القول السادس : الكوثر هو القرآن ، وفضائله لا تحصى (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) [ لقمان : 27 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=109قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ) [ الكهف : 109 ] .
القول السابع : الكوثر الإسلام ، وهو لعمري الخير الكثير ، فإن به يحصل خير الدنيا والآخرة ، وبفواته يفوت خير الدنيا وخير الآخرة ، وكيف لا
nindex.php?page=treesubj&link=28632_18467والإسلام عبارة عن المعرفة ؟ أو ما لا بد فيه من المعرفة ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) [ البقرة : 269 ] وإذا كان الإسلام خيرا كثيرا فهو الكوثر ، فإن قيل : لم خصه بالإسلام ، مع أن نعمه عمت الكل ؟ قلنا : لأن الإسلام وصل منه إلى غيره ، فكان عليه السلام كالأصل فيه .
القول الثامن :
[ ص: 119 ] الكوثر كثرة الأتباع والأشياع ، ولا شك أن له من الأتباع ما لا يحصيهم إلا الله ، وروي أنه عليه الصلاة والسلام ، قال :
أنا دعوة خليل الله إبراهيم ، وأنا بشرى عيسى ، وأنا مقبول الشفاعة يوم القيامة ، فبينا أكون مع الأنبياء ، إذ تظهر لنا أمة من الناس فنبتدرهم بأبصارنا ما منا من نبي إلا وهو يرجو أن تكون أمته ، فإذا هم غر محجلون من آثار الوضوء ، فأقول : أمتي ورب الكعبة ، فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم يظهر لنا مثل ما ظهر أولا فنبتدرهم بأبصارنا ما من نبي إلا ويرجو أن تكون أمته ، فإذا هم غر محجلون من آثار الوضوء فأقول : أمتي ورب الكعبة ، فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم يرفع لنا ثلاثة أمثال ما قد رفع فنبتدرهم ، وذكر كما ذكر في المرة الأولى والثانية ، ثم قال : nindex.php?page=treesubj&link=30395لتدخلن ثلاث فرق من أمتي الجنة قبل أن يدخلها أحد من الناس ولقد قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014059nindex.php?page=treesubj&link=29701_28766_29468تناكحوا تناسلوا تكثروا ، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط .
فإذا كان يباهي بمن لم يبلغ حد التكليف ، فكيف بمثل هذا الجم الغفير ؟ فلا جرم حسن منه تعالى أن يذكره هذه النعمة الجسيمة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر ) .
القول التاسع : ( الكوثر ) الفضائل الكثيرة التي فيه ، فإنه باتفاق الأمة أفضل من جميع الأنبياء ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12053المفضل بن سلمة : يقال رجل كوثر إذا كان سخيا كثير الخير ، وفي صحاح اللغة : ( الكوثر ) السيد الكثير الخير ، فلما رزق الله تعالى
محمدا هذه الفضائل العظيمة حسن منه تعالى أن يذكره تلك النعمة الجسيمة ، فيقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر ) .
القول العاشر : الكوثر رفعة الذكر ، وقد مر تفسيره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=4ورفعنا لك ذكرك ) .
القول الحادي عشر : أنه العلم قالوا : وحمل الكوثر على هذا أولى لوجوه :
أحدها : أن العلم هو الخير الكثير قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) [ النساء : 113 ] وأمره بطلب العلم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وقل رب زدني علما ) [ طه : 114 ] وسمى الحكمة خيرا كثيرا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) [ البقرة : 269 ] .
وثانيها : أنا إما أن نحمل الكوثر على نعم الآخرة ، أو على نعم الدنيا ، والأول غير جائز ؛ لأنه قال : أعطينا ، ونعم الجنة سيعطيها لا أنه أعطاها ، فوجب حمل الكوثر على ما وصل إليه في الدنيا ، وأشرف الأمور الواصلة إليه في الدنيا هو العلم والنبوة داخلة في العلم ، فوجب حمل اللفظ على العلم .
وثالثها : أنه لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1أعطيناك الكوثر ) قال عقيبه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك وانحر )
nindex.php?page=treesubj&link=29428والشيء الذي يكون متقدما على العبادة هو المعرفة ، ولذلك قال في سورة النحل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) [ النحل : 2 ] وقال في طه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) [ طه : 14 ] فقدم في السورتين المعرفة على العبادة ؛ ولأن فاء التعقيب في قوله : ( فصل ) تدل على أن إعطاء الكوثر كالموجب لهذه العبادة ، ومعلوم أن الموجب للعبادة ليس إلا العلم .
القول الثاني عشر : أن الكوثر هو الخلق الحسن ، قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=19517_19515_31056الانتفاع بالخلق الحسن عام ينتفع به العالم والجاهل والبهيمة والعاقل ، فأما الانتفاع بالعلم ، فهو مختص بالعقلاء ، فكان نفع الخلق الحسن أعم ، فوجب حمل الكوثر عليه ، ولقد كان عليه السلام كذلك كان للأجانب كالوالد يحل عقدهم ويكفي مهمهم ، وبلغ حسن خلقه إلى أنهم لما كسروا سنه ، قال : "
اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " .
القول الثالث عشر :
nindex.php?page=treesubj&link=31056الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة ، فقال في الدنيا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) [ الأنفال : 33 ] وقال في الآخرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011485شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014060إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة .
القول الرابع عشر : أن المراد من الكوثر هو هذه السورة ، قال : وذلك لأنها مع قصرها وافية بجميع منافع الدنيا والآخرة ، وذلك لأنها مشتملة على المعجز من وجوه :
أولها : أنا إذا حملنا
[ ص: 120 ] الكوثر على كثرة الأتباع ، أو على كثرة الأولاد ، وعدم انقطاع النسل كان هذا إخبارا عن الغيب ، وقد وقع مطابقا له ، فكان معجزا .
وثانيها : أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك وانحر ) وهو إشارة إلى زوال الفقر حتى يقدر على النحر ، وقد وقع فيكون هذا أيضا إخبارا عن الغيب .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إن شانئك هو الأبتر ) وكان الأمر على ما أخبر فكان معجزا .
ورابعها : أنهم عجزوا عن معارضتها مع صغرها ، فثبت أن
nindex.php?page=treesubj&link=28899وجه الإعجاز في كمال القرآن ، إنما تقرر بها لأنهم لما عجزوا عن معارضتها مع صغرها فبأن يعجزوا عن معارضة كل القرآن أولى ، ولما ظهر وجه الإعجاز فيها من هذه الوجوه فقد تقررت النبوة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28801_28746وإذا تقررت النبوة فقد تقرر التوحيد ومعرفة الصانع ، وتقرر الدين والإسلام ، وتقرر أن
nindex.php?page=treesubj&link=28742القرآن كلام الله ، وإذا تقررت هذه الأشياء تقرر جميع خيرات الدنيا والآخرة فهذه السورة جارية مجرى النكتة المختصرة القوية الوافية بإثبات جميع المقاصد ، فكانت صغيرة في الصورة كبيرة في المعنى ، ثم لها خاصية ليست لغيرها ، وهي أنها ثلاث آيات ، وقد بينا أن كل واحدة منها معجز فهي بكل واحدة من آياتها معجز وبمجموعها معجز وهذه الخاصية لا توجد في سائر السور فيحتمل أن يكون المراد من الكوثر هو هذه السورة .
القول الخامس عشر : أن المراد من
nindex.php?page=treesubj&link=31056الكوثر جميع نعم الله على محمد عليه السلام ، وهو المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لأن لفظ الكوثر يتناول الكثرة الكثيرة ، فليس حمل الآية على بعض هذه النعم أولى من حملها على الباقي فوجب حملها على الكل ، وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، لما روى هذا القول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال له بعضهم : إن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ، فقال
سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه ، وقال بعض العلماء ظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر ) يقتضي أنه تعالى قد أعطاه ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=31056الكوثر فيجب أن يكون الأقرب حمله على ما آتاه الله تعالى من النبوة والقرآن والذكر الحكيم والنصرة على الأعداء ، وأما الحوض وسائر ما أعد له من الثواب فهو وإن جاز أن يقال : إنه داخل فيه لأن ما ثبت بحكم وعد الله فهو كالواقع إلا أن الحقيقة ما قدمناه لأن ذلك وإن أعد له فلا يصح أن يقال على الحقيقة إنه أعطاه في حال نزول هذه السورة
بمكة ، ويمكن أن يجاب عنه بأن من أقر لولده الصغير بضيعة له يصح أن يقال : إنه أعطاه تلك الضيعة مع أن الصبي في تلك الحال لا يكون أهلا للتصرف ، والله أعلم .
الْقَوْلُ السَّادِسُ : الْكَوْثَرُ هُوَ الْقُرْآنُ ، وَفَضَائِلُهُ لَا تُحْصَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ) [ لُقْمَانَ : 27 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=109قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي ) [ الْكَهْفِ : 109 ] .
الْقَوْلُ السَّابِعُ : الْكَوْثَرُ الْإِسْلَامُ ، وَهُوَ لَعَمْرِي الْخَيْرُ الْكَثِيرُ ، فَإِنَّ بِهِ يَحْصُلُ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ خَيْرُ الدُّنْيَا وَخَيْرُ الْآخِرَةِ ، وَكَيْفَ لَا
nindex.php?page=treesubj&link=28632_18467وَالْإِسْلَامُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَعْرِفَةِ ؟ أَوْ مَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) [ الْبَقَرَةِ : 269 ] وَإِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ خَيْرًا كَثِيرًا فَهُوَ الْكَوْثَرُ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَ خَصَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، مَعَ أَنَّ نِعَمَهُ عَمَّتِ الْكُلَّ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَصَلَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ، فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَالْأَصْلِ فِيهِ .
الْقَوْلُ الثَّامِنُ :
[ ص: 119 ] الْكَوْثَرُ كَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ وَالْأَشْيَاعِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ مِنَ الْأَتْبَاعِ مَا لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، قَالَ :
أَنَا دَعْوَةُ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنَا بُشْرَى عِيسَى ، وَأَنَا مَقْبُولُ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَبَيْنَا أَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ، إِذْ تَظْهَرُ لَنَا أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ فَنَبْتَدِرُهُمْ بِأَبْصَارِنَا مَا مِنَّا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَهُوَ يَرْجُو أَنْ تَكُونَ أُمَّتَهُ ، فَإِذَا هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، ثُمَّ يَظْهَرُ لَنَا مِثْلُ مَا ظَهَرَ أَوَّلًا فَنَبْتَدِرُهُمْ بِأَبْصَارِنَا مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَيَرْجُو أَنْ تَكُونَ أُمَّتَهُ ، فَإِذَا هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَأَقُولُ : أُمَّتِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، ثُمَّ يُرْفَعُ لَنَا ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ مَا قَدْ رُفِعَ فَنَبْتَدِرُهُمْ ، وَذَكَرَ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، ثُمَّ قَالَ : nindex.php?page=treesubj&link=30395لَتَدْخُلَنَّ ثَلَاثُ فِرَقٍ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014059nindex.php?page=treesubj&link=29701_28766_29468تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا تَكْثُرُوا ، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْ بِالسِّقْطِ .
فَإِذَا كَانَ يُبَاهِي بِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّكْلِيفِ ، فَكَيْفَ بِمِثْلِ هَذَا الْجَمِّ الْغَفِيرِ ؟ فَلَا جَرَمَ حَسُنَ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُذَكِّرَهُ هَذِهِ النِّعْمَةَ الْجَسِيمَةَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) .
الْقَوْلُ التَّاسِعُ : ( الْكَوْثَرَ ) الْفَضَائِلُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي فِيهِ ، فَإِنَّهُ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12053الْمُفَضَّلُ بْنُ سَلَمَةَ : يُقَالُ رَجُلٌ كَوْثَرٌ إِذَا كَانَ سَخِيًّا كَثِيرَ الْخَيْرِ ، وَفِي صِحَاحِ اللُّغَةِ : ( الْكَوْثَرُ ) السَّيِّدُ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ ، فَلَمَّا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى
مُحَمَّدًا هَذِهِ الْفَضَائِلَ الْعَظِيمَةَ حَسُنَ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُذَكِّرَهُ تِلْكَ النِّعْمَةَ الْجَسِيمَةَ ، فَيَقُولَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) .
الْقَوْلُ الْعَاشِرُ : الْكَوْثَرُ رِفْعَةُ الذِّكْرِ ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=4وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) .
الْقَوْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّهُ الْعِلْمُ قَالُوا : وَحَمْلُ الْكَوْثَرِ عَلَى هَذَا أَوْلَى لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) [ النِّسَاءِ : 113 ] وَأَمَرَهُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) [ طه : 114 ] وَسَمَّى الْحِكْمَةَ خَيْرًا كَثِيرًا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) [ الْبَقَرَةِ : 269 ] .
وَثَانِيهَا : أَنَّا إِمَّا أَنْ نَحْمِلَ الْكَوْثَرَ عَلَى نِعَمِ الْآخِرَةِ ، أَوْ عَلَى نِعَمِ الدُّنْيَا ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : أَعْطَيْنَا ، وَنِعَمُ الْجَنَّةِ سَيُعْطِيهَا لَا أَنَّهُ أَعْطَاهَا ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْكَوْثَرِ عَلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، وَأَشْرَفُ الْأُمُورِ الْوَاصِلَةِ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا هُوَ الْعِلْمُ وَالنُّبُوَّةُ دَاخِلَةٌ فِي الْعِلْمِ ، فَوَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْعِلْمِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قَالَ عَقِيبَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ )
nindex.php?page=treesubj&link=29428وَالشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعِبَادَةِ هُوَ الْمَعْرِفَةُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) [ النَّحْلِ : 2 ] وَقَالَ فِي طه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ) [ طه : 14 ] فَقَدَّمَ فِي السُّورَتَيْنِ الْمَعْرِفَةَ عَلَى الْعِبَادَةِ ؛ وَلِأَنَّ فَاءَ التَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ : ( فَصَلِّ ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِعْطَاءَ الْكَوْثَرِ كَالْمُوجِبِ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعِبَادَةِ لَيْسَ إِلَّا الْعِلْمَ .
الْقَوْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ : أَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ الْخُلُقُ الْحَسَنُ ، قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=19517_19515_31056الِانْتِفَاعُ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ عَامٌّ يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ وَالْبَهِيمَةُ وَالْعَاقِلُ ، فَأَمَّا الِانْتِفَاعُ بِالْعِلْمِ ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْعُقَلَاءِ ، فَكَانَ نَفْعُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ أَعَمَّ ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْكَوْثَرِ عَلَيْهِ ، وَلَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَلِكَ كَانَ لِلْأَجَانِبِ كَالْوَالِدِ يَحُلُّ عُقَدَهُمْ وَيَكْفِي مُهِمَّهَمُ ، وَبَلَغَ حُسْنُ خُلُقِهِ إِلَى أَنَّهُمْ لَمَّا كَسَرُوا سِنَّهُ ، قَالَ : "
اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " .
الْقَوْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31056الْكَوْثَرُ هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي هُوَ الشَّفَاعَةُ ، فَقَالَ فِي الدُّنْيَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [ الْأَنْفَالِ : 33 ] وَقَالَ فِي الْآخِرَةِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011485شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014060إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً وَإِنِّي خَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
الْقَوْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكَوْثَرِ هُوَ هَذِهِ السُّورَةُ ، قَالَ : وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَعَ قِصَرِهَا وَافِيَةٌ بِجَمِيعِ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمُعْجِزِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا : أَنَّا إِذَا حَمَلْنَا
[ ص: 120 ] الْكَوْثَرَ عَلَى كَثْرَةِ الْأَتْبَاعِ ، أَوْ عَلَى كَثْرَةِ الْأَوْلَادِ ، وَعَدَمِ انْقِطَاعِ النَّسْلِ كَانَ هَذَا إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ ، وَقَدْ وَقَعَ مُطَابِقًا لَهُ ، فَكَانَ مُعْجِزًا .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى زَوَالِ الْفَقْرِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى النَّحْرِ ، وَقَدْ وَقَعَ فَيَكُونُ هَذَا أَيْضًا إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا أَخْبَرَ فَكَانَ مُعْجِزًا .
وَرَابِعُهَا : أَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهَا مَعَ صِغَرِهَا ، فَثَبَتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28899وَجْهَ الْإِعْجَازِ فِي كَمَالِ الْقُرْآنِ ، إِنَّمَا تَقَرَّرَ بِهَا لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهَا مَعَ صِغَرِهَا فَبِأَنْ يَعْجِزُوا عَنْ مُعَارَضَةِ كُلِّ الْقُرْآنِ أَوْلَى ، وَلَمَّا ظَهَرَ وَجْهُ الْإِعْجَازِ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ تَقَرَّرَتِ النُّبُوَّةُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28801_28746وَإِذَا تَقَرَّرَتِ النُّبُوَّةُ فَقَدْ تَقَرَّرَ التَّوْحِيدُ وَمَعْرِفَةُ الصَّانِعِ ، وَتَقَرَّرَ الدَّيْنُ وَالْإِسْلَامُ ، وَتَقَرَّرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28742الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ ، وَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَقَرَّرَ جَمِيعُ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهَذِهِ السُّورَةُ جَارِيَةٌ مُجْرَى النُّكْتَةِ الْمُخْتَصَرَةِ الْقَوِيَّةِ الْوَافِيَةِ بِإِثْبَاتِ جَمِيعِ الْمَقَاصِدِ ، فَكَانَتْ صَغِيرَةً فِي الصُّورَةِ كَبِيرَةً فِي الْمَعْنَى ، ثُمَّ لَهَا خَاصِّيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا ، وَهِيَ أَنَّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُعْجِزٌ فَهِيَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ آيَاتِهَا مُعْجِزٌ وَبِمَجْمُوعِهَا مُعْجِزٌ وَهَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ لَا تُوجَدُ فِي سَائِرِ السُّوَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْكَوْثَرِ هُوَ هَذِهِ السُّورَةُ .
الْقَوْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=31056الْكَوْثَرِ جَمِيعُ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّ لَفْظَ الْكَوْثَرِ يَتَنَاوَلُ الْكَثْرَةَ الْكَثِيرَةَ ، فَلَيْسَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ النِّعَمِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْبَاقِي فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى الْكُلِّ ، وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، لَمَّا رَوَى هَذَا الْقَوْلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ : إِنْ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ
سَعِيدٌ : النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=31056الْكَوْثَرَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَقْرَبُ حَمْلَهُ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ وَالنُّصْرَةِ عَلَى الْأَعْدَاءِ ، وَأَمَّا الْحَوْضُ وَسَائِرُ مَا أُعِدَّ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ فَهُوَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ وَعْدِ اللَّهِ فَهُوَ كَالْوَاقِعِ إِلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ أُعِدَّ لَهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِنَّهُ أَعْطَاهُ فِي حَالِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ
بِمَكَّةَ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِضَيْعَةٍ لَهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ أَعْطَاهُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ مَعَ أَنَّ الصَّبِيَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .