تَسْلِيَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ عَنْ إِيذَاءِ الْكُفَّارِ ، وَكَيْفِيَّةُ تِلْكَ التَّسْلِيَةِ هِيَ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ كَانُوا كَذَلِكَ مِثْلَ
nindex.php?page=treesubj&link=32008أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ وَمِثْلَ فِرْعَوْنَ وَمِثْلَ
ثَمُودَ ، وَخَتَمَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ الْكُفَّارِ كَانُوا فِي التَّكْذِيبِ ، ثُمَّ عَقَّبَ هَذَا الْوَجْهَ بِوَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=20وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ) [ الْبُرُوجِ : 20 ] ذَكَرَ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ مُثْبَتٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28782اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مُمْتَنِعُ التَّغْيِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=21بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ) [ الْبُرُوجِ : 21 ] فَهَذَا تَرْتِيبُ السُّورَةِ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=1وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=2وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=3وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ )
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْبُرُوجِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهَا هِيَ الْبُرُوجُ الِاثْنَا عَشَرَ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَإِنَّمَا حَسُنَ الْقَسَمُ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ عَجِيبِ الْحِكْمَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَيْرَ الشَّمْسِ فِيهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَصَالِحَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ مُرْتَبِطَةٌ بِسَيْرِ الشَّمْسِ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا حَكِيمًا ، قَالَ
الْجُبَّائِيُّ : وَهَذِهِ الْيَمِينُ وَاقِعَةٌ عَلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِأَنَّ الْبُرُوجَ فِيهَا ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ وَتَحْقِيقُهُ ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=6إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ) .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْبُرُوجَ هِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ ، وَإِنَّمَا حَسُنَ الْقَسَمُ بِهَا لِمَا فِي سَيْرِ الْقَمَرِ وَحَرَكَتِهِ مِنَ الْآثَارِ الْعَجِيبَةِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ الْبُرُوجَ هِيَ عِظَامُ الْكَوَاكِبِ سُمِّيَتْ بُرُوجًا لِظُهُورِهَا .
وَأَمَّا الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ فَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ
الْقَفَّالُ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=2وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ) لِانْشِقَاقِ السَّمَاءِ وَفَنَائِهَا وَبُطْلَانِ بُرُوجِهَا .
وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ ، فَقَدِ اضْطَرَبَتْ أَقَاوِيلُ الْمُفَسِّرِينَ فِيهِ ،
وَالْقَفَّالُ أَحْسَنُ النَّاسِ كَلَامًا فِيهِ ، قَالَ : إِنَّ الشَّاهِدَ يَقَعُ عَلَى شَيْئَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : الشَّاهِدُ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الدَّعَاوَى وَالْحُقُوقُ .
وَالثَّانِي : الشَّاهِدُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْحَاضِرِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=73عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) [ الْأَنْعَامِ : 73 ] وَيُقَالُ : فُلَانٌ شَاهِدٌ وَفُلَانٌ غَائِبٌ ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الثَّانِي أَوْلَى ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْأَوَّلَ لَمَا خَلَا لَفْظُ الْمَشْهُودِ عَنْ حَرْفِ الصِّلَةِ ، فَيُقَالُ : مَشْهُودٌ عَلَيْهِ ، أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ . هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ مَعْنَاهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَحُذِفَتِ الصِّلَةُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 34 ] أَيْ مَسْئُولًا عَنْهُ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ : إِنْ حَمَلْنَا الشُّهُودَ عَلَى الْحُضُورِ احْتَمَلَتِ الْآيَةُ وُجُوهًا مِنَ التَّأْوِيلِ .
أَحَدُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30291_30336الْمَشْهُودَ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَالشَّاهِدَ هُوَ الْجَمْعُ الَّذِي يَحْضُرُونَ فِيهِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ [ ص: 105 ] وَالضَّحَّاكِ ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَا حُضُورَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُضُورِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْمَعُ فِيهِ خَلْقَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، وَصَرْفُ اللَّفْظِ إِلَى الْمُسَمَّى الْأَكْمَلِ أَوْلَى .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=3وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ " وَهَذَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّاهِدِ مَنْ يَحْضُرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْخَلَائِقِ ، وَبِالْمَشْهُودِ مَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْعَجَائِبِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكَوْنِهِ مَشْهُودًا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [ مَرْيَمَ : 37 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=103ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) [ هُودٍ : 103 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ) [ الْإِسْرَاءِ : 52 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=53إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) [ يس : 53 ] وَطَرِيقُ تَنْكِيرِهِمَا إِمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) [ التَّكْوِيرِ : 14 ] كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمَا أَفْرَطَتْ كَثْرَتُهُ مِنْ شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ، وَإِمَّا الْإِبْهَامُ فِي الْوَصْفِ كَأَنَّهُ قِيلَ : وَشَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ لَا يُكْتَنَهُ وَصْفُهُمَا ، وَإِنَّمَا حَسُنَ الْقَسَمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْقُدْرَةِ إِذْ كَانَ هُوَ يَوْمُ الْفَصْلِ وَالْجَزَاءِ وَيَوْمُ تَفَرُّدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ بِالْمُلْكِ وَالْحُكْمِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكِ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَالنَّخَعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يُفَسَّرَ الْمَشْهُودُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ : وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَوْمٌ يَشْهَدُهُ الْمُسْلِمُونَ لِلصَّلَاةِ وَلِذِكْرِ اللَّهِ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ هَذَا الْيَوْمِ مُسَمًّى بِالْمَشْهُودِ خَبَرَانِ .
الْأَوَّلُ : مَا رَوَى
أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013933أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ " .
وَالثَّانِي : مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013934تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ فَيَكْتُبُونَ النَّاسَ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ " وَهَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ إِلَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مَشْهُودًا لِهَذَا الْمَعْنَى ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) [ الْإِسْرَاءِ : 78 ] وَرُوِيَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013935أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَحْضُرُونَ وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَشْهُودَةً لِشَهَادَةِ الْمَلَائِكَةِ " فَكَذَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يُفَسَّرَ الْمَشْهُودُ بِيَوْمِ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْحَاجِّ وَحَسُنَ الْقَسَمُ بِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ . رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013936اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ : " انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا أَتَوْنِي مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَأَنَّ إِبْلِيسَ يَصْرُخُ وَيَضَعُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ لِمَا يَرَى مِنْ ذَلِكَ " وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ مُسَمًّى بِأَنَّهُ مَشْهُودٌ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=27وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) [ الْحَجِّ : 28 ] .
وَرَابِعُهَا : أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=23443الْمَشْهُودُ يَوْمَ النَّحْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَشَاهِدِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ أَهْلُ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمِنًى وَالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ عِيدُ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَكُونُ الْغَرَضُ مِنَ الْقَسَمِ بِهِ تَعْظِيمَ أَمْرِ الْحَجِّ .
وَخَامِسُهَا : حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا أَيَّامٌ عِظَامٌ فَأَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا كَمَا أَقْسَمَ بِاللَّيَالِي الْعَشْرِ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ، وَلَعَلَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ لِكُلِّ يَوْمٍ عَظِيمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَلِكُلِّ مَقَامٍ جَلِيلٍ مِنْ مَقَامَاتِهَا وَلِيَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَوْمٌ عَظِيمٌ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=5لِيَوْمٍ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=6يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 5 - 6 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [ مَرْيَمَ : 37 ] وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ خُرُوجُ اللَّفْظِ فِي الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَى النَّكِرَةِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْقَصْدَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ إِلَى يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونَ مُعَرَّفًا .
أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ الشَّاهِدُ عَلَى مَنْ تَثْبُتُ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ ، فَقَدْ ذَكَرُوا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وُجُوهًا كَثِيرَةً .
أَحَدُهَا : أَنَّ الشَّاهِدَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 18 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ) [ الْأَنْعَامِ : 19 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )
[ ص: 106 ] [ فُصِّلَتْ : 53 ] وَالْمَشْهُودُ هُوَ التَّوْحِيدُ ، لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) أَوِ النُّبُوَّةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=96قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الشَّاهِدَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) [ النِّسَاءِ : 41 ] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=45إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ) [ الْأَحْزَابِ : 45 ] .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ هُوَ الْأَنْبِيَاءُ ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْأُمَمُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) .
وَرَابِعُهَا : أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ هُوَ جَمِيعُ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَاجِبُ الْوُجُودِ ، وَهَذَا احْتِمَالٌ ذَكَرْتُهُ أَنَا وَأَخَذْتُهُ مِنْ قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْقَسَمُ وَاقِعًا بِالْخَلْقِ وَالْخَالِقِ ، وَالصُّنْعِ وَالصَّانِعِ . وَخَامِسُهَا : أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ هُوَ الْمَلَكُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) [ ق : 21 ] وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمُ الْمُكَلَّفُونَ .
وَسَادِسُهَا : أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ هُوَ الْمَلَكُ ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْإِنْسَانُ الَّذِي تَشْهَدُ عَلَيْهِ جَوَارِحُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ) [ النُّورِ : 24 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=21وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ) [ فُصِّلَتْ : 21 ] وَهَذَا قَوْلُ
عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَقْوَالٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ لَا عَلَى الِاشْتِقَاقِ .
فَأَحَدُهَا : أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ ، رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ : "
الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَخِيرَةُ اللَّهِ لَنَا " وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013938الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلِ مِنْهُ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ ، وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَرٍّ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْهُ " وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ : "
nindex.php?page=treesubj&link=26391سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الشَّاهِدُ ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ " وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
nindex.php?page=showalam&ids=8كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَابْنِ الْمُسَيَّبِ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14354وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، قَالَ
قَتَادَةُ : شَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ ، يَوْمَانِ عَظَّمَهُمَا اللَّهُ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، كَمَا يُحَدِّثُ أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ النَّحْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَوْمَانِ عَظَّمَهُمَا اللَّهُ وَجَعَلَهُمَا مِنْ أَيَّامِ أَرْكَانِ أَيَّامِ الْحَجِّ ، فَهَذَانِ الْيَوْمَانِ يَشْهَدَانِ لِمَنْ يَحْضُرُ فِيهِمَا بِالْإِيمَانِ وَاسْتِحْقَاقِ الرَّحْمَةِ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَبَحَ كَبْشَيْنِ ، وَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا : " هَذَا عَمَّنْ يَشْهَدُ لِي بِالْبَلَاغِ " فَيَحْتَمِلُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ يَوْمُ النَّحْرِ شَاهِدًا لِمَنْ حَضَرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِهَذَا الْخَبَرِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ الشَّاهِدَ هُوَ
عِيسَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) [ الْمَائِدَةِ : 117 ] .
وَرَابِعُهَا : الشَّاهِدُ هُوَ اللَّهُ وَالْمَشْهُودُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) [ يس : 52 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ) [ الْمُجَادَلَةِ : 7 ] .
وَخَامِسُهَا : أَنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْإِنْسَانُ ، وَالْمَشْهُودَ هُوَ التَّوْحِيدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) [ الْأَعْرَافِ : 172 ] .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ الشَّاهِدَ الْإِنْسَانُ وَالْمَشْهُودَ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، أَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ شَاهِدًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ) [ الْأَعْرَافِ : 172 ] وَأَمَّا كَوْنُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَشْهُودًا فَلِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) [ الْأَعْرَافِ : 172 ] فَهَذِهِ هِيَ الْوُجُوهُ الْمُلَخَّصَةُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْقُرْآنِ .