الفصل الثاني
خطورة ثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات
التغيير هـو من سنن الحياة، وعالم البشـرية لا يمكن أن يتطور أو يتقدم إلا بإدخال مفاهيم وأساليب حديثة لتطوير كافة مجالات الحياة. ولكن قبل أن نشرع الأبواب والنوافذ للتقنيات الجديدة لابد من معرفة ملاءمتها لواقع وإمكانيات الدولة المادية والبشرية، كما لابد من توخي الحذر من سلبياتها المتعددة وذلك بإشعار الأفراد بذلك. وتجدر الملاحظة بأن إمكانية الفرد العقلية المحدودة قد تنهار أمام هـذه الثورات الثلاث الضخمة (المعلومات والاتصالات والمواصلات) التي تدخلت وتحكمت في الحياة الخاصة بشكل مكثف جدا. وقد يكمن الحل المثالي في تنظيم هـذه الوسائل وتوضيحها للفرد حتى يسهل عليه الاختيار الحر المتميز من بين تلك البدائل التي قد لا يتمكن الفرد بنفسه من تنظيمها في حياته حتى تسن بشأنها تشريعات حكومية محددة وواضحة.
ومنذ ظهور مصطلح «الوسائط المعلوماتية» عام 1980م على أيدي الأستاذين «سيمون نورا» و «ألن مينك» ، الذين وضعا لمنظمة اليونسكو تقريريهما عام 1978م حول المجتمعات المعلوماتية، فقد أثار هـذا المصلح ثورة عظيمة في مجال التعليم والإعلام على حد سواء، ومن ذلك المصطلح ظهرت وسائط الإعلام المتعددة لتؤدي دورها الكامل في توجيه الرأي العام [ ص: 55 ] وقيادة المجتمعات ونقل القيم وتبادل المعلومات والخبرات والتجارب وتكوين ردود الأفعال العامة إزاء الأحداث [1] .
وقد تحظى وسائل الإعلام التقليدية كالإذاعة والتلفاز والصحافة بقوانين وربما بوزارة خاصة بها، وكذلك بتشريعات من أجل حماية حقوق الناس من الاعتداء بالكلمة أو بالصورة على الأعراض والأديان والسياسات، بينما تفتقد الوسائط المعلوماتية للقوانين المنظمة لها بالرغم من كونها أدوات إعلامية قوية ومتنامية ولها تأثير بالغ على عقول الناس. والمدهش في ثورة الوسائط المعلوماتية أنها مستمرة ومتسارعة بحيث عجزت المجتمعات المتقدمة من ملاحقتها بتشريعات ملائمة، وقد أكد البروفيسور «أ. لوكاس» أستاذ القانون بجامعة «نانتير» الفرنسية أن عالم الوسائط المعلوماتية قد استعصى على القانون وتحول إلى دغل متوحش لم يعد من الممكن إخضاعه لتشريعات صارمة [2] . في حين أكدت بعض القوانين الغربية بأن مستعمل هـذه الوسائط هـو مواطن له كامل حرية التعبير والاتصال ونشر أفكاره في إطار القانون، أي أن القانون قد اعتبر مستعمل الوسائط ككاتب في صحيفة أو متحدث في إذاعة أو متكلم في تلفاز، وقد أخضعه إلى نفس المعايير في الامتناع عن نشر أفكار نازية أو مخلة بالأمن العام أو نشر صور خليعة يمكن أن تصل إلى [ ص: 56 ] أيدي القصـر أو غير الراشـدين. ولكن لا يوجـد في القانون أي إشارة أو تلميح إلى نسخ الأقراص بصورة غير مشروعة أو تشويه برمجيات موجودة أو الدخول إلى أنظمة إلكترونية ممنوعة أو بث موقع من مواقع إنترنت ذي محتوى مخل بالأخلاق أو بالأديان أو بالأعراض أو بالأمن العام [3] .
وفي الشرق يشتد اللغط في كيفية الحفاظ على القيم والدين والأخلاق، وفي نفس الوقت يتفاوت التعامل بين أنواع من اللامسئولية واللامبالاة والتحفظ الشديد حول هـذه المواضيع.
ولمعرفة خطورة التغلغل السريع لتقنية الاتصالات فقد عقد المؤتمر السنوي الخامس لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في سبتمبر 1999م، تحت عنوان: «هكذا يصنع المستقبل عام 2000م»، وقد ألقى الكاتب الأمريكي «ألفين توفلر» محاضرة بعنوان: «تحول الثقافات والانعكاسات على الفرد والأسرة والمجتمع»، شرح فيها كيفية السيطرة الشاملة التي يقوم بها التطور الآلي وخاصة الإنترنت مما أتاح هـيمنة الإعلام الأمريكي على العالم. وقد أشار الكاتب إلى أن الحاسوب قد ساهم من مخاطر البطالة، كما جعل حوالي ثلاثين مليون أمريكي يعملون خارج مكاتبهم. كما تحدث الكاتب عن المرحاض الذكي الذي يحلل بول وبراز الفرد ثم يكشف أمراضه عن طريق ربطه بالإنترنت وبعيادة الطبيب الذي [ ص: 57 ] يصف بدوره العلاج ويرسله عبر الإنترنت ! وقد أكد الكاتب «توفلر» أن الموجة الرابعة في العالم تظهر اليوم في شكل انصهار للمعلومات وصبها في القمع البيولوجي للإنسان! والمحصلة هـي شكل جديد للفرد، شكل ربما يصل إلى حد الغرابة في الشكل وطريقة التفكير وتقلبات المزاج [4] .
وقد توصل المؤتمر السنوي الخامس لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية إلى خلاصة مفادها: أن الثورات الثلاث الضخمة: المعلومات والاتصالات والمواصلات، قد تدخلت في حياة الفرد المعاصر بشكل مكثف، وعليه وجب توخي الحذر منها. كما تظهر أخطار هـذه الثورات في كثير من المظاهر الاجتماعية السلبية كإضاعة الوقت والتهرب من الواجبات وغيرها؛ أما المنحى الاجتماعي الخطير الذي يتزايد اليوم فهو الزيجـات التي تـتم عبر الإنترنت بل والطـلاق أيضا! أما اللقاءات العاطفية التي تكون قد نشأت وترعرعت في فضاء الهذر السخيف وسببت الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية فهي أكثر من أن تحصى. وقد يتمكن الفرد من الاستغناء عن العالم أجمع لو توفر له الإنترنت.. ولمعرفة قدرة الفرد على العيش فقط مع الإنترنت تمت تجربة لشاب في مقتبل العمر حيث دخل إلى بيته وحيدا لآخر مرة قبل أن يخرج منه بعد ثمانية أشهر [ ص: 58 ] كاملة! والحكمة في هـذه الحادثة أن شركة حاسوب عالمية قررت رعاية التجربة لإثبات أن الإنسان لم يعـد اجتماعيا بطبعه، بل له القدرة على العيش منفردا لمدة ثمانية أشهر، يأكل ويشرب وينام، كذلك يعمل ويتسلى وربما يتزوج عن طريق الحاسوب فقط [5] .