(
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=2وما أدراك ما ليلة القدر nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3ليلة القدر خير من ألف شهر )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=2وما أدراك ما ليلة القدر ) يعني ولم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علو قدرها ، ثم إنه تعالى بين فضيلتها من ثلاثة أوجه :
الأول : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=26777_29068ليلة القدر خير من ألف شهر ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في تفسير الآية وجوه :
أحدها : أن العبادة فيها (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3خير من ألف شهر ) ليس فيها هذه الليلة ، لأنه كالمستحيل أن يقال إنها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3خير من ألف شهر ) فيها هذه الليلة ، وإنما كان كذلك لما يزيد الله فيها من المنافع والأرزاق وأنواع الخير .
وثانيها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : كان في
بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد حتى يمسي فعل ذلك ألف شهر ، فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، أي ليلة القدر لأمتك خير من ألف شهر لذلك الإسرائيلي الذي حمل السلاح ألف شهر .
وثالثها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس : أري رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمار الناس ، فاستقصر أعمار أمته ، وخاف أن لا يبلغوا من الأعمال مثل ما بلغه سائر الأمم ، فأعطاه الله ليلة القدر وهي خير من ألف شهر لسائر الأمم .
ورابعها : روى
القاسم بن فضل nindex.php?page=hadith&LINKID=16013998عن عيسى بن مازن ، قال : قلت للحسن بن علي عليه السلام يا مسود وجوه المؤمنين عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له يعني معاوية ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى في منامه بني أمية يطئون منبره واحدا بعد واحد ، وفي رواية ينزون على منبره نزو القردة ، فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه في ليلة القدر ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3خير من ألف شهر ) يعني ملك
بني أمية ، قال
القاسم : فحسبنا ملك
بني أمية ، فإذا هو ألف شهر .
طعن
القاضي في هذه الوجوه فقال : ما ذكر من (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3ألف شهر ) في أيام
بني أمية بعيد ، لأنه تعالى لا يذكر فضلها بذكر ألف شهر مذمومة ، وأيام
بني أمية كانت مذمومة .
[ ص: 31 ] واعلم أن هذا الطعن ضعيف ، وذلك لأن أيام
بني أمية كانت أياما عظيمة بحسب السعادات الدنيوية ، فلا يمتنع أن يقول الله : إني أعطيتك ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من تلك السعادات الدنيوية .
المسألة الثانية : هذه الآية فيها بشارة عظيمة وفيها تهديد عظيم ، أما البشارة فهي أنه تعالى ذكر أن هذه الليلة خير ، ولم يبين قدر الخيرية ، وهذا كقوله عليه السلام : لمبارزة
علي عليه السلام مع
عمرو بن عبد ود [العامري ] أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة ، فلم يقل : مثل عمله بل قال : أفضل كأنه يقول : حسبك هذا من الوزن والباقي جزاف .
واعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله تعالى نيفا وثمانين سنة ، ومن أحياها كل سنة فكأنه رزق أعمارا كثيرة ، ومن أحيا الشهر لينالها بيقين فكأنه أحيا ثلاثين قدرا ، يروى أنه يجاء يوم القيامة بالإسرائيلي الذي عبد الله أربعمائة سنة ، ويجاء برجل من هذه الأمة ، وقد عبد الله أربعين سنة فيكون ثوابه أكثر ، فيقول الإسرائيلي : أنت العدل ، وأرى ثوابه أكثر ، فيقول : لأنكم كنتم تخافون العقوبة المعجلة فتعبدون ، وأمة
محمد كانوا آمنين لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) [الأنفال : 33] ثم إنهم كانوا يعبدون ، فلهذا السبب كانت عبادتهم أكثر ثوابا ، وأما التهديد فهو أنه تعالى توعد صاحب الكبيرة بالدخول في النار ، وإن إحياء مائة ليلة من القدر لا يخلصه عن ذلك العذاب المستحق بتطفيف حبة واحدة ، فلهذا فيه إشارة إلى تعظيم حال الذنب والمعصية .
المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013999أجرك على قدر نصبك " ومن المعلوم أن الطاعة في ألف شهر أشق من الطاعة في ليلة واحدة ، فكيف يعقل استواؤهما ؟ والجواب من وجوه :
أحدها : أن الفعل الواحد قد يختلف حاله في الحسن والقبح بسبب اختلاف الوجوه المنضمة إليه ، ألا ترى أن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بكذا درجة ، مع أن الصورة قد تنتقض فإن المسبوق سقطت عنه ركعة واحدة ، وأيضا فأنت تقول لمن يرجم : إنه إنما يرجم لأنه زان فهو قول حسن ، ولو قلته للنصراني فقذف يوجب التعزير ، ولو قلته للمحصن فهو يوجب الحد ، فقد اختلفت الأحكام في هذه المواضع مع أن الصورة واحدة في الكل ، بل لو قلته في حق
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة كان كفرا ، ولذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) [النور : 15] وذلك لأن هذا طعن في حق
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة التي كانت رحلة في العلم ، لقوله عليه السلام : "
خذوا ثلثي دينكم من هذه الحميراء " وطعن في
صفوان مع أنه كان رجلا بدريا ، وطعن في كافة المؤمنين لأنها أم المؤمنين ، وللولد حق المطالبة بقذف الأم وإن كان كافرا ، بل طعن في النبي الذي كان أشد خلق الله غيرة ، بل طعن في حكمة الله إذ لا يجوز أن يتركه حتى يتزوج بامرأة زانية ، ثم القائل بقوله : هذا زان ، فقد ظن أن هذه اللفظة سهلة مع أنها أثقل من الجبال ، فقد ثبت بهذا أن الأفعال تختلف آثارها في الثواب والعقاب لاختلاف وجوهها ، فلا يبعد أن تكون الطاعة القليلة في الصورة مساوية في الثواب للطاعات الكثيرة .
والوجه الثاني في الجواب : أن مقصود الحكيم سبحانه أن يجر الخلق إلى الطاعات فتارة يجعل ثمن الطاعة ضعفين ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=5فإن مع العسر يسرا nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=6إن مع العسر يسرا ) [الشرح : 5 ، 6] ومرة عشرا ، ومرة سبعمائة ، وتارة بحسب الأزمنة ، وتارة بحسب الأمكنة ، والمقصود الأصلي من الكل جر المكلف إلى الطاعة وصرفه عن الاشتغال بالدنيا ، فتارة يرجح البيت وزمزم على سائر البلاد ، وتارة يفضل رمضان على سائر الشهور ، وتارة
[ ص: 32 ] يفضل الجمعة على سائر الأيام ، وتارة يفضل ليلة القدر على سائر الليالي ، والمقصود ما ذكرناه .
الوجه الثاني : من فضائل هذه الليلة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=2وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=2وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) يَعْنِي وَلَمْ تَبْلُغْ دِرَايَتُكَ غَايَةَ فَضْلِهَا وَمُنْتَهَى عُلُوِّ قَدْرِهَا ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فَضِيلَتَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=26777_29068لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) لَيْسَ فِيهَا هَذِهِ اللَّيْلَةُ ، لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) فِيهَا هَذِهِ اللَّيْلَةُ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِمَا يَزِيدُ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَرْزَاقِ وَأَنْوَاعِ الْخَيْرِ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : كَانَ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يُجَاهِدُ حَتَّى يُمْسِيَ فَعَلَ ذَلِكَ أَلْفَ شَهْرٍ ، فَتَعَجَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ، أَيْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِأُمَّتِكَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لِذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي حَمَلَ السِّلَاحَ أَلْفَ شَهْرٍ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : أُرِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَارَ النَّاسِ ، فَاسْتَقْصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ ، وَخَافَ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مِثْلَ مَا بَلَغَهُ سَائِرُ الْأُمَمِ ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لِسَائِرِ الْأُمَمِ .
وَرَابِعُهَا : رَوَى
الْقَاسِمُ بْنُ فَضْلٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=16013998عَنْ عِيسَى بْنِ مَازِنٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ عَمَدْتَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَبَايَعْتَ لَهُ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَأَى فِي مَنَامِهِ بَنِي أُمَيَّةَ يَطَئُونَ مِنْبَرَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يَعْنِي مُلْكَ
بَنِي أُمَيَّةَ ، قَالَ
الْقَاسِمُ : فَحَسَبْنَا مُلْكَ
بَنِي أُمَيَّةَ ، فَإِذَا هُوَ أَلْفُ شَهْرٍ .
طَعَنَ
الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَالَ : مَا ذُكِرَ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=3أَلْفِ شَهْرٍ ) فِي أَيَّامِ
بَنِي أُمَيَّةَ بَعِيدٌ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَذْكُرُ فَضْلَهَا بِذِكْرِ أَلْفِ شَهْرٍ مَذْمُومَةٍ ، وَأَيَّامُ
بَنِي أُمَيَّةَ كَانَتْ مَذْمُومَةً .
[ ص: 31 ] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الطَّعْنَ ضَعِيفٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَيَّامَ
بَنِي أُمَيَّةَ كَانَتْ أَيَّامًا عَظِيمَةً بِحَسَبِ السَّعَادَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ : إِنِّي أَعْطَيْتُكَ لَيْلَةً هِيَ فِي السَّعَادَاتِ الدِّينِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ تِلْكَ السَّعَادَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ وَفِيهَا تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ ، أَمَّا الْبِشَارَةُ فَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ خَيْرٌ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْخَيْرِيَّةِ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَمُبَارَزَةُ
عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ
عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ [الْعَامِرِيِّ ] أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَمْ يَقُلْ : مِثْلُ عَمَلِهِ بَلْ قَالَ : أَفْضَلُ كَأَنَّهُ يَقُولُ : حَسْبُكَ هَذَا مِنَ الْوَزْنِ وَالْبَاقِي جُزَافٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى نَيِّفًا وَثَمَانِينَ سَنَةً ، وَمَنْ أَحْيَاهَا كُلَّ سَنَةٍ فَكَأَنَّهُ رُزِقَ أَعْمَارًا كَثِيرَةً ، وَمَنْ أَحْيَا الشَّهْرَ لِيَنَالَهَا بِيَقِينٍ فَكَأَنَّهُ أَحْيَا ثَلَاثِينَ قَدْرًا ، يُرْوَى أَنَّهُ يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي عَبَدَ اللَّهَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ ، وَيُجَاءُ بِرَجُلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَيَكُونُ ثَوَابُهُ أَكْثَرَ ، فَيَقُولُ الْإِسْرَائِيلِيُّ : أَنْتَ الْعَدْلُ ، وَأَرَى ثَوَابَهُ أَكْثَرَ ، فَيَقُولُ : لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ الْعُقُوبَةَ الْمُعَجَّلَةَ فَتَعْبُدُونَ ، وَأُمَّةُ
مُحَمَّدٍ كَانُوا آمِنِينَ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [الْأَنْفَالِ : 33] ثُمَّ إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ أَكْثَرَ ثَوَابًا ، وَأَمَّا التَّهْدِيدُ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى تَوَعَّدَ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ بِالدُّخُولِ فِي النَّارِ ، وَإِنَّ إِحْيَاءَ مِائَةِ لَيْلَةٍ مِنَ الْقَدْرِ لَا يُخَلِّصُهُ عَنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ الْمُسْتَحَقِّ بِتَطْفِيفِ حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلِهَذَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَعْظِيمِ حَالِ الذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013999أَجْرُكَ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكَ " وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الطَّاعَةَ فِي أَلْفِ شَهْرٍ أَشَقُّ مِنَ الطَّاعَةِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ اسْتِوَاؤُهُمَا ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ قَدْ يَخْتَلِفُ حَالُهُ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْوُجُوهِ الْمُنْضَمَّةِ إِلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِكَذَا دَرَجَةٍ ، مَعَ أَنَّ الصُّورَةَ قَدْ تُنْتَقَضُ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ سَقَطَتْ عَنْهُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَأَيْضًا فَأَنْتَ تَقُولُ لِمَنْ يُرْجَمُ : إِنَّهُ إِنَّمَا يُرْجَمُ لِأَنَّهُ زَانٍ فَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ ، وَلَوْ قُلْتَهُ لِلنَّصْرَانِيِّ فَقَذْفٌ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ ، وَلَوْ قُلْتَهُ لِلْمُحْصَنِ فَهُوَ يُوجِبُ الْحَدَّ ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَحْكَامُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَعَ أَنَّ الصُّورَةَ وَاحِدَةٌ فِي الْكُلِّ ، بَلْ لَوْ قُلْتَهُ فِي حَقِّ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ كَانَ كُفْرًا ، وَلِذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) [النُّورِ : 15] وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا طَعْنٌ فِي حَقِّ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ الَّتِي كَانَتْ رُحْلَةً فِي الْعِلْمِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
خُذُوا ثُلُثَيْ دِينِكُمْ مِنْ هَذِهِ الْحُمَيْرَاءِ " وَطَعْنٌ فِي
صَفْوَانَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا بَدْرِيًّا ، وَطَعْنٌ فِي كَافَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلِلْوَلَدِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِقَذْفِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا ، بَلْ طَعْنٌ فِي النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ أَشَدَّ خَلْقِ اللَّهِ غَيْرَةً ، بَلْ طَعْنٌ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ زَانِيَةٍ ، ثُمَّ الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ : هَذَا زَانٍ ، فَقَدْ ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ سَهْلَةٌ مَعَ أَنَّهَا أَثْقَلُ مِنَ الْجِبَالِ ، فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْأَفْعَالَ تَخْتَلِفُ آثَارُهَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لِاخْتِلَافِ وُجُوهِهَا ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الطَّاعَةُ الْقَلِيلَةُ فِي الصُّورَةِ مُسَاوِيَةً فِي الثَّوَابِ لِلطَّاعَاتِ الْكَثِيرَةِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ : أَنَّ مَقْصُودَ الْحَكِيمِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجُرَّ الْخَلْقَ إِلَى الطَّاعَاتِ فَتَارَةً يَجْعَلُ ثَمَنَ الطَّاعَةِ ضِعْفَيْنِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=5فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=6إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) [الشَّرْحِ : 5 ، 6] وَمَرَّةً عَشْرًا ، وَمَرَّةً سَبْعَمِائَةٍ ، وَتَارَةً بِحَسَبِ الْأَزْمِنَةِ ، وَتَارَةً بِحَسَبِ الْأَمْكِنَةِ ، وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْكُلِّ جَرُّ الْمُكَلَّفِ إِلَى الطَّاعَةِ وَصَرْفُهُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا ، فَتَارَةً يُرَجِّحُ الْبَيْتَ وَزَمْزَمَ عَلَى سَائِرِ الْبِلَادِ ، وَتَارَةً يُفَضِّلُ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ ، وَتَارَةً
[ ص: 32 ] يُفَضِّلُ الْجُمُعَةَ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ ، وَتَارَةً يُفَضِّلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي ، وَالْمَقْصُودُ مَا ذَكَرْنَاهُ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : مِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ .