المسألة الثانية : ذكروا في
nindex.php?page=treesubj&link=30355النعيم المسئول عنه وجوها :
أحدها : ما روي أنه خمس : شبع البطون وبارد الشراب ولذة النوم وإظلال المساكن واعتدال الخلق .
وثانيها : قال
ابن مسعود : إنه الأمن والصحة والفراغ .
وثالثها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إنه الصحة وسائر ملاذ المأكول والمشروب .
ورابعها : قال بعضهم : الانتفاع بإدراك السمع والبصر .
وخامسها : قال
الحسن بن الفضل : تخفيف الشرائع وتيسير القرآن .
وسادسها : قال
ابن عمر : إنه الماء البارد .
وسابعها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11958الباقر : إنه العافية ، ويروى أيضا عن
جابر الجعفي قال : دخلت على
nindex.php?page=showalam&ids=11958الباقر فقال : ما تقول أرباب التأويل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=8ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) ؟ فقلت : يقولون : الظل والماء البارد فقال : لو أنك أدخلت بيتك أحدا وأقعدته في ظل وأسقيته ماء باردا أتمن عليه ؟ فقلت : لا ، قال : فالله أكرم من أن يطعم عبده ويسقيه ثم يسأله عنه ، فقلت : ما تأويله ؟ قال : النعيم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنعم الله به على هذا العالم فاستنقذهم به من الضلالة ، أما سمعت قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا ) [ آل عمران : 164 ] الآية .
القول الثامن : إنما يسألون عن الزائد مما لا بد منه من مطعم وملبس ومسكن .
والتاسع : وهو الأولى أنه يجب حمله على جميع النعم ، ويدل عليه وجوه :
أحدها : أن الألف واللام يفيدان الاستغراق .
وثانيها : أنه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى الباقي لا سيما وقد دل الدليل على أن المطلوب من منافع هذه الدنيا اشتغال العبد بعبودية الله تعالى .
وثالثها : أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) والمراد منه جميع النعم من فلق البحر والإنجاء من فرعون وإنزال المن والسلوى فكذا ههنا .
ورابعها : أن النعيم التام كالشيء الواحد الذي له أبعاض وأعضاء فإذا أشير إلى النعيم فقد دخل فيه الكل ، كما أن الترياق اسم للمعجون المركب من الأدوية الكثيرة فإذا ذكر الترياق فقد دخل الكل فيه .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29485النعم أقسام فمنها ظاهرة وباطنة ، ومنها متصلة ومنفصلة ، ومنها دينية ودنيوية ، وقد ذكرنا أقسام السعادات بحسب الجنس في تفسير أول هذه السورة ، وأما تعديدها بحسب النوع والشخص فغير ممكن على ما قاله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] واستعن في معرفة نعم الله
[ ص: 79 ] عليك في صحة بدنك بالأطباء ، ثم هم أشد الخلق غفلة ، وفي معرفة نعم الله عليك بخلق السماوات والكواكب بالمنجمين ، وهم أشد الناس جهلا بالصانع ، وفي معرفة سلطان الله بالملوك ، ثم هم أجهل الخلق ، وأما الذي يروى عن
ابن عمر أنه الماء البارد فمعناه هذا من جملته ، ولعله إنما خصه بالذكر لأنه أهون موجود وأعز مفقود ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=12762ابن السماك للرشيد : أرأيت لو احتجت إلى شربة ماء في فلاة أكنت تبذل فيه نصف الملك ؟ وإذا شرقت بها أكنت تبذل نصف الملك ؟ وإن احتبس بولك أكنت تبذل كل الملك ؟ فلا تغتر بملك كانت الشربة الواحدة من الماء قيمته مرتين . أو لأن أهل النار يطلبون الماء أشد من طلبهم لغيره ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=50أن أفيضوا علينا من الماء ) [ الأعراف : 50 ] أو لأن السورة نزلت في المترفين ، وهم المختصون بالماء البارد والظل ، والحق أن السؤال يعم المؤمن والكافر عن جميع النعيم سواء كان مما لا بد منه [ أو لا ] ، وليس كذلك لأن كل ذلك يجب أن يكون مصروفا إلى طاعة الله لا إلى معصيته ، فيكون السؤال واقعا عن الكل ، ويؤكده ما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014031لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به فكل النعيم من الله تعالى داخل فيما ذكره عليه الصلاة والسلام .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30355النَّعِيمِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : مَا رُوِيَ أَنَّهُ خَمْسٌ : شِبَعُ الْبُطُونِ وَبَارِدُ الشَّرَابِ وَلَذَّةُ النَّوْمِ وَإِظْلَالُ الْمَسَاكِنِ وَاعْتِدَالُ الْخَلْقِ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : إِنَّهُ الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّهُ الصِّحَّةُ وَسَائِرُ مَلَاذِّ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ .
وَرَابِعُهَا : قَالَ بَعْضُهُمْ : الِانْتِفَاعُ بِإِدْرَاكِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ .
وَخَامِسُهَا : قَالَ
الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ : تَخْفِيفُ الشَّرَائِعِ وَتَيْسِيرُ الْقُرْآنِ .
وَسَادِسُهَا : قَالَ
ابْنُ عُمَرَ : إِنَّهُ الْمَاءُ الْبَارِدُ .
وَسَابِعُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11958الْبَاقِرُ : إِنَّهُ الْعَافِيَةُ ، وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ
جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11958الْبَاقِرِ فَقَالَ : مَا تَقُولُ أَرْبَابُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=8ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) ؟ فَقُلْتُ : يَقُولُونَ : الظِّلُّ وَالْمَاءُ الْبَارِدُ فَقَالَ : لَوْ أَنَّكَ أَدْخَلْتَ بَيْتَكَ أَحَدًا وَأَقْعَدْتَهُ فِي ظِلٍّ وَأَسْقَيْتَهُ مَاءً بَارِدًا أَتَمُنُّ عَلَيْهِ ؟ فَقُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُطْعِمَ عَبْدَهُ وَيَسْقِيَهُ ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْهُ ، فَقُلْتُ : مَا تَأْوِيلُهُ ؟ قَالَ : النَّعِيمُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى هَذَا الْعَالَمِ فَاسْتَنْقَذَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا ) [ آلِ عِمْرَانَ : 164 ] الْآيَةَ .
الْقَوْلُ الثَّامِنُ : إِنَّمَا يُسْأَلُونَ عَنِ الزَّائِدِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ .
وَالتَّاسِعُ : وَهُوَ الْأَوْلَى أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ النِّعَمِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يُفِيدَانِ الِاسْتِغْرَاقَ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ لَيْسَ صَرْفُ اللَّفْظِ إِلَى الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إِلَى الْبَاقِي لَا سِيَّمَا وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ مَنَافِعِ هَذِهِ الدُّنْيَا اشْتِغَالُ الْعَبْدِ بِعُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعُ النِّعَمِ مِنْ فَلْقِ الْبَحْرِ وَالْإِنْجَاءِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَإِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى فَكَذَا هَهُنَا .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ النَّعِيمَ التَّامَّ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَهُ أَبْعَاضٌ وَأَعْضَاءٌ فَإِذَا أُشِيرَ إِلَى النَّعِيمِ فَقَدْ دَخَلَ فِيهِ الْكُلُّ ، كَمَا أَنَّ التِّرْيَاقَ اسْمٌ لِلْمَعْجُونِ الْمُرَكَّبِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْكَثِيرَةِ فَإِذَا ذُكِرَ التِّرْيَاقُ فَقَدْ دَخَلَ الْكُلُّ فِيهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29485النِّعَمَ أَقْسَامٌ فَمِنْهَا ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ ، وَمِنْهَا مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ ، وَمِنْهَا دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْسَامَ السَّعَادَاتِ بِحَسَبِ الْجِنْسِ فِي تَفْسِيرِ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَأَمَّا تَعْدِيدُهَا بِحَسَبِ النَّوْعِ وَالشَّخْصِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ عَلَى مَا قَالَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) [ إِبْرَاهِيمَ : 34 ] وَاسْتَعِنْ فِي مَعْرِفَةِ نِعَمِ اللَّهِ
[ ص: 79 ] عَلَيْكَ فِي صِحَّةِ بَدَنِكَ بِالْأَطِبَّاءِ ، ثُمَّ هُمْ أَشَدُّ الْخَلْقِ غَفْلَةً ، وَفِي مَعْرِفَةِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْكَوَاكِبِ بِالْمُنَجِّمِينَ ، وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ جَهْلًا بِالصَّانِعِ ، وَفِي مَعْرِفَةِ سُلْطَانِ اللَّهِ بِالْمُلُوكِ ، ثُمَّ هُمْ أَجْهَلُ الْخَلْقِ ، وَأَمَّا الَّذِي يُرْوَى عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ الْمَاءُ الْبَارِدُ فَمَعْنَاهُ هَذَا مِنْ جُمْلَتِهِ ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مَوْجُودٍ وَأَعَزُّ مَفْقُودٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12762ابْنِ السَّمَّاكِ لِلرَّشِيدِ : أَرَأَيْتَ لَوِ احْتَجْتَ إِلَى شَرْبَةِ مَاءٍ فِي فَلَاةٍ أَكُنْتَ تَبْذُلُ فِيهِ نِصْفَ الْمُلْكِ ؟ وَإِذَا شَرِقْتَ بِهَا أَكُنْتَ تَبْذُلُ نِصْفَ الْمُلْكِ ؟ وَإِنِ احْتَبَسَ بَوْلُكَ أَكُنْتَ تَبْذُلُ كُلَّ الْمُلْكِ ؟ فَلَا تَغْتَرَّ بِمُلْكٍ كَانَتِ الشَّرْبَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْمَاءِ قِيمَتَهُ مَرَّتَيْنِ . أَوْ لِأَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَطْلُبُونَ الْمَاءَ أَشَدَّ مِنْ طَلَبِهِمْ لِغَيْرِهِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=50أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ ) [ الْأَعْرَافِ : 50 ] أَوْ لِأَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُتْرَفِينَ ، وَهُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَالظِّلِّ ، وَالْحَقُّ أَنَّ السُّؤَالَ يَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ عَنْ جَمِيعِ النَّعِيمِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ [ أَوْ لَا ] ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ لَا إِلَى مَعْصِيَتِهِ ، فَيَكُونُ السُّؤَالُ وَاقِعًا عَنِ الْكُلِّ ، وَيُؤَكِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014031لَا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ بِهِ فَكُلُّ النَّعِيمِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .