(
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فألهمها فجورها وتقواها )
أما قوله تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فألهمها فجورها وتقواها ) فالمعنى المحصل فيه وجهان :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30458_30455إلهام الفجور والتقوى إفهامهما وإعقالهما ، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح وتمكينه من اختيار ما شاء منهما ، وهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وهديناه النجدين ) [ البلد : 10 ] وهذا تأويل مطابق لمذاهب المعتزلة ، قالوا : ويدل عليه قوله بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قد أفلح من زكاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=10وقد خاب من دساها ) ، وهذا الوجه مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعن جمع من أكابر المفسرين .
والوجه الثاني : أنه تعالى ألهم المؤمن المتقي تقواه وألهم الكافر فجوره ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : ألزمها فجورها وتقواها ، وقال
ابن زيد : جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها بالفجور ، واختار
الزجاج والواحدي ذلك ، قال
الواحدي : التعليم والتعريف والتبيين غير ، والإلهام غير ، فإن الإلهام هو أن يوقع الله في قلب العبد شيئا ، وإذا أوقع في قلبه شيئا فقد ألزمه إياه ، وأصل معنى الإلهام من قولهم : لهم الشيء ، والتهمه إذا ابتلعه ، وألهمته ذلك الشيء أي أبلغته ، وهذا هو الأصل ثم استعمل ذلك فيما يقذفه الله تعالى في قلب العبد ; لأنه كالإبلاغ ، فالتفسير الموافق لهذا الأصل قول
ابن زيد ، وهو صريح في أن الله تعالى خلق في المؤمن تقواه ، وفي الكافر فجوره ، وأما التمسك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قد أفلح من زكاها ) فضعيف لأن المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومقاتل والكلبي أن المعنى قد أفلحت وسعدت نفس زكاها الله تعالى وأصلحها وطهرها ، والمعنى وفقها للطاعة ، هذا آخر كلام
الواحدي وهو تام . وأقول قد ذكرنا أن الآيات الثلاثة ذكرت للدلالة على كونه سبحانه مدبرا للأجسام العلوية والسفلية البسيطة والمركبة ، فههنا لم يبق شيء مما في عالم المحسوسات إلا وقد ثبت بمقتضى ذلك التنبيه أنه واقع بتخليقه وتدبيره ، بقي شيء واحد يختلج في القلب أنه هل هو بقضائه وقدره وهو الأفعال الحيوانية الاختيارية ، فنبه سبحانه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فألهمها فجورها وتقواها ) على أن ذلك أيضا منه وبه وبقضائه وقدره ، وحينئذ ثبت أن كل ما سوى الله فهو واقع بقضائه وقدره . وداخل تحت إيجاده وتصرفه . ثم الذي يدل عقلا على أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فألهمها فجورها وتقواها ) هو الخذلان والتوفيق ما ذكرنا مرارا أن الأفعال الاختيارية موقوفة على حصول الاختيارات ، فحصولها إن كان لا عن فاعل فقد استغنى المحدث عن الفاعل ، وفيه نفي الصانع ، وإن كان عن فاعل هو العبد لزم التسلسل ، وإن كان عن الله فهو المقصود ، وأيضا فليجرب العاقل نفسه ، فإنه ربما كان الإنسان غافلا عن شيء فتقع صورته في قلبه دفعة ، ويترتب على وقوع تلك الصورة في القلب ميل إليه ، ويترتب على ذلك الميل حركة الأعضاء وصدور الفعل ، وذلك يفيد القطع بأن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فألهمها ) ما ذكرناه لا ما ذكره المعتزلة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا )
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) فَالْمَعْنَى الْمُحَصَّلُ فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30458_30455إِلْهَامَ الْفُجُورِ وَالتَّقْوَى إِفْهَامُهُمَا وَإِعْقَالُهُمَا ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا حَسَنٌ وَالْآخَرَ قَبِيحٌ وَتَمْكِينُهُ مِنِ اخْتِيَارِ مَا شَاءَ مِنْهُمَا ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) [ الْبَلَدِ : 10 ] وَهَذَا تَأْوِيلٌ مُطَابِقٌ لِمَذَاهِبِ الْمُعْتَزِلَةِ ، قَالُوا : وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=10وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ، وَهَذَا الْوَجْهُ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَمْعٍ مِنْ أَكَابِرِ الْمُفَسِّرِينَ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى أَلْهَمَ الْمُؤْمِنَ الْمُتَّقِيَ تَقْوَاهُ وَأَلْهَمَ الْكَافِرَ فُجُورَهُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : أَلْزَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : جَعَلَ فِيهَا ذَلِكَ بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهَا لِلتَّقْوَى وَخِذْلَانِهِ إِيَّاهَا بِالْفُجُورِ ، وَاخْتَارَ
الزَّجَّاجُ وَالْوَاحِدِيُّ ذَلِكَ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : التَّعْلِيمُ وَالتَّعْرِيفُ وَالتَّبْيِينُ غَيْرُ ، وَالْإِلْهَامُ غَيْرُ ، فَإِنَّ الْإِلْهَامَ هُوَ أَنْ يُوقِعَ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ شَيْئًا ، وَإِذَا أَوْقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْئًا فَقَدْ أَلْزَمَهُ إِيَّاهُ ، وَأَصْلُ مَعْنَى الْإِلْهَامِ مِنْ قَوْلِهِمْ : لَهِمَ الشَّيْءَ ، وَالْتَهَمَهُ إِذَا ابْتَلَعَهُ ، وَأَلْهَمْتُهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَيْ أَبْلَغْتُهُ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِيمَا يَقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِ الْعَبْدِ ; لِأَنَّهُ كَالْإِبْلَاغِ ، فَالتَّفْسِيرُ الْمُوَافِقُ لِهَذَا الْأَصْلِ قَوْلُ
ابْنِ زَيْدٍ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ ، وَفِي الْكَافِرِ فُجُورَهُ ، وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) فَضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ أَنَّ الْمَعْنَى قَدْ أَفْلَحَتْ وَسَعِدَتْ نَفْسٌ زَكَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَصْلَحَهَا وَطَهَّرَهَا ، وَالْمَعْنَى وَفَّقَهَا لِلطَّاعَةِ ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ
الْوَاحِدِيِّ وَهُوَ تَامٌّ . وَأَقُولُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْآيَاتِ الثَّلَاثَةَ ذُكِرَتْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ مُدَبِّرًا لِلْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ الْبَسِيطَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ ، فَهَهُنَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا فِي عَالَمِ الْمَحْسُوسَاتِ إِلَّا وَقَدْ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِتَخْلِيقِهِ وَتَدْبِيرِهِ ، بَقِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَخْتَلِجُ فِي الْقَلْبِ أَنَّهُ هَلْ هُوَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَهُوَ الْأَفْعَالُ الْحَيَوَانِيَّةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ ، فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْهُ وَبِهِ وَبِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ، وَحِينَئِذٍ ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ وَاقِعٌ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ . وَدَاخِلٌ تَحْتَ إِيجَادِهِ وَتَصَرُّفِهِ . ثُمَّ الَّذِي يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) هُوَ الْخِذْلَانُ وَالتَّوْفِيقُ مَا ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى حُصُولِ الِاخْتِيَارَاتِ ، فَحُصُولُهَا إِنْ كَانَ لَا عَنْ فَاعِلٍ فَقَدِ اسْتَغْنَى الْمُحَدِّثُ عَنِ الْفَاعِلِ ، وَفِيهِ نَفْيُ الصَّانِعِ ، وَإِنْ كَانَ عَنْ فَاعِلٍ هُوَ الْعَبْدُ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ ، وَإِنْ كَانَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ ، وَأَيْضًا فَلْيُجَرِّبِ الْعَاقِلُ نَفْسَهُ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ غَافِلًا عَنْ شَيْءٍ فَتَقَعُ صُورَتُهُ فِي قَلْبِهِ دُفْعَةً ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى وُقُوعِ تِلْكَ الصُّورَةِ فِي الْقَلْبِ مَيْلٌ إِلَيْهِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْمَيْلِ حَرَكَةُ الْأَعْضَاءِ وَصُدُورُ الْفِعْلِ ، وَذَلِكَ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فَأَلْهَمَهَا ) مَا ذَكَرْنَاهُ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَزِلَةُ .