( وما يغني عنه ماله إذا تردى  إن علينا للهدى    ) 
أما قوله تعالى : ( وما يغني عنه ماله إذا تردى    ) فاعلم أن " ما " هنا يحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الإنكار ، ويحتمل أن يكون نفيا . وأما ( تردى    ) ففيه وجهان : 
الأول : أن يكون ذلك مأخوذا من قولك : تردى من الجبل ، قال الله تعالى : ( والمتردية والنطيحة    ) [ المائدة : 3 ] فيكون المعنى : تردى في الحفرة إذا قبر ، أو تردى في قعر جهنم ، وتقدير الآية : إنا إذا يسرناه للعسرى -وهي النار - تردى في جهنم ، فماذا يغني عنه ماله الذي بخل به وتركه لوارثه ، ولم يصحب منه إلى آخرته ، التي هي موضع فقره وحاجته شيئا ، كما قال : ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم    ) [ الأنعام : 94 ] ، وقال : ( ونرثه ما يقول ويأتينا فردا    ) [ مريم : 80 ] أخبر أن الذي ينتفع الإنسان به هو ما يقدمه الإنسان من أعمال البر وإعطاء الأموال في حقوقها  ، دون المال الذي يخلفه على ورثته . 
الثاني : أن " تردى " تفعل من الردى وهو الهلاك يريد الموت . 
أما قوله تعالى : ( إن علينا للهدى    ) فاعلم أنه تعالى لما عرفهم أن سعيهم شتى في العواقب وبين ما للمحسن من اليسرى وللمسيء من العسرى ; أخبرهم أنه قد قضى ما عليه من البيان والدلالة والترغيب والترهيب والإرشاد والهداية فقال : ( إن علينا للهدى    ) أي : إن الذي يجب علينا في الحكمة إذا خلقنا الخلق للعبادة أن نبين لهم وجوه التعبد وشرح ما يكون المتعبد به مطيعا مما يكون به عاصيا ، إذ كنا إنما خلقناهم لننفعهم ونرحمهم ونعرضهم للنعيم المقيم ، فقد فعلنا ما كان فعله واجبا علينا في الحكمة ، والمعتزلة  احتجوا بهذه الآية على صحة مذهبهم في مسائل : 
إحداها : أنه تعالى أباح الأعذار وما كلف المكلف إلا ما في وسعه وطاقته ، فثبت أنه تعالى لا يكلف بما لا يطاق . 
وثانيها : أن كلمة " على " للوجوب ، فتدل على أنه قد يجب للعبد على الله شيء . 
وثالثها : أنه لو لم يكن العبد مستقلا بالإيجاد لما كان في وضع الدلائل فائدة ، وأجوبة أصحابنا عن مثل هذه الوجوه مشهورة ، وذكر الواحدي  وجها آخر نقله عن الفراء  فقال المعنى : إن علينا للهدى والإضلال ، فترك الإضلال كما قال : ( سرابيل تقيكم الحر    ) [ النحل : 81 ] وهي تقي الحر والبرد ، وهذا معنى قول  ابن عباس  في رواية عطاء  ، قال : يريد أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي ، وأحول بين أعدائي أن يعملوا بطاعتي فذكر معنى الإضلال ، قالت المعتزلة    : هذا التأويل ساقط لقوله تعالى : ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر    ) [ النحل : 9 ] فبين أن قصد السبيل على الله ، وأما جور السبيل فبين أنه ليس على الله ولا منه ، واعلم أن الاستقصاء قد سبق في تلك الآية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					