[ ص: 422 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى ( وإن نظرت إن كان له مثل من النعم وجب عليه مثله من النعم والنعم هي الإبل والبقر والغنم ، والدليل عليه قوله عز وجل : { قتل صيدا ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فيجب في النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش وبقرة الوحش بقرة ، وفي الضبع كبش ، وفي الغزال عنز وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة ، لما روي عن عثمان وعلي وابن عباس وزيد بن ثابت وابن الزبير رضي الله عنهم " أنهم قضوا في النعامة ببدنة " وعن ومعاوية رضي الله عنه أنه " جعل في حمار الوحش بقرة " وحكم في الضبع بكبش وفي الأرنب بعناق ، وفي اليربوع بجفرة " وعن عمر رضي الله عنه أنه حكم في أم حبين بحلان وهو الحمل ، فما حكم فيه الصحابة لا يحتاج فيه إلى اجتهاد ، وما لم تحكم فيه الصحابة يرجع في معرفة المماثلة بينه وبين النعم إلى عدلين من أهل المعرفة ، لقوله تعالى - : { عثمان يحكم به ذوا عدل منكم هديا } وروى قبيصة بن جابر الأسدي قال : " أصبت ظبيا وأنا محرم فأتيت رضي الله عنه ومعي صاحب لي ، فذكرت ذلك له ، فأقبل علي رجل إلى جانبه فشاوره ، فقال لي : اذبح شاة ، فلما انصرفنا قلت لصاحبي : إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول ، فسمعني عمر فأقبل علي ضربا بالدرة وقال أتقتل صيدا وأنت محرم وتغمص الفتيا - أي تحتقرها - وتطعن فيها قال الله - عز وجل - في كتابه : { عمر يحكم به ذوا عدل منكم } ها آنذا وهذا عمر ابن عوف " .
( فصل ) المستحب أن يكونا فقيهين ، وهل يجوز أن يكون القاتل أحدهما فيه وجهان : ( أحدهما ) لا يجوز كما لا يجوز أن يكون المتلف للمال أحد المقومين ، ( والثاني ) أنه يجوز ، وهو الصحيح ، لأنه يجب عليه لحق الله - تعالى - فجاز أن يجعل من يجب عليه أمينا فيه كرب المال في الزكاة ، ويجوز أن يفدي الصغير بالصغير ، والكبير بالكبير ، فإن فدى الذكر بالأنثى جاز لأنها أفضل ، وإن فدى الأعور من اليمين بالأعور من اليسار جاز ، لأن المقصود فيهما واحد وإذا وجب عليه المثل فهو بالخيار بين أن يذبح المثل ويفرقه وبين أن يقومه بالدراهم والدراهم طعاما ويتصدق [ ص: 423 ] به ، وبين أن يصوم عن كل مد يوما لقوله تعالى { هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } " . وإن جرح صيدا له مثل فنقص عشر قيمته فالمنصوص أنه يجب عليه عشر ثمن المثل ، وقال بعض أصحابنا : يجب عليه عشر المثل ، وتأول النص عليه إذا لم يجد عشر المثل ، لأن ما ضمن كله بالمثل ضمن بعضه بالمثل كالطعام ، والدليل على المنصوص أن إيجاب بعض المثل يشق فوجب العدول إلى القيمة كما عدل في خمس من الإبل إلى الشاة حين شق إيجاب جزء من البعير ، وإن ضرب صيدا حاملا فأسقطت ولدا حيا ثم ماتا ضمن الأم بمثلها ، وضمن الولد بمثله ، وإن ضربها فأسقطت جنينا ميتا والأم حية ضمن ما بين قيمتها حاملا وحائلا ، ولا يضمن الجنين .
( فصل ) وإن كان الصيد لا مثل له من النعم وجب عليه قيمته في الموضع الذي أتلفه فيه ، لما روي أن مروان سأل رضي الله عنه عن الصيد بصيده المحرم ولا مثل له من النعم قال ابن عباس : ثمنه يهدى إلى ابن عباس مكة ، ولأنه تعذر إيجاب المثل فيه فضمن بالقيمة كمال الآدمي ، فإذا أراد أن يؤدي فهو بالخيار بين أن يشتري بثمنه طعاما ويفرقه ، وبين أن يقوم ثمنه طعاما ، ويصوم عن كل مد يوما ، وإن كان الصيد طائرا نظرت فإن كان حماما وهو الذي يعب ويهدر كالذي يقتنيه الناس في البيوت ، كالدبسي والقمري والفاختة فإنه يجب فيه شاة ، لأنه روي ذلك عن عمر وعثمان ونافع بن عبد الحارث رضي الله عنهم ، ولأن الحمام يشبه الغنم ، لأنه يعب ويهدر كالغنم فضمن به ، وإن كان أصغر من الحمام كالعصفور والبلبل والجراد ضمنه بالقيمة ، لأنه لا مثل له فضمن بالقيمة ، وإن كان أكبر من الحمام كالقطا واليعقوب والبط والإوز ففيه قولان : ( أحدهما ) يجب فيه شاة ، لأنها إذا وجبت في الحمام فلأن تجب [ ص: 424 ] في هذا وهو أكبر أولى ، ( الثاني ) أنه يجب فيها قيمتها لأنه لا مثل لها من النعم ، فضمن بالقيمة ، وإن كسر بيض صيد ضمنه بالقيمة ، وإن نتف ريش طائر ثم نبت ففيه وجهان : ( أحدهما ) لا يضمن ، ( والثاني ) يضمن بناء على القولين فيمن قلع شيئا ثم نبت ( فصل ) وإن قتل صيدا بعد صيد وجب لكل واحد منهما جزاء ، لأنه ضمان متلف فيتكرر بتكرر الإتلاف ، وإن اشترك جماعة من المحرمين في قتل صيد وجب عليهم جزاء واحد ، لأنه بدل متلف يتجزأ ، فإذا اشترك الجماعة في إتلافه قسم البدل بينهم كقيم المتلفات ، وإذا اشترك حلال وحرام في قتل صيد وجب على المحرم نصف الجزاء ، ولم يجب على الحلال شيء ، كما لو اشترك رجل وسبع في قتل آدمي . وإن أمسك محرم صيدا فقتله حلال ضمنه المحرم بالجزاء ثم يرجع به على القاتل لأن القاتل أدخله في الضمان فرجع عليه ، كما لم غصب مالا من رجل فأتلفه آخر في يده . وابن عباس
( فصل ) وإن جنى على صيد فأزال امتناعه نظرت - فإن قتله غيره - ففيه طريقان ، قال أبو العباس : عليه ضمان ما نقص ، وعلى القاتل جزاؤه مجروحا إن كان محرما ، ولا شيء عليه إن كان حلالا ، وقال غيره : فيه قولان : ( أحدهما ) عليه ضمان ما نقص لأنه جرح ولم يقتل ، فلا يلزمه جزاء كامل ، كما لو بقي ممتنعا ، ولأنا لو أوجبنا عليه جزاء كاملا وعلى القاتل إن كان محرما - جزاء كاملا ، سوينا بين القاتل والجارح ولأنه يؤدي إلى أن نوجب على الجارح أكثر مما يجب على القاتل ، لأنه يجب على الجارح جزاؤه صحيحا ، وعلى القاتل جزاؤه مجروحا وهذا خلاف الأصول ، ( والقول الثاني ) أنه يجب عليه جزاؤه كاملا لأنه جعله غير ممتنع فأشبه الهالك ، فأما إذا كسره ثم أخذه وأطعمه وسقاه حتى برئ نظرت - فإن عاد ممتنعا - ففيه وجهان ، كما قلنا فيمن نتف ريش طائر فعاد ونبت ، فإن لم يعد ممتنعا فهو على القولين : ( أحدهما ) يلزمه ضمان ما نقص ، ( والثاني ) يلزمه جزاء كامل . [ ص: 425 ] فصل ) والمفرد والقارن في كفارات الإحرام واحد لأن القارن كالمفرد في الأفعال ، فكان كالمفرد في الكفارات ) .