1147 - مسألة :
فإن حلف أيمانا كثيرة على شيء واحد ، مثل : أن يقول : بالله لا كلمت زيدا ، والرحمن لا كلمته ، والرحيم لا كلمته ، بالله ثانية لا كلمته ، بالله ثالثة لا كلمته - وهكذا أبدا في مجلس واحد ، أو في مجالس متفرقة ، وفي أيام متفرقة : فهي كلها يمين واحدة - ولو كررها ألف ألف مرة - وحنث واحد ; وكفارة واحدة - ولا مزيد .
وقد اختلف السلف في هذا - : روينا من طريق حماد بن سلمة عن أبان عن مجاهد قال : زوج ابن عمر مملوكه من جارية له ، فأراد المملوك سفرا فقال له ابن عمر : طلقها ؟ فقال المملوك : والله لا طلقتها فقال له ابن عمر والله لتطلقنها كرر ذلك ثلاث مرات ؟ قال مجاهد لابن عمر : كيف تصنع ؟ قال : أكفر عن يميني ، فقلت له : قد حلفت مرارا ؟ قال : كفارة واحدة . [ ص: 313 ]
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن مجاهد عن ابن عمر قال : إذا أقسمت مرارا فكفارة واحدة .
ومن طريق إبراهيم النخعي إذا ردد الأيمان فهي يمين واحدة .
وعن هشام بن عروة أن أباه سئل من تعرضت له جارية له مرارا كل مرة يحلف بالله أن لا يطأها ؟ ثم وطئها ؟ فقال له عروة : كفارة واحدة .
ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء قال : كفارة واحدة إذا حلف في أمر واحد ، في مجالس شتى .
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : إذا حلف في مجالس شتى قال : كفارة واحدة .
قال : وأخبرني من سمع عكرمة يقول مثل هذا ؟ ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد ، وقتادة عن الحسن قال : كفارة واحدة إذا حلف في أمر واحد في مجالس شتى - وهو قول الأوزاعي ، ومالك ، وأحمد .
وإسحاق ، وأبي سليمان ، وأبي عبيد ، وأحد قولي سفيان الثوري .
وروينا عن ابن عمر ، وابن عباس : إذا أكد اليمين فعتق رقبة .
وقالت طائفة : إن كان ذلك في مجلس واحد فكفارة واحدة ، وإن كان في مجالس شتى فكفارات شتى .
صح ذلك عن قتادة ، وقال عمرو بن دينار : يقولون ذلك .
وقال سفيان الثوري في قول له : إن نوى باليمين الأخرى يمينا ثانية فكفارتان ، وقال عثمان البتي ، وأبو ثور : إن أراد التكرار فيمين واحدة وإن أراد التغليظ فلكل مرة كفارة .
وهو قول الشافعي إلا أنه عبر عنه بأن قال : إن أراد التكرار فكفارة واحدة ، وإلا فلكل مرة كفارة - فلم يخرجه عن أن يكون لكل مرة كفارة ، إلا بأن ينوي التكرار فقط - ثم لم يشترط إرادة التغليظ .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن أراد التكرار فيمين واحدة ، وإن لم تكن له نية ، وأراد التغليظ ، أو كان ذلك في مجلسين فصاعدا ، فلكل يمين كفارة . [ ص: 314 ]
قال أبو محمد : لا نعلم لمن رأى في تأكيد اليمين عتق رقبة - فقط - حجة ، لأن الله تعالى حين بين الرقبة ، والإطعام ، والكسوة ، وقد علم أن هنالك أيمانا مؤكدة ، قال تعالى : { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } .
ولا نعلم لمن فرق بين أن يكون ذلك في مجلس وبين أن يكون في مجلسين فصاعدا حجة إلا الدعوى أنها يمين واحدة ، في مجلس ، ويمين ثانية في المجلس الثاني .
وهذه دعوى لا يصححها برهان ، وكل لفظ فهو بلا شك غير اللفظ الآخر ، كما أن كل مجلس غير المجلس الآخر ولا فرق .
وكذلك لا ندري لمن فرق بين التغليظ وغير التغليظ حجة أصلا إلا الدعوى بلا برهان .
وأما من قال : إن نوى التكرار فهي يمين واحدة ، وإلا فهي أيمان شتى ، فما نعلم لهم حجة إلا أنهم قالوا : هي ألفاظ شتى ، فلكل لفظ حكم ، أو أن يقيسوا ذلك على تكرار الطلاق .
قال أبو محمد : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ، لأن النص جاء في القرآن بأن حكم الطلقة الثالثة غير حكم الثانية ، وغير حكم الأولى ، ولم يأت ذلك في الأيمان .
وأما قولهم : إنها ألفاظ شتى ، فنعم ، إلا أن الحنث به تجب الكفارة لا بنفس اليمين فإن الأيمان لا توجب الكفارة أصلا ، ولا خلاف في ذلك ولا يوجب الكفارة إلا الحنث ، فالحنث فيها كلها حنث واحد بلا شك ولا يجوز أن يكون بحنث واحد كفارات شتى ، والأموال محرمة ، والشرائع ساقطة ، إلا أن يبيح المال نص ، أو يأتي بالشرع نص وبالله تعالى التوفيق .
وهذا مما خالف فيه الحنفيون ، والشافعيون ، ابن عمر وابن عباس ولا يعرف لهما من الصحابة مخالف وبالله تعالى التوفيق .


