المسألة الثانية : ذكروا في الإيلاف ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الإيلاف هو الإلف . قال علماء اللغة : ألفت الشيء وألفته إلفا وإلافا وإيلافا بمعنى واحد ، أي لزمته فيكون المعنى لإلف قريش هاتين الرحلتين فتتصلا ولا تنقطعا ، وقرأ
أبو جعفر : " لإلف قريش " وقرأ الآخرون : " لإلاف قريش " ، وقرأ
عكرمة : " ليلاف قريش " .
وثانيها : أن يكون هذا من قولك : لزمت موضع كذا وألزمنيه الله ، كذا تقول : ألفت كذا ، وألفنيه الله ويكون المعنى
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32412_30892إثبات الألفة بالتدبير الذي فيه لطف . ألف بنفسه إلفا وآلفه غيره إيلافا ، والمعنى أن هذه
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32412_30892الإلفة إنما حصلت في قريش بتدبير الله وهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=63ولكن الله ألف بينهم ) [ الأنفال : 63 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) [ آل عمران : 103 ] وقد تكون المسرة سببا للمؤانسة والاتفاق ، كما وقعت عند انهزام أصحاب الفيل
لقريش ، فيكون المصدر ههنا مضافا إلى المفعول ويكون المعنى لأجل أن يجعل الله
قريشا ملازمين لرحلتيهم .
وثالثها : أن يكون الإيلاف هو التهيئة والتجهيز وهو قول
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=12585وابن الأعرابي ، فيكون المصدر على هذا القول مضافا إلى الفاعل ، والمعنى : لتجهيز
قريش رحلتيها حتى تتصلا ولا تنقطعا ، وقرأ
أبو جعفر " ليلاف " بغير همز فحذف همزة الإفعال حذفا كليا وهو كمذهبه في " يستهزءون " وقد مر تقريره .
المسألة الثالثة : التكرير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لإيلاف قريش nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=2إيلافهم ) هو أنه أطلق الإيلاف أولا ثم جعل المقيد بدلا لذلك المطلق تفخيما لأمر الإيلاف وتذكيرا لعظيم المنة فيه ، والأقرب أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لإيلاف قريش ) عاما يجمع كل مؤانسة وموافقة كان بينهم ، فيدخل فيه مقامهم وسيرهم وجميع أحوالهم ، ثم خص إيلاف الرحلتين بالذكر لسبب أنه قوام معاشهم كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وجبريل وميكال ) [ البقرة : 98 ] وفائدة ترك واو العطف التنبيه على أنه كل النعمة ، تقول العرب : ألفت كذا أي لزمته ، والإلزام ضربان : إلزام بالتكليف والأمر ، وإلزام بالمودة والمؤانسة فإنه إذا أحب المرء شيئا لزمه ، ومنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وألزمهم كلمة التقوى ) [ الفتح : 26 ] ، كما أن الإلجاء ضربان :
أحدهما : لدفع الضرر كالهرب من السبع .
والثاني : لطلب النفع العظيم ، كمن يجد مالا عظيما ولا مانع من أخذه لا عقلا ولا شرعا ولا حسا فإنه يكون كالملجأ إلى الأخذ ، وكذا الدواعي التي
[ ص: 100 ] تكون دون الإلجاء ، مرة تكون لدفع الضرر وأخرى لجلب النفع ، وهو المراد في قوله : ( إيلافهم ) .
المسألة الرابعة : اتفقوا على أن
قريشا ولد
النضر بن كنانة ، قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014042إنا بني النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا وذكروا في سبب هذه التسمية وجوها :
أحدها : أنه تصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ، ولا تنطلق إلا بالنار ، وعن
معاوية أنه سأل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بم سميت
قريش ؟ قال : بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل ، تعلو ولا تعلى ، وأنشد :
وقريش هي التي تسكن البحـ ـر بها سميت قريش قريشا
والتصغير للتعظيم ، ومعلوم أن
قريشا موصوفون بهذه الصفات لأنها تلي أمر الأمة ، فإن الأئمة من
قريش .
وثانيها : أنه مأخوذ من القرش وهو الكسب لأنهم كانوا كاسبين بتجاراتهم وضربهم في البلاد .
وثالثها : قال
الليث : كانوا متفرقين في غير الحرم ، فجمعهم
قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوها مسكنا ، فسموها
قريشا لأن التقرش هو التجمع ، يقال : تقرش القوم إذا اجتمعوا ، ولذلك سمي
قصي مجمعا ، قال الشاعر :
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
ورابعها : أنهم كانوا يسدون خلة محاويج الحاج ، فسموا بذلك
قريشا ، لأن القرش التفتيش قال
ابن حرة :
أيها الشامت المقرش عنا عند عمرو وهل لذاك بقاء
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=2رحلة الشتاء والصيف ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الليث : الرحلة اسم الارتحال من القوم للمسير ، وفي المراد من هذه الرحلة قولان :
الأول : وهو المشهور ، قال المفسرون :
nindex.php?page=treesubj&link=31576كانت لقريش رحلتان رحلة بالشتاء إلى اليمن لأن اليمن أدفأ وبالصيف إلى الشأم ، وذكر
عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن السبب في ذلك هو أن
قريشا إذا أصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله إلى موضع وضربوا على أنفسهم خباء حتى يموتوا ، إلى أن جاء
هاشم بن عبد مناف ، وكان سيد قومه ، وكان له ابن يقال له :
أسد ، وكان له ترب من
بني مخزوم يحبه ويلعب معه فشكا إليه الضرر والمجاعة فدخل
أسد على أمه يبكي فأرسلت إلى أولئك بدقيق وشحم فعاشوا فيه أياما ، ثم أتى ترب
أسد إليه مرة أخرى وشكا إليه من الجوع فقام
هاشم خطيبا في
قريش ، فقال : إنكم أجدبتم جدبا تقلون فيه وتذلون ، وأنتم أهل حرم الله وأشراف ولد
آدم والناس لكم تبع . قالوا : نحن تبع لك فليس عليك منا خلاف فجمع كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى
اليمن وفي الصيف إلى
الشام للتجارات ، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم ، فجاء الإسلام وهم على ذلك ، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالا ولا أعز من
قريش ، قال الشاعر فيهم :
الخالطين فقيرهم بغنيهم حتى يكون فقيرهم كالكافي
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29258_30892وجه النعمة والمنة فيه أنه لو تم لأصحاب الفيل ما أرادوا ، لترك أهل الأقطار تعظيمهم وأيضا لتفرقوا وصار حالهم كحال اليهود المذكورين في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=168وقطعناهم في الأرض أمما ) [ الأعراف : 168 ]
[ ص: 101 ] واجتماع القبيلة الواحدة في مكان واحد أدخل في النعمة من أن يكون الاجتماع من قبائل شتى ، ونبه تعالى أن
nindex.php?page=treesubj&link=17777_17784من شرط السفر المؤانسة والألفة ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197ولا جدال في الحج ) [ البقرة : 197] والسفر أحوج إلى مكارم الأخلاق من الإقامة .
القول الثاني : أن المراد رحلة الناس إلى أهل
مكة ، فرحلة الشتاء والصيف عمرة رجب وحج ذي الحجة لأنه كان أحدهما شتاء والآخر صيفا ، وموسم منافع
مكة يكون بهما ، ولو كان يتم لأصحاب الفيل ما أرادوا لتعطلت هذه المنفعة .
المسألة الثانية : نصب الرحلة بإيلافهم مفعولا به ، وأراد رحلتي الشتاء والصيف ، فأفرد لأمن الإلباس كقوله : كلوا في بعض بطنكم ، وقيل : معناه رحلة الشتاء ورحلة الصيف ، وقرئ " رحلة " بضم الراء وهي الجهة .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرُوا فِي الْإِيلَافِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْإِيلَافَ هُوَ الْإِلْفُ . قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ : أَلِفْتُ الشَّيْءَ وَأَلَفْتُهُ إِلْفًا وَإِلَافًا وَإِيلَافًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، أَيْ لَزِمْتُهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِإِلْفِ قُرَيْشٍ هَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ فَتَتَّصِلَا وَلَا تَنْقَطِعَا ، وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ : " لِإِلْفِ قُرَيْشٍ " وَقَرَأَ الْآخَرُونَ : " لِإِلَافِ قُرَيْشٍ " ، وَقَرَأَ
عِكْرِمَةُ : " لِيلَافِ قُرَيْشٍ " .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَوْلِكَ : لَزِمْتُ مَوْضِعَ كَذَا وَأَلْزَمَنِيهِ اللَّهُ ، كَذَا تَقُولُ : أَلِفْتُ كَذَا ، وَأَلَفَنِيهِ اللَّهُ وَيَكُونُ الْمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32412_30892إِثْبَاتَ الْأُلْفَةِ بِالتَّدْبِيرِ الَّذِي فِيهِ لُطْفٌ . أَلِفَ بِنَفْسِهِ إِلْفًا وَآلَفَهُ غَيْرُهُ إِيلَافًا ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32412_30892الْإِلْفَةَ إِنَّمَا حَصَلَتْ فِي قُرَيْشٍ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=63وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) [ الْأَنْفَالِ : 63 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ) [ آلِ عِمْرَانَ : 103 ] وَقَدْ تَكُونُ الْمَسَرَّةُ سَبَبًا لِلْمُؤَانَسَةِ وَالِاتِّفَاقِ ، كَمَا وَقَعَتْ عِنْدَ انْهِزَامِ أَصْحَابِ الْفِيلِ
لِقُرَيْشٍ ، فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ هَهُنَا مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى لِأَجْلِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ
قُرَيْشًا مُلَازِمِينَ لِرِحْلَتَيْهِمْ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ الْإِيلَافُ هُوَ التَّهْيِئَةُ وَالتَّجْهِيزُ وَهُوَ قَوْلُ
الْفَرَّاءِ nindex.php?page=showalam&ids=12585وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ ، فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ ، وَالْمَعْنَى : لِتَجْهِيزِ
قُرَيْشٍ رِحْلَتَيْهَا حَتَّى تَتَّصِلَا وَلَا تَنْقَطِعَا ، وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ " لِيلَافِ " بِغَيْرِ هَمْزٍ فَحَذَفَ هَمْزَةَ الْإِفْعَالِ حَذْفًا كُلِّيًّا وَهُوَ كَمَذْهَبِهِ فِي " يَسْتَهْزِءُونَ " وَقَدْ مَرَّ تَقْرِيرُهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : التَّكْرِيرُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=2إِيلَافِهِمْ ) هُوَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْإِيلَافَ أَوَّلًا ثُمَّ جَعَلَ الْمُقَيَّدَ بَدَلًا لِذَلِكَ الْمُطْلَقِ تَفْخِيمًا لِأَمْرِ الْإِيلَافِ وَتَذْكِيرًا لِعَظِيمِ الْمِنَّةِ فِيهِ ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ) عَامًّا يَجْمَعُ كُلَّ مُؤَانَسَةٍ وَمُوَافَقَةٍ كَانَ بَيْنَهُمْ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَقَامُهُمْ وَسِيَرُهُمْ وَجَمِيعُ أَحْوَالِهِمْ ، ثُمَّ خَصَّ إِيلَافِ الرِّحْلَتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِسَبَبِ أَنَّهُ قِوَامُ مَعَاشِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) [ الْبَقَرَةِ : 98 ] وَفَائِدَةُ تَرْكِ وَاوِ الْعَطْفِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ كُلُّ النِّعْمَةِ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : أَلِفْتُ كَذَا أَيْ لَزِمْتُهُ ، وَالْإِلْزَامُ ضَرْبَانِ : إِلْزَامٌ بِالتَّكْلِيفِ وَالْأَمْرِ ، وَإِلْزَامٌ بِالْمَوَدَّةِ وَالْمُؤَانَسَةِ فَإِنَّهُ إِذَا أَحَبَّ الْمَرْءُ شَيْئًا لَزِمَهُ ، وَمِنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) [ الْفَتْحِ : 26 ] ، كَمَا أَنَّ الْإِلْجَاءَ ضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا : لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالْهَرَبِ مِنَ السَّبُعِ .
وَالثَّانِي : لِطَلَبِ النَّفْعِ الْعَظِيمِ ، كَمَنْ يَجِدُ مَالًا عَظِيمًا وَلَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ لَا عَقْلًا وَلَا شَرْعًا وَلَا حِسًّا فَإِنَّهُ يَكُونُ كَالْمُلْجَأِ إِلَى الْأَخْذِ ، وَكَذَا الدَّوَاعِي الَّتِي
[ ص: 100 ] تَكُونُ دُونَ الْإِلْجَاءِ ، مَرَّةً تَكُونُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَأُخْرَى لِجَلْبِ النَّفْعِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ : ( إِيلَافِهِمْ ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
قُرَيْشًا وَلَدُ
النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014042إِنَّا بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لَا نَقْفُوا أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا وَذَكَرُوا فِي سَبَبِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَصْغِيرُ الْقِرْشِ وَهُوَ دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي الْبَحْرِ تَعْبَثُ بِالسُّفُنِ ، وَلَا تَنْطَلِقُ إِلَّا بِالنَّارِ ، وَعَنْ
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ سَأَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ : بِمَ سُمِّيَتْ
قُرَيْشٌ ؟ قَالَ : بِدَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ تَأْكُلُ وَلَا تُؤْكَلُ ، تَعْلُو وَلَا تُعْلَى ، وَأَنْشَدَ :
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْـ ـرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا
وَالتَّصْغِيرُ لِلتَّعْظِيمِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ
قُرَيْشًا مَوْصُوفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لِأَنَّهَا تَلِي أَمْرَ الْأُمَّةِ ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ
قُرَيْشٍ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِرْشِ وَهُوَ الْكَسْبُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَاسِبِينَ بِتِجَارَاتِهِمْ وَضَرْبِهِمْ فِي الْبِلَادِ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ
اللَّيْثُ : كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ، فَجَمَعَهُمْ
قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فِي الْحَرَمِ حَتَّى اتَّخَذُوهَا مَسْكَنًا ، فَسَمُّوهَا
قُرَيْشًا لِأَنَّ التَّقَرُّشَ هُوَ التَّجَمُّعُ ، يُقَالُ : تَقَرَّشَ الْقَوْمُ إِذَا اجْتَمَعُوا ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ
قُصَيٌّ مُجَمِّعًا ، قَالَ الشَّاعِرُ :
أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا بِهِ جَمَّعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
وَرَابِعُهَا : أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُدُّونَ خَلَّةَ مَحَاوِيجِ الْحَاجِّ ، فَسُمُّوا بِذَلِكَ
قُرَيْشًا ، لِأَنَّ الْقِرْشَ التَّفْتِيشُ قَالَ
ابْنُ حُرَّةَ :
أَيُّهَا الشَّامِتُ الْمُقَرِّشُ عَنَّا عِنْدَ عَمْرٍو وَهَلْ لِذَاكَ بَقَاءُ
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=2رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
اللَّيْثُ : الرِّحْلَةُ اسْمُ الِارْتِحَالِ مِنَ الْقَوْمِ لِلْمَسِيرِ ، وَفِي الْمُرَادِ مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31576كَانَتْ لِقُرَيْشٍ رِحْلَتَانِ رِحْلَةٌ بِالشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ لِأَنَّ الْيَمَنَ أَدْفَأُ وَبِالصَّيْفِ إِلَى الشَّأْمِ ، وَذَكَرَ
عَطَاءٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ
قُرَيْشًا إِذَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمْ مَخْمَصَةٌ خَرَجَ هُوَ وَعِيَالُهُ إِلَى مَوْضِعٍ وَضَرَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِبَاءً حَتَّى يَمُوتُوا ، إِلَى أَنْ جَاءَ
هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ :
أَسَدٌ ، وَكَانَ لَهُ تِرْبٌ مِنْ
بَنِي مَخْزُومٍ يُحِبُّهُ وَيَلْعَبُ مَعَهُ فَشَكَا إِلَيْهِ الضَّرَرَ وَالْمَجَاعَةَ فَدَخَلَ
أَسَدٌ عَلَى أُمِّهِ يَبْكِي فَأَرْسَلَتْ إِلَى أُولَئِكَ بِدَقِيقٍ وَشَحْمٍ فَعَاشُوا فِيهِ أَيَّامًا ، ثُمَّ أَتَى تِرْبُ
أَسَدٍ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى وَشَكَا إِلَيْهِ مِنَ الْجُوعِ فَقَامَ
هَاشِمٌ خَطِيبًا فِي
قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ أَجْدَبْتُمْ جَدْبًا تُقِلُّونَ فِيهِ وَتَذِلُّونَ ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ حَرَمِ اللَّهِ وَأَشْرَافُ وَلَدِ
آدَمَ وَالنَّاسُ لَكُمْ تَبَعٌ . قَالُوا : نَحْنُ تَبَعٌ لَكَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنَّا خِلَافٌ فَجَمَعَ كُلَّ بَنِي أَبٍ عَلَى الرِّحْلَتَيْنِ فِي الشِّتَاءِ إِلَى
الْيَمَنِ وَفِي الصَّيْفِ إِلَى
الشَّامِ لِلتِّجَارَاتِ ، فَمَا رَبِحَ الْغَنِيُّ قَسَمَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَقِيرِ حَتَّى كَانَ فَقِيرُهُمْ كَغَنِيِّهِمْ ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ بَنُو أَبٍ أَكْثَرَ مَالًا وَلَا أَعَزَّ مِنْ
قُرَيْشٍ ، قَالَ الشَّاعِرُ فِيهِمْ :
الْخَالِطِينَ فَقِيرَهُمْ بِغَنِيِّهِمْ حَتَّى يَكُونَ فَقِيرُهُمْ كَالْكَافِي
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29258_30892وَجْهَ النِّعْمَةِ وَالْمِنَّةِ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَمَّ لِأَصْحَابِ الْفِيلِ مَا أَرَادُوا ، لَتَرَكَ أَهْلُ الْأَقْطَارِ تَعْظِيمَهُمْ وَأَيْضًا لَتَفَرَّقُوا وَصَارَ حَالُهُمْ كَحَالِ الْيَهُودِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=168وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ) [ الْأَعْرَافِ : 168 ]
[ ص: 101 ] وَاجْتِمَاعُ الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَدْخَلُ فِي النِّعْمَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الِاجْتِمَاعُ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى ، وَنَبَّهَ تَعَالَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=17777_17784مِنْ شَرْطِ السَّفَرِ الْمُؤَانَسَةَ وَالْأُلْفَةَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) [ الْبَقَرَةِ : 197] وَالسَّفَرُ أَحْوَجُ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنَ الْإِقَامَةِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ رِحْلَةُ النَّاسِ إِلَى أَهْلِ
مَكَّةَ ، فَرِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ عُمْرَةُ رَجَبٍ وَحَجُّ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ أَحَدُهُمَا شِتَاءً وَالْآخَرُ صَيْفًا ، وَمَوْسِمُ مَنَافِعِ
مَكَّةَ يَكُونُ بِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ يَتِمُّ لِأَصْحَابِ الْفِيلِ مَا أَرَادُوا لَتَعَطَّلَتْ هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : نَصْبُ الرِّحْلَةِ بِإِيلَافِهِمْ مَفْعُولًا بِهِ ، وَأَرَادَ رِحْلَتَيِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَأَفْرَدَ لِأَمْنِ الْإِلْبَاسِ كَقَوْلِهِ : كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمْ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ رِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَرِحْلَةُ الصَّيْفِ ، وَقُرِئَ " رِحْلَةُ " بِضَمِّ الرَّاءِ وَهِيَ الْجِهَةُ .