( 8610 ) مسألة : قال : ( وإذا كان له ثلاثة أعبد ، فأعتقهم في مرض موته ، أو دبرهم ، أو دبر أحدهم ، وأوصى بعتق الآخرين ، ولم يخرج من ثلثه إلا واحد ; لتساوي قيمتهم ، أقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق ، فمن وقع لهم سهم الحرية ، عتق دون صاحبيه ) وجملة ذلك أن العتق في مرض الموت ، والتدبير ، والوصية بالعتق ، يعتبر خروجه من الثلث    ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز من عتق الذي أعتق ستة مملوكين في مرضه ، إلا ثلثهم . ولأنه تبرع بمال ، أشبه الهبة ، فإن أعتق أكثر من الثلث ، لم يجز إلا الثلث . 
فإن أعتق عبيدا في مرضه ، واحدا بعد واحد ، بدئ بالأول فالأول ، حتى يستوفي الثلث . وإن وقع العتق دفعة واحدة ، ولم يخرجوا من الثلث ، أقرع بينهم ، فأخرج الثلث بالقرعة . ومسألة  الخرقي  فيما إذا وقع العتق دفعة واحدة ، ولم يكن له مال سواهم . وأما إن دبرهم ، استوى المقدم والمؤخر منهم ; لأن التدبير عتق معلق بشرط ، وهو الموت ، والشرط إذا وجد ثبت المشروط به في وقت واحد ، وكذلك الموصى بعتقه ، يستوي هو والتدبير ; لأن الجميع عتق بعد الموت ، فمتى أعتق ثلاثة أعبد متساوين في القيمة ، هم جميع ماله ، دفعة واحدة ، أو دبرهم ، أو وصى بعتقهم ، أو دبر بعضهم ووصى بعتق باقيهم ، ولم يجز الورثة أكثر من الثلث ، أقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق ، فمن خرج له سهم الحرية ، عتق ورق صاحباه . وبهذا قال  عمر بن عبد العزيز  ،  وأبان بن عثمان  ،  ومالك  ،  والشافعي  ، وإسحاق  ،  وداود  ،  وابن جرير    . 
وقال  أبو حنيفة    : يعتق من كل واحد ثلثه ، ويستسعى في باقيه . وروي نحو هذا عن  سعيد بن المسيب  ،  وشريح  ، والشعبي  ،  والنخعي  ،  وقتادة  ، وحماد  لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق ، فيتساوون في الاستحقاق ، كما لو كان يملك ثلثهم وحده ، وهو ثلث ماله ، أو كما لو وصى بكل واحد منهم لرجل . وأنكر أصحاب  أبي حنيفة  القرعة ، وقالوا : هي من القمار وحكم الجاهلية . ولعلهم يردون الخبر الوارد في هذه المسألة ; لمخالفته قياس الأصول .  [ ص: 298 ] 
وذكر الحديث لحماد  ، فقال : هذا قول الشيخ - يعني إبليس - فقال له محمد بن ذكوان    : وضع القلم عن ثلاثة ; أحدهم المجنون حتى يفيق - يعني إنك مجنون - فقال له حماد    : ما دعاك إلى هذا ؟ فقال له محمد    : وأنت ، فما دعاك إلى هذا ؟ وهذا قليل في جواب حماد  ، وكان حريا أن يستتاب عن هذا ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه . ولنا ما روى  عمران بن الحصين  ، { أن رجلا من الأنصار  أعتق ستة مملوكين في مرضه ، لا مال له غيرهم ، فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أجزاء ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة   } . وهذا نص في محل النزاع ، وحجة لنا في الأمرين المختلف فيهما ، وهما جمع الحرية واستعمال القرعة ، وهو حديث صحيح ثابت ، رواه  مسلم  ، وأبو داود  ، وسائر أصحاب السنن . ورواه عن  عمران بن الحصين  الحسن  ،  وابن سيرين  ، وأبو المهلب  ، ثلاثة أئمة . ورواه الإمام  أحمد  ، عن إسحاق بن عيسى  ، عن  هشيم  ، عن خالد الحذاء  ، عن  أبي قلابة  ، عن أبي زيد الأنصاري  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال  أحمد    : أبو زيد الأنصاري  رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وروي نحوه عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولأنه حق في تفريقه ضرر ، فوجب جمعه بالقرعة ، كقسمة الإجبار إذا طلبها أحد الشريكين ، ونظيره من القسمة ما لو كانت دار بين اثنين ، لأحدهما ثلثها ، وللآخر ثلثاها ، وفيها ثلاثة مساكن متساوية ، لا ضرر في قسمتها ، فطلب أحدهما القسمة ، فإنه يجعل كل بيت سهما ، ويقرع بينهم بثلاثة أسهم ; لصاحب الثلث سهم ، وللآخر سهمان . وقولهم : إن الخبر يخالف قياس الأصول . ونمنع ذلك ، بل هو موافق له ; لما ذكرناه . وقياسهم فاسد ; لأنه إذا كان ملكه ثلثهم وحده ، لم يمكن جمع نصيبه ، والوصية لا ضرر في تفريقها ، بخلاف مسألتنا . 
وإن سلمنا مخالفته قياس الأصول ، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع ، سواء وافق القياس أو خالفه ; لأنه قول المعصوم ، الذي جعل الله تعالى قوله حجة على الخلق أجمعين ، وأمرنا باتباعه وطاعته ، وحذر العقاب في مخالفة أمره ، وجعل الفوز في طاعته ، والضلال في معصيته ، وتطرق الخطأ إلى القائس في قياسه أغلب من تطرق الخطأ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعدهم في روايتهم ، على أنهم قد خالفوا قياس الأصول بأحاديث ضعيفة ، فأوجبوا الوضوء بالنبيذ في السفر دون الحضر ، ونقضوا الوضوء بالقهقهة في الصلاة دون خارجها ; وقولهم في مسألتنا في مخالفة القياس والأصول ، أشد وأعظم ، والضرر في مذهبهم أعظم ; وذلك لأن الإجماع منعقد على أن صاحب الثلث في الوصية وما في معناها ، لا يحصل له شيء حتى يحصل للورثة مثلاه ، وفي مسألتنا يعتقون الثلث ، ويستسعون العبد في الثلثين ، فلا يحصل للورثة شيء في الحال أصلا ، ويحيلونهم على السعاية ، وربما لا يحصل منها شيء أصلا ، وربما لا يحصل منها في الشهر إلا درهم أو درهمان ، فيكون هذا في حكم من لم يحصل له شيء ، وفيه ضرر على العبيد ; لأنهم يجبرونهم على الكسب والسعاية ، عن غير اختيار منهم ، وربما كان المجبر على ذلك جارية ، فيحملها ذلك على البغاء ، أو عبدا ، فيسرق أو يقطع الطريق ، وفيه ضرر على الميت ، حيث أفضوا بوصيته إلى الظلم والإضرار ، وتحقيق ما يوجب له العقاب من ربه ، والدعاء عليه من عبيده وورثته . 
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه في حق الذي فعل هذا ، قال : { لو شهدته لم يدفن في مقابر المسلمين   }  [ ص: 299 ] قال  ابن عبد البر  في قول الكوفيين  ضروب من الخطأ والاضطراب ، مع مخالفة السنة الثابتة . وأشار إلى ما ذكرناه . وأما إنكارهم للقرعة ، فقد جاءت في الكتاب والسنة والإجماع ، قال الله تعالى : { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم    } وقال تعالى : { فساهم فكان من المدحضين    } . 
وأما السنة ; فقال  أحمد    : في القرعة خمس سنن ; أقرع بين نسائه . وأقرع في ستة مملوكين . وقال لرجلين : " استهما " وقال : { مثل القائم على حدود الله والمداهن فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة .   } وقال { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ، لاستهموا عليه   } . وفي حديث  الزبير  ، أن صفية  جاءت بثوبين ; ليكفن فيها حمزة  رضي الله عنه فوجدنا إلى جنبه قتيلا ، فقلنا : لحمزة  ثوب ، وللأنصاري ثوب . فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر ، فأقرعنا عليهما ، ثم كفنا كل واحد في الثوب الذي صار له ، وتشاح الناس يوم القادسية  في الأذان ، فأقرع بينهم  سعد  وأجمع العلماء على استعمالها في القسمة ، ولا أعلم بينهم خلافا في أن الرجل يقرع بين نسائه إذا أراد السفر بإحداهن ،  وإذا أراد البداية بالقسمة بينهن ، وبين الأولياء إذا تساووا وتشاحوا في من يتولى التزويج أو من يتولى استيفاء القصاص ، وأشباه هذا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					