الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      الاجتهاد المقاصدي (حجيته .. ضوابطه .. مجالاته) [الجزء الثاني]

      الدكتور / نور الدين بن مختار الخادمي

      الاستئناس بعلوم الاجتماع والنفس والاقتصاد وغيرها

      علم الاجتماع بالأساس من الفنون المعرفية المهمة في تنظيم حركة المجتمع ودراسة ظواهرها ومتعلقاتها، والعمل على تحقيق أفضل النظم والمعاملات، ولا نريد في هذا السياق أن نبحث عن نشأة هذا العلم وتطوره وغير ذلك مما لا يسعه مجال هذا البحث، غير أننا نريد التأكيد على أن أول من نبه إلى وجود هذا العلم واستقلاله عن غيره هو العلامة المسلم عبد الرحمن بن خلدون .

      وقد اعتبـر بعضـهم أن تاريخ علم الاجتـماع المعـاصر بدأ مع ( أوغـست كـونت ) الفرنسـي وغيـره، وقد أهمـلوا ذكر ابن خلدون الواضع الأول لفكرة هذا العلـم واستقلاله وموضوعه كما أشرنا قبل قليل [1] فقد نشـأ إذن علم الاجتـماع المعاصر في [ ص: 163 ] الحضارة الغربية في أوروبا، وقد تطور استجابة للتطورات والمشكلات الاجتماعية في مرحلة الانتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد [2] ، وقد فرض نفسه على العالم بمقتضى ارتباطه بالحضارة الغربية المسيطرة [3] ومن هناك كان ينبغي أن تكون الاستفادة من تلك العلوم على حذر حتى لا نقع فيما لا يتماشى وطبيعة المنظومة الدينية التي نتعبد ونتدين بها، وذلك لارتباط تلك العلوم غالبا بالفلسفة الغربية والاتجاه الفكري والمادي الأوروبي. [4] ( ومن البين أن المعارف العقلية التي تستخدم في فهم المراد الإلهي، ينبغي أن تكون على درجة من الوثوق، تنأى بها عن الفرضيات الاحتمالية الضعيفة، فإن إقحام هذه الفرضيات الضعيفة في تحديد المراد الإلهي، يسيء إلى النص الديني حينما [ ص: 164 ] يظهر خطؤها، وقد عدت مـدلولات له، كما أنه يجر إرهاقا وحـرجا في شـؤون الحيـاة لما تصبح جارية على أساسه، وهذا ما يدعو إلى الاقتصاد في استخدام المعـارف العقلية في فهم الدين بما يضمن إصابة الحق في أقصى درجات الإمـكان ..) [5]

      ومن قبيل ذلك، التسوية المطلقة بين الرجل والمرأة التي يروج لها علم الاجتماع المعاصر، وأن الواحد نسخة مطابقة للأصل الآخر، وهذا اقتضى أن يعمل كل من الرجل والمرأة في مجال واحد بدون تمييز أو تفريق، وقد ترتبت على ذلك مخاطر كثيرة منها التدني التربوي والعاطفي للأطفال، وحرمان الكبار والمسنين من رعاية الأقرباء والأوفياء [6] وتتمثل ضروب الاستئناس بتلك العلوم في الاستفادة من مناهج البحث والتوثيق والتفسير والتخريج [7] ، وفي إجراء المقارنات والملاحظة، والإحصاء والاستبيانات، واختبار العينات، أو المقابلة، وهذه كلها يستعان بها، لأنها تمثل قاسما مشتركا بين جميع البحوث أينما أجريت، (فهي من العناصر الشائعة التي [ ص: 165 ] يختار بينها حسب الظروف والإمكانات [8] ) [9] .. وهي تهدف إلى إعطاء نتائج قريبة من الصحة أو صحيحة، فيدرك بالإحصاء والاستقراء النمط الأفضل في التعامل، فيعمل به في المجالات الشـرعية الظـنية الاحتـمالية التي لم يتحدد موقفها الشرعي على سبيل القطع واليقين، ذلك أن (من الحصيلة البشرية من العلوم والمعارف، ما فيه عون على تبين ما فيه مصلحة من أوضاع المسلمين المستجدة، فعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها من العلوم الإنسانية، تشتمل على قوانين هي أقرب إلى الحقيقة العلمية الموضوعية، وهو ما يرشحها لأن تكون وسيلة صالحة لتحديد ما فيه خير الإنسان ونفعه، ومن ثم فإنها تصبح أداة مهمة للمسلم في اجتهاده لتقدير مصلحة الإنسان في خضم الأوضاع التي انقلبت إليها حياته اليوم) [10]

      التالي السابق


      الخدمات العلمية