المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=29747_29068ذكروا في الروح أقوالا :
أحدها : أنه ملك عظيم ، لو التقم السماوات والأرضين كان ذلك له لقمة واحدة .
وثانيها : طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا ليلة القدر ، كالزهاد الذين لا نراهم إلا يوم العيد .
وثالثها : خلق من خلق الله يأكلون ويلبسون ليسوا من الملائكة ، ولا من الإنس ، ولعلهم خدم أهل الجنة .
ورابعها : يحتمل أنه
عيسى عليه السلام لأنه اسمه ، ثم إنه ينزل في مواقفة الملائكة ليطلع على أمة
محمد .
وخامسها : أنه القرآن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) [الشورى : 52] .
وسادسها : الرحمة
[ ص: 34 ] قرئ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87ولا تيأسوا من روح الله ) [يوسف : 87] بالرفع كأنه تعالى ، يقول : الملائكة ينزلون ورحمتي تنزل في أثرهم فيجدون سعادة الدنيا وسعادة الآخرة .
وسابعها : الروح أشرف الملائكة .
وثامنها : عن
أبي نجيح : الروح هم الحفظة والكرام الكاتبون فصاحب اليمين يكتب إتيانه بالواجب ، وصاحب الشمال يكتب تركه للقبيح ، والأصح أن الروح ههنا
جبريل . وتخصيصه بالذكر لزيادة شرفه كأنه تعالى يقول : الملائكة في كفة والروح في كفة .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4بإذن ربهم ) فقد ذكرنا أن هذا يدل على أنهم كانوا مشتاقين إلينا ، فإن قيل : كيف يرغبون إلينا مع علمهم بكثرة معاصينا ؟ قلنا : إنهم لا يقفون على تفصيل المعاصي روي أنهم يطالعون اللوح ، فيرون فيه طاعة المكلف مفصلة ، فإذا وصلوا إلى معاصيه أرخي الستر فلا ترونها ، فحينئذ يقول : سبحان من أظهر الجميل ، وستر على القبيح ، ثم قد ذكرنا فوائد في نزولهم ونذكر الآن فوائد أخرى وحاصلها أنهم يرون في الأرض من أنواع الطاعات أشياء ما رأوها في عالم السماوات :
أحدها : أن الأغنياء يجيئون بالطعام من بيوتهم فيجعلونه ضيافة للفقراء والفقراء يأكلون طعام الأغنياء ويعبدون الله ، وهذا نوع من الطاعة لا يوجد في السماوات .
وثانيها : أنهم يسمعون أنين العصاة وهذا لا يوجد في السماوات .
وثالثها :
أنه تعالى قال : " nindex.php?page=treesubj&link=29490لأنين المذنبين أحب إلي من زجل المسبحين " فقالوا : تعالوا نذهب إلى الأرض فنسمع صوتا هو أحب إلى ربنا من صوت تسبيحنا ، وكيف لا يكون أحب وزجل المسبحين إظهار لكمال حال المطيعين ، وأنين العصاة إظهار لغفارية رب الأرض والسماوات [وهذه هي المسألة الأولى] .
المسألة الثانية : هذه الآية دالة على
nindex.php?page=treesubj&link=29737عصمة الملائكة ونظيرها قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لا يسبقونه بالقول ) [الأنبياء : 27] وفيها دقيقة وهي أنه تعالى لم يقل : مأذونين بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4بإذن ربهم ) وهو إشارة إلى أنهم لا يتصرفون تصرفا ما إلا بإذنه ، ومن ذلك قول الرجل لامرأته إن خرجت إلا بإذني ، فإنه يعتبر الإذن في كل خرجة .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4ربهم ) يفيد تعظيما للملائكة وتحقيرا للعصاة ، كأنه تعالى قال : كانوا لي فكنت لهم ، ونظيره في حقنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ) [يونس : 3] وقال
لمحمد عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إذ قال ربك ) [ص : 71] ونظيره ما روي أن
داود لما مرض مرض الموت قال : إلهي كن
لسليمان كما كنت لي ، فنزل الوحي وقال : قل
لسليمان فليكن لي كما كنت لي ، وروي عن
إبراهيم الخليل عليه السلام أنه فقد الضيف أياما فخرج بالسفرة ليلتمس ضيفا فإذا بخيمة ، فنادى أتريدون الضيف ؟ فقيل : نعم ، فقال للمضيف : أيوجد عندك إدام لبن أو عسل ؟ فرفع الرجل صخرتين فضرب إحداهما بالأخرى فانشقا فخرج من إحداهما اللبن ومن الأخرى العسل ، فتعجب
إبراهيم وقال : إلهي أنا خليلك ولم أجد مثل ذلك الإكرام ، فما له ؟ فنزل الوحي يا خليلي كان لنا فكنا له .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29747_29068ذَكَرُوا فِي الرُّوحِ أَقْوَالًا :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَلَكٌ عَظِيمٌ ، لَوِ الْتَقَمَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ لُقْمَةً وَاحِدَةً .
وَثَانِيهَا : طَائِفَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا تَرَاهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، كَالزُّهَّادِ الَّذِينَ لَا نَرَاهُمْ إِلَّا يَوْمَ الْعِيدِ .
وَثَالِثُهَا : خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَأْكُلُونَ وَيَلْبَسُونَ لَيْسُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَا مِنَ الْإِنْسِ ، وَلَعَلَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ .
وَرَابِعُهَا : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ اسْمُهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ يَنْزِلُ فِي مُوَاقَفَةِ الْمَلَائِكَةِ لِيَطَّلِعَ عَلَى أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّهُ الْقُرْآنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) [الشُّورَى : 52] .
وَسَادِسُهَا : الرَّحْمَةُ
[ ص: 34 ] قُرِئَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ) [يُوسُفَ : 87] بِالرَّفْعِ كَأَنَّهُ تَعَالَى ، يَقُولُ : الْمَلَائِكَةُ يَنْزِلُونَ وَرَحْمَتِي تَنْزِلُ فِي أَثَرِهِمْ فَيَجِدُونَ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَسَعَادَةَ الْآخِرَةِ .
وَسَابِعُهَا : الرُّوحُ أَشْرَفُ الْمَلَائِكَةِ .
وَثَامِنُهَا : عَنْ
أَبِي نَجِيحٍ : الرُّوحُ هُمُ الْحَفَظَةُ وَالْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ فَصَاحِبُ الْيَمِينِ يَكْتُبُ إِتْيَانَهُ بِالْوَاجِبِ ، وَصَاحِبُ الشِّمَالِ يَكْتُبُ تَرْكَهُ لِلْقَبِيحِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّوحَ هَهُنَا
جِبْرِيلُ . وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ لِزِيَادَةِ شَرَفِهِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الْمَلَائِكَةُ فِي كِفَّةٍ وَالرُّوحُ فِي كِفَّةٍ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُشْتَاقِينَ إِلَيْنَا ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَرْغَبُونَ إِلَيْنَا مَعَ عِلْمِهِمْ بِكَثْرَةِ مَعَاصِينَا ؟ قُلْنَا : إِنَّهُمْ لَا يَقِفُونَ عَلَى تَفْصِيلِ الْمَعَاصِي رُوِيَ أَنَّهُمْ يُطَالِعُونَ اللَّوْحَ ، فَيَرَوْنَ فِيهِ طَاعَةَ الْمُكَلَّفِ مُفَصَّلَةً ، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى مَعَاصِيهِ أُرْخِيَ السِّتْرُ فَلَا تَرَوْنَهَا ، فَحِينَئِذٍ يَقُولُ : سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ ، وَسَتَرَ عَلَى الْقَبِيحِ ، ثُمَّ قَدْ ذَكَرْنَا فَوَائِدَ فِي نُزُولِهِمْ وَنَذْكُرُ الْآنَ فَوَائِدَ أُخْرَى وَحَاصِلُهَا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ أَشْيَاءَ مَا رَأَوْهَا فِي عَالَمِ السَّمَاوَاتِ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَجِيئُونَ بِالطَّعَامِ مِنْ بُيُوتِهِمْ فَيَجْعَلُونَهُ ضِيَافَةً لِلْفُقَرَاءِ وَالْفُقَرَاءُ يَأْكُلُونَ طَعَامَ الْأَغْنِيَاءِ وَيَعْبُدُونَ اللَّهَ ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الطَّاعَةِ لَا يُوجَدُ فِي السَّمَاوَاتِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ أَنِينَ الْعُصَاةِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي السَّمَاوَاتِ .
وَثَالِثُهَا :
أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : " nindex.php?page=treesubj&link=29490لَأَنِينُ الْمُذْنِبِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ زَجَلِ الْمُسَبِّحِينَ " فَقَالُوا : تَعَالَوْا نَذْهَبْ إِلَى الْأَرْضِ فَنَسْمَعْ صَوْتًا هُوَ أَحَبُّ إِلَى رَبِّنَا مِنْ صَوْتِ تَسْبِيحِنَا ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَحَبَّ وَزَجَلُ الْمُسَبِّحِينَ إِظْهَارٌ لِكَمَالِ حَالِ الْمُطِيعِينَ ، وَأَنِينُ الْعُصَاةِ إِظْهَارٌ لِغَفَّارِيَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ [وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29737عِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 27] وَفِيهَا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : مَأْذُونِينَ بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ تَصَرُّفًا مَا إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ إِنْ خَرَجْتِ إِلَّا بِإِذْنِي ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ فِي كُلِّ خَرْجَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4رَبِّهِمْ ) يُفِيدُ تَعْظِيمًا لِلْمَلَائِكَةِ وَتَحْقِيرًا لِلْعُصَاةِ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : كَانُوا لِي فَكُنْتُ لَهُمْ ، وَنَظِيرُهُ فِي حَقِّنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) [يُونُسَ : 3] وَقَالَ
لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إِذْ قَالَ رَبُّكَ ) [ص : 71] وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ
دَاوُدَ لَمَّا مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ قَالَ : إِلَهِي كُنْ
لِسُلَيْمَانَ كَمَا كُنْتَ لِي ، فَنَزَلَ الْوَحْيُ وَقَالَ : قُلْ
لِسُلَيْمَانَ فَلْيَكُنْ لِي كَمَا كُنْتَ لِي ، وَرُوِيَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ فَقَدَ الضَّيْفَ أَيَّامًا فَخَرَجَ بِالسُّفْرَةِ لِيَلْتَمِسَ ضَيْفًا فَإِذَا بِخَيْمَةٍ ، فَنَادَى أَتُرِيدُونَ الضَّيْفَ ؟ فَقِيلَ : نَعَمْ ، فَقَالَ لِلْمُضِيفِ : أَيُوجَدُ عِنْدَكَ إِدَامُ لَبَنٍ أَوْ عَسَلٍ ؟ فَرَفَعَ الرَّجُلُ صَخْرَتَيْنِ فَضَرَبَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَانْشَقَّا فَخَرَجَ مِنْ إِحْدَاهُمَا اللَّبَنُ وَمِنَ الْأُخْرَى الْعَسَلُ ، فَتَعَجَّبَ
إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ : إِلَهِي أَنَا خَلِيلُكَ وَلَمْ أَجِدْ مِثْلَ ذَلِكَ الْإِكْرَامِ ، فَمَا لَهُ ؟ فَنَزَلَ الْوَحْيُ يَا خَلِيلِي كَانَ لَنَا فَكُنَّا لَهُ .