[ ص: 60 ]   ( سورة العاديات ) 
إحدى عشرة آية مكية  
بسم الله الرحمن الرحيم 
( والعاديات ضبحا    ) 
قوله تعالى ( والعاديات ضبحا    ) . 
اعلم أن الضبح أصوات أنفاس الخيل إذا عدت ، وهو صوت ليس بصهيل ولا حمحمة ، ولكنه صوت نفس ، ثم اختلفوا في المراد بالعاديات على قولين : 
الأول : ما روي عن علي    - عليه السلام -  وابن مسعود  أنها الإبل ، وهو قول إبراهيم  والقرظي  روى  سعيد بن جبير  عن  ابن عباس  قال : "بينا أنا جالس في الحجر إذ أتاني رجل فسألني عن العاديات ضبحا ، ففسرتها بالخيل فذهب إلى علي    - عليه السلام - وهو تحت سقاية زمزم  فسأله وذكر له ما قلت ، فقال : ادعه لي فلما وقفت على رأسه ، قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر  وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير  وفرس للمقداد  ، ( والعاديات ضبحا    ) الإبل من عرفة  إلى مزدلفة  ، ومن المزدلفة  إلى منى  ، يعني إبل الحاج ، قال  ابن عباس    : فرجعت عن قولي إلى قول علي  عليه السلام   " ويتأكد هذا القول بما روى أبي  في فضل السورة مرفوعا : "من قرأها أعطي من الأجر بعدد من بات بالمزدلفة  وشهد جمعا " وعلى هذا القول : ( فالموريات قدحا    ) أن الحوافر ترمي بالحجر من شدة العدو فتضرب به حجرا آخر فتوري النار ، أو يكون المعنى الذين يركبون الإبل وهم الحجيج إذا أوقدوا نيرانهم بالمزدلفة    ( فالمغيرات    ) الإغارة سرعة السير وهم يندفعون صبيحة يوم النحر مسرعين إلى منى    ( فأثرن به نقعا    ) يعني غبارا بالعدو ، وعن  محمد بن كعب    : النقع ما بين المزدلفة  إلى منى    ( فوسطن به جمعا    ) يعني مزدلفة  لأنها تسمى الجمع لاجتماع الحاج بها ، وعلى هذا التقدير ، فوجه القسم به من وجوه : 
أحدها : ما ذكرنا من المنافع الكثيرة فيه في قوله :   [ ص: 61 ]   ( أفلا ينظرون إلى الإبل    ) [ الغاشية : 17 ] 
وثانيها : كأنه تعريض بالآدمي الكنود فكأنه تعالى يقول : إني سخرت مثل هذا لك وأنت متمرد عن طاعتي . 
وثالثها : الغرض بذكر إبل الحج الترغيب في الحج ، كأنه تعالى يقول : جعلت ذلك الإبل مقسما به ، فكيف أضيع عملك ! وفيه تعريض لمن يرغب في الحج ، فإن الكنود هو الكفور ، والذي لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك ، كما في قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت    ) إلى قوله : ( ومن كفر    ) . [ آل عمران : 97 ] 
القول الثاني : قول  ابن عباس   ومجاهد  وقتادة  والضحاك  وعطاء  وأكثر المحققين : أنه الخيل ، وروي ذلك مرفوعا . قال الكلبي    : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى أناس من كنانة  فمكث ما شاء الله أن يمكث لا يأتيه منهم خبر فتخوف عليها . فنزل جبريل    - عليه السلام - بخبر مسيرها   . فإن جعلنا الألف واللام في : ( والعاديات    ) للمعهود السابق كان محل القسم خيل تلك السرية ، وإن جعلناهما للجنس كان ذلك قسما بكل خيل عدت في سبيل الله . 
واعلم أن ألفاظ هذه الآيات تنادي أن المراد هو الخيل ، وذلك لأن الضبح لا يكون إلا للفرس ، واستعمال هذا اللفظ في الإبل يكون على سبيل الاستعارة ، كما استعير المشافر والحافر للإنسان ، والشفتان للمهر ، والعدول من الحقيقة إلى المجاز بغير ضرورة لا يجوز ، وأيضا فالقدح يظهر بالحافر ما لا يظهر بخف الإبل ، وكذا قوله : ( فالمغيرات صبحا    ) لأنه بالخيل أسهل منه بغيره ، وقد روينا أنه ورد في بعض السرايا ، وإذا كان كذلك فالأقرب أن السورة مدنية ، لأن الإذن بالقتال كان بالمدينة  ، وهو الذي قاله الكلبي    : إذا عرفت ذلك فههنا مسائل : 
المسألة الأولى : أنه تعالى إنما أقسم بالخيل  لأن لها في العدو من الخصال الحميدة ما ليس لسائر الدواب ، فإنها تصلح للطلب والهرب والكر والفر ، فإذا ظننت أن النفع في الطلب عدوت إلى الخصم لتفوز بالغنيمة ، وإذا ظننت أن المصلحة في الهرب قدرت على أشد العدو ، ولا شك أن السلامة إحدى الغنيمتين ، فأقسم تعالى بفرس الغازي لما فيه من منافع الدنيا والدين ، وفيه تنبيه على أن الإنسان يجب عليه أن يمسكه لا للزينة والتفاخر ، بل لهذه المنفعة ، وقد نبه تعالى على هذا المعنى في قوله : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة    ) [ النحل : 8 ] فأدخل لام التعليل على الركوب وما أدخله على الزينة وإنما قال : ( ضبحا    ) لأنه أمارة يظهر به التعب وأنه يبذل كل الوسع ولا يقف عند التعب ، فكأنه تعالى يقول : إنه مع ضعفه لا يترك طاعتك ، فليكن العبد في طاعة مولاه أيضا كذلك . 
المسألة الثانية : ذكروا في انتصاب ( ضبحا    ) وجوها : 
أحدها : قال الزجاج    : والعاديات تضبح ضبحا . 
وثانيها : أن يكون ( والعاديات    ) في معنى والضابحات ، لأن الضبح يكون مع العدو ، وهو قول الفراء    . 
وثالثها : قال البصريون : التقدير : والعاديات ضابحة ، فقوله : ( ضبحا    ) نصب على الحال . 
				
						
						
