[ ص: 65 ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=9أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=10وحصل ما في الصدور )
واعلم أنه تعالى لما عد عليه قبائح أفعاله خوفه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=9أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : القول في : " بعثر" مضى في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=4وإذا القبور بعثرت ) [ الانفطار : 4 ] وذكرنا أن معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=4بعثرت ) بعث وأثير وأخرج ، وقرئ " بحثر " .
المسألة الثانية : لقائل أن يسأل لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=9بعثر ما في القبور ) ولم يقل : بعثر من في القبور ؟ ثم إنه لما قال : ما في القبور ، فلم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=11إن ربهم بهم ) ولم يقل : إن ربها بها يومئذ لخبير ؟
الجواب عن السؤال الأول : هو أن ما في الأرض من غير المكلفين أكثر فأخرج الكلام على الأغلب ، أو يقال : إنهم حال ما يبعثون لا يكونون أحياء عقلاء بل بعد البعث يصيرون كذلك ، فلا جرم كان الضمير الأول ضمير غير العقلاء ، والضمير الثاني ضمير العقلاء .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=10وحصل ما في الصدور ) قال
أبو عبيدة ، أي ميز ما في الصدور ، وقال
الليث : الحاصل من كل شيء ما بقي وثبت وذهب سواه ، والتحصيل تمييز ما يحصل والاسم الحصيلة قال
لبيد :
وكل امرئ يوما سيعلم سعيه إذا حصلت عند الإله الحصائل
وفي التفسير وجوه :
أحدها : معنى حصل جمع في الصحف ، أي أظهرت محصلا مجموعا .
وثانيها : أنه لا بد من التمييز بين الواجب ، والمندوب ، والمباح ، والمكروه ، والمحظور ، فإن لكل واحد ، ومنه قيل للمنخل : المحصل .
وثالثها : أن كثيرا ما يكون باطن الإنسان بخلاف ظاهره ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=30362في يوم القيامة فإنه تتكشف الأسرار وتنتهك الأستار ، ويظهر ما في البواطن ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=9يوم تبلى السرائر ) . [ الطارق : 9 ] واعلم أن حظ الوعظ منه أن يقال : إنك تستعد فيما لا فائدة لك فيه ، فتبني المقبرة وتشتري التابوت ، وتفصل الكفن ، وتغزل العجوز الكفن ، فيقال : هذا كله للديدان ، فأين حظ الرحمن ! بل المرأة إذا كانت حاملا فإنها تعد للطفل ثيابا ، فإذا قلت لها : لا طفل لك فما هذا الاستعداد ؟ فتقول : أليس يبعثر ما في بطني ؟ فيقول الرب لك : ألا يبعثر ما في بطن الأرض ، فأين الاستعداد ، وقرئ " وحصل " بالفتح والتخفيف بمعنى ظهر .
[ ص: 65 ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=9أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=10وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ )
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَدَّ عَلَيْهِ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِ خَوَّفَهُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=9أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْقَوْلُ فِي : " بُعْثِرَ" مَضَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=4وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) [ الِانْفِطَارِ : 4 ] وَذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=4بُعْثِرَتْ ) بُعِثَ وَأُثِيرَ وَأُخْرِجَ ، وَقُرِئَ " بُحْثِرَ " .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=9بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ) وَلَمْ يَقُلْ : بُعْثِرَ مَنْ فِي الْقُبُورِ ؟ ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا قَالَ : مَا فِي الْقُبُورِ ، فَلِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=11إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ ) وَلَمْ يَقُلْ : إِنَّ رَبَّهَا بِهَا يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ؟
الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ : هُوَ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ أَكْثَرُ فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى الْأَغْلَبِ ، أَوْ يُقَالُ : إِنَّهُمْ حَالَ مَا يُبْعَثُونَ لَا يَكُونُونَ أَحْيَاءً عُقَلَاءَ بَلْ بَعْدَ الْبَعْثِ يَصِيرُونَ كَذَلِكَ ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ ضَمِيرَ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ ، وَالضَّمِيرُ الثَّانِي ضَمِيرَ الْعُقَلَاءِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=10وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ) قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ ، أَيْ مُيِّزَ مَا فِي الصُّدُورِ ، وَقَالَ
اللَّيْثُ : الْحَاصِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا بَقِيَ وَثَبَتَ وَذَهَبَ سِوَاهُ ، وَالتَّحْصِيلُ تَمْيِيزُ مَا يَحْصُلُ وَالِاسْمُ الْحَصِيلَةُ قَالَ
لَبِيدٌ :
وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيَعْلَمُ سَعْيَهُ إِذَا حَصَلَتْ عِنْدَ الْإِلَهِ الْحَصَائِلُ
وَفِي التَّفْسِيرِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : مَعْنَى حُصِّلَ جُمِعَ فِي الصُّحُفِ ، أَيْ أُظْهِرَتْ مُحَصَّلًا مَجْمُوعًا .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْوَاجِبِ ، وَالْمَنْدُوبِ ، وَالْمُبَاحِ ، وَالْمَكْرُوهِ ، وَالْمَحْظُورِ ، فَإِنَّ لِكُلٍّ وَاحِدٌ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُنْخُلِ : الْمُحَصِّلُ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ كَثِيرًا مَا يَكُونُ بَاطِنُ الْإِنْسَانِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30362فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ تَتَكَشَّفُ الْأَسْرَارُ وَتُنْتَهَكُ الْأَسْتَارُ ، وَيَظْهَرُ مَا فِي الْبَوَاطِنِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=9يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) . [ الطَّارِقِ : 9 ] وَاعْلَمْ أَنَّ حَظَّ الْوَعْظِ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّكَ تَسْتَعِدُّ فِيمَا لَا فَائِدَةَ لَكَ فِيهِ ، فَتَبْنِي الْمَقْبَرَةَ وَتَشْتَرِي التَّابُوتَ ، وَتُفَصِّلُ الْكَفَنَ ، وَتَغْزِلُ الْعَجُوزُ الْكَفَنَ ، فَيُقَالُ : هَذَا كُلُّهُ لِلدِّيدَانِ ، فَأَيْنَ حَظُّ الرَّحْمَنِ ! بَلِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَإِنَّهَا تُعِدُّ لِلطِّفْلِ ثِيَابًا ، فَإِذَا قُلْتَ لَهَا : لَا طِفْلَ لَكِ فَمَا هَذَا الِاسْتِعْدَادُ ؟ فَتَقُولُ : أَلَيْسَ يُبَعْثَرُ مَا فِي بَطْنِي ؟ فَيَقُولُ الرَّبُّ لَكَ : أَلَا يُبَعْثَرُ مَا فِي بَطْنِ الْأَرْضِ ، فَأَيْنَ الِاسْتِعْدَادُ ، وَقُرِئَ " وَحَصَلَ " بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى ظَهَرَ .