[ ص: 37 ] [ سورة البينة ]
وهي ثمان آيات مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رسول من الله يتلو صحفا مطهرة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فيها كتب قيمة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رسول من الله يتلو صحفا مطهرة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فيها كتب قيمة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة )
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
الواحدي في كتاب البسيط :
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28914هذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا ، وقد تخبط فيها الكبار من العلماء ، ثم إنه رحمه الله تعالى لم يلخص كيفية الإشكال فيها وأنا أقول : وجه الإشكال أن تقدير الآية : " لم يكن الذين كفروا منفكين حتى تأتيهم البينة " التي هي الرسول ، ثم إنه تعالى لم يذكر أنهم منفكون عن ماذا لكنه معلوم ، إذ المراد هو الكفر الذي كانوا عليه ، فصار التقدير : لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة التي هي الرسول ، ثم إن كلمة حتى لانتهاء الغاية فهذه الآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرسول ، ثم قال بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) وهذا يقتضي أن كفرهم قد ازداد عند مجيء الرسول عليه السلام ، فحينئذ يحصل بين الآية الأولى والآية الثانية مناقضة في الظاهر ، هذا منتهى الإشكال فيما أظن .
والجواب عنه من وجوه :
أولها وأحسنها الوجه الذي لخصه صاحب الكشاف : وهو أن الكفار من الفريقين ؛
أهل الكتاب وعبدة الأوثان ، كانوا يقولون قبل مبعث
محمد صلى الله عليه وسلم : لا ننفك عما نحن عليه من ديننا ، ولا نتركه حتى
[ ص: 38 ] يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل . وهو
محمد عليه السلام ، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول ، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول ، ونظيره في الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه : لست أمتنع مما أنا فيه من الأفعال القبيحة حتى يرزقني الله الغنى ، فلما رزقه الله الغنى ازداد فسقا فيقول واعظه : لم تكن منفكا عن الفسق حتى توسر ، وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار يذكره ما كان يقوله توبيخا وإلزاما ، وحاصل هذا الجواب يرجع إلى حرف واحد ، وهو أن قوله : " لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة " مذكورة حكاية عنهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) هو إخبار عن الواقع ، والمعنى أن الذي وقع كان على خلاف ما ادعوا .
وثانيها : أن تقدير الآية ،
nindex.php?page=treesubj&link=30549لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم وإن جاءتهم البينة . وعلى هذا التقدير يزول الإشكال هكذا ذكره
القاضي إلا أن تفسير لفظة حتى بهذا ليس من اللغة في شيء .
وثالثها : أنا لا نحمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1منفكين ) على الكفر بل على كونهم منفكين عن ذكر
محمد بالمناقب والفضائل والمعنى : لم يكن الذين كفروا منفكين عن ذكر
محمد بالمناقب والفضائل حتى تأتيهم البينة ، قال
ابن عرفة : أي حتى أتتهم ، فاللفظ لفظ المضارع ومعناه الماضي ، وهو كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102ما تتلو الشياطين ) [البقرة : 102] أي ما تلت ، والمعنى أنهم ما كانوا منفكين عن ذكر مناقبه ، ثم لما جاءهم
محمد تفرقوا فيه ، وقال كل واحد فيه قولا آخر رديا ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) [البقرة : 89] والقول المختار في هذه الآية هو الأول .
وفي الآية وجه رابع وهو أنه تعالى حكم على الكفار أنهم ما كانوا منفكين عن كفرهم إلى وقت مجيء الرسول ، وكلمة "حتى" تقتضي أن يكون الحال بعد ذلك بخلاف ما كان قبل ذلك ، والأمر هكذا كان لأن ذلك المجموع ما بقوا على الكفر بل تفرقوا فمنهم من صار مؤمنا ، ومنهم من صار كافرا ، ولما لم يبق حال أولئك الجمع بعد مجيء الرسول كما كان قبل مجيئه ، كفى ذلك في العمل بمدلول لفظ حتى .
وفيها وجه خامس : وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=29255_29254الكفار كانوا قبل مبعث الرسول منفكين عن التردد في كفرهم بل كانوا جازمين به معتقدين حقيقته ، ثم زال ذلك الجزم بعد مبعث الرسول ، بل بقوا شاكين متحيرين في ذلك الدين وفي سائر الأديان ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ) [البقرة : 213] والمعنى أن الدين الذي كانوا عليه صار كأنه اختلط بلحمهم ودمهم فاليهودي كان جازما في يهوديته وكذا النصراني وعابد الوثن ، فلما بعث
محمد عليه الصلاة والسلام : اضطربت الخواطر والأفكار وتشكك كل أحد في دينه ومذهبه ومقالته ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1منفكين ) مشعر بهذا لأن انفكاك الشيء عن الشيء هو انفصاله عنه ، فمعناه أن قلوبهم ما خلت عن تلك العقائد وما انفصلت عن الجزم بصحتها ، ثم إن بعد المبعث لم يبق الأمر على تلك الحالة .
[ ص: 37 ] [ سُورَةُ الْبَيِّنَةِ ]
وَهِيَ ثَمَانِ آيَاتٍ مَدَنِيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ )
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ الْبَسِيطِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28914هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَصْعَبِ مَا فِي الْقُرْآنِ نَظْمًا وَتَفْسِيرًا ، وَقَدْ تَخَبَّطَ فِيهَا الْكِبَارُ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، ثُمَّ إِنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُلَخِّصْ كَيْفِيَّةَ الْإِشْكَالِ فِيهَا وَأَنَا أَقُولُ : وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ : " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ " الَّتِي هِيَ الرَّسُولُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمْ مُنْفَكُّونَ عَنْ مَاذَا لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ ، إِذِ الْمُرَادُ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي هِيَ الرَّسُولُ ، ثُمَّ إِنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُمْ صَارُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ عِنْدَ إِتْيَانِ الرَّسُولِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُفْرَهُمْ قَدِ ازْدَادَ عِنْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ بَيْنَ الْآيَةِ الْأُولَى وَالْآيَةِ الثَّانِيَةِ مُنَاقَضَةٌ فِي الظَّاهِرِ ، هَذَا مُنْتَهَى الْإِشْكَالِ فِيمَا أَظُنُّ .
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا وَأَحْسَنُهَا الْوَجْهُ الَّذِي لَخَّصَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : وَهُوَ أَنَّ الْكُفَّارَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ ؛
أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، كَانُوا يَقُولُونَ قَبْلَ مَبْعَثِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا نَنْفَكُّ عَمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ دِينِنَا ، وَلَا نَتْرُكُهُ حَتَّى
[ ص: 38 ] يُبْعَثَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ الَّذِي هُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ . وَهُوَ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَحَكَى اللَّهُ تَعَالَى مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ اجْتِمَاعَ الْكَلِمَةِ وَالِاتِّفَاقَ عَلَى الْحَقِّ إِذَا جَاءَهُمُ الرَّسُولُ ، ثُمَّ مَا فَرَّقَهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَلَا أَقَرَّهُمْ عَلَى الْكُفْرِ إِلَّا مَجِيءُ الرَّسُولِ ، وَنَظِيرُهُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ الْفَقِيرُ الْفَاسِقُ لِمَنْ يَعِظُهُ : لَسْتُ أَمْتَنِعُ مِمَّا أَنَا فِيهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ حَتَّى يَرْزُقَنِي اللَّهُ الْغِنَى ، فَلَمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ الْغِنَى ازْدَادَ فِسْقًا فَيَقُولُ وَاعِظُهُ : لَمْ تَكُنْ مُنْفَكًّا عَنِ الْفِسْقِ حَتَّى تُوسِرَ ، وَمَا غَمَسْتَ رَأْسَكَ فِي الْفِسْقِ إِلَّا بَعْدَ الْيَسَارِ يُذَكِّرُهُ مَا كَانَ يَقُولُهُ تَوْبِيخًا وَإِلْزَامًا ، وَحَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ يَرْجِعُ إِلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ " مَذْكُورَةٌ حِكَايَةً عَنْهُمْ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي وَقَعَ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَا ادَّعَوْا .
وَثَانِيهَا : أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30549لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ وَإِنْ جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ هَكَذَا ذَكَرَهُ
الْقَاضِي إِلَّا أَنَّ تَفْسِيرَ لَفْظَةِ حَتَّى بِهَذَا لَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ فِي شَيْءٍ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّا لَا نَحْمِلُ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1مُنْفَكِّينَ ) عَلَى الْكُفْرِ بَلْ عَلَى كَوْنِهِمْ مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ
مُحَمَّدٍ بِالْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ وَالْمَعْنَى : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ
مُحَمَّدٍ بِالْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ، قَالَ
ابْنُ عَرَفَةَ : أَيْ حَتَّى أَتَتْهُمْ ، فَاللَّفْظُ لَفْظُ الْمُضَارِعِ وَمَعْنَاهُ الْمَاضِي ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ ) [الْبَقَرَةِ : 102] أَيْ مَا تَلَتْ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ مَنَاقِبِهِ ، ثُمَّ لَمَّا جَاءَهُمْ
مُحَمَّدٌ تَفَرَّقُوا فِيهِ ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ رَدِيًّا وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) [الْبَقَرَةِ : 89] وَالْقَوْلُ الْمُخْتَارُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْأَوَّلُ .
وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ الرَّسُولِ ، وَكَلِمَةُ "حَتَّى" تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَالْأَمْرُ هَكَذَا كَانَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ مَا بَقُوا عَلَى الْكُفْرِ بَلْ تَفَرَّقُوا فَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ مُؤْمِنًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ كَافِرًا ، وَلَمَّا لَمْ يَبْقَ حَالُ أُولَئِكَ الْجَمْعِ بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ كَمَا كَانَ قَبْلَ مَجِيئِهِ ، كَفَى ذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ حَتَّى .
وَفِيهَا وَجْهٌ خَامِسٌ : وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29255_29254الْكُفَّارَ كَانُوا قَبْلَ مَبْعَثِ الرَّسُولِ مُنْفَكِّينَ عَنِ التَّرَدُّدِ فِي كُفْرِهِمْ بَلْ كَانُوا جَازِمِينَ بِهِ مُعْتَقِدِينَ حَقِيقَتَهُ ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْجَزْمُ بَعْدَ مَبْعَثِ الرَّسُولِ ، بَلْ بَقُوا شَاكِّينَ مُتَحَيِّرِينَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ وَفِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) [الْبَقَرَةِ : 213] وَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّينَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ اخْتَلَطَ بِلَحْمِهِمْ وَدَمِهِمْ فَالْيَهُودِيُّ كَانَ جَازِمًا فِي يَهُودِيَّتِهِ وَكَذَا النَّصْرَانِيُّ وَعَابِدُ الْوَثَنِ ، فَلَمَّا بُعِثَ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : اضْطَرَبَتِ الْخَوَاطِرُ وَالْأَفْكَارُ وَتَشَكَّكَ كُلُّ أَحَدٍ فِي دِينِهِ وَمَذْهَبِهِ وَمَقَالَتِهِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1مُنْفَكِّينَ ) مُشْعِرٌ بِهَذَا لِأَنَّ انْفِكَاكَ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ هُوَ انْفِصَالُهُ عَنْهُ ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ قُلُوبَهُمْ مَا خَلَتْ عَنْ تِلْكَ الْعَقَائِدِ وَمَا انْفَصَلَتْ عَنِ الْجَزْمِ بِصِحَّتِهَا ، ثُمَّ إِنَّ بَعْدَ الْمَبْعَثِ لَمْ يَبْقَ الْأَمْرُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ .