المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5أمروا ) مذكور بلفظ ما لم يسم فاعله وهو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كتب عليكم الصيام ) [البقرة : 183] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص ) [البقرة : 178] قالوا : فيه وجوه :
أحدها : كأنه تعالى يقول : العبادة شاقة ولا أريد مشقتك إرادة أصلية بل إرادتي لعبادتك كإرادة الوالدة لحجامتك ، ولهذا لما آل الأمر إلى الرحمة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كتب ربكم على نفسه الرحمة ) [الأنعام : 54] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22كتب في قلوبهم الإيمان ) [المجادلة : 22] وذكر في الواقعات إذا أراد الأب من ابنه عملا يقول له أولا : ينبغي أن تفعل هذا ولا يأمره
[ ص: 43 ] صريحا ، لأنه ربما يرد عليه فتعظم جنايته ، فههنا أيضا لم يصرح بالأمر لتخف جناية الراد .
وثانيها : أنا على
nindex.php?page=treesubj&link=20691القول بالحسن والقبح العقليين ، نقول : كأنه تعالى يقول : لست أنا الآمر للعبادة فقط ، بل عقلك أيضا يأمرك لأن النهاية في التعظيم لمن أوصل إليك [أن] نهاية الإنعام واجبة في العقول .
المسألة الرابعة : اللام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله ) تدل على مذهب أهل السنة حيث قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=28345العبادة ما وجبت لكونها مفضية إلى ثواب الجنة ، أو إلى البعد عن عقاب النار ، بل لأجل أنك عبد وهو رب ، فلو لم يحصل في الدين ثواب ولا عقاب البتة ، ثم أمرك بالعبادة . وجبت لمحض العبودية ، وفيها أيضا إشارة إلى أنه من عبد الله للثواب والعقاب ، فالمعبود في الحقيقة هو الثواب والعقاب ، والحق واسطة ، ونعم ما قيل : من آثر العرفان للعرفان فقد قال بالثاني ومن آثر العرفان لا للعرفان ، بل للمعروف ، فقد خاض لجة الوصول .
المسألة الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=29530العبادة هي التذلل ، ومنه طريق معبد ، أي مذلل ، ومن زعم أنها الطاعة فقد أخطأ ، لأن جماعة عبدوا الملائكة والمسيح والأصنام وما أطاعوهم ، ولكن في الشرع صارت اسما لكل طاعة لله أديت له على وجه التذلل والنهاية في التعظيم ، واعلم أن العبادة بهذا المعنى لا يستحقها إلا من يكون واحدا في ذاته وصفاته الذاتية والفعلية ، فإن كان مثل لم يجز أن يصرف إليه النهاية في التعظيم ، ثم نقول : لا بد في كون الفعل عبادة من شيئين :
أحدهما : غاية التعظيم ، ولذلك قلنا : إن صلاة الصبي ليست بعبادة ، لأنه لا يعرف عظمة الله ، فلا يكون فعله في غاية التعظيم .
والثاني : أن يكون مأمورا به ، ففعل اليهودي ليس بعبادة ، وإن تضمن نهاية التعظيم ، لأنه غير مأمور به ، والنكتة الوعظية فيه أن فعل الصبي ليس بعبادة لفقد التعظيم وفعل اليهودي ليس بعبادة لفقد الأمر ، فكيف يكون ركوعك الناقص عبادة ولا أمر ولا تعظيم ؟
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5أُمِرُوا ) مَذْكُورٌ بِلَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) [الْبَقَرَةِ : 183] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) [الْبَقَرَةِ : 178] قَالُوا : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الْعِبَادَةُ شَاقَّةٌ وَلَا أُرِيدُ مَشَقَّتَكَ إِرَادَةً أَصْلِيَّةً بَلْ إِرَادَتِي لِعِبَادَتِكَ كَإِرَادَةِ الْوَالِدَةِ لِحِجَامَتِكَ ، وَلِهَذَا لَمَّا آلَ الْأَمْرُ إِلَى الرَّحْمَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) [الْأَنْعَامِ : 54] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ) [الْمُجَادَلَةِ : 22] وَذُكِرَ فِي الْوَاقِعَاتِ إِذَا أَرَادَ الْأَبُ مِنِ ابْنِهِ عَمَلًا يَقُولُ لَهُ أَوَّلًا : يَنْبَغِي أَنَّ تَفْعَلَ هَذَا وَلَا يَأْمُرَهُ
[ ص: 43 ] صَرِيحًا ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَتَعْظُمُ جِنَايَتُهُ ، فَهَهُنَا أَيْضًا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْأَمْرِ لِتَخِفَّ جِنَايَةُ الرَّادِّ .
وَثَانِيهَا : أَنَّا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=20691الْقَوْلِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ ، نَقُولُ : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَسْتُ أَنَا الْآمِرَ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ ، بَلْ عَقْلُكَ أَيْضًا يَأْمُرُكَ لِأَنَّ النِّهَايَةَ فِي التَّعْظِيمِ لِمَنْ أَوْصَلَ إِلَيْكَ [أَنَّ] نِهَايَةَ الْإِنْعَامِ وَاجِبَةٌ فِي الْعُقُولِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اللَّامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ) تَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَيْثُ قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=28345الْعِبَادَةُ مَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إِلَى ثَوَابِ الْجَنَّةِ ، أَوْ إِلَى الْبُعْدِ عَنْ عِقَابِ النَّارِ ، بَلْ لِأَجْلِ أَنَّكَ عَبْدٌ وَهُوَ رَبٌّ ، فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي الدِّينِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ الْبَتَّةَ ، ثُمَّ أَمَرَكَ بِالْعِبَادَةِ . وَجَبَتْ لِمَحْضِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَفِيهَا أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، فَالْمَعْبُودُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ، وَالْحَقُّ وَاسِطَةٌ ، وَنِعْمَ مَا قِيلَ : مَنْ آثَرَ الْعِرْفَانَ لِلْعِرْفَانِ فَقَدْ قَالَ بِالثَّانِي وَمَنْ آثَرَ الْعِرْفَانَ لَا لِلْعِرْفَانِ ، بَلْ لِلْمَعْرُوفِ ، فَقَدْ خَاضَ لُجَّةَ الْوُصُولِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29530الْعِبَادَةُ هِيَ التَّذَلُّلُ ، وَمِنْهُ طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ ، أَيْ مُذَلَّلٌ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا الطَّاعَةُ فَقَدْ أَخْطَأَ ، لِأَنَّ جَمَاعَةً عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ وَالْمَسِيحَ وَالْأَصْنَامَ وَمَا أَطَاعُوهُمْ ، وَلَكِنْ فِي الشَّرْعِ صَارَتِ اسْمًا لِكُلِّ طَاعَةٍ لِلَّهِ أُدِّيَتْ لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالنِّهَايَةِ فِي التَّعْظِيمِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا مَنْ يَكُونُ وَاحِدًا فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ ، فَإِنْ كَانَ مِثْلٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصْرَفَ إِلَيْهِ النِّهَايَةُ فِي التَّعْظِيمِ ، ثُمَّ نَقُولُ : لَا بُدَّ فِي كَوْنِ الْفِعْلِ عِبَادَةً مِنْ شَيْئَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : غَايَةُ التَّعْظِيمِ ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا : إِنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ عَظَمَةَ اللَّهِ ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ فِي غَايَةِ التَّعْظِيمِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ ، فَفِعْلُ الْيَهُودِيِّ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ ، وَإِنْ تَضَمَّنَ نِهَايَةَ التَّعْظِيمِ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ ، وَالنُّكْتَةُ الْوَعْظِيَّةُ فِيهِ أَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ لِفَقْدِ التَّعْظِيمِ وَفِعْلَ الْيَهُودِيِّ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ لِفَقْدِ الْأَمْرِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ رُكُوعُكَ النَّاقِصُ عِبَادَةً وَلَا أَمْرٌ وَلَا تَعْظِيمٌ ؟