(
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد )
[ ص: 135 ] ففيه مسائل :
المسألة الأولى : في هذه الآية قولان :
أحدهما : أنه لا تكرار فيها .
والثاني : أن فيها تكرارا أما الأول : فتقريره من وجوه :
أحدها : أن الأول للمستقبل ، والثاني للحال والدليل على أن الأول للمستقبل أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077_20942 " لا " لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال ، أن ترى أن " لن " تأكيد فيما ينفيه " لا " وقال
الخليل في " لن " : أصله لا أن ، إذا ثبت هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون ) أي لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلبه منكم من عبادة إلهي ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم ) أي ولست في الحال بعابد معبودكم ، ولا أنتم في الحال بعابدين لمعبودي .
الوجه الثاني : أن تقلب الأمر فتجعل الأول للحال ، والثاني للاستقبال ، والدليل على أن قول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم ) للاستقبال أنه رفع لمفهوم قولنا : أنا عابد ما عبدتم ولا شك أن هذا للاستقبال بدليل أنه لو قال : أنا قاتل زيدا فهم منه الاستقبال .
الوجه الثالث : قال بعضهم : كل واحد منهما يصلح للحال وللاستقبال ، ولكنا نخص أحدهما بالحال ، والثاني بالاستقبال دفعا للتكرار ، فإن قلنا : إنه أخبر عن الحال ، ثم عن الاستقبال ، فهو الترتيب ، وإن قلنا : أخبر أولا عن الاستقبال ؛ فلأنه هو الذي دعوه إليه ، فهو الأهم فبدأ به ، فإن قيل : ما فائدة الإخبار عن الحال وكان معلوما أنه ما كان يعبد الصنم ، وأما الكفار فكانوا يعبدون الله في بعض الأحوال ؟ قلنا : أما الحكاية عن نفسه فلئلا يتوهم الجاهل أنه يعبدها سرا خوفا منها أو طمعا إليها ، وأما نفيه عبادتهم ؛ فلأن فعل الكافر ليس بعبادة أصلا .
الوجه الرابع : وهو اختيار
أبي مسلم أن المقصود من الأولين المعبود " وما " بمعنى الذي ، فكأنه قال : لا أعبد الأصنام ولا تعبدون الله ، وأما في الأخيرين " فما " مع الفعل في تأويل المصدر أي لا أعبد عبادتكم المبنية على الشرك وترك النظر ، ولا أنتم تعبدون عبادتي المبنية على اليقين ، فإن زعمتم أنكم تعبدون إلهي ، كان ذلك باطلا ؛ لأن العبادة فعل مأمور به ، وما تفعلونه أنتم فهو منهي عنه ، وغير مأمور به .
الوجه الخامس : أن تحمل الأولى على نفي الاعتبار الذي ذكروه ، والثانية على النفي العام المتناول لجميع الجهات فكأنه أولا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1ياأيها الكافرون nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون ) رجاء أن تعبدوا الله ، ولا أنتم تعبدون الله رجاء أن أعبد أصنامكم ، ثم قال : ولا أنا عابد صنمكم لغرض من الأغراض ، ومقصود من المقاصد البتة بوجه من الوجوه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد ) بوجه من الوجوه ، واعتبار من الاعتبارات ، ومثاله من يدعو غيره إلى الظلم لغرض التنعيم ، فيقول : لا أظلم لغرض التنعم بل لا أظلم أصلا لا لهذا الغرض ولا لسائر الأغراض .
القول الثاني : وهو أن نسلم حصول التكرار ، وعلى هذا القول العذر عنه من ثلاثة أوجه :
الأول : أن التكرير يفيد التوكيد وكلما كانت الحاجة إلى التأكيد أشد كان التكرير أحسن ، ولا موضع أحوج إلى التأكيد من هذا الموضع ؛ لأن أولئك الكفار رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى مرارا ، وسكت رسول الله عن الجواب ، فوقع في قلوبهم أنه عليه السلام قد مال إلى دينهم بعض الميل ، فلا جرم دعت الحاجة إلى التأكيد والتكرير في هذا النفي والإبطال .
الوجه الثاني : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28864كان القرآن ينزل شيئا بعد شيء ، وآية بعد آية جوابا عما يسألون فالمشركون قالوا : استلم بعد آلهتنا حتى نؤمن بإلهك ، فأنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) ثم قالوا بعد مدة : تعبد آلهتنا شهرا ونعبد إلهك شهرا فأنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4ولا أنا عابد ما عبدتم nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) ولما كان هذا الذي ذكرناه محتملا لم يكن التكرار على هذا الوجه مضرا البتة .
الوجه الثالث : أن الكفار ذكروا تلك الكلمة مرتين تعبد آلهتنا شهرا ونعبد إلهك شهرا وتعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فأتى
[ ص: 136 ] الجواب على التكرير على وفق قولهم وهو ضرب من التهكم فإن من كرر الكلمة الواحدة لغرض فاسد يجازى بدفع تلك الكلمة على سبيل التكرار استخفافا به واستحقارا لقوله .
المسألة الثانية : في الآية سؤال وهو أن كلمة : ( ما ) لا تتناول من يعلم فهب أن معبودهم كان كذلك فصح التعبير عنه بلفظ " ما " لكن معبود
محمد عليه الصلاة والسلام هو أعلم العالمين فكيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) أجابوا عنه من وجوه :
أحدها : أن المراد منه الصفة كأنه قال : لا أعبد الباطل وأنتم لا تعبدون الحق .
وثانيها : أن " ما " مصدرية في الجملتين كأنه قال : لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي في المستقبل ، ثم قال ثانيا : لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي في الحال .
وثالثها : أن يكون " ما " بمعنى الذي وحينئذ يصح الكلام .
ورابعها : أنه لما قال أولا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون ) حمل الثاني عليه ليتسق الكلام كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [ الشورى : 40 ] .
المسألة الثالثة : احتج أهل الجبر بأنه تعالى أخبر عنهم مرتين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5ولا أنتم عابدون ما أعبد ) والخبر الصدق عن عدم الشيء يضاد وجود ذلك الشي فالتكليف بتحصيل العبادة مع وجود الخبر الصدق بعدم العبادة تكليف بالجمع بين الضدين ، واعلم أنه بقي في الآية سؤالات :
السؤال الأول : أليس أن ذكر الوجه الذي لأجله تقبح عبادة غير الله كان أولى من هذا التكرير ؟
الجواب بل قد يكون التأكيد والتكرير أولى من ذكر الحجة ، إما لأن المخاطب بليد ينتفع بالمبالغة والتكرير ولا ينتفع بذكر الحجة أو لأجل أن محل النزاع يكون في غاية الظهور فالمناظرة في مسألة الجبر والقدر حسنة ، أما القائل بالصنم فهو إما مجنون يجب شده أو عاقل معاند فيجب قتله ، وإن لم يقدر على قتله فيجب شتمه ، والمبالغة في الإنكار عليه كما في هذه الآية .
السؤال الثاني : أن أول السورة اشتمل على التشديد ، وهو النداء بالكفر والتكرير ، وآخرها على اللطف والتساهل ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لكم دينكم ولي دين ) فكيف وجه الجمع بين الأمرين ؟
الجواب : كأنه يقول : إني قد بالغت في تحذيركم على هذا الأمر القبيح ، وما قصرت فيه ، فإن لم تقبلوا قولي ، فاتركوني سواء بسواء .
السؤال الثالث : لما كان التكرار لأجل التأكيد والمبالغة فكان ينبغي أن يقول : لن أعبد ما تعبدون ؛ لأن هذا أبلغ ، ألا ترى أن أصحاب الكهف لما بالغوا قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لن ندعو من دونه إلها ) [ الكهف : 14 ] .
والجواب : المبالغة إنما يحتاج إليها في موضع التهمة ، وقد علم كل أحد من
محمد عليه السلام أنه ما كان يعبد الصنم قبل الشرع ، فكيف يعبده بعد ظهور الشرع ، بخلاف أصحاب الكهف فإنه وجد منهم ذلك فيما قبل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ )
[ ص: 135 ] فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا تِكْرَارَ فِيهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّ فِيهَا تِكْرَارًا أَمَّا الْأَوَّلُ : فَتَقْرِيرُهُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَوَّلَ لِلْمُسْتَقْبَلِ ، وَالثَّانِيَ لِلْحَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ لِلْمُسْتَقْبَلِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077_20942 " لَا " لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى مُضَارِعٍ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ ، أَنْ تَرَى أَنَّ " لَنْ " تَأْكِيدٌ فِيمَا يَنْفِيهِ " لَا " وَقَالَ
الْخَلِيلُ فِي " لَنْ " : أَصْلُهُ لَا أَنْ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) أَيْ لَا أَفْعَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا تَطْلُبُونَهُ مِنِّي مِنْ عِبَادَةِ آلِهَتِكُمْ وَلَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا أَطْلُبُهُ مِنْكُمْ مِنْ عِبَادَةِ إِلَهِي ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) أَيْ وَلَسْتُ فِي الْحَالِ بِعَابِدٍ مَعْبُودَكُمْ ، وَلَا أَنْتُمْ فِي الْحَالِ بِعَابِدِينَ لِمَعْبُودِي .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ تَقْلِبَ الْأَمْرَ فَتَجْعَلَ الْأَوَّلَ لِلْحَالِ ، وَالثَّانِيَ لِلِاسْتِقْبَالِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) لِلِاسْتِقْبَالِ أَنَّهُ رُفِعَ لِمَفْهُومِ قَوْلِنَا : أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لِلِاسْتِقْبَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنَا قَاتِلٌ زَيْدًا فُهِمَ مِنْهُ الِاسْتِقْبَالُ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصْلُحُ لِلْحَالِ وَلِلِاسْتِقْبَالِ ، وَلَكِنَّا نَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِالْحَالِ ، وَالثَّانِي بِالِاسْتِقْبَالِ دَفْعًا لِلتِّكْرَارِ ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ الْحَالِ ، ثُمَّ عَنِ الِاسْتِقْبَالِ ، فَهُوَ التَّرْتِيبُ ، وَإِنْ قُلْنَا : أَخْبَرَ أَوَّلًا عَنِ الِاسْتِقْبَالِ ؛ فَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَعَوْهُ إِلَيْهِ ، فَهُوَ الْأَهَمُّ فَبَدَأَ بِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْحَالِ وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْبُدُ الصَّنَمَ ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَكَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ؟ قُلْنَا : أَمَّا الْحِكَايَةُ عَنْ نَفْسِهِ فَلِئَلَّا يَتَوَهَّمَ الْجَاهِلُ أَنَّهُ يَعْبُدُهَا سِرًّا خَوْفًا مِنْهَا أَوْ طَمَعًا إِلَيْهَا ، وَأَمَّا نَفْيُهُ عِبَادَتَهُمْ ؛ فَلِأَنَّ فِعْلَ الْكَافِرِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ أَصْلًا .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَوَّلَيْنِ الْمَعْبُودُ " وَمَا " بِمَعْنَى الَّذِي ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَلَا تَعْبُدُونَ اللَّهَ ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَيْنِ " فَمَا " مَعَ الْفِعْلِ فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ أَيْ لَا أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمُ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الشِّرْكَ وَتَرْكِ النَّظَرِ ، وَلَا أَنْتُمْ تَعْبُدُونَ عِبَادَتِي الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الْيَقِينِ ، فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَعْبُدُونَ إِلَهِي ، كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِعْلٌ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَمَا تَفْعَلُونَهُ أَنْتُمْ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَغَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنْ تُحْمَلَ الْأُولَى عَلَى نَفْيِ الِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرُوهُ ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى النَّفْيِ الْعَامِّ الْمُتَنَاوِلِ لِجَمِيعِ الْجِهَاتِ فَكَأَنَّهُ أَوَّلًا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) رَجَاءَ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلَا أَنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ رَجَاءَ أَنْ أَعْبُدَ أَصْنَامَكُمْ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَا أَنَا عَابِدٌ صَنَمَكُمْ لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ ، وَمَقْصُودٍ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْبَتَّةَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَاعْتِبَارٍ مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ ، وَمِثَالُهُ مَنْ يَدْعُو غَيْرَهُ إِلَى الظُّلْمِ لِغَرَضِ التَّنْعِيمِ ، فَيَقُولُ : لَا أَظْلِمُ لِغَرَضِ التَّنَعُّمِ بَلْ لَا أَظْلِمُ أَصْلًا لَا لِهَذَا الْغَرَضِ وَلَا لِسَائِرِ الْأَغْرَاضِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ نُسَلِّمَ حُصُولَ التِّكْرَارِ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْعُذْرُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ التَّكْرِيرَ يُفِيدُ التَّوْكِيدَ وَكُلَّمَا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى التَّأْكِيدِ أَشَدَّ كَانَ التَّكْرِيرُ أَحْسَنَ ، وَلَا مَوْضِعَ أَحْوَجُ إِلَى التَّأْكِيدِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِرَارًا ، وَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الْجَوَابِ ، فَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ مَالَ إِلَى دِينِهِمْ بَعْضَ الْمَيْلِ ، فَلَا جَرَمَ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرِيرِ فِي هَذَا النَّفْيِ وَالْإِبْطَالِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28864كَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، وَآيَةً بَعْدَ آيَةٍ جَوَابًا عَمَّا يَسْأَلُونَ فَالْمُشْرِكُونَ قَالُوا : اسْتَلِمْ بَعْدُ آلِهَتَنَا حَتَّى نُؤْمِنَ بِإِلَهِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) ثُمَّ قَالُوا بَعْدَ مُدَّةٍ : تَعْبُدُ آلِهَتَنَا شَهْرًا وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ شَهْرًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=4وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) وَلَمَّا كَانَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُحْتَمَلًا لَمْ يَكُنِ التِّكْرَارُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُضِرًّا الْبَتَّةَ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْكُفَّارَ ذَكَرُوا تِلْكَ الْكَلِمَةَ مَرَّتَيْنِ تَعْبُدُ آلِهَتَنَا شَهْرًا وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ شَهْرًا وَتَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ، فَأَتَى
[ ص: 136 ] الْجَوَابُ عَلَى التَّكْرِيرِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِمْ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّهَكُّمِ فَإِنَّ مَنْ كَرَّرَ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ يُجَازَى بِدَفْعِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ عَلَى سَبِيلِ التِّكْرَارِ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَاسْتِحْقَارًا لِقَوْلِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ : ( مَا ) لَا تَتَنَاوَلُ مَنْ يَعْلَمُ فَهَبْ أَنَّ مَعْبُودَهُمْ كَانَ كَذَلِكَ فَصَحَّ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِلَفْظِ " مَا " لَكِنَّ مَعْبُودَ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ أَعْلَمُ الْعَالَمِينَ فَكَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الصِّفَةُ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَعْبُدُ الْبَاطِلَ وَأَنْتُمْ لَا تَعْبُدُونَ الْحَقَّ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ فِي الْجُمْلَتَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمْ وَلَا تَعْبُدُونَ عِبَادَتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا : لَا أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمْ وَلَا تَعْبُدُونَ عِبَادَتِي فِي الْحَالِ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْكَلَامُ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) حُمِلَ الثَّانِي عَلَيْهِ لِيَتَّسِقَ الْكَلَامُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) [ الشُّورَى : 40 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : احْتَجَّ أَهْلُ الْجَبْرِ بِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ مَرَّتَيْنِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=5وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) وَالْخَبَرُ الصِّدْقُ عَنْ عَدَمِ الشَّيْءِ يُضَادُّ وُجُودَ ذَلِكَ الشَّيِّ فَالتَّكْلِيفُ بِتَحْصِيلِ الْعِبَادَةِ مَعَ وُجُودِ الْخَبَرِ الصِّدْقِ بِعَدَمِ الْعِبَادَةِ تَكْلِيفٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : أَلَيْسَ أَنَّ ذِكْرَ الْوَجْهِ الَّذِي لِأَجْلِهِ تُقَبَّحُ عِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ كَانَ أَوْلَى مِنْ هَذَا التَّكْرِيرِ ؟
الْجَوَابُ بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّأْكِيدُ وَالتَّكْرِيرُ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْحُجَّةِ ، إِمَّا لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بَلِيدٌ يَنْتَفِعُ بِالْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْرِيرِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِذِكْرِ الْحُجَّةِ أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ يَكُونُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ فَالْمُنَاظَرَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ حَسَنَةٌ ، أَمَّا الْقَائِلُ بِالصَّنَمِ فَهُوَ إِمَّا مَجْنُونٌ يَجِبُ شَدُّهُ أَوْ عَاقِلٌ مُعَانِدٌ فَيَجِبُ قَتْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَتْلِهِ فَيَجِبُ شَتْمُهُ ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ اشْتَمَلَ عَلَى التَّشْدِيدِ ، وَهُوَ النِّدَاءُ بِالْكُفْرِ وَالتَّكْرِيرُ ، وَآخِرَهَا عَلَى اللُّطْفِ وَالتَّسَاهُلِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) فَكَيْفَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ؟
الْجَوَابُ : كَأَنَّهُ يَقُولُ : إِنِّي قَدْ بَالَغْتُ فِي تَحْذِيرِكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْقَبِيحِ ، وَمَا قَصَّرْتُ فِيهِ ، فَإِنْ لَمْ تَقْبَلُوا قَوْلِي ، فَاتْرُكُونِي سَوَاءً بِسَوَاءٍ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : لَمَّا كَانَ التِّكْرَارُ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : لَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَبْلَغُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ لَمَّا بَالَغُوا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ) [ الْكَهْفِ : 14 ] .
وَالْجَوَابُ : الْمُبَالَغَةُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ ، وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْبُدُ الصَّنَمَ قَبْلَ الشَّرْعِ ، فَكَيْفَ يَعْبُدُهُ بَعْدَ ظُهُورِ الشَّرْعِ ، بِخِلَافِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُمْ ذَلِكَ فِيمَا قَبْلُ .