[ ص: 104 ] ( سورة الماعون )
سبع آيات ، مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أرأيت الذي يكذب بالدين )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أرأيت الذي يكذب بالدين ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ بعضهم " أريت " بحذف الهمزة ، قال
الزجاج : وهذا ليس بالاختيار ، لأن الهمزة إنما طرحت من المستقبل نحو يرى وأرى وترى ، فأما رأيت فليس يصح عن العرب فيها ريت ، ولكن حرف الاستفهام لما كان في أول الكلام سهل إلغاء الهمزة ، ونظيره :
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الضرع ما قرى في العلاب
وقرأ
ابن مسعود " أرأيتك " بزيادة حرف الخطاب كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=62أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) [ الإسراء : 62 ] .
المسألة الثانية : قوله : ( أرأيت ) معناه هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو ، فإن لم تعرفه فهو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2الذي يدع اليتيم ) .
واعلم أن هذا اللفظ وإن كان في صورة الاستفهام ، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب كقولك : أرأيت فلانا ماذا ارتكب ولماذا عرض نفسه ؟ ثم قيل : إنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل : بل خطاب لكل عاقل أي أرأيت يا عاقل هذا الذي يكذب بالدين بعد ظهور دلائله ووضوح تبيانه أيفعل ذلك لا لغرض ، فكيف يليق بالعاقل جر العقوبة الأبدية إلى نفسه من غير غرض أو لأجل الدنيا ، فكيف يليق بالعاقل أن يبيع الكثير الباقي بالقليل الفاني .
المسألة الثالثة : في الآية قولان :
أحدهما : أنها مختصة بشخص معين ، وعلى هذا القول ذكروا
[ ص: 105 ] أشخاصا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : نزلت في
أبي سفيان كان ينحر جزورين في كل أسبوع ، فأتاه يتيم فسأله لحما فقرعه بعصاه ، وقال
مقاتل : نزلت في
العاص بن وائل السهمي ، وكان من صفته الجمع بين التكذيب بيوم القيامة والإتيان بالأفعال القبيحة ، وقال
السدي : نزلت في
الوليد بن المغيرة ، وحكى
الماوردي أنها نزلت في
أبي جهل ، وروي
أنه كان وصيا ليتيم ، فجاءه وهو عريان يسأله شيئا من مال نفسه ، فدفعه ولم يعبأ به فأيس الصبي ، فقال له أكابر قريش : قل لمحمد يشفع لك ، وكان غرضهم الاستهزاء ولم يعرف اليتيم ذلك ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والتمس منه ذلك ، وهو - عليه الصلاة والسلام - ما كان يرد محتاجا فذهب معه إلى أبي جهل فرحب به وبذل المال لليتيم فعيره قريش ، فقالوا : صبوت ، فقال : لا والله ما صبوت ، لكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة خفت إن لم أجبه يطعنها في ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها نزلت في منافق جمع بين البخل والمراءاة .
والقول الثاني : أنه عام لكل من كان مكذبا بيوم الدين ، وذلك لأن إقدام الإنسان على الطاعات وإحجامه عن المحظورات إنما يكون للرغبة في الثواب والرهبة عن العقاب ، فإذا كان منكرا للقيامة لم يترك شيئا من المشتهيات واللذات ، فثبت أن
nindex.php?page=treesubj&link=28676_30549_28760_30179إنكار القيامة كالأصل لجميع أنواع الكفر والمعاصي .
المسألة الرابعة : في تفسير الدين وجوه :
أحدها : أن يكون المراد من يكذب بنفس الدين والإسلام إما لأنه كان منكرا للصانع ، أو لأنه كان منكرا للنبوة ، أو لأنه كان منكرا للمعاد أو لشيء من الشرائع ، فإن قيل : كيف يمكن حمله على هذا الوجه ، ولا بد وأن يكون لكل أحد دين ؟ والجواب : من وجوه :
أحدها : أن الدين المطلق في اصطلاح أهل الإسلام والقرآن هو الإسلام قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إن الدين عند الله الإسلام ) [ آل عمران : 19 ] أما سائر المذاهب فلا تسمى دينا إلا بضرب من التقييد كدين
النصارى واليهود .
وثانيها : أن يقال : هذه المقالات الباطلة ليست بدين ، لأن الدين هو الخضوع لله وهذه المذاهب إنما هي خضوع للشهوة أو للشبهة .
وثالثها : وهو قول أكثر المفسرين : أن المراد أرأيت الذي يكذب بالحساب والجزاء ، قالوا : وحمله على هذا الوجه أولى لأن من ينكر الإسلام قد يأتي بالأفعال الحميدة ويحترز عن مقابحها إذا كان مقرا بالقيامة والبعث ، أما المقدم على كل قبيح من غير مبالاة فليس هو إلا المنكر للبعث والقيامة .
[ ص: 104 ] ( سُورَةُ الْمَاعُونِ )
سَبْعُ آيَاتٍ ، مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=1أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ بَعْضُهُمْ " أَرَيْتَ " بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَهَذَا لَيْسَ بِالِاخْتِيَارِ ، لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إِنَّمَا طُرِحَتْ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ نَحْوَ يَرَى وَأَرَى وَتَرَى ، فَأَمَّا رَأَيْتُ فَلَيْسَ يَصِحُّ عَنِ الْعَرَبِ فِيهَا رَيْتُ ، وَلَكِنَّ حَرْفَ الِاسْتِفْهَامِ لَمَّا كَانَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ سَهَّلَ إِلْغَاءَ الْهَمْزَةِ ، وَنَظِيرُهُ :
صَاحَ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا قَرَى فِي الْعِلَابِ
وَقَرَأَ
ابْنُ مَسْعُودٍ " أَرَأَيْتَكَ " بِزِيَادَةِ حَرْفِ الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=62أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) [ الْإِسْرَاءِ : 62 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : ( أَرَأَيْتَ ) مَعْنَاهُ هَلْ عَرَفْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالْجَزَاءِ مَنْ هُوَ ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْهُ فَهُوَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ ، لَكِنَّ الْغَرَضَ بِمِثْلِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَجُّبِ كَقَوْلِكَ : أَرَأَيْتَ فُلَانًا مَاذَا ارْتَكَبَ وَلِمَاذَا عَرَّضَ نَفْسَهُ ؟ ثُمَّ قِيلَ : إِنَّهُ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِيلَ : بَلْ خِطَابٌ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَيْ أَرَأَيْتَ يَا عَاقِلُ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ بَعْدَ ظُهُورِ دَلَائِلِهِ وَوُضُوحِ تِبْيَانِهِ أَيَفْعَلُ ذَلِكَ لَا لِغَرَضٍ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ جَرُّ الْعُقُوبَةِ الْأَبَدِيَّةِ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ أَوْ لِأَجْلِ الدُّنْيَا ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَبِيعَ الْكَثِيرَ الْبَاقِيَ بِالْقَلِيلِ الْفَانِي .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَكَرُوا
[ ص: 105 ] أَشْخَاصًا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : نَزَلَتْ فِي
أَبِي سُفْيَانَ كَانَ يَنْحَرُ جَزُورَيْنِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ ، فَأَتَاهُ يَتِيمٌ فَسَأَلَهُ لَحْمًا فَقَرَعَهُ بِعَصَاهُ ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي
الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ ، وَكَانَ مِنْ صِفَتِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّكْذِيبِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْإِتْيَانِ بِالْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ ، وَقَالَ
السُّدِّيُّ : نَزَلَتْ فِي
الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَحَكَى
الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
أَبِي جَهْلٍ ، وَرُوِيَ
أَنَّهُ كَانَ وَصِيًّا لِيَتِيمٍ ، فَجَاءَهُ وَهُوَ عُرْيَانٌ يَسْأَلُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، فَدَفَعَهُ وَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ فَأَيِسَ الصَّبِيُّ ، فَقَالَ لَهُ أَكَابِرُ قُرَيْشٍ : قُلْ لِمُحَمَّدٍ يَشْفَعْ لَكَ ، وَكَانَ غَرَضُهُمُ الِاسْتِهْزَاءَ وَلَمْ يَعْرِفِ الْيَتِيمُ ذَلِكَ ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْتَمَسَ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا كَانَ يَرُدُّ مُحْتَاجًا فَذَهَبَ مَعَهُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فَرَحَّبَ بِهِ وَبَذَلَ الْمَالَ لِلْيَتِيمِ فَعَيَّرَهُ قُرَيْشٌ ، فَقَالُوا : صَبَوْتَ ، فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ مَا صَبَوْتُ ، لَكِنْ رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَرْبَةً خِفْتُ إِنْ لَمْ أُجِبْهُ يَطْعَنْهَا فِيَّ ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُنَافِقٍ جَمَعَ بَيْنَ الْبُخْلِ وَالْمُرَاءَاةِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُكَذِّبًا بِيَوْمِ الدِّينِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِقْدَامَ الْإِنْسَانِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَإِحْجَامَهُ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلرَّغْبَةِ فِي الثَّوَابِ وَالرَّهْبَةِ عَنِ الْعِقَابِ ، فَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا لِلْقِيَامَةِ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنَ الْمُشْتَهَيَاتِ وَاللَّذَّاتِ ، فَثَبَتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28676_30549_28760_30179إِنْكَارَ الْقِيَامَةِ كَالْأَصْلِ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي تَفْسِيرِ الدِّينِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ يُكَذِّبُ بِنَفْسِ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ إِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلصَّانِعِ ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلنُّبُوَّةِ ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلْمَعَادِ أَوْ لِشَيْءٍ مِنَ الشَّرَائِعِ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَحَدٍ دِينٌ ؟ وَالْجَوَابُ : مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الدِّينَ الْمُطْلَقَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ هُوَ الْإِسْلَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 19 ] أَمَّا سَائِرُ الْمَذَاهِبِ فَلَا تُسَمَّى دِينًا إِلَّا بِضَرْبٍ مِنَ التَّقْيِيدِ كَدِينِ
النَّصَارَى وَالْيَهُودِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يُقَالَ : هَذِهِ الْمَقَالَاتُ الْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ بِدِينٍ ، لِأَنَّ الدِّينَ هُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ إِنَّمَا هِيَ خُضُوعٌ لِلشَّهْوَةِ أَوْ لِلشُّبْهَةِ .
وَثَالِثُهَا : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ : أَنَّ الْمُرَادَ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ ، قَالُوا : وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى لِأَنَّ مَنْ يُنْكِرُ الْإِسْلَامَ قَدْ يَأْتِي بِالْأَفْعَالِ الْحَمِيدَةِ وَيَحْتَرِزُ عَنْ مَقَابِحِهَا إِذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ ، أَمَّا الْمُقْدِمُ عَلَى كُلِّ قَبِيحٍ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ فَلَيْسَ هُوَ إِلَّا الْمُنْكِرَ لِلْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ .