(
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=16ناصية كاذبة خاطئة )
ثم قال تعالى : ( كلا ) وفيه وجوه :
أحدها : أنه ردع
لأبي جهل ومنع له عن نهيه عن عبادة الله تعالى وأمره بعبادة اللات .
وثانيها : كلا لن يصل
أبو جهل إلى ما يقول إنه يقتل
محمدا أو يطأ عنقه ، بل تلميذ
محمد هو الذي يقتله ويطأ صدره .
وثالثها : قال
مقاتل : كلا لا يعلم أن الله يرى وإن كان يعلم لكن إذا كان لا ينتفع بما يعلم فكأنه لا يعلم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لئن لم ينته ) أي عما هو فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=30532_32341_29067لنسفعن بالناصية nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=16ناصية كاذبة خاطئة ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لنسفعن ) وجوه :
أحدها : لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار ، والسفع القبض على الشيء ، وجذبه بشدة ، وهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=41فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) [الرحمن : 41] .
وثانيها : السفع الضرب ، أي لنلطمن وجهه .
وثالثها : لنسودن وجهه ، قال
الخليل : تقول للشيء إذا لفحته النار لفحا يسيرا يغير لون البشرة قد سفعته النار ، قال : والسفع ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر سميت بذلك لسوادها ، قال : والسفعة سواد في الخدين . وبالجملة فتسويد الوجه علامة الإذلال والإهانة .
ورابعها : لنسمنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=16سنسمه على الخرطوم ) [القلم : 16] إنه
أبو جهل .
خامسها : لنذلنه .
المسألة الثانية : قرئ "لنسفعن" بالنون المشددة ، أي الفاعل لهذا الفعل هو الله والملائكة ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) [التحريم : 4] وقرأ
ابن مسعود "لأسعفن" ، أي يقول الله تعالى يا
محمد . أنا الذي أتولى إهانته ، نظيره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62هو الذي أيدك ) [الأنفال : 62] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=4هو الذي أنزل السكينة ) [الفتح : 4] .
المسألة الثالثة : هذا السفع يحتمل أن يكون المراد منه إلى النار في الآخرة وأن يكون المراد منه في الدنيا ، وهذا أيضا على وجوه :
أحدها : ما
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013993روي أن أبا جهل لما قال : إن رأيته يصلي لأطأن عنقه ، فأنزل الله هذه السورة ، وأمره جبريل عليه السلام بأن يقرأ على أبي جهل ويخر لله ساجدا في آخرها ففعل ، فعدا إليه أبو جهل ليطأ عنقه ، فلما دنا منه نكص على عقبيه راجعا ، فقيل له ما لك ؟ قال : إن بيني وبينه فحلا فاغرا فاه لو مشيت إليه لالتقمني ، وقيل : كان جبريل وميكائيل عليهما السلام على كتفيه في صورة الأسد .
والثاني : أن يكون المراد يوم
بدر فيكون ذلك بشارة بأنه تعالى يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجرونه إلى القتل إذا عاد إلى النهي ، فلما عاد لا جرم مكنهم الله تعالى من ناصيته يوم
بدر ، روي أنه
لما نزلت سورة الرحمن : [ ص: 24 ] ( nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2علم القرآن ) [الرحمن : 2] قال عليه السلام لأصحابه : "من يقرؤها منكم على رؤساء قريش " ، فتثاقلوا مخافة أذيتهم ، فقام ابن مسعود وقال : أنا يا رسول الله ، فأجلسه عليه السلام ، ثم قال : "من يقرؤها عليهم" فلم يقم إلا ابن مسعود ، ثم ثالثا كذلك إلى أن أذن له ، وكان عليه السلام يبقي عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته ، ثم إنه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة ، فافتتح قراءة السورة ، فقام أبو جهل فلطمه فشق أذنه وأدماه ، فانصرف وعيناه تدمع ، فلما رآه النبي عليه السلام رق قلبه وأطرق رأسه مغموما ، فإذا جبريل عليه السلام يجيء ضاحكا مستبشرا ، فقال : "يا جبريل تضحك nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود يبكي" فقال : ستعلم ، فلما ظهر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في المجاهدين ، فأخذ يطالع القتلى . فإذا أبو جهل ، مصروع يخور ، فخاف أن تكون به قوة فيؤذيه فوضع الرمح على منخره من بعيد فطعنه ، ولعل هذا معنى قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=16سنسمه على الخرطوم ) ثم لما عرف عجزه ولم يقدر أن يصعد على صدره لضعفه فارتقى إليه بحيلة ، فلما رآه أبو جهل قال : يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا ، فقال ابن مسعود : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، فقال أبو جهل : بلغ صاحبك أنه لم يكن أحد أبغض إلي منه في حياتي ولا أبغض إلي منه في حال مماتي ، فروي أنه عليه السلام لما سمع ذلك قال : " فرعوني أشد من فرعون موسى فإنه قال ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90آمنت ) وهو قد زاد عتوا" ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود : اقطع رأسي بسيفي هذا لأنه أحد وأقطع ، فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله ، ولعل الحكيم سبحانه إنما خلقه ضعيفا لأجل أن لا يقوى على الحمل لوجوه :
أحدها : أنه كلب والكلب يجر .
والثاني : لشق الأذن فيقتص الأذن بالأذن .
والثالث : لتحقيق الوعيد المذكور بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لنسفعن بالناصية ) فتجر تلك الرأس على مقدمها ، ثم إن
ابن مسعود لما لم يطقه شق أذنه وجعل الخيط فيه وجعل يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجبريل بين يديه يضحك ، ويقول : يا
محمد أذن بأذن لكن الرأس ههنا مع الأذن ، فهذا ما روي في
nindex.php?page=treesubj&link=30762مقتل أبي جهل نقلته معنى لا لفظا ، الخاطئ معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لنسفعن بالناصية ) .
المسألة الرابعة : الناصية شعر الجبهة وقد يسمى مكان الشعر الناصية ، ثم إنه تعالى كنى ههنا عن الوجه والرأس بالناصية ، ولعل السبب فيه أن
أبا جهل كان شديد الاهتمام بترجيل تلك الناصية وتطييبها ، وربما كان يهتم أيضا بتسويدها فأخبره الله تعالى أنه يسودها مع الوجه .
المسألة الخامسة : أنه تعالى عرف الناصية بحرف التعريف كأنه تعالى يقول : الناصية المعروفة عندكم ذاتها لكنها مجهولة عندكم صفاتها ناصية وأي ناصية ، كاذبة قولا خاطئة فعلا ، وإنما وصف بالكذب لأنه كان كاذبا على الله تعالى في أنه لم يرسل
محمدا وكاذبا على رسوله في أنه ساحر أو كذاب أو ليس بنبي ، وقيل : كذبه أنه قال : أنا أكثر أهل هذا الوادي ناديا ، ووصف الناصية بأنها خاطئة لأن صاحبها متمرد على الله تعالى قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=37لا يأكله إلا الخاطئون ) [الحاقة : 37]
nindex.php?page=treesubj&link=28900_34077والفرق بين الخاطئ والمخطئ أن الخاطئ معاقب مؤاخذ والمخطئ غير مؤاخذ ، ووصف الناصية بالخاطئة الكاذبة كما وصف الوجوه بأنها ناظرة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إلى ربها ناظرة ) [القيامة : 23] .
المسألة السادسة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=16ناصية ) بدل من الناصية ، وجاز إبدالها من المعرفة وهي نكرة ، لأنها وصفت فاستقلت بفائدة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=16نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( كَلَّا ) وَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ رَدْعٌ
لِأَبِي جَهْلٍ وَمَنْعٌ لَهُ عَنْ نَهْيِهِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ بِعِبَادَةِ اللَّاتِ .
وَثَانِيهَا : كَلَّا لَنْ يَصِلَ
أَبُو جَهْلٍ إِلَى مَا يَقُولُ إِنَّهُ يَقْتُلُ
مُحَمَّدًا أَوْ يَطَأُ عُنُقَهُ ، بَلْ تِلْمِيذُ
مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي يَقْتُلُهُ وَيَطَأُ صَدْرَهُ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ
مُقَاتِلٌ : كَلَّا لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَرَى وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ لَكِنْ إِذَا كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَعْلَمُ فَكَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ ) أَيْ عَمَّا هُوَ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=30532_32341_29067لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=16نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لَنَسْفَعَنْ ) وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : لَنَأْخُذَنَّ بِنَاصِيَتِهِ وَلَنَسْحَبَنَّهُ بِهَا إِلَى النَّارِ ، وَالسَّفْعُ الْقَبْضُ عَلَى الشَّيْءِ ، وَجَذْبُهُ بِشِدَّةٍ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=41فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ) [الرَّحْمَنِ : 41] .
وَثَانِيهَا : السَّفْعُ الضَّرْبُ ، أَيْ لَنَلْطِمَنَّ وَجْهَهُ .
وَثَالِثُهَا : لَنُسَوِّدَنَّ وَجْهَهُ ، قَالَ
الْخَلِيلُ : تَقُولُ لِلشَّيْءِ إِذَا لَفَحَتْهُ النَّارُ لَفْحًا يَسِيرًا يُغَيِّرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ قَدْ سَفَعَتْهُ النَّارُ ، قَالَ : وَالسَّفْعُ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يُوضَعُ عَلَيْهَا الْقِدْرُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوَادِهَا ، قَالَ : وَالسَّفْعَةُ سَوَادٌ فِي الْخَدَّيْنِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَتَسْوِيدُ الْوَجْهِ عَلَامَةُ الْإِذْلَالِ وَالْإِهَانَةِ .
وَرَابِعُهَا : لَنَسِمَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=16سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) [الْقَلَمِ : 16] إِنَّهُ
أَبُو جَهْلٍ .
خَامِسُهَا : لَنُذِلَّنَّهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قُرِئَ "لَنَسْفَعَنَّ" بِالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ ، أَيِ الْفَاعِلُ لِهَذَا الْفِعْلِ هُوَ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) [التَّحْرِيمِ : 4] وَقَرَأَ
ابْنُ مَسْعُودٍ "لَأَسْعَفَنَّ" ، أَيْ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا
مُحَمَّدُ . أَنَا الَّذِي أَتَوَلَّى إِهَانَتَهُ ، نَظِيرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ ) [الْأَنْفَالِ : 62] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=4هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ ) [الْفَتْحِ : 4] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَذَا السَّفْعُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِلَى النَّارِ فِي الْآخِرَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا ، وَهَذَا أَيْضًا عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : مَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013993رُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَمَّا قَالَ : إِنْ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عُنُقَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ ، وَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ وَيَخِرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا فِي آخِرِهَا فَفَعَلَ ، فَعَدَا إِلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ لِيَطَأَ عُنُقَهُ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ رَاجِعًا ، فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ ؟ قَالَ : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَحْلًا فَاغِرًا فَاهُ لَوْ مَشَيْتُ إِلَيْهِ لَالْتَقَمَنِي ، وَقِيلَ : كَانَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَلَى كَتِفَيْهِ فِي صُورَةِ الْأَسَدِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ يَوْمَ
بَدْرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِشَارَةً بِأَنَّهُ تَعَالَى يُمَكِّنُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَاصِيَتِهِ حَتَّى يَجُرُّونَهُ إِلَى الْقَتْلِ إِذَا عَادَ إِلَى النَّهْيِ ، فَلَمَّا عَادَ لَا جَرَمَ مَكَّنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَاصِيَتِهِ يَوْمَ
بَدْرٍ ، رُوِيَ أَنَّهُ
لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الرَّحْمَنِ : [ ص: 24 ] ( nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) [الرَّحْمَنِ : 2] قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ : "مَنْ يَقْرَؤُهَا مِنْكُمْ عَلَى رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ " ، فَتَثَاقَلُوا مَخَافَةَ أَذِيَّتِهِمْ ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَجْلَسَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ثُمَّ قَالَ : "مَنْ يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ" فَلَمْ يَقُمْ إِلَّا ابْنُ مَسْعُودٍ ، ثُمَّ ثَالِثًا كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ أَذِنَ لَهُ ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُبْقِي عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ ضَعْفِهِ وَصِغَرِ جُثَّتِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِمْ فَرَآهُمْ مُجْتَمِعِينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، فَافْتَتَحَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ فَلَطَمَهُ فَشَقَّ أُذُنَهُ وَأَدْمَاهُ ، فَانْصَرَفَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعُ ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَقَّ قَلْبُهُ وَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَغْمُومًا ، فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَجِيءُ ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا ، فَقَالَ : "يَا جِبْرِيلُ تَضْحَكُ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي" فَقَالَ : سَتَعْلَمُ ، فَلَمَّا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ الْتَمَسَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَظٌّ فِي الْمُجَاهِدِينَ ، فَأَخَذَ يُطَالِعُ الْقَتْلَى . فَإِذَا أَبُو جَهْلٍ ، مَصْرُوعٌ يَخُورُ ، فَخَافَ أَنَّ تَكُونَ بِهِ قُوَّةٌ فَيُؤْذِيَهُ فَوَضَعَ الرُّمْحَ عَلَى مِنْخَرِهِ مِنْ بَعِيدٍ فَطَعَنَهُ ، وَلَعَلَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=16سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) ثُمَّ لَمَّا عَرَفَ عَجْزَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْعَدَ عَلَى صَدْرِهِ لِضَعْفِهِ فَارْتَقَى إِلَيْهِ بِحِيلَةٍ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جَهْلٍ قَالَ : يَا رُوَيْعِيَّ الْغَنَمِ لَقَدِ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : بَلِّغْ صَاحِبَكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ فِي حَيَاتِي وَلَا أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ فِي حَالِ مَمَاتِي ، فَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَالَ : " فِرْعَوْنِي أَشَدُّ مِنْ فِرْعَوْنِ مُوسَى فَإِنَّهُ قَالَ ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90آمَنْتُ ) وَهُوَ قَدْ زَادَ عُتُوًّا" ثُمَّ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=10لِابْنِ مَسْعُودٍ : اقْطَعْ رَأْسِي بِسَيْفِي هَذَا لِأَنَّهُ أَحَدُّ وَأَقْطَعُ ، فَلَمَّا قَطَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ ، وَلَعَلَّ الْحَكِيمَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خَلَقَهُ ضَعِيفًا لِأَجْلِ أَنْ لَا يَقْوَى عَلَى الْحَمْلِ لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ كَلْبٌ وَالْكَلْبُ يُجَرُّ .
وَالثَّانِي : لِشَقِّ الْأُذُنِ فَيَقْتَصُّ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ .
وَالثَّالِثُ : لِتَحْقِيقِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ) فَتُجَرُّ تِلْكَ الرَّأْسُ عَلَى مُقَدَّمِهَا ، ثُمَّ إِنَّ
ابْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا لَمْ يُطِقْهُ شَقَّ أُذُنَهُ وَجَعَلَ الْخَيْطَ فِيهِ وَجَعَلَ يَجُرُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَجِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَضْحَكُ ، وَيَقُولُ : يَا
مُحَمَّدُ أُذُنٌ بِأُذُنٍ لَكِنَّ الرَّأْسَ هَهُنَا مَعَ الْأُذُنِ ، فَهَذَا مَا رُوِيَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30762مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ نَقَلْتُهُ مَعْنًى لَا لَفْظًا ، الْخَاطِئُ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : النَّاصِيَةُ شَعْرُ الْجَبْهَةِ وَقَدْ يُسَمَّى مَكَانُ الشَّعْرِ النَّاصِيَةَ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى كَنَّى هَهُنَا عَنِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ بِالنَّاصِيَةِ ، وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّ
أَبَا جَهْلٍ كَانَ شَدِيدَ الِاهْتِمَامِ بِتَرْجِيلِ تِلْكَ النَّاصِيَةِ وَتَطْيِيبِهَا ، وَرُبَّمَا كَانَ يَهْتَمُّ أَيْضًا بِتَسْوِيدِهَا فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُسَوِّدُهَا مَعَ الْوَجْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى عَرَّفَ النَّاصِيَةَ بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : النَّاصِيَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَكُمْ ذَاتُهَا لَكِنَّهَا مَجْهُولَةٌ عِنْدَكُمْ صِفَاتُهَا نَاصِيَةٌ وَأَيُّ نَاصِيَةٍ ، كَاذِبَةٌ قَوْلًا خَاطِئَةٌ فِعْلًا ، وَإِنَّمَا وُصِفَ بِالْكَذِبِ لِأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ
مُحَمَّدًا وَكَاذِبًا عَلَى رَسُولِهِ فِي أَنَّهُ سَاحِرٌ أَوْ كَذَّابٌ أَوْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ ، وَقِيلَ : كَذَّبَهُ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا ، وَوَصَفَ النَّاصِيَةَ بِأَنَّهَا خَاطِئَةٌ لِأَنَّ صَاحِبَهَا مُتَمَرِّدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=37لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ) [الْحَاقَّةِ : 37]
nindex.php?page=treesubj&link=28900_34077وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَاطِئِ وَالْمُخْطِئِ أَنَّ الْخَاطِئَ مُعَاقَبٌ مُؤَاخَذٌ وَالْمُخْطِئَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ ، وَوَصَفَ النَّاصِيَةَ بِالْخَاطِئَةِ الْكَاذِبَةِ كَمَا وَصَفَ الْوُجُوهَ بِأَنَّهَا نَاظِرَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [الْقِيَامَةِ : 23] .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=16نَاصِيَةٍ ) بَدَلٌ مِنَ النَّاصِيَةِ ، وَجَازَ إِبْدَالُهَا مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَهِيَ نَكِرَةٌ ، لِأَنَّهَا وُصِفَتْ فَاسْتَقَلَّتْ بِفَائِدَةٍ .