(
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد ) .
قوله سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد ) فيه سؤالان :
السؤال الأول : الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه على ذلك في كتابه ، فما باله ورد مقدما في أفصح الكلام ؟ والجواب : هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الله ، واللفظ الدال على هذا المعنى هو هذا الظرف ، وتقديم الأهم أولى ، فلهذا السبب كان هذا الظرف مستحقا للتقديم .
السؤال الثاني : كيف القراءة في هذه الآية ؟
الجواب : قرئ : ( كفوا ) بضم الكاف والفاء وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء ، والأصل هو الضم ثم يخفف مثل طنب وطنب وعنق وعنق ، وقال
أبو عبيدة : يقال كفو وكفء وكفاء كله بمعنى واحد وهو المثل ، وللمفسرين فيه أقاويل :
أحدها : قال
كعب وعطاء : لم يكن له مثل ولا عديل ، ومنه المكافأة في الجزاء لأنه يعطيه ما يساوي ما أعطاه .
وثانيها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : لم يكن له صاحبة كأنه سبحانه وتعالى قال : لم يكن أحد كفؤا له فيصاهره ، ردا على من حكى الله عنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) [ الصافات : 158 ] فتفسير هذه الآية كالتأكيد لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لم يلد ) .
وثالثها : وهو التحقيق أنه تعالى بين لما بين أنه هو المصمود إليه في قضاء الحوائج ونفي الوسائط من البين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لم يلد ولم يولد ) على ما بيناه ، فحينئذ ختم السورة بأن شيئا من الموجودات يمتنع أن يكون مساويا له في شيء من
nindex.php?page=treesubj&link=28720صفات الجلال والعظمة ، أما الوجود فلا مساواة فيه لأن وجوده من مقتضيات حقيقته فإن حقيقته غير قابلة للعدم من حيث هي هي ، وأما سائر الحقائق ، فإنها قابلة للعدم ، وأما العلم فلا مساواة فيه ؛ لأن علمه ليس بضروري ولا باستدلالي ولا مستفاد من الحس ولا من الرؤية ولا يكون في معرض الغلط والزلل وعلوم المحدثات كذلك ، وأما القدرة فلا مساواة فيها وكذا الرحمة والجود والعدل والفضل والإحسان ، واعلم أن
[ ص: 170 ] هذه السورة أربع آيات ، وفي ترتيبها أنواع من الفوائد :
الفائدة الأولى : أن أول السورة يدل على أنه سبحانه واحد ، والصمد على أنه كريم رحيم ؛ لأنه لا يصمد إليه حتى يكون محسنا و (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لم يلد ولم يولد ) على أنه غني على الإطلاق ومنزه عن التغيرات فلا يبخل بشيء أصلا ، ولا يكون جوده لأجل جر نفع أو دفع ضر ، بل بمحض الإحسان ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد ) إشارة إلى نفي ما لا يجوز عليه من الصفات .
الفائدة الثانية : نفى الله تعالى عن ذاته أنواع الكثرة بقوله : ( أحد ) ونفى النقص والمغلوبية بلفظ الصمد ، ونفى المعلولية والعلية ب
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لم يلد ولم يولد ، ونفى الأضداد والأنداد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد ) .
الفائدة الثالثة : قوله : ( أحد ) يبطل مذهب
الثنوية القائلين بالنور والظلمة ،
والنصارى في التثليث ، والصابئين في الأفلاك والنجوم ، والآية الثانية تبطل مذهب من أثبت خالقا سوى الله ؛ لأنه لو وجد خالق آخر لما كان الحق مصمودا إليه في طلب جميع الحاجات ، والثالثة تبطل مذهب
اليهود في
عزير ،
والنصارى في
المسيح ، والمشركين في أن الملائكة بنات الله ، والآية الرابعة تبطل مذهب المشركين حيث جعلوا الأصنام أكفاء له وشركاء .
الفائدة الرابعة : أن هذه السورة في حق الله مثل سورة الكوثر في حق الرسول ، لكن الطعن في حق الرسول كان بسبب أنهم قالوا : إنه أبتر لا ولد له ، وههنا الطعن بسبب أنهم أثبتوا لله ولدا ، وذلك لأن عدم الولد في حق الإنسان عيب ،
nindex.php?page=treesubj&link=29705ووجود الولد عيب في حق الله تعالى ، فلهذا السبب قال ههنا : ( قل ) حتى تكون ذابا عني ، وفي سورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك ) أنا أقول ذلك الكلام حتى أكون أنا ذابا عنك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) .
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) فِيهِ سُؤَالَانِ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ الْفَصِيحُ أَنْ يُؤَخَّرَ الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ لَغْوٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَلَا يُقَدَّمَ ، وَقَدْ نَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ ، فَمَا بَالُهُ وَرَدَ مُقَدَّمًا فِي أَفْصَحِ الْكَلَامِ ؟ وَالْجَوَابُ : هَذَا الْكَلَامُ إِنَّمَا سِيقَ لِنَفْيِ الْمُكَافَأَةِ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ ، وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى هُوَ هَذَا الظَّرْفُ ، وَتَقْدِيمُ الْأَهَمِّ أَوْلَى ، فَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَ هَذَا الظَّرْفُ مُسْتَحِقًّا لِلتَّقْدِيمِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : كَيْفَ الْقِرَاءَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟
الْجَوَابُ : قُرِئَ : ( كُفُوًا ) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْفَاءِ وَبِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْفَاءِ ، وَالْأَصْلُ هُوَ الضَّمُّ ثُمَّ يُخَفَّفُ مِثْلُ طُنُبٍ وَطُنْبٍ وَعُنُقٍ وَعُنْقٍ ، وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : يُقَالُ كُفُوٌ وَكُفْءٌ وَكِفَاءٌ كُلُّهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمِثْلُ ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ أَقَاوِيلُ :
أَحَدُهَا : قَالَ
كَعْبٌ وَعَطَاءٌ : لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَلَا عَدِيلٌ ، وَمِنْهُ الْمُكَافَأَةُ فِي الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ يُعْطِيهِ مَا يُسَاوِي مَا أَعْطَاهُ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : لَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كُفُؤًا لَهُ فَيُصَاهِرَهُ ، رَدًّا عَلَى مَنْ حَكَى اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) [ الصَّافَّاتِ : 158 ] فَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ كَالتَّأْكِيدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لَمْ يَلِدْ ) .
وَثَالِثُهَا : وَهُوَ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ الْمَصْمُودُ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَنَفْيِ الْوَسَائِطِ مِنَ الْبَيْنِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، فَحِينَئِذٍ خَتَمَ السُّورَةَ بِأَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28720صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ ، أَمَّا الْوُجُودُ فَلَا مُسَاوَاةَ فِيهِ لِأَنَّ وَجُودَهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ حَقِيقَتِهِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْعَدَمِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ ، وَأَمَّا سَائِرُ الْحَقَائِقِ ، فَإِنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْعَدَمِ ، وَأَمَّا الْعِلْمُ فَلَا مُسَاوَاةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَلَا بِاسْتِدْلَالِيٍّ وَلَا مُسْتَفَادٍ مِنَ الْحِسِّ وَلَا مِنَ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَكُونُ فِي مَعْرِضِ الْغَلَطِ وَالزَّلَلِ وَعُلُومُ الْمُحْدَثَاتِ كَذَلِكَ ، وَأَمَّا الْقُدْرَةُ فَلَا مُسَاوَاةَ فِيهَا وَكَذَا الرَّحْمَةُ وَالْجُودُ وَالْعَدْلُ وَالْفَضْلُ وْالْإِحْسَانُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ
[ ص: 170 ] هَذِهِ السُّورَةَ أَرْبَعُ آيَاتٍ ، وَفِي تَرْتِيبِهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْفَوَائِدِ :
الْفَائِدَةُ الْأُولَى : أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ ، وَالصَّمَدُ عَلَى أَنَّهُ كَرِيمٌ رَحِيمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصْمَدُ إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُحْسِنًا وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) عَلَى أَنَّهُ غَنِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمُنَزَّهٌ عَنِ التَّغَيُّرَاتِ فَلَا يَبْخَلُ بِشَيْءٍ أَصْلًا ، وَلَا يَكُونُ جُودُهُ لِأَجْلِ جَرِّ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ ، بَلْ بِمَحْضِ الْإِحْسَانِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ : نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَاتِهِ أَنْوَاعَ الْكَثْرَةِ بِقَوْلِهِ : ( أَحَدٌ ) وَنَفَى النَّقْصَ وَالْمَغْلُوبِيَّةَ بِلَفْظِ الصَّمَدِ ، وَنَفَى الْمَعْلُولِيَّةَ وَالْعِلِّيَّةَ بِ
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَنَفَى الْأَضْدَادَ وَالْأَنْدَادَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : ( أَحَدٌ ) يُبْطِلُ مَذْهَبَ
الثَّنَوِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ ،
وَالنَّصَارَى فِي التَّثْلِيثِ ، وَالصَّابِئِينَ فِي الْأَفْلَاكِ وَالنُّجُومِ ، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ تُبْطِلُ مَذْهَبَ مَنْ أَثْبَتَ خَالِقًا سِوَى اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ خَالِقٌ آخَرُ لَمَا كَانَ الْحَقُّ مَصْمُودًا إِلَيْهِ فِي طَلَبِ جَمِيعِ الْحَاجَاتِ ، وَالثَّالِثَةُ تُبْطِلُ مَذْهَبَ
الْيَهُودِ فِي
عُزَيْرٍ ،
وَالنَّصَارَى فِي
الْمَسِيحِ ، وَالْمُشْرِكِينَ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ ، وَالْآيَةُ الرَّابِعَةُ تُبْطِلُ مَذْهَبَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ جَعَلُوا الْأَصْنَامَ أَكْفَاءً لَهُ وَشُرَكَاءً .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ : أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِي حَقِّ اللَّهِ مِثْلُ سُورَةِ الْكَوْثَرِ فِي حَقِّ الرَّسُولِ ، لَكِنَّ الطَّعْنَ فِي حَقِّ الرَّسُولِ كَانَ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّهُ أَبْتَرُ لَا وَلَدَ لَهُ ، وَهَهُنَا الطَّعْنُ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لِلَّهِ وَلَدًا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَلَدِ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ عَيْبٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29705وَوُجُودَ الْوَلَدِ عَيْبٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ هَهُنَا : ( قُلْ ) حَتَّى تَكُونَ ذَابَّا عَنِّي ، وَفِي سُورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ) أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ الْكَلَامَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا ذَابَّا عَنْكَ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .