[ ص: 89 ] كتاب القضاء الأصل في القضاء ومشروعيته  الكتاب والسنة والإجماع . أما الكتاب فقول الله تعالى : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله    } . وقول الله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله    } . 
وقوله : { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم    } . وقوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما    } . 
وأما السنة ، فما روى  عمرو بن العاص  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر   } متفق عليه . في آي وأخبار سوى ذلك كثيرة . وأجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء ، والحكم بين الناس . 
( 8215 ) فصل : والقضاء من فروض الكفايات    ; لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه ، فكان واجبا عليهم ، كالجهاد والإمامة . قال  أحمد    : لا بد للناس من حاكم ، أتذهب حقوق الناس ، وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به ، وأداء الحق فيه ، ولذلك جعل الله فيه أجرا مع الخطأ ، وأسقط عنه حكم الخطأ ، ولأن فيه أمرا بالمعروف ، ونصرة المظلوم ، وأداء الحق إلى مستحقه ، وردا للظالم عن ظلمه ، وإصلاحا بين الناس ، وتخليصا لبعضهم من بعض ، وذلك من أبواب القرب ; ولذلك تولاه النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله ، فكانوا يحكمون لأممهم ، وبعث  عليا  إلى اليمن  قاضيا ، وبعث أيضا  معاذا  قاضيا . 
وقد روي عن  ابن مسعود  ، أنه قال : لأن أجلس قاضيا بين اثنين ، أحب إلي من عبادة سبعين سنة . وعن  عقبة بن عامر  ، قال : { جاء خصمان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : اقض بينهما . قلت : أنت أولى بذلك . قال : وإن كان . قلت : علام أقضي قال : اقض ، فإن أصبت فلك عشرة أجور ، وإن أخطأت فلك أجر واحد   } . رواه سعيد  في " سننه " . ( 8216 ) فصل : وفيه خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه ، ولذلك كان السلف ، رحمة الله عليهم ، يمتنعون منه أشد الامتناع ، ويخشون على أنفسهم خطره . 
قال خاقان بن عبد الله    : أريد  أبو قلابة  على قضاء البصرة  ، فهرب إلى اليمامة  ، فأريد على قضائها ، فهرب إلى الشام  ، فأريد على قضائها ، وقيل : ليس هاهنا غيرك . قال : فانزلوا الأمر على ما قلتم ، فإنما مثلي مثل سابح وقع في البحر ، فسبح يومه ، فانطلق ، ثم سبح اليوم الثاني ، فمضى أيضا ، فلما كان اليوم الثالث فترت يداه . وكان يقال : أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة . ولعظم خطره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من جعل قاضيا ، فقد ذبح بغير سكين   } . قال الترمذي    : هذا حديث  [ ص: 90 ] حسن وقيل في هذا الحديث : إنه لم يخرج مخرج الذم للقضاء ، وإنما وصفه بالمشقة ; فكأن من وليه قد حمل على مشقة ، كمشقة الذبح . 
				
						
						
