[ ص: 3 ] [ سورة الشرح ]
ثمان آيات مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك ) .
يروى عن
طاووس nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقولان : هذه السورة وسورة الضحى سورة واحدة وكانا يقرآنهما في الركعة الواحدة وما كانا يفصلان بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم والذي دعاهما إلى ذلك هو أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك ) كالعطف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=6ألم يجدك يتيما ) [الضحى : 6] وليس كذلك لأن الأول كان نزوله حال اغتمام الرسول صلى الله عليه وسلم من إيذاء الكفار فكانت حال محنة وضيق صدر . والثاني يقتضي أن يكون حال النزول منشرح الصدر طيب القلب ، فأنى يجتمعان .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك )
استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار ، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه ، فكأنه قيل : شرحنا لك صدرك ، وفي شرح الصدر قولان :
الأول : ما
nindex.php?page=treesubj&link=30623روي أن جبريل عليه السلام أتاه وشق صدره وأخرج قلبه وغسله وأنقاه من المعاصي ثم ملأه علما وإيمانا ووضعه في صدره .
واعلم أن القاضي طعن في هذه الرواية من وجوه :
أحدها : أن الرواية أن هذه الواقعة إنما وقعت في حال صغره عليه السلام وذلك من المعجزات ، فلا يجوز أن تتقدم نبوته .
وثانيها : أن تأثير الغسل في إزالة الأجسام ، والمعاصي ليست بأجسام فلا يكون للغسل فيها أثر .
ثالثها : أنه لا يصح أن يملأ القلب علما ، بل
[ ص: 4 ] الله تعالى يخلق فيه العلوم .
والجواب عن الأول : أن تقويم المعجز على زمان البعثة جائز عندنا ، وذلك هو المسمى بالإرهاص ، ومثله في حق الرسول عليه السلام كثير .
وأما الثاني والثالث : فلا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول عليه السلام علامة للقلب الذي يميل إلى المعاصي ، ويحجم عن الطاعات ، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لكون صاحبه مواظبا على الطاعات محترزا عن السيئات ، فكان ذلك كالعلامة للملائكة على كون صاحبه معصوما ، وأيضا فلأن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
والقول الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28910_30623المراد من شرح الصدر ما يرجع إلى المعرفة والطاعة ، ثم ذكروا فيه وجوها :
أحدها : أنه عليه السلام لما بعث إلى الجن والإنس فكان يضيق صدره عن منازعة الجن والإنس والبراءة من كل عابد ومعبود سوى الله ، فآتاه الله من آياته ما اتسع لكل ما حمله وصغره عنده كل شيء احتمله من المشاق ، وذلك بأن أخرج عن قلبه جميع الهموم وما ترك فيه إلا هذا الهم الواحد ، فما كان يخطر بباله هم النفقة والعيال ، ولا يبالي بما يتوجه إليه من إيذائهم ، حتى صاروا في عينه دون الذباب لم يجبن خوفا من وعيدهم ، ولم يمل إلى ما لهم ، وبالجملة فشرح الصدر عبارة عن علمه بحقارة الدنيا وكمال الآخرة ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ) [الأنعام : 125] وروي أنهم
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013984قالوا : يا رسول الله أينشرح الصدر ؟ قال : نعم ، قالوا : وما علامة ذلك ؟ قال : "التجافي عن الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والإعداد للموت قبل نزوله" وتحقيق القول فيه أن
nindex.php?page=treesubj&link=29674_19492_19689صدق الإيمان بالله ووعده ووعيده يوجب للإنسان الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والاستعداد للموت .
وثانيها : أنه انفتح صدره حتى أنه كان يتسع لجميع المهمات لا يقلق ولا يضجر ولا يتغير ، بل هو في حالتي البؤس والفرح منشرح الصدر مشتغل بأداء ما كلف به ، والشرح التوسعة ، ومعناه الإراحة من الهموم ، والعرب تسمي الغم والهم ضيق صدر كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=97ولقد نعلم أنك يضيق صدرك ) [الحجر : 97] وههنا سؤالات :
الأول : لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب ؟ والجواب : لأن محل الوسوسة هو الصدر على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=5يوسوس في صدور الناس ) [الناس : 5] فإزالة تلك الوسوسة وإبدالها بدواعي الخير هي الشرح ، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14155محمد بن علي الترمذي : القلب محل العقل والمعرفة ، وهو الذي يقصده الشيطان ، فالشيطان يجيء إلى الصدر الذي هو حصن القلب ، فإذا وجد مسلكا أغار فيه ونزل جنده فيه ، وبث فيه من الهموم والغموم والحرص فيضيق القلب حينئذ ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة ، وإذا طرد العدو في الابتداء منع وحصل الأمن ويزول الضيق وينشرح الصدر ويتيسر له القيام بأداء العبودية .
السؤال الثاني : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك ) ولم يقل ألم نشرح صدرك ؟ والجواب : من وجهين :
أحدهما : كأنه تعالى يقول : لام بلام ، فأنت إنما تفعل جميع الطاعات لأجلي كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إلا ليعبدون ) [الذاريات : 56] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14وأقم الصلاة لذكري ) [طه : 64] فأنا أيضا جميع ما أفعله لأجلك .
وثانيها : أن فيها تنبيها على أن منافع الرسالة عائدة إليه عليه السلام ، كأنه تعالى قال : إنما شرحنا صدرك لأجلك لا لأجلي .
[ ص: 5 ] السؤال الثالث : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح ) ولم يقل : ألم أشرح ؟ والجواب : إن حملناه على نون التعظيم ، فالمعنى أن
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32412عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة ، فدل ذلك على أن ذلك الشرح نعمة لا تصل العقول إلى كنه جلالتها ، وإن حملناه على نون الجميع ، فالمعنى كأنه تعالى يقول : لم أشرحه وحدي بل أعملت فيه ملائكتي ، فكنت ترى الملائكة حواليك وبين يديك حتى يقوى قلبك ، فأديت الرسالة وأنت قوي القلب ولحقتهم هيبة ، فلم يجيبوا لك جوابا ، فلو كنت ضيق القلب لضحكوا منك ، فسبحان من جعل قوة قلبك جبنا فيهم ، وانشراح صدرك ضيقا فيهم .
[ ص: 3 ] [ سُورَةُ الشَّرْحِ ]
ثَمَانِ آيَاتٍ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) .
يُرْوَى عَنْ
طَاوُوسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16673وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ : هَذِهِ السُّورَةُ وَسُورَةُ الضُّحَى سُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَا يَقْرَآنِهِمَا فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَمَا كَانَا يَفْصِلَانِ بَيْنَهُمَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالَّذِي دَعَاهُمَا إِلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ ) كَالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=6أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا ) [الضُّحَى : 6] وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ نُزُولُهُ حَالَ اغْتِمَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِيذَاءِ الْكُفَّارِ فَكَانَتْ حَالَ مِحْنَةٍ وَضِيقِ صَدْرٍ . وَالثَّانِيَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَالَ النُّزُولِ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ طَيِّبَ الْقَلْبِ ، فَأَنَّى يَجْتَمِعَانِ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ )
اسْتَفْهَمَ عَنِ انْتِفَاءِ الشَّرْحِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ ، فَأَفَادَ إِثْبَاتَ الشَّرْحِ وَإِيجَابَهُ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ ، وَفِي شَرْحِ الصَّدْرِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=30623رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَاهُ وَشَقَّ صَدْرَهُ وَأَخْرَجَ قَلْبَهُ وَغَسَلَهُ وَأَنْقَاهُ مِنَ الْمَعَاصِي ثُمَّ مَلَأَهُ عِلْمًا وَإِيمَانًا وَوَضَعَهُ فِي صَدْرِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ طَعَنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الرِّوَايَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ فِي حَالِ صِغَرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَ نُبُوَّتُهُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ تَأْثِيرَ الْغَسْلِ فِي إِزَالَةِ الْأَجْسَامِ ، وَالْمَعَاصِي لَيْسَتْ بِأَجْسَامٍ فَلَا يَكُونُ لِلْغَسْلِ فِيهَا أَثَرٌ .
ثَالِثُهَا : أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلَأَ الْقَلْبَ عِلْمًا ، بَلِ
[ ص: 4 ] اللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهِ الْعُلُومَ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ تَقْوِيمَ الْمُعْجِزِ عَلَى زَمَانِ الْبِعْثَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِرْهَاصِ ، وَمِثْلُهُ فِي حَقِّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَثِيرٌ .
وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ : فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ ذَلِكَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ الَّذِي غَسَلُوهُ مِنْ قَلْبِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَامَةً لِلْقَلْبِ الَّذِي يَمِيلُ إِلَى الْمَعَاصِي ، وَيُحْجِمُ عَنِ الطَّاعَاتِ ، فَإِذَا أَزَالُوهُ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِكَوْنِ صَاحِبِهِ مُوَاظِبًا عَلَى الطَّاعَاتِ مُحْتَرِزًا عَنِ السَّيِّئَاتِ ، فَكَانَ ذَلِكَ كَالْعَلَامَةِ لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى كَوْنِ صَاحِبِهِ مَعْصُومًا ، وَأَيْضًا فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28910_30623الْمُرَادَ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالطَّاعَةِ ، ثُمَّ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَكَانَ يَضِيقُ صَدْرُهُ عَنْ مُنَازَعَةِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَابِدٍ وَمَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ ، فَآتَاهُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا اتَّسَعَ لِكُلِّ مَا حَمَلَهُ وَصَغَّرَهُ عِنْدَهُ كُلَّ شَيْءٍ احْتَمَلَهُ مِنَ الْمَشَاقِّ ، وَذَلِكَ بِأَنْ أَخْرَجَ عَنْ قَلْبِهِ جَمِيعَ الْهُمُومِ وَمَا تَرَكَ فِيهِ إِلَّا هَذَا الْهَمَّ الْوَاحِدَ ، فَمَا كَانَ يَخْطُرُ بِبَالِهِ هَمُّ النَّفَقَةِ وَالْعِيَالِ ، وَلَا يُبَالِي بِمَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ مِنْ إِيذَائِهِمْ ، حَتَّى صَارُوا فِي عَيْنِهِ دُونَ الذُّبَابِ لَمْ يَجْبُنْ خَوْفًا مِنْ وَعِيدِهِمْ ، وَلَمْ يَمِلْ إِلَى مَا لَهُمْ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَشَرْحُ الصَّدْرِ عِبَارَةٌ عَنْ عِلْمِهِ بِحَقَارَةِ الدُّنْيَا وَكَمَالِ الْآخِرَةِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ) [الْأَنْعَامِ : 125] وَرُوِيَ أَنَّهُمْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013984قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَنْشَرِحُ الصَّدْرُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالُوا : وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : "التَّجَافِي عَنِ الْغُرُورِ ، وَالْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ ، وَالْإِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ" وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29674_19492_19689صِدْقَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ يُوجِبُ لِلْإِنْسَانِ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا وَالرَّغْبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَالِاسْتِعْدَادَ لِلْمَوْتِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ انْفَتَحَ صَدْرُهُ حَتَّى أَنَّهُ كَانَ يَتَّسِعُ لِجَمِيعِ الْمُهِمَّاتِ لَا يَقْلَقُ وَلَا يَضْجَرُ وَلَا يَتَغَيَّرُ ، بَلْ هُوَ فِي حَالَتَيِ الْبُؤْسِ وَالْفَرَحِ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ مُشْتَغِلٌ بِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ ، وَالشَّرْحُ التَّوْسِعَةُ ، وَمَعْنَاهُ الْإِرَاحَةُ مِنَ الْهُمُومِ ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْغَمَّ وَالْهَمَّ ضِيقَ صَدْرٍ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=97وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ ) [الْحِجْرِ : 97] وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : لِمَ ذَكَرَ الصَّدْرَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَلْبَ ؟ وَالْجَوَابُ : لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَسْوَسَةِ هُوَ الصَّدْرُ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=5يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) [النَّاسِ : 5] فَإِزَالَةُ تِلْكَ الْوَسْوَسَةِ وَإِبْدَالُهَا بِدَوَاعِي الْخَيْرِ هِيَ الشَّرْحُ ، فَلَا جَرَمَ خُصَّ ذَلِكَ الشَّرْحُ بِالصَّدْرِ دُونَ الْقَلْبِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14155مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ : الْقَلْبُ مَحَلُّ الْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ الشَّيْطَانُ ، فَالشَّيْطَانُ يَجِيءُ إِلَى الصَّدْرِ الَّذِي هُوَ حِصْنُ الْقَلْبِ ، فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا أَغَارَ فِيهِ وَنَزَلَ جُنْدُهُ فِيهِ ، وَبَثَّ فِيهِ مِنَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْحِرْصِ فَيَضِيقُ الْقَلْبُ حِينَئِذٍ وَلَا يَجِدُ لِلطَّاعَةِ لَذَّةً وَلَا لِلْإِسْلَامِ حَلَاوَةً ، وَإِذَا طُرِدَ الْعَدُوُّ فِي الِابْتِدَاءِ مُنِعَ وَحَصَلَ الْأَمْنُ وَيَزُولُ الضِّيقُ وَيَنْشَرِحُ الصَّدْرُ وَيَتَيَسَّرُ لَهُ الْقِيَامُ بِأَدَاءِ الْعُبُودِيَّةِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) وَلَمْ يَقُلْ أَلَمْ نَشْرَحْ صَدْرَكَ ؟ وَالْجَوَابُ : مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَامٌ بِلَامٍ ، فَأَنْتَ إِنَّمَا تَفْعَلُ جَمِيعَ الطَّاعَاتِ لِأَجْلِي كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذَّارِيَاتِ : 56] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) [طه : 64] فَأَنَا أَيْضًا جَمِيعُ مَا أَفْعَلُهُ لِأَجْلِكَ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ فِيهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الرِّسَالَةِ عَائِدَةٌ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : إِنَّمَا شَرَحْنَا صَدْرَكَ لِأَجْلِكَ لَا لِأَجْلِي .
[ ص: 5 ] السُّؤَالُ الثَّالِثُ : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ ) وَلَمْ يَقُلْ : أَلَمْ أَشْرَحْ ؟ وَالْجَوَابُ : إِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى نُونِ التَّعْظِيمِ ، فَالْمَعْنَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32412عَظَمَةَ الْمُنْعِمِ تَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ النِّعْمَةِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْحَ نِعْمَةٌ لَا تَصِلُ الْعُقُولُ إِلَى كُنْهِ جَلَالَتِهَا ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى نُونِ الْجَمِيعِ ، فَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَمْ أَشْرَحْهُ وَحْدِي بَلْ أَعْمَلْتُ فِيهِ مَلَائِكَتِي ، فَكُنْتَ تَرَى الْمَلَائِكَةَ حَوَالَيْكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى يَقْوَى قَلْبُكَ ، فَأَدَّيْتَ الرِّسَالَةَ وَأَنْتَ قَوِيُّ الْقَلْبِ وَلَحِقَتْهُمْ هَيْبَةٌ ، فَلَمْ يُجِيبُوا لَكَ جَوَابًا ، فَلَوْ كُنْتَ ضَيِّقَ الْقَلْبِ لَضَحِكُوا مِنْكَ ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ قُوَّةَ قَلْبِكَ جُبْنًا فِيهِمْ ، وَانْشِرَاحَ صَدْرِكَ ضِيقًا فِيهِمْ .