(
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) وفيه مسائل :
[ ص: 42 ] المسألة الأولى : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا ) وجهان :
أحدهما : أن يكون المراد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا ) في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي ، فيكون المراد أنهم كانوا مأمورين بذلك إلا أنه تعالى لما أتبعه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وذلك دين القيمة ) علمنا أن ذلك الحكم كما أنه كان مشروعا في حقهم فهو مشروع في حقنا .
وثانيهما : أن يكون المراد : وما أمر أهل الكتاب على لسان
محمد صلى الله عليه وسلم إلا بهذه الأشياء ، وهذا أولى ، لثلاثة أوجه :
أحدها : أن الآية على هذا التقدير تفيد شرعا جديدا وحمل كلام الله على ما يكون أكثر فائدة أولى .
وثانيها : وهو أن ذكر
محمد عليه السلام قد مر ههنا وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1حتى تأتيهم البينة ) وذكر سائر الأنبياء عليهم السلام لم يتقدم .
وثالثها : أنه تعالى ختم الآية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وذلك دين القيمة ) فحكم بكون ما هو متعلق هذه الآية دينا قيما فوجب أن يكون شرعا في حقنا سواء قلنا : بأنه شرع من قبلنا أو شرع جديد يكون هذا بيانا لشرع
محمد عليه الصلاة والسلام وهذا قول مقاتل .
المسألة الثانية : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5إلا ليعبدوا الله ) دقيقة وهي أن هذه اللام لام الغرض ، فلا يمكن حمله على ظاهره لأن كل من فعل فعلا لغرض فهو ناقص لذاته مستكمل بذلك الغرض ، فلو فعل الله فعلا لكان ناقصا لذاته مستكملا بالغير وهو محال ، لأن ذلك الغرض إن كان قديما لزم من قدمه قدم الفعل ، وإن كان محدثا افتقر إلى غرض آخر فلزم التسلسل وهو محال ولأنه إن عجز عن تحصيل ذلك الغرض إلا بتلك الواسطة فهو عاجز ، وإن كان قادرا عليه كان توسيط تلك الواسطة عبثا ، فثبت أنه لا يمكن حمله على ظاهره فلا بد فيه من التأويل . ثم قال
الفراء : العرب تجعل اللام في موضع "أن" في الأمر والإرادة كثيرا ، من ذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26يريد الله ليبين لكم ) [النساء : 26] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=8يريدون ليطفئوا ) [الصف : 8] وقال في الأمر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=71وأمرنا لنسلم ) [الأنعام : 71] وهي في قراءة
عبد الله : "وما أمروا إلا أن يعبدوا الله" فثبت أن المراد : وما أمروا إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين .
nindex.php?page=treesubj&link=19694والإخلاص عبارة عن النية الخالصة ، والنية الخالصة لما كانت معتبرة كانت النية معتبرة ، فقد دلت الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=22623_28273كل مأمور به فلا بد وأن يكون منويا ، ثم قالت الشافعية : الوضوء مأمور به في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) [المائدة : 6] ودلت هذه الآية على أن كل مأمور يجب أن يكون منويا ، فيلزم من مجموع الآيتين وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=22623كون الوضوء منويا ، وأما
المعتزلة فإنهم يوجبون تعليل أفعال الله وأحكامه بالأغراض ، لا جرم أجروا الآية على ظاهرها فقالوا معنى الآية : وما أمروا بشيء إلا لأجل أن يعبدوا الله ، والاستدلال على هذا القول أيضا قوي ، لأن التقدير وما أمروا بشيء إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين في ذلك الشيء ، وهذا أيضا يقتضي اعتبار النية في جميع المأمورات . فإن قيل : النظر في معرفة الله مأمور به ويستحيل اعتبار النية فيه ; لأن النية لا يمكن اعتبارها إلا بعد المعرفة ، فما كان قبل المعرفة لا يمكن اعتبار النية فيه . قلنا : هب أنه خص عموم الآية في هذه الصورة بحكم الدليل العقلي الذي ذكرتم فيبقى في الباقي حجة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
[ ص: 42 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا ) وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا ) فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَّا بِالدِّينِ الْحَنِيفِيِّ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَمَا أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِمْ فَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّنَا .
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : وَمَا أُمِرَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى لِسَانِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَهَذَا أَوْلَى ، لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْآيَةَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تُفِيدُ شَرْعًا جَدِيدًا وَحَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى مَا يَكُونُ أَكْثَرَ فَائِدَةً أَوْلَى .
وَثَانِيهَا : وَهُوَ أَنَّ ذِكْرَ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ مَرَّ هَهُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) وَذِكْرَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَمْ يَتَقَدَّمْ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) فَحَكَمَ بِكَوْنِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ هَذِهِ الْآيَةِ دِينًا قَيِّمًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْعًا فِي حَقِّنَا سَوَاءٌ قُلْنَا : بِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا أَوْ شَرْعٌ جَدِيدٌ يَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِشَرْعِ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهَذَا قَوْلُ مُقَاتِلٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ) دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ اللَّامَ لَامُ الْغَرَضِ ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ فَهُوَ نَاقِصٌ لِذَاتِهِ مُسْتَكْمِلٌ بِذَلِكَ الْغَرَضِ ، فَلَوْ فَعَلَ اللَّهُ فِعْلًا لَكَانَ نَاقِصًا لِذَاتِهِ مُسْتَكْمِلًا بِالْغَيْرِ وَهُوَ مُحَالٌ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَرَضَ إِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ مِنْ قِدَمِهِ قِدَمُ الْفِعْلِ ، وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا افْتَقَرَ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ فَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ وَلِأَنَّهُ إِنْ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْغَرَضِ إِلَّا بِتِلْكَ الْوَاسِطَةِ فَهُوَ عَاجِزٌ ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ كَانَ تَوْسِيطُ تِلْكَ الْوَاسِطَةِ عَبَثًا ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ . ثُمَّ قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْعَرَبُ تَجْعَلُ اللَّامَ فِي مَوْضِعِ "أَنْ" فِي الْأَمْرِ وَالْإِرَادَةِ كَثِيرًا ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ) [النِّسَاءِ : 26] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=8يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا ) [الصِّفِّ : 8] وَقَالَ فِي الْأَمْرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=71وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ ) [الْأَنْعَامِ : 71] وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ : "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ" فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=19694وَالْإِخْلَاصُ عِبَارَةٌ عَنِ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ ، وَالنِّيَّةُ الْخَالِصَةُ لَمَّا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً كَانَتِ النِّيَّةُ مُعْتَبَرَةً ، فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22623_28273كُلَّ مَأْمُورٍ بِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَنْوِيًّا ، ثُمَّ قَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ : الْوُضُوءُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) [الْمَائِدَةِ : 6] وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْوِيًّا ، فَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ وُجُوبُ
nindex.php?page=treesubj&link=22623كَوْنِ الْوُضُوءِ مَنْوِيًّا ، وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ تَعْلِيلَ أَفْعَالِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ بِالْأَغْرَاضِ ، لَا جَرَمَ أَجْرَوُا الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالُوا مَعْنَى الْآيَةِ : وَمَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ إِلَّا لِأَجْلِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا قَوِيٌّ ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَمَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَهَذَا أَيْضًا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ . فَإِنْ قِيلَ : النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ مَأْمُورٌ بِهِ وَيَسْتَحِيلُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِيهِ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا إِلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ ، فَمَا كَانَ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِيهِ . قُلْنَا : هَبْ أَنَّهُ خَصَّ عُمُومَ الْآيَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِحُكْمِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي ذَكَرْتُمْ فَيَبْقَى فِي الْبَاقِي حُجَّةٌ .