مدخل تستخدم الدراسة مصطلح الموارد الزراعية، وذلك بهدف حصر المناقشة في موضوع محدد هـو البحث عن الإمكانيات التي يمكن أن تقوم عليها الزراعة في العالم الإسلامي. في البحث عن الموارد الزراعية في العالم الإسلامي نقترح مناقشة ثلاثة عناصر: المناخ، والمياه، والأراضي القابلة للزراعة.
1- المناخ
أ- المناخ عامل فاعل في الزراعة، وأيا كان التقدم في مجال استخدام تقنيات حديثة في الزراعة، فإنه لن يصل بالأمر إلى حد الإلغاء الكامل لارتباط الزراعة بالمناخ. إن التقدم التكنولوجي يتيح إمكانيات للزراعة ولكنه لا يلغي أثر المناخ.
ب- يعمل على المناخ: الموقع من دوائر العرض، والارتفاع عن سطح البحر، والرياح، واليابس، والماء.
جـ- يشغل العالم الإسلامي منطقة تمثل قلب العالم، ويمتد على مساحة واسعة من جنوب خط الاستواء إلى ما يقرب من دائرة عرض 20 جنوبا، ومن شمال خط الاستواء إلى ما يقرب من دائرة عرض 60 شمالا.. العالم الإسلامي بسبب هـذا الاتساع الجغرافي يشمل كل أنواع المناخ [ ص: 130 ] باستثناء المناخ القطبي البارد.. فيه المناخ الحار، والمناخ المعتدل، ومن المعروف أن هـذين النوعين من المناخ لهما تقسيمات فرعية متنوعة.
د- العالم الإسلامي به مناخ متنوع، بل يمكن القول: إن به كل أنواع المناخ (الزراعية ) . ويمكن ترتيب نتيجة على هـذه الحقيقة هـي أن العالم الإسلامي من حيث المناخ صالح لجميع أنواع الإنتاج الزراعي.
2- المياه
أ- تتنوع مصادر المياه، أنهار، ومياه جوفية، وأمطار. العالم الإسلامي تتوافر به المصادر الثلاثة، ومما تلزم الإشارة إليه أن العالم الإسلامي به بعض أحواض أنهار ذات أهمية، منها: حوض نهر النيل، وحوض نهري دجلة والفرات، وحوض نهر السند، وحوض نهر النيجر.
ب- الحديث محتدم حول مشكلة المياه في المنطقة العربية. ويتمحور الحديث حول قصور الموارد المائية في هـذه المنطقة، ولذلك نعطي بعض التفصيلات حولها. تثبت الدراسة أن الموارد المائية المتجددة في المنطقة العربية تبلغ حوالي (338) مليار متر مكعب في السنة. وتقدر كمية الموارد المائية المستخدمة لكافة الأغراض بحوالى (158) مليار متر مكعب [1] يعني هـذا أن الموارد المائية في المنطقة العربية كافية لجميع الأغراض. في ضوء إثبات هـذه النتيجة، فإن الأمر يتطلب محاولة التعرف على الأسباب الحقيقية للحديث عن مشكلة المياه في المنطقة [ ص: 131 ] العربية. إن إسرائيل لها أطماع في مياه المنطقة، وهي تستهدف تحويل هـذا الموضوع إلى مشكلة وتدويلها [2]
حيث تعتقد أن جعل الاستفادة من مياه المنطقة قرارا دوليا تشارك فيه دول من غير المنطقة، هـو في صالحها وتستطيع فيه أن تستولي على ما تريد من المياه بسبب المساندة الدولية لها، وهي مساندة غير عادلة.
جـ- دراسة أحواض الأنهار في العالم الإسلامي تكشف عن أمر جدير بالدراسة، هـو أن نهرا أو أكثر يجمع معا أكثر من دولة، بحيث تصبح هـذه الدول مكونة وحدة واحدة. من أمثلة ذلك نهر النيل، وجمعه لمصر والسودان ، وحوض نهري دجلة والفرات، وجمعهما لتركيا والعراق وسوريا ، ونهر النيجر وجمعه نيجيريا ودولا إسلامية أخرى.. إن هـذا الأمر جدير بالدراسة لأكثر من سبب.
د- الجمع بين أكثر من دولة إسلامية في حوض مياه واحد يعني وجود وحدة في مورد المياه بما له من أهمية.
هـ- وجود أحواض مياه تجمع دول العالم الإسلامي يعمل على فرضية لهذا البحث هـي أن العالم الإسلامي يتكون من أقاليم متكاملة، وأن التقسيم الحالى له إلى دويلات يتصادم مع الواقع الاقتصادي، وأنه تقسيم قصد به غرس الصراع في العالم الإسلامي لاختلافه حول تقسيم المياه وغيرها. [ ص: 132 ]
3- الأراضى القابلة للزراعة
أ- يمتد العالم الإسلامي على مساحة واسعة. يعني هـذا أنه تتوافر به الأراضي القابلة للزراعة، إلا أن العالم الإسلامي تسود فيه ظاهرة تتمثل في انخفاض نسبة استخدام الأرض الصالحة للزراعة في كثير من دوله. يبين الجدول (7) هـذه الظاهرة في بعض البلاد الإسلامية.
ب- المنطقة العربية متهمة بأنها يغلب عليها الطابع الصحراوي، ولهذا السبب فإنها تستحق أن يشار إلى إمكاناتها من حيث الأراضي القابلة [ ص: 133 ] للزراعة. تبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة في الوطن العربي (198) مليون هـكتار، ولكن لا تتجاوز المساحة المزروعة ثلث هـذه المساحة
[3] يعني هـذا أن المنطقة العربية باعتبارها إحدى المناطق الإسلامية تتوافر بها الأراضي القابلة للزراعة. ويذكر أيضا أن مساحة الغابات تبلغ في الوطن العربي حوالي (138) مليون هـكتار. وهذا يمثل إضافة إلى إمكانات العالم العربي من الأراضي القابلة للزراعة.
جـ- العالم الإسلامي، بمناخه وبموارده من المياه وبالأراضي القابلة للزراعة، مهيأ لإنتاج كل أنواع المحاصيل الزراعية، والإحصاءات المتوافرة تثبت أنه ينتج الكثير منها [4]
د- بعض دول العالم الإسلامي مستوردة لبعض المحاصيل الزراعية. والسلعة التي تستحق الذكر على وجه خاص هـي سلعة القمح. الدراسة تتبنى فرضية: أن العالم الإسلامي قادر بموارده الاقتصادية أن يكتفي ذاتيا في إنتاج الغذاء.. وتكملة هـذه الفرضية هـي أن المشكلة في العالم الإسلامي ليست مشكلة موارد اقتصادية وإنما مشكلة سياسات اقتصادية . ونشير في هـذا الصدد إلى أمثلة لها دلالتها وفاعليتها في الفرضية التي تتبناها الدراسة. [ ص: 134 ]
هـ- المملكة العربية السعودية مع ما هـو معروف عنها من حيث مشاكل المناخ والمياه والأراضي الصالحة للزراعة، فإنها أصبحت مصدرة للقمح، وذلك باتباع سياسة اقتصادية صحيحة.
- الجزائر مع أنها كانت مصدرة للقمح أصبحت من الدول المستوردة له، ويدل هـذا على أن الأمر يقع في نطاق السياسات الاقتصادية.
- العالم الإسلامي به مناطق ذات إمكانات هـائلة في الزراعة، منها منطقة الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، والقوقاز ، والسودان ، وإندونيسيا ، وتركيا ودول نهر النيجر.
4- دراسة مفصلة عن المساحة المزروعة في كازاخستان
أ- في الدراسة التي نقدمها عن الموارد الاقتصادية للعالم الإسلامي، نعطي اهتماما خاصا لبعض المناطق، وسبب ذلك أنها ليست معروفة على نحو كامل من حيث إمكاناتها الاقتصادية.. الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى ينطبق عليها هـذا الأمر. المساحة المزروعة في هـذه الجمهوريات تبلغ 117 مليون فدان. لبيان أهمية هـذا نشير إلى أن عدد سكان هـذه الجمهوريات حوالي 60 مليون نسمة. وإذا قارنا ذلك بحالة مصر حيث عدد السكان متساو تقريبا بينما المساحة المزروعة في مصر لا تتجاوز ثمانية ملايين فدان، هـذه المقارنة تظهر أهمية هـذه المنطقة الإسلامية في مجال الإنتاج الزراعي. [ ص: 135 ]
ب- مساحة كازاخستان تساوي مساحة كل دول أوروبا الغربية [5]
. فإذا أخذ في الاعتبار أن سكان كازاخستان حوالي 17 مليون نسمة، بينما سكان أوروبا الغربية يتجاوزون 400 مليون نسمة، يتبين تميز كازاخستان الواضح من حيث المساحة التي تمتلكها. هـكذا تتميز كازاخستان موقعا ومساحة.
جـ - العناصر السابقة تمثل تفوقا بالنسبة لكازاخستان، وهذا يعطي أهمية لدراستها، ومع ذلك فإنها تعاني من مشكلة سكانية، وهذه المشكلة تمثل أحد العناصر التي تتطلب الاهتمام بكازاخستان. إن العنصر السلافي الذي زرع بالقهر في كازاخستان على حساب أهلها الأصليين تصل نسبته إلى حوالي 40%، منهم حوالي 38% روس.. وجود هـذه النسبة العالية للعنصر الأجنبي في كازاخستان يمثل عنصر قلق فيها. ويزيد من خطورة الأمر أنهم يسكنون في الشمال، أي في المنطقة المجاورة لروسيا الاتحادية. يعني هـذا سهولة تحريكهم من قبل روسيا الاتحادية عندما تقرر ذلك لأي اعتبار تراه.
د- المساحات المزروعة في كازاخستان تبلغ 75 مليون فدان، وكانت تمثل 20% من الأراضي المزروعة في كل جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. [6]
يمكن تبين أهمية هـذا العنصر إذا أخذ في الاعتبار عدد سكان [ ص: 136 ] كازاخستان مقابلا بعدد سكان الاتحاد السوفيتي كله. عدد سكان كازاخستان حوالي 17مليون نسمة بينما كان عدد سكان الاتحاد السوفيتي حوالي 288مليون نسمة. بسبب هـذا الوضع المتميز في كمية المساحة المزروعة فإن كازاخستان أصبحت منتجا ومصدرا رئيسا للمنتجات الزراعية وأهمها الحبوب واللحوم.
هـ تنتج كازاخستان القمح، وإذا أخذ في الاعتبار إمكانياتها الهائلة في مجال الإنتاج الزراعي بسبب المناخ والأراضي القابلة للزراعة والمياه، فإنه يمكن أن تصبح من المناطق الرئيسة التي توفر احتياجات العالم الإسلامي من هـذه السلعة الغذائية الهامة.
5- الموارد الزراعية في العالم الإسلامي.. مقارنات
أ- البيانات الإحصائية عن الموارد الزراعية في العالم الإسلامي متاحة الآن، وكذلك البيانات الإحصائية عن العالم كله. نحاول في هـذه الفقرة عمل مقارنة عن العالم الإسلامي والعالم كله، وذلك بهدف أن نجد إجابة على السؤال الذي عملت من أجله كل هـذه الدراسة.
ب- الجدول (8) يعرض بيانات إحصائية عن بعض عناصر الموارد الزراعية وما يرتبط بها من إنتاج حيواني وكذلك إنتاج أسماك، وهي عن العالم الإسلامي وعن إجمالي العالم. [ ص: 137 ]
المصدر: د. عبد الحميد محمد عبد الحميد، حالة الدول الإسلامية من التقنيات الحديثة في مجال الإنتاج الحيواني والداجني والسمكي، المؤتمر الدولي لاقتصاديات الزراعة في العالم الإسلامي، مركز صالح عبد الله كامل للاقتصاد الإسلامي، جامعة الأزهر، القاهرة: 17-20 المحرم 1420هـ ، 22- 25 إبريل 2000م.
جـ- البيانات الإحصائية التي يعرضها الجدول (8) نؤسس عليها النتيجة التالية:
الموارد الاقتصادية التي منحها الله سبحانه وتعالى للعالم الإسلامي وافرة ومتنوعة، وهي متوافرة بالمنطقة الإسلامية بنسبة أكبر من سكانه مقارنة بالعالم كله. بعبارة أخرى إن الموارد الاقتصادية في العالم الإسلامي كنسبة مئوية من إجمالي الموارد الاقتصادية الزراعية للعالم أكبر من سكان العالم الإسلامي كنسبة مئوية من إجمالي سكان العالم. هـذه النتيجة تتأسس عليها نتيجة أخرى هـي: الموارد الاقتصادية الزراعية للعالم الإسلامي تجعله (نظريا) من أغنى المناطق في العالم، وبالتالي تقضي على الفقر فيه. وهذه النتيجة تتأسس عليها نتيجة أخرى هـي: انتشار الفقر في العالم الإسلامي يتناقض مع توافر الموارد الزراعية التي منحها الله سبحانه وتعالى له. هـذه النتيجة تتأسس [ ص: 138 ] عليها نتيجة أخرى هـي: انتشار الفقر في العالم الإسلامي سببه عدم استغلال الموارد التي منحها الله سبحانه وتعالى له، وبالتالي فإن المطلوب للقضاء على الفقر في العالم الإسلامي هـو استغلال هـذه الموارد.