الفائدة الثامنة : قال : ( أعطيناك ) ولم يقل أعطينا الرسول أو النبي أو العالم أو المطيع ؛ لأنه لو قال ذلك لأشعر أن تلك العطية وقعت معللة بذلك الوصف ، فلما قال : ( أعطيناك ) علم أن تلك العطية غير معللة بعلة أصلا بل هي محض الاختيار والمشيئة ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نحن قسمنا ) [ الزخرف : 32 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=75الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) [ الحج : 75 ] .
الفائدة التاسعة : قال أولا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك ) ثم قال ثانيا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك وانحر ) وهذا يدل على أن إعطاءه للتوفيق والإرشاد سابق على طاعاتنا ، وكيف لا يكون كذلك وإعطاؤه إيانا صفته ، وطاعتنا له صفتنا ، وصفة الخلق لا تكون مؤثرة في صفة الخالق إنما المؤثر هو صفة الخالق في صفة الخلق ، ولهذا نقل عن
الواسطي أنه قال : لا أعبد ربا يرضيه طاعتي ويسخطه معصيتي ، ومعناه أن رضاه وسخطه قديمان وطاعتي ومعصيتي محدثتان والمحدث لا أثر له في قديم ، بل رضاه عن العبد هو الذي حمله على طاعته فيما لا يزال ، وكذا القول في السخط والمعصية .
الفائدة العاشرة : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1أعطيناك الكوثر ) ولم يقل : آتيناك الكوثر ، والسبب فيه أمران :
الأول : أن الإيتاء يحتمل أن يكون واجبا وأن يكون تفضلا ، وأما الإعطاء فإنه بالتفضل أشبه فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر ) يعني : هذه الخيرات الكثيرة وهي الإسلام والقرآن والنبوة والذكر الجميل في الدنيا والآخرة ، محض التفضل منا إليك وليس منه شيء على سبيل الاستحقاق والوجوب ، وفيه بشارة من وجهين :
أحدهما : أن الكريم إذا شرع في التربية على سبيل التفضل ، فالظاهر أنه لا يبطلها ، بل كان كل يوم يزيد فيها الثاني : أن ما يكون سبب الاستحقاق ، فإنه يتقدر بقدر الاستحقاق ، وفعل العبد متناه ، فيكون الاستحقاق الحاصل بسببه متناهيا ، أما التفضل فإنه نتيجة كرم الله غير متناه ، فيكون تفضله أيضا غير متناه ، فلما دل قوله : ( أعطيناك ) على أنه تفضل لا استحقاق أشعر ذلك بالدوام والتزايد أبدا . فإن قيل : أليس قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87سبعا من المثاني والقرآن ) [ الحجر : 87 ] ؟ قلنا : الجواب من وجهين :
الأول : أن الإعطاء يوجب التمليك ،
[ ص: 116 ] والملك سبب الاختصاص ، والدليل عليه أنه لما قال
سليمان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35هب لي ملكا ) [ ص : 35 ] فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك ) [ ص : 39 ] ولهذا السبب من حمل الكوثر على الحوض قال : الأمة تكون أضيافا له ، أما الإيتاء فإنه لا يفيد الملك ، فلهذا قال في القرآن : ( آتيناك ) [ الحجر : 87 ] فإنه لا يجوز للنبي أن يكتم شيئا منه .
الثاني : أن الشركة في القرآن شركة في العلوم ولا عيب فيها ، أما الشركة في النهر ، فهي شركة في الأعيان وهي عيب .
الوجه الثاني : في بيان أن الإعطاء أليق بهذا المقام من الإيتاء ، هو أن الإعطاء يستعمل في القليل والكثير ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وأعطى قليلا وأكدى ) [ النجم : 34 ] أما الإيتاء ، فلا يستعمل إلا في الشيء العظيم ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وآتاه الله الملك ) [ البقرة : 252 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ولقد آتينا داود منا فضلا ) [ سبأ : 10 ] والأتي السيل المنصب ، إذا ثبت هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر ) يفيد
nindex.php?page=treesubj&link=28753تعظيم حال محمد صلى الله عليه وسلم من وجوه :
أحدها : يعني : هذا الحوض كالشيء القليل الحقير بالنسبة إلى ما هو مدخر لك من الدرجات العالية والمراتب الشريفة ، فهو يتضمن البشارة بأشياء هي أعظم من هذا المذكور .
وثانيها : أن الكوثر إشارة إلى الماء ، كأنه تعالى يقول : الماء في الدنيا دون الطعام ، فإذا كان نعيم الماء كوثرا ، فكيف سائر النعيم ؟ .
وثالثها : أن نعيم الماء إعطاء ونعيم الجنة إيتاء .
ورابعها : كأنه تعالى يقول : هذا الذي أعطيتك ، وإن كان كوثرا لكنه في حقك إعطاء لا إيتاء ؛ لأنه دون حقك ، وفي العادة أن المهدي إذا كان عظيما فالهدية وإن كانت عظيمة ، إلا أنه يقال : إنها حقيرة أي هي حقيرة بالنسبة إلى عظمة المهدى له فكذا ههنا .
وخامسها : أن نقول : إنما قال فيما أعطاه من الكوثر أعطيناك ؛ لأنه دنيا ، والقرآن إيتاء لأنه دين .
وسادسها : كأنه يقول : جميع ما نلت مني عطية وإن كانت كوثرا إلا أن الأعظم من ذلك الكوثر أن تبقى مظفرا وخصمك أبتر ، فإنا أعطيناك بالتقدمة هذا الكوثر ، أما الذكر الباقي والظفر على العدو فلا يحسن إعطاؤه إلا بعد التقدمة بطاعة تحصل منك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك وانحر ) أي فاعبد لي وسل الظفر بعد العبادة فإني أوجبت على كرمي أن
nindex.php?page=treesubj&link=19749بعد كل فريضة دعوة مستجابة ، كذا روي في الحديث المسند ، فحينئذ أستجيب فيصير خصمك أبتر وهو الإيتاء ، فهذا ما يخطر بالبال في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك ) أما الكوثر فهو في اللغة فوعل من الكثرة وهو المفرط في الكثرة ، قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر ، بم آب ابنكم ؟ قالت : آب بكوثر ، أي بالعدد الكثير ، ويقال للرجل الكثير العطاء : كوثر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15102الكميت :
وأنت كثير يا ابن مروان طيب وكان أبوك ابن الفضائل كوثرا
ويقال للغبار إذا سطع وكثر كوثر هذا معنى الكوثر في اللغة ، واختلف المفسرون فيه على وجوه :
الأول : وهو المشهور والمستفيض عند السلف والخلف أنه نهر في الجنة ، روى
أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014051رأيت nindex.php?page=treesubj&link=30387_30402_31056نهرا في الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فضربت بيدي إلى مجرى الماء فإذا أنا بمسك أذفر ، فقلت : ما هذا ؟ قيل : الكوثر الذي أعطاك الله ) وفي رواية
أنس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014052أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، فيه طيور خضر لها أعناق كأعناق البخت من أكل من ذلك الطير وشرب من ذلك الماء فاز بالرضوان ، ولعله إنما
nindex.php?page=treesubj&link=31056_30402سمي ذلك النهر كوثرا إما لأنه أكثر أنهار الجنة ماء وخيرا ، أو لأنه انفجر منه أنهار الجنة ، كما روي أنه ما في الجنة بستان إلا وفيه من الكوثر نهر جار ، أو لكثرة الذين يشربون منها ، أو لكثرة ما فيها من المنافع على ما قال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014053إنه نهر وعدنيه ربي فيه خير كثير
القول الثاني : أنه حوض والأخبار فيه مشهورة ووجه التوفيق بين هذا القول ، والقول الأول أن يقال : لعل النهر ينصب في الحوض أو لعل الأنهار إنما تسيل من ذلك
[ ص: 117 ] الحوض فيكون ذلك الحوض كالمنبع
والقول الثالث : الكوثر أولاده قالوا : لأن هذه السورة إنما نزلت ردا على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنه يعطيه نسلا يبقون على مر الزمان ، فانظر كم قتل من أهل البيت ، ثم العالم ممتلئ منهم ، ولم يبق من
بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به ، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء
كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام والنفس الزكية وأمثالهم .
القول الرابع : الكوثر علماء أمته وهو لعمري الخير الكثير ؛ لأنهم كأنبياء بني إسرائيل ، وهم يحبون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشرون آثار دينه وأعلام شرعه ، ووجه التشبيه أن
nindex.php?page=treesubj&link=28666_20708_32027الأنبياء كانوا متفقين على أصول معرفة الله مختلفين في الشريعة رحمة على الخلق ليصل كل أحد إلى ما هو صلاحه ، كذا علماء أمته متفقون بأسرهم على أصول شرعه ، لكنهم مختلفون في فروع الشريعة رحمة على الخلق ، ثم الفضيلة من وجهين :
أحدهما : أنه يروى أنه يجاء يوم القيامة بكل نبي ويتبعه أمته فربما يجيء الرسول ومعه الرجل والرجلان ، ويجاء بكل عالم من علماء أمته ومعه الألوف الكثيرة فيجتمعون عند الرسول فربما يزيد عدد متبعي بعض العلماء على عدد متبعي ألف من الأنبياء .
الوجه الثاني : أنهم كانوا مصيبين لاتباعهم النصوص المأخوذة من الوحي ، وعلماء هذه الأمة يكونون مصيبين مع كد الاستنباط والاجتهاد ، أو على قول البعض : إن كان بعضهم مخطئا لكن المخطئ يكون أيضا مأجورا
القول الخامس : الكوثر هي النبوة ، ولا شك أنها الخير الكثير ؛ لأنها المنزلة التي هي ثانية الربوبية ؛ ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [ النساء : 80 ] وهو شطر الإيمان بل هي كالغصن في معرفة الله تعالى ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32020_19779_28801_31775معرفة النبوة لا بد وأن يتقدمها معرفة ذات الله وعلمه وقدرته وحكمته ، ثم إذا حصلت معرفة النبوة فحينئذ يستفاد منها معرفة بقية الصفات كالسمع والبصر والصفات الخيرية ، والوجدانية على قول بعضهم ، تم لرسولنا الحظ الأوفر من هذه المنقبة ؛ لأنه المذكور قبل سائر الأنبياء والمبعوث بعدهم ، ثم هو مبعوث إلى الثقلين ، وهو الذي يحشر قبل كل الأنبياء ، ولا يجوز ورود الشرع على نسخه ، وفضائله أكثر من أن تعد وتحصى ، ولنذكر ههنا قليلا منها ، فنقول :
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ : قَالَ : ( أَعْطَيْنَاكَ ) وَلَمْ يَقُلْ أَعْطَيْنَا الرَّسُولَ أَوِ النَّبِيَّ أَوِ الْعَالِمَ أَوِ الْمُطِيعَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَأَشْعَرَ أَنَّ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ وَقَعَتْ مُعَلَّلَةً بِذَلِكَ الْوَصْفِ ، فَلَمَّا قَالَ : ( أَعْطَيْنَاكَ ) عُلِمَ أَنَّ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِعِلَّةٍ أَصْلًا بَلْ هِيَ مَحْضُ الِاخْتِيَارِ وَالْمَشِيئَةِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نَحْنُ قَسَمْنَا ) [ الزُّخْرُفِ : 32 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=75اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ) [ الْحَجِّ : 75 ] .
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ : قَالَ أَوَّلًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ) ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِعْطَاءَهُ لِلتَّوْفِيقِ وَالْإِرْشَادِ سَابِقٌ عَلَى طَاعَاتِنَا ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَإِعْطَاؤُهُ إِيَّانَا صِفَتُهُ ، وَطَاعَتُنَا لَهُ صِفَتُنَا ، وَصِفَةُ الْخَلْقِ لَا تَكُونُ مُؤَثِّرَةً فِي صِفَةِ الْخَالِقِ إِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ هُوَ صِفَةُ الْخَالِقِ فِي صِفَةِ الْخَلْقِ ، وَلِهَذَا نُقِلَ عَنِ
الْوَاسِطِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَا أَعْبُدُ رَبًّا يُرْضِيهِ طَاعَتِي وَيُسْخِطُهُ مَعْصِيَتِي ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ رِضَاهُ وَسُخْطَهُ قَدِيمَانِ وَطَاعَتِي وَمَعْصِيَتِي مُحْدَثَتَانِ وَالْمُحْدَثُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي قَدِيمٍ ، بَلْ رِضَاهُ عَنِ الْعَبْدِ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيمَا لَا يَزَالُ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي السُّخْطِ وَالْمَعْصِيَةِ .
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) وَلَمْ يَقُلْ : آتَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَمْرَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْإِيتَاءَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا وَأَنْ يَكُونَ تَفَضُّلًا ، وَأَمَّا الْإِعْطَاءُ فَإِنَّهُ بِالتَّفَضُّلِ أَشْبَهُ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) يَعْنِي : هَذِهِ الْخَيْرَاتُ الْكَثِيرَةُ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ وَالنُّبُوَّةُ وَالذِّكْرُ الْجَمِيلُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، مَحْضُ التَّفَضُّلِ مِنَّا إِلَيْكَ وَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوُجُوبِ ، وَفِيهِ بِشَارَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا شَرَعَ فِي التَّرْبِيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا ، بَلْ كَانَ كُلَّ يَوْمٍ يَزِيدُ فِيهَا الثَّانِي : أَنَّ مَا يَكُونُ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَإِنَّهُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مُتَنَاهٍ ، فَيَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهِ مُتَنَاهِيًا ، أَمَّا التَّفَضُّلُ فَإِنَّهُ نَتِيجَةُ كَرَمِ اللَّهِ غَيْرُ مُتَنَاهٍ ، فَيَكُونُ تَفَضُّلُهُ أَيْضًا غَيْرَ مُتَنَاهٍ ، فَلَمَّا دَلَّ قَوْلُهُ : ( أَعْطَيْنَاكَ ) عَلَى أَنَّهُ تَفَضُّلٌ لَا اسْتِحْقَاقٌ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِالدَّوَامِ وَالتَّزَايُدِ أَبَدًا . فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ ) [ الْحِجْرِ : 87 ] ؟ قُلْنَا : الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْإِعْطَاءَ يُوجِبُ التَّمْلِيكَ ،
[ ص: 116 ] وَالْمِلْكُ سَبَبُ الِاخْتِصَاصِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ
سُلَيْمَانُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35هَبْ لِي مُلْكًا ) [ ص : 35 ] فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=39هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ ) [ ص : 39 ] وَلِهَذَا السَّبَبِ مَنْ حَمَلَ الْكَوْثَرَ عَلَى الْحَوْضِ قَالَ : الْأُمَّةُ تَكُونُ أَضْيَافًا لَهُ ، أَمَّا الْإِيتَاءُ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ ، فَلِهَذَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ : ( آتَيْنَاكَ ) [ الْحِجْرِ : 87 ] فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنْهُ .
الثَّانِي : أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْقُرْآنِ شَرِكَةٌ فِي الْعُلُومِ وَلَا عَيْبَ فِيهَا ، أَمَّا الشَّرِكَةُ فِي النَّهْرِ ، فَهِيَ شَرِكَةٌ فِي الْأَعْيَانِ وَهِيَ عَيْبٌ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِعْطَاءَ أَلْيَقُ بِهَذَا الْمَقَامِ مِنَ الْإِيتَاءِ ، هُوَ أَنَّ الْإِعْطَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=34وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى ) [ النَّجْمِ : 34 ] أَمَّا الْإِيتَاءُ ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْعَظِيمِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ) [ الْبَقَرَةِ : 252 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا ) [ سَبَأٍ : 10 ] وَالْأَتِيُّ السَّيْلُ الْمُنْصَبُّ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) يُفِيدُ
nindex.php?page=treesubj&link=28753تَعْظِيمَ حَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : يَعْنِي : هَذَا الْحَوْضُ كَالشَّيْءِ الْقَلِيلِ الْحَقِيرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ مُدَّخَرٌ لَكَ مِنَ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ وَالْمَرَاتِبِ الشَّرِيفَةِ ، فَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْبِشَارَةَ بِأَشْيَاءَ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْمَذْكُورِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْكَوْثَرَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَاءِ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الْمَاءُ فِي الدُّنْيَا دُونَ الطَّعَامِ ، فَإِذَا كَانَ نَعِيمُ الْمَاءِ كَوْثَرًا ، فَكَيْفَ سَائِرُ النَّعِيمِ ؟ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ نَعِيمَ الْمَاءِ إِعْطَاءٌ وَنَعِيمَ الْجَنَّةِ إِيتَاءٌ .
وَرَابِعُهَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُكَ ، وَإِنْ كَانَ كَوْثَرًا لَكِنَّهُ فِي حَقِّكَ إِعْطَاءٌ لَا إِيتَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّكَ ، وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ الْمُهْدِي إِذَا كَانَ عَظِيمًا فَالْهَدِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً ، إِلَّا أَنَّهُ يُقَالُ : إِنَّهَا حَقِيرَةٌ أَيْ هِيَ حَقِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَظَمَةِ الْمُهْدَى لَهُ فَكَذَا هَهُنَا .
وَخَامِسُهَا : أَنْ نَقُولَ : إِنَّمَا قَالَ فِيمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْكَوْثَرِ أَعْطَيْنَاكَ ؛ لِأَنَّهُ دُنْيَا ، وَالْقُرْآنُ إِيتَاءٌ لِأَنَّهُ دِينٌ .
وَسَادِسُهَا : كَأَنَّهُ يَقُولُ : جَمِيعُ مَا نِلْتَ مِنِّي عَطِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ كَوْثَرًا إِلَّا أَنَّ الْأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ الْكَوْثَرِ أَنْ تَبْقَى مُظَفَّرًا وَخَصْمُكَ أَبْتَرُ ، فَإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ بِالتَّقْدِمَةِ هَذَا الْكَوْثَرَ ، أَمَّا الذِّكْرُ الْبَاقِي وَالظَّفَرُ عَلَى الْعَدُوِّ فَلَا يَحْسُنُ إِعْطَاؤُهُ إِلَّا بَعْدَ التَّقْدِمَةِ بِطَاعَةٍ تَحْصُلُ مِنْكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) أَيْ فَاعْبُدْ لِي وَسَلِ الظَّفَرَ بَعْدَ الْعِبَادَةِ فَإِنِّي أَوْجَبْتُ عَلَى كَرَمِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19749بَعْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً ، كَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ ، فَحِينَئِذٍ أَسْتَجِيبُ فَيَصِيرُ خَصْمُكَ أَبْتَرَ وَهُوَ الْإِيتَاءُ ، فَهَذَا مَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ) أَمَّا الْكَوْثَرُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ فَوَعْلٌ مِنَ الْكَثْرَةِ وَهُوَ الْمُفْرِطُ فِي الْكَثْرَةِ ، قِيلَ لِأَعْرَابِيَّةٍ رَجَعَ ابْنُهَا مِنَ السَّفَرِ ، بِمَ آبَ ابْنُكُمْ ؟ قَالَتْ : آبَ بِكَوْثَرٍ ، أَيْ بِالْعَدَدِ الْكَثِيرِ ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْكَثِيرِ الْعَطَاءِ : كَوْثَرٌ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15102الْكُمَيْتُ :
وَأَنْتَ كَثِيرٌ يَا ابْنَ مَرْوَانَ طَيِّبُ وَكَانَ أَبُوكَ ابْنُ الْفَضَائِلِ كَوْثَرَا
وَيُقَالُ لِلْغُبَارِ إِذَا سَطَعَ وَكَثُرَ كَوْثَرٌ هَذَا مَعْنَى الْكَوْثَرِ فِي اللُّغَةِ ، وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ عَلَى وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُسْتَفِيضُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ ، رَوَى
أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014051رَأَيْتُ nindex.php?page=treesubj&link=30387_30402_31056نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَجْرَى الْمَاءِ فَإِذَا أَنَا بِمِسْكٍ أَذْفَرَ ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا ؟ قِيلَ : الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ ) وَفِي رِوَايَةِ
أَنَسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014052أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، فِيهِ طُيُورٌ خُضْرٌ لَهَا أَعْنَاقٌ كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ مَنْ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ الطَّيْرِ وَشَرِبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَازَ بِالرِّضْوَانِ ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=31056_30402سُمِّيَ ذَلِكَ النَّهْرُ كَوْثَرًا إِمَّا لِأَنَّهُ أَكْثَرُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ مَاءً وَخَيْرًا ، أَوْ لِأَنَّهُ انْفَجَرَ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ مَا فِي الْجَنَّةِ بُسْتَانٌ إِلَّا وَفِيهِ مِنَ الْكَوْثَرِ نَهْرٌ جَارٍ ، أَوْ لِكَثْرَةِ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ مِنْهَا ، أَوْ لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014053إِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ حَوْضٌ وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مَشْهُورَةٌ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ ، وَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ : لَعَلَّ النَّهْرَ يَنْصَبُّ فِي الْحَوْضِ أَوْ لَعَلَّ الْأَنْهَارَ إِنَّمَا تَسِيلُ مِنْ ذَلِكَ
[ ص: 117 ] الْحَوْضِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْحَوْضُ كَالْمَنْبَعِ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : الْكَوْثَرُ أَوْلَادُهُ قَالُوا : لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى مَنْ عَابَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعَدَمِ الْأَوْلَادِ ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُعْطِيهِ نَسْلًا يَبْقَوْنَ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ ، فَانْظُرْ كَمْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ، ثُمَّ الْعَالَمُ مُمْتَلِئٌ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ
بَنِي أُمَيَّةَ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ يُعْبَأُ بِهِ ، ثُمَّ انْظُرْ كَمْ كَانَ فِيهِمْ مِنَ الْأَكَابِرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ
كَالْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ وَالْكَاظِمِ وَالرِّضَا عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالنَّفْسُ الزَّكِيَّةُ وَأَمْثَالُهُمْ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ : الْكَوْثَرُ عُلَمَاءُ أُمَّتِهِ وَهُوَ لَعَمْرِي الْخَيْرُ الْكَثِيرِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَهُمْ يُحِبُّونَ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْشُرُونَ آثَارَ دِينِهِ وَأَعْلَامَ شَرْعِهِ ، وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28666_20708_32027الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أُصُولِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ مُخْتَلِفِينَ فِي الشَّرِيعَةِ رَحْمَةً عَلَى الْخَلْقِ لِيَصِلَ كُلُّ أَحَدٍ إِلَى مَا هُوَ صَلَاحُهُ ، كَذَا عُلَمَاءُ أُمَّتِهِ مُتَّفِقُونَ بِأَسْرِهِمْ عَلَى أُصُولِ شَرْعِهِ ، لَكِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ رَحْمَةً عَلَى الْخَلْقِ ، ثُمَّ الْفَضِيلَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكُلِّ نَبِيٍّ وَيَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ فَرُبَّمَا يَجِيءُ الرَّسُولُ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ ، وَيُجَاءُ بِكُلِّ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ وَمَعَهُ الْأُلُوفُ الْكَثِيرَةُ فَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَ الرَّسُولِ فَرُبَّمَا يَزِيدُ عَدَدُ مُتَّبِعِي بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَدِ مُتَّبِعِي أَلْفٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُمْ كَانُوا مُصِيبِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النُّصُوصَ الْمَأْخُوذَةَ مِنَ الْوَحْيِ ، وَعُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَكُونُونَ مُصِيبِينَ مَعَ كَدِّ الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ ، أَوْ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ : إِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُخْطِئًا لَكِنَّ الْمُخْطِئَ يَكُونُ أَيْضًا مَأْجُورًا
الْقَوْلُ الْخَامِسُ : الْكَوْثَرُ هِيَ النُّبُوَّةُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا الْخَيْرُ الْكَثِيرُ ؛ لِأَنَّهَا الْمَنْزِلَةُ الَّتِي هِيَ ثَانِيَةُ الرُّبُوبِيَّةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) [ النِّسَاءِ : 80 ] وَهُوَ شَطْرُ الْإِيمَانِ بَلْ هِيَ كَالْغُصْنِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32020_19779_28801_31775مَعْرِفَةَ النُّبُوَّةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَقَدَّمَهَا مَعْرِفَةُ ذَاتِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، ثُمَّ إِذَا حَصَلَتْ مَعْرِفَةُ النُّبُوَّةِ فَحِينَئِذٍ يُسْتَفَادُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالصِّفَاتِ الْخَيْرِيَّةِ ، وَالْوِجْدَانِيَّةِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ ، تَمَّ لِرَسُولِنَا الْحَظُّ الْأَوْفَرُ مِنْ هَذِهِ الْمَنْقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَبْعُوثُ بَعْدَهُمْ ، ثُمَّ هُوَ مَبْعُوثٌ إِلَى الثَّقَلَيْنِ ، وَهُوَ الَّذِي يُحْشَرُ قَبْلَ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ عَلَى نَسْخِهِ ، وَفَضَائِلُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُعَدَّ وَتُحْصَى ، وَلْنَذْكُرْ هَهُنَا قَلِيلًا مِنْهَا ، فَنَقُولُ :