(
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أن رآه استغنى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8إن إلى ربك الرجعى )
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أن رآه استغنى ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الأخفش : لأن رآه فحذف اللام ، كما يقال : إنكم لتطغون إن رأيتم غناكم .
المسألة الثانية : قال
الفراء : إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أن رآه ) ولم يقل : رأى نفسه كما يقال : قتل نفسه لأن "رأى" من الأفعال التي تستدعي اسما وخبرا نحو الظن والحسبان ، والعرب تطرح النفس من هذا الجنس فتقول : رأيتني وظننتني وحسبتني فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=32341_30549_29067أن رآه استغنى ) من هذا الباب .
المسألة الثالثة : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7استغنى ) وجهان :
أحدهما : استغنى بماله عن ربه ، والمراد من الآية ليس هو الأول ، لأن الإنسان قد ينال الثروة فلا يزيد إلا تواضعا
كسليمان عليه السلام ، فإنه كان يجالس
[ ص: 20 ] المساكين ويقول : "مسكين جالس مسكينا"
nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ما طغى مع كثرة أمواله ، بل العاقل يعلم أنه عند الغنى يكون أكثر حاجة إلى الله تعالى منه حال فقره ، لأنه في حال فقره لا يتمنى إلا سلامة نفسه ، وأما حال الغنى فإنه يتمنى سلامة نفسه وماله ومماليكه .
وفي الآية وجه ثالث : وهو أن سين (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7استغنى ) سين الطالب والمعنى أن الإنسان رأى أن نفسه إنما نالت الغنى لأنها طلبته وبذلت الجهد في الطلب فنالت الثروة والغنى بسبب ذلك الجهد ، لا أنه نالها بإعطاء الله وتوفيقه ، وهذا جهل وحمق فكم من باذل وسعه في الحرص والطلب وهو يموت جوعا ، ثم ترى
nindex.php?page=treesubj&link=28766_29468أكثر الأغنياء في الآخرة يصيرون مدبرين خائفين ، يريهم الله أن ذلك الغنى ما كان بفعلهم وقوتهم .
المسألة الرابعة : أول السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال ، وكفى بذلك مرغبا في الدين والعلم ومنفرا عن الدنيا والمال .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8إن إلى ربك الرجعى ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الكلام واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديدا له وتحذيرا من عاقبة الطغيان .
المسألة الثانية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8الرجعى ) المرجع والرجوع وهي بأجمعها مصادر ، يقال : رجع إليه رجوعا ومرجعا ورجعى على وزن فعلى ، وفي معنى الآية وجهان :
أحدهما : أنه يرى ثواب طاعته وعقاب تمرده وتكبره وطغيانه ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42ولا تحسبن الله غافلا ) [إبراهيم : 42] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [إبراهيم : 42] وهذه الموعظة لا تؤثر إلا في قلب من له قدم صدق ، أما الجاهل فيغضب ولا يعتقد إلا الفرح العاجل .
والقول الثاني : أنه تعالى يرده ويرجعه إلى النقصان والفقر والموت ، كما رده من النقصان إلى الكمال ، حيث نقله من الجمادية إلى الحياة ، ومن الفقر إلى الغنى ، ومن الذل إلى العز ، فما هذا التعزز والقوة .
المسألة الثالثة : روي
أن أبا جهل قال للرسول عليه الصلاة والسلام : أتزعم أن من استغنى طغى ، فاجعل لنا جبال مكة ذهبا وفضة لعلنا نأخذ منها فنطغى ، فندع ديننا ونتبع دينك ، فنزل جبريل وقال : إن شئت فعلنا ذلك ، ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم مثل ما فعلنا بأصحاب المائدة ، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء إبقاء عليهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى )
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الْأَخْفَشُ : لِأَنْ رَآهُ فَحَذَفَ اللَّامَ ، كَمَا يُقَالُ : إِنَّكُمْ لَتَطْغُونَ إِنْ رَأَيْتُمْ غِنَاكُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ
الْفَرَّاءُ : إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أَنْ رَآهُ ) وَلَمْ يَقُلْ : رَأَى نَفْسَهُ كَمَا يُقَالُ : قَتَلَ نَفْسَهُ لِأَنَّ "رَأَى" مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَسْتَدْعِي اسْمًا وَخَبَرًا نَحْوَ الظَّنِّ وَالْحِسْبَانِ ، وَالْعَرَبُ تَطْرَحُ النَّفْسَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَتَقُولُ : رَأَيْتُنِي وَظَنَنْتُنِي وَحَسِبْتُنِي فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=32341_30549_29067أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) مِنْ هَذَا الْبَابِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7اسْتَغْنَى ) وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : اسْتَغْنَى بِمَالِهِ عَنْ رَبِّهِ ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ الْأَوَّلَ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنَالُ الثَّرْوَةَ فَلَا يَزِيدُ إِلَّا تَوَاضُعًا
كَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُجَالِسُ
[ ص: 20 ] الْمَسَاكِينَ وَيَقُولُ : "مِسْكِينٌ جَالَسَ مِسْكِينًا"
nindex.php?page=showalam&ids=38وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَا طَغَى مَعَ كَثْرَةِ أَمْوَالِهِ ، بَلِ الْعَاقِلُ يَعْلَمُ أَنَّهُ عِنْدَ الْغِنَى يَكُونُ أَكْثَرَ حَاجَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ حَالَ فَقْرِهِ ، لِأَنَّهُ فِي حَالِ فَقْرِهِ لَا يَتَمَنَّى إِلَّا سَلَامَةَ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا حَالَ الْغِنَى فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى سَلَامَةَ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَمَمَالِيكِهِ .
وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّ سِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7اسْتَغْنَى ) سِينُ الطَّالِبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ رَأَى أَنَّ نَفْسَهُ إِنَّمَا نَالَتِ الْغِنَى لِأَنَّهَا طَلَبَتْهُ وَبَذَلَتِ الْجُهْدَ فِي الطَّلَبِ فَنَالَتِ الثَّرْوَةَ وَالْغِنَى بِسَبَبِ ذَلِكَ الْجُهْدِ ، لَا أَنَّهُ نَالَهَا بِإِعْطَاءِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ ، وَهَذَا جَهْلٌ وَحُمْقٌ فَكَمْ مِنْ بَاذِلٍ وُسْعَهُ فِي الْحِرْصِ وَالطَّلَبِ وَهُوَ يَمُوتُ جُوعًا ، ثُمَّ تَرَى
nindex.php?page=treesubj&link=28766_29468أَكْثَرَ الْأَغْنِيَاءِ فِي الْآخِرَةِ يَصِيرُونَ مُدْبِرِينَ خَائِفِينَ ، يُرِيهِمُ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ الْغِنَى مَا كَانَ بِفِعْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : أَوَّلُ السُّورَةِ يَدُلُّ عَلَى مَدْحِ الْعِلْمِ وَآخِرُهَا عَلَى مَذَمَّةِ الْمَالِ ، وَكَفَى بِذَلِكَ مُرَغِّبًا فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَمُنَفِّرًا عَنِ الدُّنْيَا وَالْمَالِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذَا الْكَلَامُ وَاقِعٌ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْإِنْسَانِ تَهْدِيدًا لَهُ وَتَحْذِيرًا مِنْ عَاقِبَةِ الطُّغْيَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=8الرُّجْعَى ) الْمَرْجِعُ وَالرُّجُوعُ وَهِيَ بِأَجْمَعِهَا مَصَادِرُ ، يُقَالُ : رَجَعَ إِلَيْهِ رُجُوعًا وَمَرْجِعًا وَرُجْعَى عَلَى وَزْنِ فُعْلَى ، وَفِي مَعْنَى الْآيَةِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَرَى ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَعِقَابَ تَمَرُّدِهِ وَتَكَبُّرِهِ وَطُغْيَانِهِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا ) [إِبْرَاهِيمَ : 42] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ) [إِبْرَاهِيمَ : 42] وَهَذِهِ الْمَوْعِظَةُ لَا تُؤَثِّرُ إِلَّا فِي قَلْبِ مَنْ لَهُ قَدَمُ صِدْقٍ ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَغْضَبُ وَلَا يَعْتَقِدُ إِلَّا الْفَرَحَ الْعَاجِلَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى يَرُدُّهُ وَيُرْجِعُهُ إِلَى النُّقْصَانِ وَالْفَقْرِ وَالْمَوْتِ ، كَمَا رَدَّهُ مِنَ النُّقْصَانِ إِلَى الْكَمَالِ ، حَيْثُ نَقَلَهُ مِنَ الْجَمَادِيَّةِ إِلَى الْحَيَاةِ ، وَمِنَ الْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى ، وَمِنَ الذُّلِّ إِلَى الْعِزِّ ، فَمَا هَذَا التَّعَزُّزُ وَالْقُوَّةُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : رُوِيَ
أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : أَتَزْعُمُ أَنَّ مَنِ اسْتَغْنَى طَغَى ، فَاجْعَلْ لَنَا جِبَالَ مَكَّةَ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَعَلَّنَا نَأْخُذُ مِنْهَا فَنَطْغَى ، فَنَدَعُ دِينَنَا وَنَتَّبِعُ دِينَكَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ : إِنْ شِئْتَ فَعَلْنَا ذَلِكَ ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا فَعَلْنَا بِهِمْ مِثْلَ مَا فَعَلْنَا بِأَصْحَابِ الْمَائِدَةِ ، فَكَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّعَاءِ إِبْقَاءً عَلَيْهِمْ .