قال
المصنف - رحمه الله تعالى ومن
nindex.php?page=treesubj&link=23988اضطر إلى أكل الميتة أو لحم الخنزير فله أن يأكل منه ما يسد به الرمق ، لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } وهل
[ ص: 42 ] يجب أكله ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) يجب لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم } ( والثاني ) لا يجب ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق لأن له غرضا في تركه ، وهو أن يجتنب ما حرم عليه ، وهل يجوز أن يشبع منه ؟ فيه قولان ( أحدهما ) لا يجوز وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، لأنه بعد سد الرمق غير مضطر ، فلا يجوز له أكل الميتة ، كما لو أراد أن يبتدئ بالأكل وهو غير مضطر ( والثاني ) يحل ، لأن كل طعام جاز أن يأكل منه قدر سد الرمق جاز له أن يشبع منه ، كالطعام الحلال . وإن اضطر إلى طعام غيره وصاحبه غير مضطر إليه وجب عليه بذله ، لأن الامتناع من بذله إعانة على قتله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35547من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله . } وإن طلب منه ثمن المثل لزمه أن يشتريه منه ، ولا يجوز أن يأكل الميتة لأنه غير مضطر ، فإن طلب أكثر من ثمن المثل أو امتنع من بذله فله أن يقاتله عليه ، فإن لم يقدر على مقاتلته فاشترى منه بأكثر من ثمن المثل ففيه وجهان ( أحدهما ) يلزمه لأنه ثمن في بيع صحيح ( والثاني ) لا يلزمه إلا ثمن المثل كالمكره على شرائه فلم يلزمه أكثر من ثمن المثل ، وإن وجد الميتة وطعام الغير وصاحبه غائب ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه يأكل الطعام لأنه طاهر ، فكان أولى ( والثاني ) يأكل الميتة ، لأن أكل الميتة ثبت بالنص ، وطعام الغير ثبت بالاجتهاد ، فقدم أكل الميتة عليه ، ولأن المنع من أكل الميتة لحق الله سبحانه وتعالى ، والمنع من طعام الغير لحق الآدمي وحقوق الله تعالى مبنية على التسهيل ، وحقوق الآدمي مبنية على التشديد .
وإن وجد ميتة وصيدا وهو محرم ، ففيه طريقان ( من ) أصحابنا من قال : إذا قلنا : إنه إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة أكل الميتة وترك الصيد ، لأنه إذا ذكاه صار ميتة ، ولزمه الجزاء ( وإن قلنا ) إنه لا يصير ميتة أكل الصيد لأنه طاهر ، ولأن تحريمه أخف لأنه يحرم عليه وحده ، والميتة محرمة عليه وعلى غيره ( ومن ) أصحابنا من قال : إن قلنا إنه يصير ميتة أكل الميتة ، وإن قلنا إنه لا يكون ميتة ففيه قولان ( أحدهما ) يذبح الصيد ويأكله ، لأنه طاهر ولأن تحريمه أخف على ما ذكرناه ( والثاني ) أنه يأكل الميتة لأنه منصوص عليها ، والصيد مجتهد فيه ، وإن اضطر ووجد آدميا ميتا جاز له أكله ، لأن حرمة الحي آكد من حرمة الميت ، وإن وجد مرتدا أو من وجب قتله في الزنا جاز له أن يأكله ، لأن قتله مستحق ، وإن اضطر ولم يجد شيئا فهل يجوز له أن يقطع شيئا من بدنه ويأكله ؟ فيه وجهان ( قال )
[ ص: 43 ] nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق : يجوز لأنه إحياء نفس بعضو فجاز ، كما يجوز أن يقطع عضوا إذا وقعت فيه الآكلة لإحياء نفسه ، ومن أصحابنا من قال : لا يجوز لأنه إذا قطع عضوا منه كان المخافة عليه أكثر ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=17191اضطر إلى شرب الخمر أو البول شرب البول ، لأن تحريم الخمر ، أغلظ ولهذا يتعلق به الحد فكان البول أولى وإن اضطر إلى شرب الخمر وحدها ففيه ثلاثة أوجه ( أحدهما ) أنه لا يجوز أن يشرب ، لما روت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3590إن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم } ( والثاني ) يجوز ، لأنه يدفع به الضرر عن نفسه فصار كما لو أكره على شربها ( والثالث ) أنه إن اضطر إلى شربها للعطش لم يجز ، لأنها تزيد في الإلهاب والعطش ، وإن اضطر إليها للتداوي جاز
قَالَ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23988اضْطَرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَسُدُّ بِهِ الرَّمَقَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } وَهَلْ
[ ص: 42 ] يَجِبُ أَكْلُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( أَحَدُهُمَا ) يَجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } ( وَالثَّانِي ) لَا يَجِبُ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11817أَبِي إِسْحَاقَ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَرْكِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْبَعَ مِنْهُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَجُوزُ وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=15215الْمُزَنِيِّ ، لِأَنَّهُ بَعْدَ سَدِّ الرَّمَقِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأَكْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ ( وَالثَّانِي ) يَحِلُّ ، لِأَنَّ كُلَّ طَعَامٍ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ سَدِّ الرَّمَقِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ مِنْهُ ، كَالطَّعَامِ الْحَلَالِ . وَإِنْ اضْطَرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ وَصَاحِبُهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِهِ إعَانَةٌ عَلَى قَتْلِهِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35547مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ . } وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ ثَمَنَ الْمِثْلِ لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ ، فَإِنْ طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُقَاتَلَتِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ ( أَحَدُهُمَا ) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ فِي بَيْعٍ صَحِيحٍ ( وَالثَّانِي ) لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ كَالْمُكْرَهِ عَلَى شِرَائِهِ فَلَمْ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَيْتَةَ وَطَعَامَ الْغَيْرِ وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ يَأْكُلُ الطَّعَامَ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ ، فَكَانَ أَوْلَى ( وَالثَّانِي ) يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، لِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ ، وَطَعَامُ الْغَيْرِ ثَبَتَ بِالِاجْتِهَادِ ، فَقُدِّمَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَالْمَنْعَ مِنْ طَعَامِ الْغَيْرِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسْهِيلِ ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّشْدِيدِ .
وَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فَفِيهِ طَرِيقَانِ ( مِنْ ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إذَا قُلْنَا : إنَّهُ إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَتَرَكَ الصَّيْدَ ، لِأَنَّهُ إذَا ذَكَّاهُ صَارَ مَيْتَةً ، وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ ( وَإِنْ قُلْنَا ) إنَّهُ لَا يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الصَّيْدَ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ ، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ أَخَفُّ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ ، وَالْمَيْتَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ ( وَمِنْ ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَكُونُ مَيْتَةً فَفِيهِ قَوْلَانِ ( أَحَدُهُمَا ) يَذْبَحُ الصَّيْدَ وَيَأْكُلُهُ ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ أَخَفُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ، وَالصَّيْدُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، وَإِنْ اُضْطُرَّ وَوَجَدَ آدَمِيًّا مَيْتًا جَازَ لَهُ أَكْلُهُ ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ وَجَدَ مُرْتَدًّا أَوْ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ فِي الزِّنَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ ، لِأَنَّ قَتْلَهُ مُسْتَحَقٌّ ، وَإِنْ اُضْطُرَّ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَيَأْكُلَهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( قَالَ )
[ ص: 43 ] nindex.php?page=showalam&ids=11817أَبُو إِسْحَاقَ : يَجُوزُ لِأَنَّهُ إحْيَاءُ نَفْسٍ بِعُضْوٍ فَجَازَ ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا إذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْآكِلَةُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ كَانَ الْمَخَافَةُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ ، وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=17191اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ شَرِبَ الْبَوْلَ ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ، أَغْلَظُ وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ فَكَانَ الْبَوْلُ أَوْلَى وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَحْدَهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَبَ ، لِمَا رَوَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3590إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } ( وَالثَّانِي ) يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا ( وَالثَّالِثُ ) أَنَّهُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّهَا تُزِيدُ فِي الْإِلْهَابِ وَالْعَطَشِ ، وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا لِلتَّدَاوِي جَازَ