[ ص: 188 ] (
nindex.php?page=treesubj&link=28883_28889_29064سورة الضحى )
إحدى عشرة آية ، مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2والليل إذا سجى )
وأنا على عزم أن أضم إلى تفسير هذه السورة ما فيها من اللطائف التذكارية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2والليل إذا سجى ) لأهل التفسير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى ) وجهان :
أحدهما : أن المراد بالضحى وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقي شعاعها .
وثانيها : الضحى هو النهار كله بدليل أنه جعل في مقابلة الليل كله .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2والليل إذا سجى ) فذكر أهل اللغة في (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2سجى ) ثلاثة أوجه متقاربة : سكن وأظلم وغطى :
أما الأول : فقال
أبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد والزجاج : سجى أي سكن يقال : ليلة ساجية أي : ساكنة الريح ، وعين ساجية أي : فاترة الطرف . وسجى البحر إذا سكنت أمواجه ، وقال في الدعاء :
يا مالك البحر إذا البحر سجى
وأما الثاني : وهو تفسير " سجى " بـ" أظلم " ، فقال
الفراء : سجى أي : أظلم وركد في طوله .
وأما الثالث : وهو تفسير " سجى " بغطى ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي nindex.php?page=showalam&ids=12585وابن الأعرابي : سجى الليل تغطيته النهار ، مثل ما يسجى الرجل بالثوب ، واعلم أن أقوال المفسرين غير خارجة عن هذه الوجوه الثلاثة فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : غطى الدنيا بالظلمة ، وقال
الحسن : ألبس الناس ظلامه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : إذا أقبل الليل غطى كل شيء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد : سكن بالناس ولسكونه معنيان :
أحدهما : سكون الناس فنسب إليه كما يقال : ليل نائم ونهار صائم .
والثاني : هو أن سكونه عبارة عن استقرار ظلامه
[ ص: 189 ] واستوائه فلا يزداد بعد ذلك ، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : ما الحكمة في أنه تعالى في السورة الماضية قدم ذكر الليل ، وفي هذه السورة أخره ؟ قلنا : فيه وجوه :
أحدها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32440_31755_29485بالليل والنهار ينتظم مصالح المكلفين ، والليل له فضيلة السبق لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وجعل الظلمات والنور ) [ الأنعام : 1 ] وللنهار فضيلة النور ، بل الليل كالدنيا والنهار كالآخرة ، فلما كان لكل واحد فضيلة ليست للآخر ، لا جرم قدم هذا على ذاك تارة ، وذاك على هذا أخرى ، ونظيره أنه تعالى قدم السجود على الركوع في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43واسجدي واركعي ) [ آل عمران : 43 ] ثم قدم الركوع على السجود في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=77اركعوا واسجدوا ) [ الحج : 77 ] .
وثانيها : أنه تعالى قدم الليل على النهار في سورة
أبي بكر ; لأن
أبا بكر سبقه كفر ، وههنا قدم الضحى لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما سبقه ذنب .
وثالثها : سورة " والليل " سورة
أبي بكر ، وسورة الضحى سورة
محمد عليه الصلاة والسلام ثم ما جعل بينهما واسطة ليعلم أنه لا واسطة بين
محمد وأبي بكر ، فإذا ذكرت الليل أولا وهو
أبو بكر ، ثم صعدت وجدت بعده النهار وهو
محمد ، وإن ذكرت " والضحى " أولا وهو
محمد ، ثم نزلت وجدت بعده الليل وهو
أبو بكر ، ليعلم أنه لا واسطة بينهما .
السؤال الثاني : ما الحكمة ههنا في
nindex.php?page=treesubj&link=33062_28904الحلف بالضحى والليل فقط ؟
والجواب : لوجوه :
أحدها : كأنه تعالى يقول : الزمان ساعة ، فساعة ساعة ليل ، وساعة نهار ، ثم يزداد فمرة تزداد ساعات الليل وتنقص ساعات النهار ، ومرة بالعكس فلا تكون الزيادة لهوى ولا النقصان لقلى ، بل للحكمة ، كذا الرسالة وإنزال الوحي بحسب المصالح فمرة إنزال ومرة حبس ، فلا كان الإنزال عن هوى ، ولا كان الحبس عن قلى .
وثانيها : أن العالم لا يؤثر كلامه حتى يعمل به ، فلما أمر الله تعالى بأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، لم يكن بد من أن يعمل به ، فالكفار لما ادعوا أن ربه ودعه وقلاه ، قال : هاتوا الحجة فعجزوا فلزمه اليمين بأنه ما ودعه وأنه ما قلاه .
وثانيها : كأنه تعالى يقول : انظروا إلى جوار الليل مع النهار لا يسلم أحدهما عن الآخر بل الليل تارة يغلب وتارة يغلب ، فكيف تطمع أن تسلم على الخلق ؟ !
السؤال الثالث : لم خص وقت الضحى بالذكر ؟ الجواب : فيه وجوه :
أحدها : أنه وقت اجتماع الناس وكمال الأنس بعد الاستيحاش في زمان الليل ، فبشروه أن بعد استيحاشك بسبب احتباس الوحي يظهر ضحى نزول الوحي .
وثانيها : أنها الساعة التي كلم فيها
موسى ربه ، وألقي فيها السحرة سجدا ، فاكتسى الزمان صفة الفضيلة لكونه ظرفا ، فكيف فاعل الطاعة ! وأفاد أيضا أن الذي أكرم
موسى لا يدع إكرامك ، والذي قلب قلوب السحرة حتى سجدوا يقلب قلوب أعدائك .
السؤال الرابع : ما
nindex.php?page=treesubj&link=29485_34077السبب في أنه ذكر الضحى وهو ساعة من النهار ، وذكر الليل بكليته ؟
الجواب : فيه وجوه :
أحدها : أنه إشارة إلى أن ساعة من النهار توازي جميع الليل كما أن
محمدا إذا وزن يوازي جميع الأنبياء .
والثاني : أن النهار وقت السرور والراحة ، والليل وقت الوحشة والغم فهو إشارة إلى أن هموم الدنيا أدوم من سرورها ، فإن الضحى ساعة والليل هكذا ساعات ، يروى أن الله تعالى لما خلق العرش أظلت غمامة سوداء عن يساره ، ونادت ماذا أمطر ؟ فأجيبت أن أمطري الهموم والأحزان مائة سنة ، ثم انكشفت فأمرت مرة أخرى بذلك وهكذا إلى تمام ثلاثمائة سنة ، ثم بعد ذلك أظلت عن يمين العرش غمامة بيضاء ونادت : ماذا أمطر ؟ فأجيبت أن أمطري السرور ساعة ، فلهذا السبب ترى الغموم والأحزان دائمة والسرور قليلا ونادرا .
[ ص: 190 ] وثالثها : أن وقت الضحى وقت حركة الناس وتعارفهم فصارت نظير وقت الحشر ، والليل إذا سكن نظير سكون الناس في ظلمة القبور ، فكلاهما حكمة ونعمة ، لكن الفضيلة للحياة على الموت ، ولما بعد الموت على ما قبله ، فلهذا السبب قدم ذكر الضحى على ذكر الليل .
ورابعها : ذكر الضحى حتى لا يحصل اليأس من روحه ، ثم عقبه بالليل حتى لا يحصل الأمن من مكره .
السؤال الخامس : هل أحد من المذكورين فسر الضحى بوجه
محمد والليل بشعره ؟ والجواب : نعم ولا استبعاد فيه ، ومنهم من زاد عليه فقال : " والضحى " ذكور أهل بيته ، " والليل " إناثهم ، ويحتمل : الضحى رسالته والليل زمان احتباس الوحي ; لأن في حال النزول حصل الاستئناس وفي زمن الاحتباس حصل الاستيحاش ، ويحتمل " والضحى " نور علمه الذي به يعرف المستور من الغيوب ، " والليل " عفوه الذي به يستر جميع العيوب . ويحتمل أن الضحى إقبال الإسلام بعد أن كان غريبا " والليل " إشارة إلى أنه سيعود غريبا ، ويحتمل " والضحى " كمال العقل ، " والليل " حال الموت ، ويحتمل : أقسم بعلانيتك التي لا يرى عليها الخلق عيبا ، وبسرك الذي لا يعلم عليه عالم الغيب عيبا .
[ ص: 188 ] (
nindex.php?page=treesubj&link=28883_28889_29064سُورَةُ الضُّحَى )
إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً ، مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى )
وَأَنَا عَلَى عَزْمٍ أَنْ أَضُمَّ إِلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ مَا فِيهَا مِنَ اللَّطَائِفِ التِّذْكَارِيَّةِ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ) لِأَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى ) وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِالضُّحَى وَقْتُ الضُّحَى وَهُوَ صَدْرُ النَّهَارِ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ وَتُلْقِي شُعَاعَهَا .
وَثَانِيهَا : الضُّحَى هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ اللَّيْلِ كُلِّهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ) فَذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2سَجَى ) ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ مُتَقَارِبَةٍ : سَكَنَ وَأَظْلَمَ وَغَطَّى :
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ : سَجَى أَيْ سَكَنَ يُقَالُ : لَيْلَةٌ سَاجِيَةٌ أَيْ : سَاكِنَةُ الرِّيحِ ، وَعَيْنٌ سَاجِيَةٌ أَيْ : فَاتِرَةُ الطَّرْفِ . وَسَجَى الْبَحْرُ إِذَا سَكَنَتْ أَمْوَاجُهُ ، وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ :
يَا مَالِكَ الْبَحْرِ إِذَا الْبَحْرُ سَجَى
وَأَمَّا الثَّانِي : وَهُوَ تَفْسِيرُ " سَجَى " بِـ" أَظْلَمَ " ، فَقَالَ
الْفَرَّاءُ : سَجَى أَيْ : أَظْلَمَ وَرَكَدَ فِي طُولِهِ .
وَأَمَّا الثَّالِثُ : وَهُوَ تَفْسِيرُ " سَجَى " بِغَطَّى ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12585وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : سَجَى اللَّيْلُ تَغْطِيَتُهُ النَّهَارَ ، مِثْلَ مَا يُسَجَّى الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : غَطَّى الدُّنْيَا بِالظُّلْمَةِ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ : أُلْبِسَ النَّاسُ ظَلَامَهُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ غَطَّى كُلَّ شَيْءٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ : سَكَنَ بِالنَّاسِ وَلِسُكُونِهِ مَعْنَيَانِ :
أَحَدُهُمَا : سُكُونُ النَّاسِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ كَمَا يُقَالُ : لَيْلٌ نَائِمٌ وَنَهَارٌ صَائِمٌ .
وَالثَّانِي : هُوَ أَنَّ سُكُونَهُ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِقْرَارِ ظَلَامِهِ
[ ص: 189 ] وَاسْتِوَائِهِ فَلَا يَزْدَادُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى فِي السُّورَةِ الْمَاضِيَةِ قَدَّمَ ذِكْرَ اللَّيْلِ ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ أَخَّرَهُ ؟ قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32440_31755_29485بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الْمُكَلَّفِينَ ، وَاللَّيْلُ لَهُ فَضِيلَةُ السَّبْقِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) [ الْأَنْعَامِ : 1 ] وَلِلنَّهَارِ فَضِيلَةُ النُّورِ ، بَلِ اللَّيْلُ كَالدُّنْيَا وَالنَّهَارُ كَالْآخِرَةِ ، فَلَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَضِيلَةٌ لَيْسَتْ لِلْآخَرِ ، لَا جَرَمَ قُدِّمَ هَذَا عَلَى ذَاكَ تَارَةً ، وَذَاكَ عَلَى هَذَا أُخْرَى ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43وَاسْجُدِي وَارْكَعِي ) [ آلِ عِمْرَانَ : 43 ] ثُمَّ قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى السُّجُودِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=77ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) [ الْحَجِّ : 77 ] .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ فِي سُورَةِ
أَبِي بَكْرٍ ; لِأَنَّ
أَبَا بَكْرٍ سَبَقَهُ كَفْرٌ ، وَهَهُنَا قَدَّمَ الضُّحَى لِأَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا سَبَقَهُ ذَنْبٌ .
وَثَالِثُهَا : سُورَةُ " وَاللَّيْلِ " سُورَةُ
أَبِي بَكْرٍ ، وَسُورَةُ الضُّحَى سُورَةُ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثُمَّ مَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ
مُحَمَّدٍ وَأَبِي بَكْرٍ ، فَإِذَا ذَكَرْتَ اللَّيْلَ أَوَّلًا وَهُوَ
أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ صَعَدْتَ وَجَدْتَ بَعْدَهُ النَّهَارَ وَهُوَ
مُحَمَّدٌ ، وَإِنْ ذَكَرْتَ " وَالضُّحَى " أَوَّلًا وَهُوَ
مُحَمَّدٌ ، ثُمَّ نَزَلْتَ وَجَدْتَ بَعْدَهُ اللَّيْلَ وَهُوَ
أَبُو بَكْرٍ ، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا .
السُّؤَالُ الثَّانِي : مَا الْحِكْمَةُ هَهُنَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33062_28904الْحَلِفِ بِالضُّحَى وَاللَّيْلِ فَقَطْ ؟
وَالْجَوَابُ : لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الزَّمَانُ سَاعَةٌ ، فَسَاعَةٌ سَاعَةُ لَيْلٍ ، وَسَاعَةُ نَهَارٍ ، ثُمَّ يَزْدَادُ فَمَرَّةً تَزْدَادُ سَاعَاتُ اللَّيْلِ وَتَنْقُصُ سَاعَاتُ النَّهَارِ ، وَمَرَّةً بِالْعَكْسِ فَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِهَوًى وَلَا النُّقْصَانُ لِقِلًى ، بَلْ لِلْحِكْمَةِ ، كَذَا الرِّسَالَةُ وَإِنْزَالُ الْوَحْيِ بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ فَمَرَّةً إِنْزَالٌ وَمَرَّةً حَبْسٌ ، فَلَا كَانَ الْإِنْزَالُ عَنْ هَوًى ، وَلَا كَانَ الْحَبْسُ عَنْ قِلًى .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْعَالِمَ لَا يُؤَثِّرُ كَلَامُهُ حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ ، فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ ، فَالْكُفَّارُ لَمَّا ادَّعَوْا أَنَّ رَبَّهُ وَدَّعَهُ وَقَلَاهُ ، قَالَ : هَاتُوا الْحُجَّةَ فَعَجَزُوا فَلَزِمَهُ الْيَمِينُ بِأَنَّهُ مَا وَدَّعَهُ وَأَنَّهُ مَا قَلَاهُ .
وَثَانِيهَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى جِوَارِ اللَّيْلِ مَعَ النَّهَارِ لَا يَسْلَمُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بَلِ اللَّيْلُ تَارَةً يَغْلِبُ وَتَارَةً يُغْلَبُ ، فَكَيْفَ تَطْمَعُ أَنْ تَسْلَمَ عَلَى الْخَلْقِ ؟ !
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : لِمَ خُصَّ وَقْتُ الضُّحَى بِالذِّكْرِ ؟ الْجَوَابُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ وَقْتُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَكَمَالِ الْأُنْسِ بَعْدَ الِاسْتِيحَاشِ فِي زَمَانِ اللَّيْلِ ، فَبَشَّرُوهُ أَنَّ بَعْدَ اسْتِيحَاشِكَ بِسَبَبِ احْتِبَاسِ الْوَحْيِ يَظْهَرُ ضُحَى نُزُولِ الْوَحْيِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهَا السَّاعَةُ الَّتِي كَلَّمَ فِيهَا
مُوسَى رَبَّهُ ، وَأُلْقِي فِيهَا السَّحَرَةُ سُجَّدًا ، فَاكْتَسَى الزَّمَانُ صِفَةَ الْفَضِيلَةِ لِكَوْنِهِ ظَرْفًا ، فَكَيْفَ فَاعِلُ الطَّاعَةِ ! وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي أَكْرَمَ
مُوسَى لَا يَدَعُ إِكْرَامَكَ ، وَالَّذِي قَلَبَ قُلُوبَ السَّحَرَةِ حَتَّى سَجَدُوا يَقْلِبُ قُلُوبَ أَعْدَائِكَ .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=29485_34077السَّبَبُ فِي أَنَّهُ ذَكَرَ الضُّحَى وَهُوَ سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ ، وَذَكَرَ اللَّيْلَ بِكُلِّيَّتِهِ ؟
الْجَوَابُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ تَوَازِي جَمِيعَ اللَّيْلِ كَمَا أَنَّ
مُحَمَّدًا إِذَا وُزِنَ يُوَازِي جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ النَّهَارَ وَقْتُ السُّرُورِ وَالرَّاحَةِ ، وَاللَّيْلَ وَقْتُ الْوَحْشَةِ وَالْغَمِّ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هُمُومَ الدُّنْيَا أَدْوَمُ مِنْ سُرُورِهَا ، فَإِنَّ الضُّحَى سَاعَةٌ وَاللَّيْلَ هَكَذَا سَاعَاتٌ ، يُرْوَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْعَرْشَ أَظَلَّتْ غَمَامَةٌ سَوْدَاءُ عَنْ يَسَارِهِ ، وَنَادَتْ مَاذَا أُمْطِرُ ؟ فَأُجِيبَتْ أَنْ أَمْطِرِي الْهُمُومَ وَالْأَحْزَانَ مِائَةَ سَنَةٍ ، ثُمَّ انْكَشَفَتْ فَأُمِرَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِذَلِكَ وَهَكَذَا إِلَى تَمَامِ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَظَلَّتْ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ غَمَامَةٌ بَيْضَاءُ وَنَادَتْ : مَاذَا أُمْطِرُ ؟ فَأُجِيبَتْ أَنْ أَمْطِرِي السُّرُورَ سَاعَةً ، فَلِهَذَا السَّبَبِ تَرَى الْغُمُومَ وَالْأَحْزَانَ دَائِمَةً وَالسُّرُورَ قَلِيلًا وَنَادِرًا .
[ ص: 190 ] وَثَالِثُهَا : أَنَّ وَقْتَ الضُّحَى وَقْتَ حَرَكَةِ النَّاسِ وَتَعَارُفِهِمْ فَصَارَتْ نَظِيرَ وَقْتِ الْحَشْرِ ، وَاللَّيْلُ إِذَا سَكَنَ نَظِيرُ سُكُونِ النَّاسِ فِي ظُلْمَةِ الْقُبُورِ ، فَكِلَاهُمَا حِكْمَةٌ وَنِعْمَةٌ ، لَكِنَّ الْفَضِيلَةَ لِلْحَيَاةِ عَلَى الْمَوْتِ ، وَلَمَّا بَعُدَ الْمَوْتُ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَدَّمَ ذِكْرَ الضُّحَى عَلَى ذِكْرِ اللَّيْلِ .
وَرَابِعُهَا : ذَكَرَ الضُّحَى حَتَّى لَا يَحْصُلَ الْيَأْسُ مِنْ رُوحِهِ ، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِاللَّيْلِ حَتَّى لَا يَحْصُلَ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِهِ .
السُّؤَالُ الْخَامِسُ : هَلْ أَحَدٌ مِنَ الْمَذْكُورِينَ فَسَّرَ الضُّحَى بِوَجْهِ
مُحَمَّدٍ وَاللَّيْلَ بِشَعْرِهِ ؟ وَالْجَوَابُ : نَعَمْ وَلَا اسْتِبْعَادَ فِيهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ : " وَالضُّحَى " ذُكُورُ أَهْلِ بَيْتِهِ ، " وَاللَّيْلِ " إِنَاثُهُمْ ، وَيُحْتَمَلُ : الضُّحَى رِسَالَتُهُ وَاللَّيْلُ زَمَانُ احْتِبَاسِ الْوَحْيِ ; لِأَنَّ فِي حَالِ النُّزُولِ حَصَلَ الِاسْتِئْنَاسُ وَفِي زَمَنِ الِاحْتِبَاسِ حَصَلَ الِاسْتِيحَاشُ ، وَيُحْتَمَلُ " وَالضُّحَى " نُورُ عِلْمِهِ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ الْمَسْتُورُ مِنَ الْغُيُوبِ ، " وَاللَّيْلِ " عَفْوُهُ الَّذِي بِهِ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْعُيُوبِ . وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضُّحَى إِقْبَالُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَرِيبًا " وَاللَّيْلِ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ سَيَعُودُ غَرِيبًا ، وَيُحْتَمَلُ " وَالضُّحَى " كَمَالُ الْعَقْلِ ، " وَاللَّيْلِ " حَالُ الْمَوْتِ ، وَيُحْتَمَلُ : أُقْسِمُ بِعَلَانِيَتِكَ الَّتِي لَا يَرَى عَلَيْهَا الْخَلْقُ عَيْبًا ، وَبِسِرِّكَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ عَلَيْهِ عَالِمُ الْغَيْبِ عَيْبًا .