(
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الذي أطعمهم من جوع )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الذي أطعمهم من جوع ) وفي هذا الإطعام وجوه :
أحدها : أنه تعالى لما آمنهم بالحرم حتى لا يتعرض لهم في رحلتيهم كان ذلك سبب إطعامهم بعدما كانوا فيه من الجوع .
ثانيها : قال
مقاتل : شق عليهم الذهاب إلى
اليمن والشام في الشتاء والصيف لطلب الرزق ، فقذف الله تعالى في قلوب
الحبشة أن يحملوا الطعام في السفن إلى
مكة فحملوه ، وجعل أهل
مكة يخرجون إليهم بالإبل والخمر ، ويشترون طعامهم من
جدة على مسيرة ليلتين وتتابع ذلك ، فكفاهم الله مؤونة الرحلتين .
ثالثها : قال
الكلبي :
[ ص: 102 ] هذه الآية معناها أنهم لما كذبوا
محمدا - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014043اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف فاشتد عليهم القحط وأصابهم الجهد فقالوا : يا محمد ادع الله فإنا مؤمنون ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخصبت البلاد وأخصب أهل مكة بعد القحط ، فذاك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4أطعمهم من جوع ) ثم في الآية سؤالات :
السؤال الأول : العبادة إنما وجبت لأنه تعالى أعطى أصول النعم ، والإطعام ليس من أصول النعم ، فلماذا علل وجوب العبادة بالإطعام ؟ والجواب : من وجوه :
أحدها : أنه تعالى لما ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=31576_32006_29254_29258إنعامه عليهم بحبس الفيل وإرسال الطير وإهلاك الحبشة ، وبين أنه تعالى فعل ذلك لإيلافهم ، ثم أمرهم بالعبادة ، فكأن السائل يقول : لكن نحن محتاجون إلى كسب الطعام والذب عن النفس ، فلو اشتغلنا بالعبادة فمن ذا الذي يطعمنا ؟ فقال : الذي أطعمهم من جوع ، قبل أن يعبدوه ، ألا يطعمهم إذا عبدوه .
وثانيها : أنه تعالى بعد أن أعطى العبد أصول النعم أساء العبد إليه ، ثم إنه يطعمهم مع ذلك ، فكأنه تعالى يقول : إذا لم تستح من أصول النعم ألا تستحي من إحساني إليك بعد إساءتك ؟ !
وثالثها : إنما ذكر الإنعام ، لأن البهيمة تطيع من يعلفها ، فكأنه تعالى يقول : لست دون البهيمة .
السؤال الثاني : أليس أنه جعل الدنيا ملكا لنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خلق لكم ما في الأرض جميعا ) [ البقرة : 29 ] فكيف تحسن المنة علينا بأن أعطانا ملكنا ؟ الجواب : انظر في الأشياء التي لا بد منها قبل الأكل حتى يتم الطعام ويتهيأ ، وفي الأشياء التي لا بد منها بعد الأكل حتى يتم الانتفاع بالطعام المأكول ، فإنك تعلم أنه لا بد من الأفلاك والكواكب ، ولا بد من العناصر الأربعة حتى يتم ذلك الطعام ، ولا بد من جملة الأعضاء على اختلاف أشكالها وصورها حتى يتم الانتفاع بالطعام ، وحينئذ تعلم أن الإطعام يناسب الأمر بالطاعة والعبادة .
السؤال الثالث : المنة بالإطعام لا تليق بمن له شيء من الكرم ، فكيف بأكرم الأكرمين ؟ الجواب : ليس الغرض منه المنة ، بل الإرشاد إلى الأصلح ، لأنه
nindex.php?page=treesubj&link=33243_18352_18354ليس المقصود من الأكل تقوية الشهوة المانعة عن الطاعة ، بل تقوية البنية على أداء الطاعات ، فكأن المقصود من الأمر بالعبادة ذلك .
السؤال الرابع : ما الفائدة في قوله : ( من جوع ) ؟ الجواب : فيه فوائد :
أحدها : التنبيه على أن أمر الجوع شديد ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=28وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ) [ الشورى : 28 ] وقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014044من أصبح آمنا في سربه الحديث .
وثانيها : تذكيرهم الحالة الأولى الرديئة المؤلمة وهي الجوع حتى يعرفوا قدر النعمة الحاضرة .
وثالثها : التنبيه على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18354_18352خير الطعام ما سد الجوعة : لأنه لم يقل : وأشبعهم لأن الطعام يزيل الجوع ، أما الإشباع فإنه يورث البطنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ) وَفِي هَذَا الْإِطْعَامِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا آمَنَهُمْ بِالْحَرَمِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فِي رِحْلَتَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ إِطْعَامِهِمْ بَعْدَمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجُوعِ .
ثَانِيهَا : قَالَ
مُقَاتِلٌ : شَقَّ عَلَيْهِمُ الذَّهَابُ إِلَى
الْيَمَنِ وَالشَّامِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ ، فَقَذَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ
الْحَبَشَةِ أَنْ يَحْمِلُوا الطَّعَامَ فِي السُّفُنِ إِلَى
مَكَّةَ فَحَمَلُوهُ ، وَجَعَلَ أَهْلُ
مَكَّةَ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِمْ بِالْإِبِلِ وَالْخَمْرِ ، وَيَشْتَرُونَ طَعَامَهُمْ مِنْ
جُدَّةَ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ وَتَتَابَعَ ذَلِكَ ، فَكَفَاهُمُ اللَّهُ مَؤُونَةَ الرِّحْلَتَيْنِ .
ثَالِثُهَا : قَالَ
الْكَلْبِيُّ :
[ ص: 102 ] هَذِهِ الْآيَةُ مَعْنَاهَا أَنَّهُمْ لَمَّا كَذَّبُوا
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014043اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْقَحْطُ وَأَصَابَهُمُ الْجَهْدُ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ ادْعُ اللَّهَ فَإِنَّا مُؤْمِنُونَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْصَبَتِ الْبِلَادُ وَأَخْصَبَ أَهْلُ مَكَّةَ بَعْدَ الْقَحْطِ ، فَذَاكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ) ثُمَّ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : الْعِبَادَةُ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَعْطَى أُصُولَ النِّعَمِ ، وَالْإِطْعَامُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ النِّعَمِ ، فَلِمَاذَا عَلَّلَ وُجُوبَ الْعِبَادَةِ بِالْإِطْعَامِ ؟ وَالْجَوَابُ : مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=31576_32006_29254_29258إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ بِحَبْسِ الْفِيلِ وَإِرْسَالِ الطَّيْرِ وَإِهْلَاكِ الْحَبَشَةِ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى فَعَلَ ذَلِكَ لِإِيلَافِهِمْ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ ، فَكَأَنَّ السَّائِلَ يَقُولُ : لَكِنْ نَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى كَسْبِ الطَّعَامِ وَالذَّبِّ عَنِ النَّفْسِ ، فَلَوِ اشْتَغَلْنَا بِالْعِبَادَةِ فَمَنْ ذَا الَّذِي يُطْعِمُنَا ؟ فَقَالَ : الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ، قَبْلَ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، أَلَا يُطْعِمُهُمْ إِذَا عَبَدُوهُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أَعْطَى الْعَبْدَ أُصُولَ النِّعَمِ أَسَاءَ الْعَبْدُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ يُطْعِمُهُمْ مَعَ ذَلِكَ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : إِذَا لَمْ تَسْتَحِ مِنْ أُصُولِ النِّعَمِ أَلَا تَسْتَحِي مِنْ إِحْسَانِي إِلَيْكَ بَعْدَ إِسَاءَتِكَ ؟ !
وَثَالِثُهَا : إِنَّمَا ذَكَرَ الْإِنْعَامَ ، لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ تُطِيعُ مَنْ يَعْلِفُهَا ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَسْتُ دُونَ الْبَهِيمَةِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : أَلَيْسَ أَنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا مِلْكًا لَنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) [ الْبَقَرَةِ : 29 ] فَكَيْفَ تَحْسُنُ الْمِنَّةُ عَلَيْنَا بِأَنْ أَعْطَانَا مِلْكَنَا ؟ الْجَوَابُ : انْظُرْ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا قَبْلَ الْأَكْلِ حَتَّى يَتِمَّ الطَّعَامُ وَيَتَهَيَّأَ ، وَفِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا بَعْدَ الْأَكْلِ حَتَّى يَتِمَّ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ الْمَأْكُولِ ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى يَتِمَّ ذَلِكَ الطَّعَامُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهَا وَصُوَرِهَا حَتَّى يَتِمَّ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ ، وَحِينَئِذٍ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِطْعَامَ يُنَاسِبُ الْأَمْرَ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : الْمِنَّةُ بِالْإِطْعَامِ لَا تَلِيقُ بِمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَرَمِ ، فَكَيْفَ بِأَكْرَمِ الْأَكْرَمِينَ ؟ الْجَوَابُ : لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْهُ الْمِنَّةَ ، بَلِ الْإِرْشَادَ إِلَى الْأَصْلَحِ ، لِأَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=33243_18352_18354لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَكْلِ تَقْوِيَةَ الشَّهْوَةِ الْمَانِعَةِ عَنِ الطَّاعَةِ ، بَلْ تَقْوِيَةَ الْبِنْيَةِ عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَاتِ ، فَكَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ ذَلِكَ .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ : ( مِنْ جُوعٍ ) ؟ الْجَوَابُ : فِيهِ فَوَائِدُ :
أَحَدُهَا : التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَمْرَ الْجُوعِ شَدِيدٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=28وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا ) [ الشُّورَى : 28 ] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014044مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ الْحَدِيثَ .
وَثَانِيهَا : تَذْكِيرُهُمُ الْحَالَةَ الْأُولَى الرَّدِيئَةَ الْمُؤْلِمَةَ وَهِيَ الْجُوعُ حَتَّى يَعْرِفُوا قَدْرَ النِّعْمَةِ الْحَاضِرَةِ .
وَثَالِثُهَا : التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18354_18352خَيْرَ الطَّعَامِ مَا سَدَّ الْجَوْعَةَ : لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : وَأَشْبَعَهُمْ لِأَنَّ الطَّعَامَ يُزِيلُ الْجُوعَ ، أَمَّا الْإِشْبَاعُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبِطْنَةَ .