(
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6ألم تر كيف فعل ربك بعاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وفرعون ذي الأوتاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الذين طغوا في البلاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فأكثروا فيها الفساد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فصب عليهم ربك سوط عذاب nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد )
[ ص: 151 ]
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6ألم تر كيف فعل ربك بعاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وفرعون ذي الأوتاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الذين طغوا في البلاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فأكثروا فيها الفساد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فصب عليهم ربك سوط عذاب nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد )
واعلم أن في جواب القسم وجهين :
الأول : أن جواب القسم هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد ) وما بين الموضعين معترض بينهما .
الثاني : قال صاحب " الكشاف " : المقسم عليه محذوف وهو لنعذبن الكافرين ، يدل عليه قوله تعالى : ( ألم تر ) إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فصب عليهم ربك سوط عذاب ) وهذا أولى من الوجه الأول لأنه لما لم يتعين المقسم عليه ذهب الوهم إلى كل مذهب ، فكان أدخل في التخويف ، فلما جاء بعده بيان عذاب الكافرين دل على أن المقسم عليه أولا هو ذلك .
أما قوله تعالى : ( ألم تر ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : ألم تر ، ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية ههنا على العلم ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30539_32016أخبار عاد وثمود وفرعون كانت منقولة بالتواتر ، أما عاد وثمود فقد كانا في بلاد العرب ، وأما فرعون فقد كانوا يسمعونه من أهل الكتاب ، وبلاد فرعون أيضا متصلة بأرض العرب وخبر التواتر يفيد العلم الضروري ، والعلم الضروري جار مجرى الرؤية في القوة والجلاء والبعد عن الشبهة ، فلذلك قال : ( ألم تر ) بمعنى ألم تعلم .
المسألة الثانية : قوله : ( ألم تر ) وإن كان في الظاهر خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم لكنه عام لكل من علم ذلك . والمقصود من ذكر الله تعالى حكايتهم أن يكون زجرا للكفار عن الإقامة على مثل ما أدى إلى هلاك عاد وثمود
وفرعون وقومه ، وليكون بعثا للمؤمنين على الثبات على الإيمان .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6بعاد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر ههنا قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين وهي عاد وثمود وقوم فرعون على سبيل الإجمال حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فصب عليهم ربك سوط عذاب ) ولم يبين كيفية ذلك العذاب ، وذكر في سورة الحاقة بيان ما أبهم في هذه السورة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=5فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=6وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ) إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=9وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة ) [ الحاقة : 9 ] الآية .
المسألة الثانية :
عاد هو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، ثم إنهم جعلوا لفظة عاد اسما للقبيلة كما يقال
لبني هاشم هاشم
ولبني تميم تميم ، ثم قالوا للمتقدمين من هذه القبيلة : عاد الأولى قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=50وأنه أهلك عادا الأولى ) [ النجم : 50 ] وللمتأخرين : عاد الأخيرة ، وأما إرم فهو اسم لجد عاد ، وفي المراد منه في هذه الآية أقوال :
أحدها : أن المتقدمين من قبيلة
عاد كانوا يسمون بعاد الأولى فلذلك يسمون
بإرم تسمية لهم باسم جدهم .
والثاني : أن
إرم اسم لبلدتهم التي كانوا فيها ثم قيل تلك المدينة هي
الإسكندرية وقيل
دمشق .
والثالث : أن
إرم أعلام قوم
عاد كانوا يبنونها على هيئة المنارة وعلى هيئة القبور ، قال
أبو الدقيش : الأروم قبور
عاد ، وأنشد :
بها أروم كهوادي البخت
[ ص: 152 ]
ومن الناس من طعن في قول من قال : إن
إرم هي
الإسكندرية أو
دمشق ، قال : لأن
منازل عاد كانت بين
عمان إلى
حضرموت وهي بلاد الرمال والأحقاف ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) [ الأحقاف : 21 ] وأما
الإسكندرية ودمشق فليستا من بلاد الرمال .
المسألة الثالثة :
إرم لا تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث .
المسألة الرابعة : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ) وجهان وذلك لأنا إن جعلناه اسم القبيلة كان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ) عطف بيان
لعاد وإيذانا بأنهم
عاد الأولى القديمة وإن جعلناه اسم البلدة أو الأعلام كان التقدير
بعاد أهل إرم ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82واسأل القرية ) [ يوسف : 82 ] ويدل عليه قراءة
ابن الزبير " بعاد إرم " على الإضافة .
المسألة الخامسة : قرأ
الحسن : ( بعاد إرم ) مفتوحين وقرئ : ( بعاد إرم ) بسكون الراء على التخفيف كما قرئ : ( بورقكم ) وقرئ : ( بعاد إرم ذات العماد ) بإضافة (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ) إلى (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7ذات العماد ) وقرئ : ( بعاد أرم ذات العماد ) بدلا من " فعل ربك " ، والتقدير :
nindex.php?page=treesubj&link=31843_30539ألم تر كيف فعل ربك بعاد جعل ذات العماد رميما ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7ذات العماد ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : في إعرابه وجهان وذلك لأنا إن جعلنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ) اسم القبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين يسكنون الأخبية والخيام والخباء لا بد فيها من العماد ، والعماد بمعنى العمود . وقد يكون جمع العمد أو يكون المراد بذات العماد أنهم طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة وقيل : ذات البناء الرفيع ، وإن جعلناه اسم البلد فالمعنى أنها ذات أساطين أي ذات أبنية مرفوعة على العمد وكانوا يعالجون الأعمدة فينصبونها ويبنون فوقها القصور ، قال تعالى في وصفهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=128أتبنون بكل ريع آية تعبثون ) [ الشعراء : 128 ] أي علامة وبناء رفيعا .
المسألة الثانية : روي أنه كان
لعاد ابنان
شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات
شديد وخلص الأمر
لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها . فسمع بذكر الجنة فقال : أبني مثلها ، فبنى
إرم في بعض
صحاري عدن في ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار ، فلما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته ، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا ، وعن
عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوصل إلى جنة
شداد فحمل ما قدر عليه مما كان هناك ، وبلغ خبره
معاوية فاستحضره وقص عليه ، فبعث إلى
كعب فسأله ، فقال : هي
إرم ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت فأبصر
ابن ( أبي ) قلابة فقال : هذا والله هو ذلك الرجل .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد ) فالضمير في مثلها إلى ماذا يعود ؟ فيه وجوه :
الأول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8لم يخلق مثلها ) أي مثل
عاد في البلاد في عظم الجثة وشدة القوة ، كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع وكان يحمل الصخرة العظيمة فيلقيها على الجمع فيهلكوا .
الثاني : لم يخلق مثل مدينة
شداد في جميع بلاد الدنيا ، وقرأ
ابن الزبير ( لم يخلق مثلها ) أي لم يخلق الله مثلها .
الثالث : أن الكناية عائدة إلى العماد أي لم
[ ص: 153 ] يخلق مثل تلك الأساطين في البلاد ، وعلى هذا فالعماد جمع عمد ، والمقصود من هذه الحكاية زجر الكفار بأنه تعالى بين أنه أهلكهم بما كفروا وكذبوا الرسل ، مع الذي اختصوا به من هذه الوجوه ، فلأن تكونوا خائفين من مثل ذلك أيها الكفار إذا أقمتم على كفركم مع ضعفكم كان أولى .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي ) فقال
الليث : الجوب قطعك الشيء كما يجاب الجيب يقال : جاب يجوب جوبا . وزاد
الفراء يجيب جيبا ويقال : جبت البلاد جوبا أي جلت فيها وقطعتها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كانوا يجوبون البلاد فيجعلون منها بيوتا وأحواضا وما أرادوا من الأبنية ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=149وتنحتون من الجبال بيوتا ) [ الشعراء : 149 ] قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=34020أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود ، وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9بالوادي ) قال مقاتل : بوادي القرى .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وفرعون ذي الأوتاد ) فالاستقصاء فيه مذكور في سورة " ص " ، ونقول الآن : فيه وجوه :
أحدها : أنه سمي ذا الأوتاد لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا .
وثانيها : أنه كان يعذب الناس ويشدهم بها إلى أن يموتوا ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن
فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد وجعل على صدرها رحا واستقبل بها عين الشمس فرفعت رأسها إلى السماء وقالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ، ففرج الله عن بيتها في الجنة فرأته .
وثالثها : " ذي الأوتاد " ، أي : ذي الملك والرجال ، كما قال الشاعر :
في ظل ملك راسخ الأوتاد
ورابعها : روى
قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن تلك الأوتاد كانت ملاعب يلعبون تحتها لأجله ، واعلم أن الكلام محتمل لكل ذلك ، فبين الله تعالى لرسوله أن كل ذلك مما تعظم به الشدة ، والقول والكثرة لم يمنع من ورود هلاك عظيم بهم ، ولذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الذين طغوا في البلاد ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : يحتمل أنه يرجع الضمير إلى فرعون خاصة لأنه يليه ، ويحتمل أن يرجع إلى جميع من تقدم ذكرهم ، وهذا هو الأقرب .
المسألة الثانية : أحسن الوجوه في إعرابه أن يكون في محل النصب على الذم ، ويجوز أن يكون مرفوعا على [ الإخبار ، أي : ] " هم الذين طغوا " أو مجرورا على وصف المذكورين
عاد وثمود وفرعون .
المسألة الثالثة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11طغوا في البلاد ) أي : عملوا المعاصي وتجبروا على أنبياء الله والمؤمنين ثم فسر طغيانهم بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فأكثروا فيها الفساد ) ضد الصلاح ، فكما أن الصلاح يتناول جميع أقسام البر ، فالفساد يتناول جميع أقسام الإثم ، فمن عمل بغير أمر الله وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فصب عليهم ربك سوط عذاب ) واعلم أنه يقال : صب عليه السوط وغشاه وقنعه ، وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة ، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به . قال القاضي : وشبهه بصب السوط الذي يتواتر على المضروب فيهلكه ، وكان
الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : إن عند الله أسواطا كثيرة فأخذهم بسوط منها ، فإن قيل : أليس أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=61ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ) [ النحل : 61 ] يقتضي تأخير العذاب إلى الآخرة فكيف الجمع بين هاتين الآيتين ؟ قلنا : هذه الآية تقتضي تأخير تمام الجزاء إلى الآخرة ، والواقع في الدنيا شيء من ذلك ومقدمة من مقدماته . ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد ) تقدم عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=21كانت مرصادا ) [ النبإ : 21 ]
[ ص: 154 ] ونقول : المرصاد المكان الذي يترقب فيه الراصد " مفعال " من " رصده " كالميقات من وقته ، وهذا مثل لإرصاده العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه ، وعن بعض العرب أنه قيل له : أين ربك ؟ فقال : بالمرصاد ، وللمفسرين فيه وجوه :
أحدها : قال
الحسن : يرصد أعمال بني
آدم .
وثانيها : قال
الفراء : إليه المصير ، وهذان الوجهان عامان للمؤمنين والكافرين .
ومن المفسرين من يخص هذه الآية إما بوعيد الكفار ، أو بوعيد العصاة ؛ أما الأول فقال
الزجاج : يرصد من كفر به وعدل عن طاعته بالعذاب .
وأما الثاني فقال
الضحاك : يرصد لأهل الظلم والمعصية ، وهذه الوجوه متقاربة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ )
[ ص: 151 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ )
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) وَمَا بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُمَا .
الثَّانِي : قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ لَنُعَذِّبَنَّ الْكَافِرِينَ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَلَمْ تَرَ ) إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ) وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنِ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ ذَهَبَ الْوَهْمُ إِلَى كُلِّ مَذْهَبٍ ، فَكَانَ أَدْخَلَ فِي التَّخْوِيفِ ، فَلَمَّا جَاءَ بَعْدَهُ بَيَانُ عَذَابِ الْكَافِرِينَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ أَوَّلًا هُوَ ذَلِكَ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَلَمْ تَرَ ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَلَمْ تَرَ ، أَلَمْ تَعْلَمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَرَاهُ الرَّسُولُ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ لَفْظُ الرُّؤْيَةِ هَهُنَا عَلَى الْعِلْمِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_32016أَخْبَارَ عَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ كَانَتْ مَنْقُولَةً بِالتَّوَاتُرِ ، أَمَّا عَادٌ وَثَمُودُ فَقَدْ كَانَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ ، وَأَمَّا فِرْعَوْنُ فَقَدْ كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَبِلَادُ فِرْعَوْنَ أَيْضًا مُتَّصِلَةٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَخَبَرُ التَّوَاتُرِ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ ، وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ جَارٍ مَجْرَى الرُّؤْيَةِ فِي الْقُوَّةِ وَالْجَلَاءِ وَالْبُعْدِ عَنِ الشُّبْهَةِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ : ( أَلَمْ تَرَ ) بِمَعْنَى أَلَمْ تَعْلَمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : ( أَلَمْ تَرَ ) وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ . وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى حِكَايَتَهُمْ أَنْ يَكُونَ زَجْرًا لِلْكُفَّارِ عَنِ الْإِقَامَةِ عَلَى مِثْلِ مَا أَدَّى إِلَى هَلَاكِ عَادٍ وَثَمُودَ
وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ، وَلِيَكُونَ بَعْثًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=6بِعَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَهُنَا قِصَّةَ ثَلَاثِ فِرَقٍ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهِيَ عَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ فِرْعَوْنَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ) وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ الْعَذَابِ ، وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ بَيَانَ مَا أُبْهِمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=5فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=6وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ ) إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=9وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ) [ الْحَاقَّةِ : 9 ] الْآيَةَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
عَادٌ هُوَ عَادُ بْنُ عَوْصُ بْنُ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ جَعَلُوا لَفْظَةَ عَادٍ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ كَمَا يُقَالُ
لِبَنِي هَاشِمٍ هَاشِمٌ
وَلِبَنِي تَمِيمٍ تَمِيمٌ ، ثُمَّ قَالُوا لِلْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ : عَادٌ الْأُولَى قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=50وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ) [ النَّجْمِ : 50 ] وَلِلْمُتَأَخِّرِينَ : عَادٌ الْأَخِيرَةُ ، وَأَمَّا إِرَمُ فَهُوَ اسْمٌ لِجَدِّ عَادٍ ، وَفِي الْمُرَادِ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ قَبِيلَةِ
عَادٍ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِعَادٍ الْأَوْلَى فَلِذَلِكَ يُسَمَّوْنَ
بِإِرَمَ تَسْمِيَةً لَهُمْ بِاسْمِ جَدِّهِمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّ
إِرَمَ اسْمٌ لِبَلْدَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا ثُمَّ قِيلَ تِلْكَ الْمَدِينَةُ هِيَ
الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ وَقِيلَ
دِمَشْقُ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ
إِرَمَ أَعْلَامُ قَوْمِ
عَادٍ كَانُوا يَبْنُونَهَا عَلَى هَيْئَةِ الْمَنَارَةِ وَعَلَى هَيْئَةِ الْقُبُورِ ، قَالَ
أَبُو الدُّقَيْشِ : الْأُرُومُ قُبُورُ
عَادٍ ، وَأَنْشَدَ :
بِهَا أُرُومُ كَهَوَادِي الْبُخْتِ
[ ص: 152 ]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ طَعَنَ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ
إِرَمَ هِيَ
الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ أَوْ
دِمَشْقُ ، قَالَ : لِأَنَّ
مَنَازِلَ عَادٍ كَانَتْ بَيْنَ
عَمَّانَ إِلَى
حَضْرَمَوْتَ وَهِيَ بِلَادُ الرِّمَالِ وَالْأَحْقَافِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ ) [ الْأَحْقَافِ : 21 ] وَأَمَّا
الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ وَدِمَشْقُ فَلَيْسَتَا مِنْ بِلَادِ الرِّمَالِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
إِرَمُ لَا تَنْصَرِفُ قَبِيلَةً كَانَتْ أَوْ أَرْضًا لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيثِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ) وَجْهَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّا إِنْ جَعَلْنَاهُ اسْمَ الْقَبِيلَةِ كَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ) عَطْفَ بَيَانٍ
لِعَادٍ وَإِيذَانًا بِأَنَّهُمْ
عَادٌ الْأُولَى الْقَدِيمَةُ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ اسْمَ الْبَلْدَةِ أَوِ الْأَعْلَامِ كَانَ التَّقْدِيرُ
بِعَادٍ أَهْلِ إِرَمَ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ) [ يُوسُفَ : 82 ] وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ
ابْنِ الزُّبَيْرِ " بِعَادِ إِرَمَ " عَلَى الْإِضَافَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَرَأَ
الْحَسَنُ : ( بِعَادَ إِرَمَ ) مَفْتُوحَيْنِ وَقُرِئَ : ( بِعَادِ إِرْمَ ) بِسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى التَّخْفِيفِ كَمَا قُرِئَ : ( بِوَرْقِكُمْ ) وَقُرِئَ : ( بِعَادٍ إِرَمِ ذَاتِ الْعِمَادِ ) بِإِضَافَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ) إِلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7ذَاتِ الْعِمَادِ ) وَقُرِئَ : ( بِعَادٍ أَرَمَ ذَاتَ الْعِمَادِ ) بَدَلًا مِنْ " فَعَلَ رَبُّكَ " ، وَالتَّقْدِيرُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31843_30539أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ جَعَلَ ذَاتَ الْعِمَادِ رَمِيمًا ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7ذَاتِ الْعِمَادِ ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي إِعْرَابِهِ وَجْهَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّا إِنْ جَعَلْنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ) اسْمَ الْقَبِيلَةِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا بَدَوِيِّينَ يَسْكُنُونَ الْأَخْبِيَةَ وَالْخِيَامَ وَالْخِبَاءَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْعِمَادِ ، وَالْعِمَادُ بِمَعْنَى الْعَمُودِ . وَقَدْ يَكُونُ جَمْعَ الْعَمَدِ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِذَاتِ الْعِمَادِ أَنَّهُمْ طُوَالُ الْأَجْسَامِ عَلَى تَشْبِيهِ قُدُودِهِمْ بِالْأَعْمِدَةِ وَقِيلَ : ذَاتُ الْبَنَّاءِ الرَّفِيعِ ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ اسْمَ الْبَلَدِ فَالْمَعْنَى أَنَّهَا ذَاتُ أَسَاطِينَ أَيْ ذَاتُ أَبْنِيَةٍ مَرْفُوعَةٍ عَلَى الْعُمُدِ وَكَانُوا يُعَالِجُونَ الْأَعْمِدَةَ فَيَنْصِبُونَهَا وَيَبْنُونَ فَوْقَهَا الْقُصُورَ ، قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=128أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 128 ] أَيْ عَلَامَةً وَبِنَاءً رَفِيعًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ
لِعَادٍ ابْنَانِ
شَدَّادٌ وَشَدِيدٌ فَمَلَكَا وَقَهَرَا ثُمَّ مَاتَ
شَدِيدٌ وَخَلَصَ الْأَمْرُ
لِشَدَّادٍ فَمَلَكَ الدُّنْيَا وَدَانَتْ لَهُ مُلُوكُهَا . فَسَمِعَ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ فَقَالَ : أَبْنِي مِثْلَهَا ، فَبَنَى
إِرَمَ فِي بَعْضِ
صَحَارِي عَدَنَ فِي ثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ عُمْرُهُ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ قُصُورُهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَسَاطِينُهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَفِيهَا أَصْنَافُ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ ، فَلَمَّا تَمَّ بِنَاؤُهَا سَارَ إِلَيْهَا بِأَهْلِ مَمْلَكَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً مِنَ السَّمَاءِ فَهَلَكُوا ، وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قِلَابَةَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ فَوَصَلَ إِلَى جَنَّةِ
شَدَّادٍ فَحَمَلَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ هُنَاكَ ، وَبَلَغَ خَبَرُهُ
مُعَاوِيَةَ فَاسْتَحْضَرَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ، فَبَعَثَ إِلَى
كَعْبٍ فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : هِيَ
إِرَمُ ذَاتُ الْعِمَادِ ، وَسَيَدْخُلُهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِكَ أَحْمَرُ أَشْقَرُ قَصِيرٌ عَلَى حَاجِبِهِ خَالٍ وَعَلَى عُنُقِهِ خَالٍ ، يَخْرُجُ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَبْصَرَ
ابْنَ ( أَبِي ) قِلَابَةَ فَقَالَ : هَذَا وَاللَّهِ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ) فَالضَّمِيرُ فِي مِثْلِهَا إِلَى مَاذَا يَعُودُ ؟ فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا ) أَيْ مِثْلُ
عَادٍ فِي الْبِلَادِ فِي عِظَمِ الْجُثَّةِ وَشِدَّةِ الْقُوَّةِ ، كَانَ طُولُ الرَّجُلِ مِنْهُمْ أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ وَكَانَ يَحْمِلُ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ فَيُلْقِيهَا عَلَى الْجَمْعِ فَيَهْلَكُوا .
الثَّانِي : لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُ مَدِينَةِ
شَدَّادٍ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الدُّنْيَا ، وَقَرَأَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ ( لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهَا ) أَيْ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مِثْلَهَا .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْكِنَايَةَ عَائِدَةٌ إِلَى الْعِمَادِ أَيْ لَمْ
[ ص: 153 ] يُخْلَقْ مِثْلُ تِلْكَ الْأَسَاطِينِ فِي الْبِلَادِ ، وَعَلَى هَذَا فَالْعِمَادُ جَمْعُ عَمَدٍ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْحِكَايَةِ زَجْرُ الْكُفَّارِ بِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ أَهْلَكَهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَكَذَّبُوا الرُّسُلَ ، مَعَ الَّذِي اخْتَصُّوا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ ، فَلَأَنْ تَكُونُوا خَائِفِينَ مِنْ مَثَلِ ذَلِكَ أَيُّهَا الْكُفَّارُ إِذَا أَقَمْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ مَعَ ضَعْفِكُمْ كَانَ أَوْلَى .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي ) فَقَالَ
اللَّيْثُ : الْجَوْبُ قَطْعُكَ الشَّيْءَ كَمَا يُجَابُ الْجَيْبُ يُقَالُ : جَابَ يَجُوبُ جَوْبًا . وَزَادَ
الْفَرَّاءُ يُجِيبُ جَيْبًا وَيُقَالُ : جُبْتُ الْبِلَادَ جَوْبًا أَيْ جُلْتُ فِيهَا وَقَطَعْتُهَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانُوا يَجُوبُونَ الْبِلَادَ فَيَجْعَلُونَ مِنْهَا بُيُوتًا وَأَحْوَاضًا وَمَا أَرَادُوا مِنَ الْأَبْنِيَةِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=149وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ) [ الشُّعَرَاءِ : 149 ] قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=34020أَوَّلُ مَنْ نَحَتَ الْجِبَالَ وَالصُّخُورَ وَالرُّخَامَ ثَمُودُ ، وَبَنَوْا أَلْفًا وَسَبْعَمِائَةِ مَدِينَةٍ كُلُّهَا مِنَ الْحِجَارَةِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=9بِالْوَادِي ) قَالَ مُقَاتِلٌ : بِوَادِي الْقُرَى .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=10وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ) فَالِاسْتِقْصَاءُ فِيهِ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ " ص " ، وَنَقُولُ الْآنَ : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ سُمِّيَ ذَا الْأَوْتَادِ لِكَثْرَةِ جُنُودِهِ وَمَضَارِبِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَضْرِبُونَهَا إِذَا نَزَلُوا .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ كَانَ يُعَذِّبُ النَّاسَ وَيَشُدُّهُمْ بِهَا إِلَى أَنْ يَمُوتُوا ، رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
فِرْعَوْنَ وَتَّدَ لِامْرَأَتِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ وَجَعَلَ عَلَى صَدْرِهَا رَحَا وَاسْتَقْبَلَ بِهَا عَيْنَ الشَّمْسِ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْ بَيْتِهَا فِي الْجَنَّةِ فَرَأَتْهُ .
وَثَالِثُهَا : " ذِي الْأَوْتَادِ " ، أَيْ : ذِي الْمُلْكِ وَالرِّجَالِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
فِي ظِلِّ مَلِكٍ رَاسِخِ الْأَوْتَادِ
وَرَابِعُهَا : رَوَى
قَتَادَةُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ تِلْكَ الْأَوْتَادَ كَانَتْ مُلَاعِبَ يَلْعَبُونَ تَحْتَهَا لِأَجْلِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ ذَلِكَ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الشِّدَّةُ ، وَالْقَوْلُ وَالْكَثْرَةُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ وُرُودِ هَلَاكٍ عَظِيمٍ بِهِمْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إِلَى فِرْعَوْنَ خَاصَّةً لِأَنَّهُ يَلِيهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : أَحْسَنُ الْوُجُوهِ فِي إِعْرَابِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الذَّمِّ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى [ الْإِخْبَارِ ، أَيْ : ] " هُمُ الَّذِينَ طَغَوْا " أَوْ مَجْرُورًا عَلَى وَصْفِ الْمَذْكُورِينَ
عَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=11طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ) أَيْ : عَمِلُوا الْمَعَاصِيَ وَتَجَبَّرُوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ فَسَّرَ طُغْيَانَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=12فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ) ضِدَّ الصَّلَاحِ ، فَكَمَا أَنَّ الصَّلَاحَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَقْسَامِ الْبِرِّ ، فَالْفَسَادُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَقْسَامِ الْإِثْمِ ، فَمَنْ عَمِلِ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ وَحَكَمَ فِي عِبَادِهِ بِالظُّلْمِ فَهُوَ مُفْسِدٌ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=13فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ : صَبَّ عَلَيْهِ السَّوْطَ وَغَشَّاهُ وَقَنَّعَهُ ، وَذِكْرُ السَّوْطِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَا أَحَلَّهُ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، كَالسَّوْطِ إِذَا قِيسَ إِلَى سَائِرِ مَا يُعَذَّبُ بِهِ . قَالَ الْقَاضِي : وَشَبَّهَهُ بِصَبِّ السَّوْطِ الَّذِي يَتَوَاتَرُ عَلَى الْمَضْرُوبِ فَيُهْلِكُهُ ، وَكَانَ
الْحَسَنُ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ : إِنَّ عِنْدَ اللَّهِ أَسْوَاطًا كَثِيرَةً فَأَخَذَهُمْ بِسَوْطٍ مِنْهَا ، فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=61وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ) [ النَّحْلِ : 61 ] يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْعَذَابِ إِلَى الْآخِرَةِ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ؟ قُلْنَا : هَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ تَمَامِ الْجَزَاءِ إِلَى الْآخِرَةِ ، وَالْوَاقِعُ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَمُقَدِّمَةٌ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=21كَانَتْ مِرْصَادًا ) [ النَّبَإِ : 21 ]
[ ص: 154 ] وَنَقُولُ : الْمِرْصَادُ الْمَكَانُ الَّذِي يَتَرَقَّبُ فِيهِ الرَّاصِدُ " مِفْعَالٌ " مِنْ " رَصَدَهُ " كَالْمِيقَاتِ مِنْ وَقَتَهُ ، وَهَذَا مَثَلٌ لِإِرْصَادِهِ الْعُصَاةَ بِالْعِقَابِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفُوتُونَهُ ، وَعَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَيْنَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : بِالْمِرْصَادِ ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : قَالَ
الْحَسَنُ : يَرْصُدُ أَعْمَالَ بَنِي
آدَمَ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
الْفَرَّاءُ : إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ عَامَّانِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ .
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَخُصُّ هَذِهِ الْآيَةَ إِمَّا بِوَعِيدِ الْكُفَّارِ ، أَوْ بِوَعِيدِ الْعُصَاةِ ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ
الزَّجَّاجُ : يَرْصُدُ مَنْ كَفَرَ بِهِ وَعَدَلَ عَنْ طَاعَتِهِ بِالْعَذَابِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ
الضَّحَّاكُ : يَرْصُدُ لِأَهْلِ الظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ مُتَقَارِبَةٌ .