[ ص: 151 ] المسألة التاسعة : الصحابة اتفقوا على أن هذه السورة دلت على أنه نعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم روي
أن العباس عرف ذلك وبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك ؟ فقال : نعيت إليك نفسك فقال : الأمر كما تقول، وقيل : إن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هو الذي قال ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام :
لقد أوتي هذا الغلام علما كثيرا .
روي أن
عمر كان يعظم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ويقربه ويأذن له مع أهل
بدر ، فقال
عبد الرحمن : أتأذن لهذا الفتى معنا ، وفي أبنائنا من هو مثله ؟ فقال : لأنه ممن قد علمتم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فأذن لهم ذات يوم وأذن لي معهم فسألهم عن قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله ) وكأنه ما سألهم إلا من أجلي فقال بعضهم : أمر الله نبيه إذا فتح أن يستغفره ويتوب إليه ، فقلت : ليس كذلك ولكن نعيت إليه نفسه فقال
عمر : ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم ، ثم قال : كيف تلومونني عليه بعد ما ترون ؟
وروي أنه لما نزلت هذه السورة خطب وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014092nindex.php?page=treesubj&link=32873إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين لقائه والآخرة فاختار لقاء الله " فقال السائل : وكيف دلت هذه السورة على هذا المعنى ؟
الجواب : من وجوه :
أحدها : قال بعضهم : إنما عرفوا ذلك لما روينا أن الرسول خطب عقيب السورة وذكر التخيير .
وثانيها : أنه لما ذكر حصول النصر والفتح ودخول الناس في الدين أفواجا دل ذلك على حصول الكمال والتمام ، وذلك يعقبه الزوال كما قيل :
إذا تم شيء دنا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم
وثالثها : أنه أمره بالتسبيح والحمد والاستغفار مطلقا واشتغاله به يمنعه عن الاشتغال بأمر الأمة فكان هذا كالتنبيه على أن أمر التبليغ قد تم وكمل ، وذلك يوجب الموت ؛ لأنه لو بقي بعد ذلك لكان كالمعزول عن الرسالة وإنه غير جائز .
ورابعها : قوله : ( واستغفره ) تنبيه على قرب الأجل كأنه يقول قرب الوقت ودنا الرحيل فتأهب للأمر ، ونبهه به على أن سبيل العاقل إذا قرب أجله أن يستكثر من التوبة .
وخامسها : كأنه قيل له : كان منتهى مطلوبك في الدنيا هذا الذي وجدته ، وهو النصر والفتح والاستيلاء ، والله تعالى وعدك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وللآخرة خير لك من الأولى ) فلما وجدت أقصى مرادك في الدنيا فانتقل إلى الآخرة لتفوز بتلك السعادات العالية .
المسألة العاشرة : ذكرنا أن الأصح هو أن السورة نزلت قبل فتح
مكة ، وأما الذين قالوا : إنها نزلت بعد فتح
مكة ، فذكر
الماوردي أنه عليه السلام لم يلبث بعد نزول هذه السورة إلا ستين يوما مستديما للتسبيح والاستغفار ، وقال
مقاتل : عاش بعدها حولا ونزل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ) [ المائدة : 3 ] فعاش بعدها ثمانين يوما ثم نزل آية الكلالة ، فعاش بعدها خمسين يوما ، ثم نزل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) [ التوبة : 128 ] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما ثم نزل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) [ البقرة : 281 ] فعاش بعدها أحد عشر يوما وفي رواية أخرى عاش بعدها سبعة أيام ، والله أعلم كيف كان ذلك .
[ ص: 151 ] الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : الصَّحَابَةُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ نَعْيٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُوِيَ
أَنَّ الْعَبَّاسَ عَرَفَ ذَلِكَ وَبَكَى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ : نُعِيَتْ إِلَيْكَ نَفْسُكَ فَقَالَ : الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ، وَقِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا كَثِيرًا .
رُوِيَ أَنَّ
عُمَرَ كَانَ يُعَظِّمُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ وَيُقَرِّبُهُ وَيَأْذَنُ لَهُ مَعَ أَهْلِ
بَدْرٍ ، فَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ : أَتَأْذَنُ لِهَذَا الْفَتَى مَعَنَا ، وَفِي أَبْنَائِنَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَذِنَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَذِنَ لِي مَعَهُمْ فَسَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ) وَكَأَنَّهُ مَا سَأَلَهُمْ إِلَّا مِنْ أَجْلِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا فَتَحَ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ وَيَتُوبَ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ فَقَالَ
عُمَرُ : مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مِثْلَ مَا تَعْلَمُ ، ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ تَلُومُونَنِي عَلَيْهِ بَعْدَ مَا تَرَوْنَ ؟
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ خَطَبَ وَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014092nindex.php?page=treesubj&link=32873إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ لِقَائِهِ وَالْآخِرَةِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ " فَقَالَ السَّائِلُ : وَكَيْفَ دَلَّتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ؟
الْجَوَابُ : مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا عَرَفُوا ذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ الرَّسُولَ خَطَبَ عَقِيبَ السُّورَةِ وَذَكَرَ التَّخْيِيرَ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حُصُولَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَدُخُولَ النَّاسِ فِي الدِّينِ أَفْوَاجًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُصُولِ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ ، وَذَلِكَ يَعْقُبُهُ الزَّوَالُ كَمَا قِيلَ :
إِذَا تَمَّ شَيْءٌ دَنَا نَقْصُهُ تَوَقَّعْ زَوَالًا إِذَا قِيلَ تَمَّ
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ مُطْلَقًا وَاشْتِغَالُهُ بِهِ يَمْنَعُهُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِأَمْرِ الْأُمَّةِ فَكَانَ هَذَا كَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ أَمْرَ التَّبْلِيغِ قَدْ تَمَّ وَكَمُلَ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْمَوْتَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لَكَانَ كَالْمَعْزُولِ عَنِ الرِّسَالَةِ وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ .
وَرَابِعُهَا : قَوْلُهُ : ( وَاسْتَغْفِرْهُ ) تَنْبِيهٌ عَلَى قُرْبِ الْأَجَلِ كَأَنَّهُ يَقُولُ قَرُبَ الْوَقْتُ وَدَنَا الرَّحِيلُ فَتَأَهَّبْ لِلْأَمْرِ ، وَنَبَّهَهُ بِهِ عَلَى أَنَّ سَبِيلَ الْعَاقِلِ إِذَا قَرُبَ أَجَلُهُ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنَ التَّوْبَةِ .
وَخَامِسُهَا : كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : كَانَ مُنْتَهَى مَطْلُوبِكَ فِي الدُّنْيَا هَذَا الَّذِي وَجَدْتَهُ ، وَهُوَ النَّصْرُ وَالْفَتْحُ وَالِاسْتِيلَاءُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَعَدَكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ) فَلَمَّا وَجَدْتَ أَقْصَى مُرَادِكَ فِي الدُّنْيَا فَانْتَقِلْ إِلَى الْآخِرَةِ لِتَفُوزَ بِتِلْكَ السَّعَادَاتِ الْعَالِيَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ أَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ فَتْحِ
مَكَّةَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ ، فَذَكَرَ
الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَّا سِتِّينَ يَوْمًا مُسْتَدِيمًا لِلتَّسْبِيحِ وَالِاسْتِغْفَارِ ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : عَاشَ بَعْدَهَا حَوْلًا وَنَزَلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) [ الْمَائِدَةِ : 3 ] فَعَاشَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَزَلَ آيَةُ الْكَلَالَةِ ، فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ نَزَلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) [ التَّوْبَةِ : 128 ] فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَزَلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) [ الْبَقَرَةِ : 281 ] فَعَاشَ بَعْدَهَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَاشَ بَعْدَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ .