(
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك الذي يدع اليتيم nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك الذي يدع اليتيم nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين ) .
واعلم أنه تعالى ذكر في تعريف من يكذب بالدين وصفين :
أحدهما : من باب الأفعال وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فذلك الذي يدع اليتيم ) .
والثاني : من باب التروك وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين ) والفاء في قوله " فذلك " للسببية أي لما كان كافرا مكذبا كان كفره سببا لدع اليتيم ، وإنما اقتصر عليهما على معنى أن الصادر عمن يكذب بالدين ليس إلا ذلك ، لأنا نعلم أن المكذب بالدين لا يقتصر على هذين بل على سبيل التمثيل ، كأنه تعالى ذكر في كل واحد من القسمين مثالا واحدا تنبيها بذكره على سائر القبائح ، أو لأجل أن هاتين الخصلتين ، كما أنهما قبيحان منكران بحسب الشرع فهما أيضا مستنكران بحسب المروءة والإنسانية ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2يدع اليتيم ) فالمعنى أنه يدفعه بعنف وجفوة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=13يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) [ الطور : 13 ] وحاصل الأمر في دع اليتيم أمور :
أحدها : دفعه عن حقه وماله بالظلم .
والثاني : ترك المواساة
[ ص: 106 ] معه ، وإن لم تكن المواساة واجبة . وقد يذم المرء بترك النوافل لا سيما إذا أسند إلى النفاق وعدم الدين .
والثالث : يزجره ويضربه ويستخف به ، وقرئ " يدع " أي يتركه ، ولا يدعوه بدعوة ، أي يدعوا جميع الأجانب ويترك اليتيم مع أنه - عليه الصلاة والسلام - قال :
ما من مائدة أعظم من مائدة عليها يتيم وقرئ "يدعو اليتيم " أي يدعوه رياء ثم لا يطعمه وإنما يدعوه استخداما أو قهرا أو استطالة .
واعلم أن في قوله : ( يدع ) بالتشديد فائدة ، وهي أن "يدع " بالتشديد معناه أنه يعتاد ذلك فلا يتناول الوعيد من وجد منه ذلك وندم عليه ، ومثله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) [ النجم : 32 ] سمي ذنب المؤمن لمما لأنه كالطيف والخيال يطرأ ولا يبقى ، لأن المؤمن كما يفرغ من الذنب يندم ، إنما المكذب هو الذي يصر على الذنب .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3ولا يحض على طعام المسكين ) ففيه وجهان :
أحدهما : أنه لا يحض نفسه على طعام المسكين ، وإضافة الطعام إلى المسكين تدل على أن ذلك الطعام حق المسكين ، فكأنه منع المسكين مما هو حقه ، وذلك يدل على نهاية بخله وقساوة قلبه وخساسة طبعه .
والثاني : لا يحض غيره على إطعام ذلك المسكين بسبب أنه لا يعتقد في ذلك الفعل ثوابا ، والحاصل
nindex.php?page=treesubj&link=30179أنه تعالى جعل علم التكذيب بالقيامة الإقدام على إيذاء الضعيف ومنع المعروف ، يعني أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لما صدر عنه ذلك ، فموضع الذنب هو التكذيب بالقيامة ، وههنا سؤالان :
السؤال الأول : أليس قد لا يحض المرء في كثير من الأحوال ولا يكون آثما ؟ الجواب : لأن غيره ينوب منابه أو لأنه لا يقبل قوله أو لمفسدة أخرى يتوقعها ، أما ههنا فذكر أنه لا يفعل ذلك ( إلا ) لما أنه مكذب بالدين .
السؤال الثاني : لم لم يقل : ولا يطعم المسكين ؟ والجواب : إذا منع اليتيم حقه فكيف يطعم المسكين من مال نفسه ، بل هو بخيل من مال غيره ، وهذا هو النهاية في الخسة ، فلأن يكون بخيلا بمال نفسه أولى ، وضده في مدح المؤمنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17وتواصوا بالمرحمة ) ] البلد : 17 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3وتواصوا بالحق ) [ العصر : 3 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3وتواصوا بالصبر ) . [ العصر : 3 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الذين هم عن صلاتهم ساهون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه :
أحدها : أنه لا يفعل إيذاء اليتيم والمنع من الإطعام دليلا على النفاق ، فالصلاة لا مع الخضوع ، والخضوع أولى ، أن تدل على النفاق ؛ لأن الإيذاء والمنع من النفع معاملة مع المخلوق ، أما الصلاة فإنها خدمة للخالق .
وثانيها : كأنه لما ذكر إيذاء اليتيم وتركه للحض كأن سائلا قال : أليس إن
nindex.php?page=treesubj&link=24589الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟ فقال له : الصلاة كيف تنهاه عن هذا الفعل المنكر وهي مصنوعة من عين الرياء والسهو .
وثالثها : كأنه يقول : إقدامه على
nindex.php?page=treesubj&link=19814إيذاء اليتيم وتركه للحض ، تقصير فيما يرجع إلى الشفقة على خلق الله ، وسهوه في الصلاة تقصير فيما يرجع إلى التعظيم لأمر الله ، فلما وقع التقصير في الأمرين فقد كملت شقاوته : فلهذا قال : ( فويل ) واعلم أن هذا اللفظ إنما
[ ص: 107 ] يستعمل عند الجريمة الشديدة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1ويل للمطففين ) [ المطففين : 1 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فويل لهم مما كتبت أيديهم ) [ البقرة : 79 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1ويل لكل همزة لمزة ) [ الهمزة : 1 ] ويروى أن كل أحد ينوح في النار بحسب جريمته ، فقائل يقول : ويلي من حب الشرف ، وآخر يقول : ويلي من الحمية الجاهلية ، وآخر يقول : ويلي من صلاتي ، فلهذا يستحب عند سماع مثل هذه الآية ، أن يقول المرء ويلي إن لم يغفر لي .
المسألة الثانية : الآية دالة على حصول التهديد العظيم بفعل ثلاثة أمور :
أحدها : السهو عن الصلاة .
وثانيها : فعل المراءاة .
وثالثها : منع الماعون ، وكل ذلك من باب الذنوب ، ولا يصير المرء به منافقا ، فلم حكم الله بمثل هذا الوعيد على فاعل هذه الأفعال ؟ ولأجل هذا الإشكال ذكر المفسرون فيه وجوها :
أحدها : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين ) أي فويل للمصلين من المنافقين الذين يأتون بهذه الأفعال ، وعلى هذا التقدير تدل الآية على أن الكافر له مزيد عقوبة بسبب إقدامه على محظورات الشرع وتركه لواجبات الشرع ، وهو يدل على صحة قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن
nindex.php?page=treesubj&link=20708الكفار مخاطبون بفروع الشرائع ، وهذا الجواب هو المعتمد .
وثانيها : ما رواه
عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه لو قال الله : في صلاتهم ساهون ، لكان هذا الوعيد في المؤمنين لكنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5عن صلاتهم ساهون ) والساهي عن الصلاة هو الذي لا يتذكرها ويكون فارغا عنها ، وهذا القول ضعيف لأن السهو عن الصلاة لا يجوز أن يكون مفسرا بترك الصلاة ، لأنه تعالى أثبت لهم الصلاة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فويل للمصلين ) وأيضا فالسهو عن الصلاة بمعنى الترك لا يكون نفاقا ولا كفرا فيعود الإشكال ، ويمكن أن يجاب عن الاعتراض الأول بأنه تعالى حكم عليهم بكونهم مصلين نظرا إلى الصورة وبأنهم نسوا الصلاة بالكلية نظرا إلى المعنى كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) [ النساء : 142 ] ويجاب عن الاعتراض الثاني بأن النسيان عن الصلاة هو أن يبقى ناسيا لذكر الله في جميع أجزاء الصلاة ، وهذا لا يصدر إلا عن المنافق الذي يعتقد أنه لا فائدة في الصلاة ، أما المسلم الذي يعتقد فيها فائدة عينية يمتنع أن لا يتذكر أمر الدين والثواب والعقاب في شيء من أجزاء الصلاة ، بل قد يحصل له السهو في الصلاة بمعنى أنه يصير ساهيا في بعض أجزاء الصلاة ، فثبت أن
nindex.php?page=treesubj&link=1863_23392السهو في الصلاة من أفعال المؤمن ، والسهو عن الصلاة من أفعال الكافر .
ثالثها : أن يكون معنى : ( ساهون ) أي لا يتعهدون أوقات صلواتهم ولا شرائطها ، ومعناه أنه لا يبالي سواء صلى أو لم يصل ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ومسروق والحسن ومقاتل .
المسألة الثالثة : اختلفوا في سهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - في صلاته ، فقال كثير من العلماء : إنه - عليه الصلاة والسلام - ما سها ، لكن الله تعالى أذن له في ذلك الفعل حتى يفعل ما يفعله الساهي فيصير ذلك بيانا لذلك الشرع بالفعل ، والبيان بالفعل أقوى ، ثم بتقدير وقوع السهو منه ، فالسهو على أقسام :
أحدها : سهو الرسول والصحابة وذلك منجبر تارة بسجود السهو وتارة بالسنن والنوافل .
والثاني : ما يكون في الصلاة من الغفلة وعدم استحضار المعارف والنيات .
والثالث : الترك لا إلى قضاء والإخراج عن الوقت ، ومن ذلك صلاة المنافق وهي شر من ترك الصلاة لأنه يستهزئ بالدين بتلك الصلاة .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الذين هم يراءون ) فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28842_18691الفرق بين المنافق والمرائي : أن المنافق هو المظهر للإيمان المبطن للكفر ، والمرائي المظهر ما ليس في قلبه من زيادة خشوع ليعتقد فيه من يراه أنه متدين ، أو تقول : المنافق لا يصلي سرا والمرائي تكون صلاته عند الناس أحسن .
[ ص: 108 ] اعلم أنه يجب إظهار الفرائض من الصلاة والزكاة لأنها شعائر الإسلام ، وتاركها مستحق للعن فيجب نفي التهمة بالإظهار . إنما الإخفاء في النوافل إلا إذا أظهر النوافل ليقتدى به ، وعن بعضهم أنه رأى في المسجد رجلا يسجد للشكر وأطالها ، فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك ! لكن مع هذا قالوا : لا يترك النوافل حياء ولا يأتي بها رياء ، وقلما يتيسر اجتناب الرياء ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :
الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على المسح الأسود
فإن قيل : ما معنى المراءاة ؟
قلنا : هي مفاعلة من الإراءة لأن المرائي يري الناس عمله ، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي تَعْرِيفِ مَنْ يُكَذِّبُ بِالدِّينِ وَصْفَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) .
وَالثَّانِي : مِنْ بَابِ التُّرُوكِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ " فَذَلِكَ " لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ لَمَّا كَانَ كَافِرًا مُكَذِّبًا كَانَ كُفْرُهُ سَبَبًا لِدَعِّ الْيَتِيمِ ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الصَّادِرَ عَمَّنْ يُكَذِّبُ بِالدِّينِ لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُكَذِّبَ بِالدِّينِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى هَذَيْنِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِسْمَيْنِ مِثَالًا وَاحِدًا تَنْبِيهًا بِذِكْرِهِ عَلَى سَائِرِ الْقَبَائِحِ ، أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ ، كَمَا أَنَّهُمَا قَبِيحَانِ مُنْكَرَانِ بِحَسَبِ الشَّرْعِ فَهُمَا أَيْضًا مُسْتَنْكَرَانِ بِحَسَبِ الْمُرُوءَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِعُنْفٍ وَجَفْوَةٍ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=13يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ) [ الطُّورِ : 13 ] وَحَاصِلُ الْأَمْرِ فِي دَعِّ الْيَتِيمِ أُمُورٌ :
أَحَدُهَا : دَفْعُهُ عَنْ حَقِّهِ وَمَالِهِ بِالظُّلْمِ .
وَالثَّانِي : تَرْكُ الْمُوَاسَاةِ
[ ص: 106 ] مَعَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً . وَقَدْ يُذَمُّ الْمَرْءُ بِتَرْكِ النَّوَافِلِ لَا سِيَّمَا إِذَا أُسْنِدَ إِلَى النِّفَاقِ وَعَدَمِ الدِّينِ .
وَالثَّالِثُ : يَزْجُرُهُ وَيَضْرِبُهُ وَيَسْتَخِفُّ بِهِ ، وَقُرِئَ " يَدَعُ " أَيْ يَتْرُكُهُ ، وَلَا يَدْعُوهُ بِدَعْوَةٍ ، أَيْ يَدْعُوا جَمِيعَ الْأَجَانِبِ وَيَتْرُكُ الْيَتِيمَ مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ :
مَا مِنْ مَائِدَةٍ أَعْظَمُ مِنْ مَائِدَةٍ عَلَيْهَا يَتِيمٌ وَقُرِئَ "يَدْعُو الْيَتِيمَ " أَيْ يَدْعُوهُ رِيَاءً ثُمَّ لَا يُطْعِمُهُ وَإِنَّمَا يَدْعُوهُ اسْتِخْدَامًا أَوْ قَهْرًا أَوِ اسْتِطَالَةً .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ : ( يَدُعُّ ) بِالتَّشْدِيدِ فَائِدَةً ، وَهِيَ أَنَّ "يَدُعُّ " بِالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْتَادُ ذَلِكَ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْوَعِيدَ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ وَنَدِمَ عَلَيْهِ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) [ النَّجْمِ : 32 ] سُمِّيَ ذَنْبُ الْمُؤْمِنِ لَمَمًا لِأَنَّهُ كَالطَّيْفِ وَالْخَيَالِ يَطْرَأُ وَلَا يَبْقَى ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ كَمَا يَفْرُغُ مِنَ الذَّنْبِ يَنْدَمُ ، إِنَّمَا الْمُكَذِّبُ هُوَ الَّذِي يُصِرُّ عَلَى الذَّنْبِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=3وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يَحُضُّ نَفْسَهُ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ، وَإِضَافَةُ الطَّعَامِ إِلَى الْمِسْكِينِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ حَقُّ الْمِسْكِينِ ، فَكَأَنَّهُ مَنَعَ الْمِسْكِينَ مِمَّا هُوَ حَقُّهُ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نِهَايَةِ بُخْلِهِ وَقَسَاوَةِ قَلْبِهِ وَخَسَاسَةِ طَبْعِهِ .
وَالثَّانِي : لَا يَحُضُّ غَيْرَهُ عَلَى إِطْعَامِ ذَلِكَ الْمِسْكِينِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ ثَوَابًا ، وَالْحَاصِلُ
nindex.php?page=treesubj&link=30179أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عِلْمَ التَّكْذِيبِ بِالْقِيَامَةِ الْإِقْدَامَ عَلَى إِيذَاءِ الضَّعِيفِ وَمَنْعَ الْمَعْرُوفِ ، يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ آمَنَ بِالْجَزَاءِ وَأَيْقَنَ بِالْوَعِيدِ لَمَا صَدَرَ عَنْهُ ذَلِكَ ، فَمَوْضِعُ الذَّنْبِ هُوَ التَّكْذِيبُ بِالْقِيَامَةِ ، وَهَهُنَا سُؤَالَانِ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : أَلَيْسَ قَدْ لَا يَحُضُّ الْمَرْءُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ آثِمًا ؟ الْجَوَابُ : لِأَنَّ غَيْرَهُ يَنُوبُ مَنَابَهُ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ لِمَفْسَدَةٍ أُخْرَى يَتَوَقَّعُهَا ، أَمَّا هَهُنَا فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ( إِلَّا ) لِمَا أَنَّهُ مُكَذِّبٌ بِالدِّينِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : لِمَ لَمْ يَقُلْ : وَلَا يُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ؟ وَالْجَوَابُ : إِذَا مَنَعَ الْيَتِيمَ حَقَّهُ فَكَيْفَ يُطْعِمُ الْمِسْكِينَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، بَلْ هُوَ بَخِيلٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا هُوَ النِّهَايَةُ فِي الْخِسَّةِ ، فَلِأَنْ يَكُونَ بَخِيلًا بِمَالِ نَفْسِهِ أَوْلَى ، وَضِدُّهُ فِي مَدْحِ الْمُؤْمِنِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) ] الْبَلَدِ : 17 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) [ الْعَصْرِ : 3 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . [ الْعَصْرِ : 3 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي كَيْفِيَّةِ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِيذَاءَ الْيَتِيمِ وَالْمَنْعَ مِنَ الْإِطْعَامِ دَلِيلًا عَلَى النِّفَاقِ ، فَالصَّلَاةُ لَا مَعَ الْخُضُوعِ ، وَالْخُضُوعُ أَوْلَى ، أَنْ تَدُلَّ عَلَى النِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ وَالْمَنْعَ مِنَ النَّفْعِ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْمَخْلُوقِ ، أَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا خِدْمَةٌ لِلْخَالِقِ .
وَثَانِيهَا : كَأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ إِيذَاءَ الْيَتِيمِ وَتَرْكَهُ لِلْحَضِّ كَأَنَّ سَائِلًا قَالَ : أَلَيْسَ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24589الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ؟ فَقَالَ لَهُ : الصَّلَاةُ كَيْفَ تَنْهَاهُ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الْمُنْكَرِ وَهِيَ مَصْنُوعَةٌ مِنْ عَيْنِ الرِّيَاءِ وَالسَّهْوِ .
وَثَالِثُهَا : كَأَنَّهُ يَقُولُ : إِقْدَامُهُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19814إِيذَاءِ الْيَتِيمِ وَتَرْكُهُ لِلْحَضِّ ، تَقْصِيرٌ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ ، وَسَهْوُهُ فِي الصَّلَاةِ تَقْصِيرٌ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ ، فَلَمَّا وَقَعَ التَّقْصِيرُ فِي الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ كَمُلَتْ شَقَاوَتُهُ : فَلِهَذَا قَالَ : ( فَوَيْلٌ ) وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إِنَّمَا
[ ص: 107 ] يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْجَرِيمَةِ الشَّدِيدَةِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 1 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 79 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) [ الْهُمَزَةِ : 1 ] وَيُرْوَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَنُوحُ فِي النَّارِ بِحَسَبِ جَرِيمَتِهِ ، فَقَائِلٌ يَقُولُ : وَيْلِي مِنْ حُبِّ الشَّرَفِ ، وَآخَرُ يَقُولُ : وَيْلِي مِنَ الْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَآخَرُ يَقُولُ : وَيْلِي مِنْ صَلَاتِي ، فَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ سَمَاعِ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ ، أَنْ يَقُولَ الْمَرْءُ وَيْلِي إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لِي .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى حُصُولِ التَّهْدِيدِ الْعَظِيمِ بِفِعْلِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ :
أَحَدُهَا : السَّهْوُ عَنِ الصَّلَاةِ .
وَثَانِيهَا : فِعْلُ الْمُرَاءَاةِ .
وَثَالِثُهَا : مَنْعُ الْمَاعُونِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الذُّنُوبِ ، وَلَا يَصِيرُ الْمَرْءُ بِهِ مُنَافِقًا ، فَلِمَ حَكَمَ اللَّهُ بِمِثْلِ هَذَا الْوَعِيدِ عَلَى فَاعِلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ ؟ وَلِأَجْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ) أَيْ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَهُ مَزِيدُ عُقُوبَةٍ بِسَبَبِ إِقْدَامِهِ عَلَى مَحْظُورَاتِ الشَّرْعِ وَتَرْكِهِ لِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20708الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ ، وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ .
وَثَانِيهَا : مَا رَوَاهُ
عَطَاءٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ : فِي صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ، لَكَانَ هَذَا الْوَعِيدُ فِي الْمُؤْمِنِينَ لَكِنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=5عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) وَالسَّاهِي عَنِ الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي لَا يَتَذَكَّرُهَا وَيَكُونُ فَارِغًا عَنْهَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ السَّهْوَ عَنِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُفَسَّرًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=4فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ) وَأَيْضًا فَالسَّهْوُ عَنِ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى التَّرْكِ لَا يَكُونُ نِفَاقًا وَلَا كُفْرًا فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنِ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِكَوْنِهِمْ مُصَلِّينَ نَظَرًا إِلَى الصُّورَةِ وَبِأَنَّهُمْ نَسُوا الصَّلَاةَ بِالْكُلِّيَّةِ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) [ النِّسَاءِ : 142 ] وَيُجَابُ عَنِ الِاعْتِرَاضِ الثَّانِي بِأَنَّ النِّسْيَانَ عَنِ الصَّلَاةِ هُوَ أَنْ يَبْقَى نَاسِيًا لِذِكْرِ اللَّهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ ، وَهَذَا لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنِ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الصَّلَاةِ ، أَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَعْتَقِدُ فِيهَا فَائِدَةً عَيْنِيَّةً يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يَتَذَكَّرَ أَمْرَ الدِّينِ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَصِيرُ سَاهِيًا فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ ، فَثَبَتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1863_23392السَّهْوَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُؤْمِنِ ، وَالسَّهْوَ عَنِ الصَّلَاةِ مِنْ أَفْعَالِ الْكَافِرِ .
ثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ مَعْنَى : ( سَاهُونَ ) أَيْ لَا يَتَعَهَّدُونَ أَوْقَاتَ صَلَوَاتِهِمْ وَلَا شَرَائِطَهَا ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُبَالِي سَوَاءٌ صَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اخْتَلَفُوا فِي سَهْوِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صَلَاتِهِ ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : إِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا سَهَا ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ حَتَّى يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ السَّاهِي فَيَصِيرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِذَلِكَ الشَّرْعِ بِالْفِعْلِ ، وَالْبَيَانُ بِالْفِعْلِ أَقْوَى ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِ السَّهْوِ مِنْهُ ، فَالسَّهْوُ عَلَى أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا : سَهْوُ الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ وَذَلِكَ مُنْجَبِرٌ تَارَةً بِسُجُودِ السَّهْوِ وَتَارَةً بِالسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ .
وَالثَّانِي : مَا يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ اسْتِحْضَارِ الْمَعَارِفِ وَالنِّيَّاتِ .
وَالثَّالِثُ : التَّرْكُ لَا إِلَى قَضَاءٍ وَالْإِخْرَاجُ عَنِ الْوَقْتِ ، وَمِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ وَهِيَ شَرٌّ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِالدِّينِ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ) فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28842_18691الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي : أَنَّ الْمُنَافِقَ هُوَ الْمُظْهِرُ لِلْإِيمَانِ الْمُبْطِنُ لِلْكُفْرِ ، وَالْمُرَائِي الْمُظْهِرُ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ مِنْ زِيَادَةِ خُشُوعٍ لِيَعْتَقِدَ فِيهِ مَنْ يَرَاهُ أَنَّهُ مُتَدَيِّنٌ ، أَوْ تَقُولُ : الْمُنَافِقُ لَا يُصَلِّي سِرًّا وَالْمُرَائِي تَكُونُ صَلَاتُهُ عِنْدَ النَّاسِ أَحْسَنَ .
[ ص: 108 ] اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ إِظْهَارُ الْفَرَائِضِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ ، وَتَارِكُهَا مُسْتَحِقٌّ لِلَّعْنِ فَيَجِبُ نَفْيُ التُّهْمَةِ بِالْإِظْهَارِ . إِنَّمَا الْإِخْفَاءُ فِي النَّوَافِلِ إِلَّا إِذَا أَظْهَرَ النَّوَافِلَ لِيُقْتَدَى بِهِ ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا يَسْجُدُ لِلشُّكْرِ وَأَطَالَهَا ، فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتِكَ ! لَكِنَّ مَعَ هَذَا قَالُوا : لَا يَتْرُكُ النَّوَافِلَ حَيَاءً وَلَا يَأْتِي بِهَا رِيَاءً ، وَقَلَّمَا يَتَيَسَّرُ اجْتِنَابُ الرِّيَاءِ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
الرِّيَاءُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ عَلَى الْمَسْحِ الْأَسْوَدِ
فَإِنْ قِيلَ : مَا مَعْنَى الْمُرَاءَاةِ ؟
قُلْنَا : هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْإِرَاءَةِ لِأَنَّ الْمُرَائِيَ يُرِي النَّاسَ عَمَلَهُ ، وَهُمْ يُرُونَهُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالْإِعْجَابَ بِهِ .