(
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك وانحر ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك وانحر ) في الآية مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : ( فصل ) وجوه :
الأول : أن المراد هو الأمر بالصلاة ، فإن قيل : اللائق عند النعمة الشكر ، فلم قال : فصل ولم يقل : فاشكر ؟
الجواب : من وجوه :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19606الشكر عبارة عن التعظيم وله ثلاثة أركان :
أحدها : يتعلق بالقلب وهو أن يعلم أن تلك النعمة منه لا من غيره .
والثاني : باللسان وهو أن يمدحه .
والثالث : بالعمل وهو أن يخدمه ويتواضع له ، والصلاة مشتملة على هذه المعاني ، وعلى ما هو أزيد منها فالأمر بالصلاة أمر بالشكر وزيادة فكان الأمر بالصلاة أحسن .
وثانيها : أنه لو قال فاشكر ، لكان ذلك يوهم أنه ما كان شاكرا لكنه كان من أول أمره عارفا بربه مطيعا له شاكرا لنعمه ، أما الصلاة فإنه إنما عرفها بالوحي ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) [ الشورى : 52 ] .
الثالث : أنه في أول ما أمره بالصلاة قال
محمد عليه الصلاة والسلام : كيف أصلي ولست على الوضوء ، فقال الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر )
[ ص: 121 ] [ الكوثر : 1 ] ثم ضرب
جبريل بجناحه على الأرض فنبع ماء الكوثر فتوضأ فقيل له عند ذلك : فصل ، فأما إذا حملنا الكوثر على الرسالة ، فكأنه قال : أعطيتك الرسالة لتأمر نفسك وسائر الخلق بالطاعات ، وأشرفها الصلاة فصل لربك .
القول الثاني : فصل لربك أي فاشكر لربك ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وعكرمة ، وعلى هذا القول ذكروا في فائدة الفاء في قوله : " فصل " وجوها :
أحدها : التنبيه على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19610شكر النعمة يجب على الفور لا على التراخي .
وثانيها : أن المراد من فاء التعقيب ههنا الإشارة ، إلى ما قرره بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] ثم إنه خص
محمدا صلى الله عليه وسلم في هذا الباب بمزيد مبالغة ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=99واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 99 ] ولأنه قال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فإذا فرغت فانصب ) [ الشرح : 7 ] أي فعليك بأخرى عقيب الأولى فكيف بعد وصول نعمتي إليك ، ألا يجب عليك أن تشرع في الشكر عقيب ذلك .
القول الثالث : فصل أي : فادع الله لأن الصلاة هي الدعاء ، وفائدة الفاء على هذا التقدير كأنه تعالى يقول : قبل سؤالك ودعائك ما بخلنا عليك : ( بالكوثر ) فكيف بعد سؤالك لكن : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014061سل تعطه واشفع تشفع " وذلك لأنه كان أبدا في هم أمته ، واعلم أن القول الأول أولى ؛ لأنه أقرب إلى عرف الشرع .
المسألة الثانية : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2لربك وانحر ) قولان :
الأول : وهو قول عامة المفسرين : أن المراد هو نحر البدن .
والقول الثاني : أن المراد بقوله : ( وانحر ) فعل يتعلق بالصلاة ، إما قبلها أو فيها أو بعدها ، ثم ذكروا فيه وجوها :
أحدها : قال
الفراء : معناها استقبل القبلة .
وثانيها : روى
الأصبغ بن نباتة عن
علي عليه السلام قال : لما نزلت هذه السورة قال النبي عليه الصلاة والسلام
لجبريل : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014062ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ قال ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنه صلاتنا ، وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع وإن لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة " .
وثالثها : روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب أنه فسر هذا النحر بوضع اليدين على النحر في الصلاة ، وقال : رفع اليدين قبل الصلاة عادة المستجير العائذ ، ووضعها على النحر عادة الخاضع الخاشع .
ورابعها : قال
عطاء : معناه اقعد بين السجدتين حتى يبدو نحرك .
وخامسها : روي عن
الضحاك ،
وسليمان التيمي أنهما قالا : ( انحر ) معناه ارفع يديك عقيب الدعاء إلى نحرك ، قال
الواحدي : وأصل هذه الأقوال كلها من النحر الذي هو الصدر يقال لمذبح البعير النحر ؛ لأن منحره في صدره حيث يبدو الحلقوم من أعلى الصدر فمعنى النحر في هذا الموضع هو إصابة النحر كما يقال : رأسه وبطنه إذا أصاب ذلك منه ، وأما قول
الفراء : إنه عبارة عن استقبال القبلة فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : النحر انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب وهو أن ينصب نحره بإزاء القبلة ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ، وقال
الفراء : منازلهم تتناحر أي تتقابل وأنشد :
أبا حكم هل أنت عم مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر
والنكتة المعنوية فيه كأنه تعالى يقول :
الكعبة بيتي وهي قبلة صلاتك وقلبك وقبلة رحمتي ونظر عنايتي ، فلتكن القبلتان متناحرتين قال الأكثرون : حمله على نحر البدن أولى لوجوه :
أحدها : هو أن
nindex.php?page=treesubj&link=20682_2646الله تعالى كلما ذكر الصلاة في كتابه ذكر الزكاة بعدها .
وثانيها : أن القوم كانوا يصلون وينحرون للأوثان فقيل له : فصل وانحر لربك .
وثالثها : أن هذه الأشياء آداب الصلاة وأبعاضها فكانت داخلة تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فصل لربك ) فوجب
[ ص: 122 ] أن يكون المراد من النحر غيرها ؛ لأنه يبعد أن يعطف بعض الشيء على جميعه .
ورابعها : أن قوله : ( فصل ) إشارة إلى التعظيم لأمر الله ، وقوله : ( وانحر ) إشارة إلى الشفقة على خلق الله وجملة العبودية لا تخرج عن هذين الأصلين .
وخامسها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=16949_16913_21138استعمال لفظة النحر على نحر البدن أشهر من استعماله في سائر الوجوه المذكورة ، فيجب حمل كلام الله عليه ، وإذا ثبت هذا فنقول : استدلت الحنفية على وجوب الأضحية بأن الله تعالى أمره بالنحر ، ولا بد وأن يكون قد فعله ؛ لأن ترك الواجب عليه غير جائز ، وإذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام وجب علينا مثله لقوله : ( واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] ولقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31فاتبعوني يحببكم الله ) [ آل عمران : 31 ] وأصحابنا قالوا : الأمر بالمتابعة مخصوص بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014063ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم ، الضحى والأضحى والوتر " .
المسألة الثالثة : اختلف من فسر قوله : ( فصل ) بالصلاة على وجوه :
الأول : أنه أراد بالصلاة جنس الصلاة ؛ لأنهم كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله فأمره أن لا يصلي ولا ينحر إلا لله تعالى ، واحتج من جوز تأخير بيان المجمل بهذه الآية ؛ وذلك لأنه تعالى أمر بالصلاة مع أنه ما بين كيفية هذه الصلاة ، أجاب
أبو مسلم ، وقال : أراد به الصلاة المفروضة أعني الخمس وإنما لم يذكر الكيفية ؛ لأن الكيفية كانت معلومة من قبل .
القول الثاني : أراد صلاة العيد والأضحية ؛ لأنهم كانوا يقدمون الأضحية على الصلاة فنزلت هذه الآية ، قال المحققون : هذا قول ضعيف لأن عطف الشيء على غيره بالواو لا يوجب الترتيب .
القول الثالث : عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير صل الفجر
بالمزدلفة وانحر
بمنى ، والأقرب القول الأول ؛ لأنه لا يجب إذا قرن ذكر النحر بالصلاة أن تحمل الصلاة على ما يقع يوم النحر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي قَوْلِهِ : ( فَصَلِّ ) وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ ، فَإِنْ قِيلَ : اللَّائِقُ عِنْدَ النِّعْمَةِ الشُّكْرُ ، فَلِمَ قَالَ : فَصَلِّ وَلَمْ يَقُلْ : فَاشْكُرْ ؟
الْجَوَابُ : مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19606الشُّكْرَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّعْظِيمِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ :
أَحَدُهَا : يَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ تِلْكَ النِّعْمَةَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ .
وَالثَّانِي : بِاللِّسَانِ وَهُوَ أَنْ يَمْدَحَهُ .
وَالثَّالِثُ : بِالْعَمَلِ وَهُوَ أَنْ يَخْدِمَهُ وَيَتَوَاضَعَ لَهُ ، وَالصَّلَاةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي ، وَعَلَى مَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْهَا فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ أَمْرٌ بِالشُّكْرِ وَزِيَادَةٌ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ أَحْسَنَ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ لَوْ قَالَ فَاشْكُرْ ، لَكَانَ ذَلِكَ يُوهِمُ أَنَّهُ مَا كَانَ شَاكِرًا لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ عَارِفًا بِرَبِّهِ مُطِيعًا لَهُ شَاكِرًا لِنِعَمِهِ ، أَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عَرَفَهَا بِالْوَحْيِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ) [ الشُّورَى : 52 ] .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ فِي أَوَّلِ مَا أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ قَالَ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : كَيْفَ أُصَلِّي وَلَسْتُ عَلَى الْوُضُوءِ ، فَقَالَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ )
[ ص: 121 ] [ الْكَوْثَرِ : 1 ] ثُمَّ ضَرَبَ
جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَنَبَعَ مَاءُ الْكَوْثَرِ فَتَوَضَّأَ فَقِيلَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ : فَصَلِّ ، فَأَمَّا إِذَا حَمَلْنَا الْكَوْثَرَ عَلَى الرِّسَالَةِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَعْطَيْتُكَ الرِّسَالَةَ لِتَأْمُرَ نَفْسَكَ وَسَائِرَ الْخَلْقِ بِالطَّاعَاتِ ، وَأَشْرَفُهَا الصَّلَاةُ فَصَلِّ لِرَبِّكَ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : فَصَلِّ لِرَبِّكَ أَيْ فَاشْكُرْ لِرَبِّكَ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَكَرُوا فِي فَائِدَةِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ : " فَصَلِّ " وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19610شُكْرَ النِّعْمَةِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ لَا عَلَى التَّرَاخِي .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ فَاءِ التَّعْقِيبِ هَهُنَا الْإِشَارَةُ ، إِلَى مَا قَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذَّارِيَاتِ : 56 ] ثُمَّ إِنَّهُ خَصَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَزِيدِ مُبَالَغَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=99وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) [ الْحِجْرِ : 99 ] وَلِأَنَّهُ قَالَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=7فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) [ الشَّرْحِ : 7 ] أَيْ فَعَلَيْكَ بِأُخْرَى عَقِيبَ الْأُولَى فَكَيْفَ بَعْدَ وُصُولِ نِعْمَتِي إِلَيْكَ ، أَلَا يَجِبَ عَلَيْكَ أَنْ تَشْرَعَ فِي الشُّكْرِ عَقِيبَ ذَلِكَ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : فَصَلِّ أَيْ : فَادْعُ اللَّهَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الدُّعَاءُ ، وَفَائِدَةُ الْفَاءِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : قَبْلَ سُؤَالِكَ وَدُعَائِكَ مَا بَخِلْنَا عَلَيْكَ : ( بِالْكَوْثَرِ ) فَكَيْفَ بَعْدَ سُؤَالِكَ لَكِنْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014061سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ " وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ أَبَدًا فِي هَمِّ أُمَّتِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عُرْفِ الشَّرْعِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ : أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ نَحْرُ الْبُدْنِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : ( وَانْحَرْ ) فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ ، إِمَّا قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا ، ثُمَّ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : قَالَ
الْفَرَّاءُ : مَعْنَاهَا اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ .
وَثَانِيهَا : رَوَى
الْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ عَنْ
عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
لِجِبْرِيلَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014062مَا هَذِهِ النَّحِيرَةُ الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي ؟ قَالَ لَيْسَتْ بِنَحِيرَةٍ وَلَكِنَّهُ يَأْمُرُكَ إِذَا تَحَرَّمْتَ لِلصَّلَاةِ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ إِذَا كَبَّرْتَ وَإِذَا رَكَعْتَ وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ وَإِذَا سَجَدْتَ فَإِنَّهُ صَلَاتُنَا ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةً ، وَزِينَةُ الصَّلَاةِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ " .
وَثَالِثُهَا : رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ فَسَّرَ هَذَا النَّحْرَ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى النَّحْرِ فِي الصَّلَاةِ ، وَقَالَ : رَفْعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَادَةُ الْمُسْتَجِيرِ الْعَائِذِ ، وَوَضْعُهَا عَلَى النَّحْرِ عَادَةُ الْخَاضِعِ الْخَاشِعِ .
وَرَابِعُهَا : قَالَ
عَطَاءٌ : مَعْنَاهُ اقْعُدْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَبْدُوَ نَحْرُكَ .
وَخَامِسُهَا : رُوِيَ عَنِ
الضَّحَّاكِ ،
وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا : ( انْحَرْ ) مَعْنَاهُ ارْفَعْ يَدَيْكَ عَقِيبَ الدُّعَاءِ إِلَى نَحْرِكَ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَأَصْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا مِنَ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ الصَّدْرُ يُقَالُ لِمَذْبَحِ الْبَعِيرِ النَّحْرُ ؛ لِأَنَّ مَنْحَرَهُ فِي صَدْرِهِ حَيْثُ يَبْدُو الْحُلْقُومُ مِنْ أَعْلَى الصَّدْرِ فَمَعْنَى النَّحْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ إِصَابَةُ النَّحْرِ كَمَا يُقَالُ : رَأْسُهُ وَبَطْنُهُ إِذَا أَصَابَ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَأَمَّا قَوْلُ
الْفَرَّاءِ : إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : النَّحْرُ انْتِصَابُ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ بِإِزَاءِ الْمِحْرَابِ وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ نَحْرَهُ بِإِزَاءِ الْقِبْلَةِ ، وَلَا يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا ، وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : مَنَازِلُهُمْ تَتَنَاحَرُ أَيْ تَتَقَابَلُ وَأَنْشَدَ :
أَبَا حَكَمٍ هَلْ أَنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ وَسَيِّدُ أَهْلِ الْأَبْطَحِ الْمُتَنَاحِرِ
وَالنُّكْتَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ فِيهِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
الْكَعْبَةُ بَيْتِي وَهِيَ قِبْلَةُ صَلَاتِكَ وَقَلْبِكَ وَقِبْلَةُ رَحْمَتِي وَنَظَرُ عِنَايَتِي ، فَلْتَكُنِ الْقِبْلَتَانِ مُتَنَاحِرَتَيْنِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ : حَمْلُهُ عَلَى نَحْرِ الْبُدْنِ أَوْلَى لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : هُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20682_2646اللَّهَ تَعَالَى كُلَّمَا ذَكَرَ الصَّلَاةَ فِي كِتَابِهِ ذَكَرَ الزَّكَاةَ بَعْدَهَا .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يُصَلُّونَ وَيَنْحَرُونَ لِلْأَوْثَانِ فَقِيلَ لَهُ : فَصَلٍّ وَانْحَرْ لِرَبِّكَ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ آدَابُ الصَّلَاةِ وَأَبْعَاضُهَا فَكَانَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=2فَصَلِّ لِرَبِّكَ ) فَوَجَبَ
[ ص: 122 ] أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ النَّحْرِ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُعْطَفَ بَعْضُ الشَّيْءِ عَلَى جَمِيعِهِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : ( فَصَلِّ ) إِشَارَةٌ إِلَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ : ( وَانْحَرْ ) إِشَارَةٌ إِلَى الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَجُمْلَةُ الْعُبُودِيَّةِ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16949_16913_21138اسْتِعْمَالَ لَفْظَةِ النَّحْرِ عَلَى نَحْرِ الْبُدْنِ أَشْهَرُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ ، فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : اسْتَدَلَّتِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالنَّحْرِ ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَهُ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَإِذَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَجَبَ عَلَيْنَا مِثْلُهُ لِقَوْلِهِ : ( وَاتَّبِعُوهُ ) [ الْأَعْرَافِ : 158 ] وَلِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 31 ] وَأَصْحَابُنَا قَالُوا : الْأَمْرُ بِالْمُتَابَعَةِ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014063ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمُ ، الضُّحَى وَالْأَضْحَى وَالْوِتْرُ " .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اخْتَلَفَ مَنْ فَسَّرَ قَوْلَهُ : ( فَصَلِّ ) بِالصَّلَاةِ عَلَى وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ جِنْسَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَيَنْحَرُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ وَلَا يَنْحَرَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ تَأْخِيرَ بَيَانِ الْمُجْمَلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ مَا بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ هَذِهِ الصَّلَاةِ ، أَجَابَ
أَبُو مُسْلِمٍ ، وَقَالَ : أَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَعْنِي الْخَمْسَ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْكَيْفِيَّةَ ؛ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ كَانَتْ مَعْلُومَةً مِنْ قَبْلُ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَرَادَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْأُضْحِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْأُضْحِيَّةَ عَلَى الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَ الْمُحَقِّقُونَ : هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عَطْفَ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ بِالْوَاوِ لَا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ صَلِّ الْفَجْرَ
بِالْمُزْدَلِفَةِ وَانْحَرْ
بِمِنَى ، وَالْأَقْرَبُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِذَا قُرِنَ ذِكْرُ النَّحْرِ بِالصَّلَاةِ أَنْ تُحْمَلَ الصَّلَاةُ عَلَى مَا يَقَعُ يَوْمَ النَّحْرِ .