[ ص: 56 ] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله كتاب الهبات 1626 - مسألة : لا تجوز هبة إلا في موجود ، معلوم ، معروف القدر ، والصفات ، والقيمة ، وإلا فهي باطل مردودة . 
وكذلك ما لم يخلق بعد كمن وهب ما تلد أمته ، أو شاته  ، أو سائر حيوانه ، أو ما يحمل شجره العام - وهكذا كل شيء ; لأن المعدوم ليس شيئا ، ولو كان شيئا لكان الله عز وجل لم يزل والأشياء معه - وهذا كفر ممن قاله . 
والهبة والصدقة والعطية يقتضي كل ذلك موهوبا ومتصدقا ، فمن أعطى معدوما أو تصدق بمعدوم  فلم يعط شيئا ، ولا وهب شيئا ، ولا تصدق بشيء . 
وإذا لم يفعل كل ما ذكرنا فلا يلزمه حكم - وقد حرم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أموال الناس إلا بطيب أنفسهم ، ولا يجوز أن تطيب النفس على ما لا تعرف صفاته ولا ما هو ، ولا ما قدره ، ولا ما يساوي ، وقد تطيب نفس المرء غاية الطيب على بذل الشيء وبيعه ، ولو علم صفاته وقدره وما يساوي لم تطب نفسه به - فهذا أكل مال بالباطل فهو حرام لا يحل . 
وكذلك من أعطى أو تصدق بدرهم من هذه الدراهم أو برطل من هذا الدقيق ، أو بصاع من هذا البر  ، فهو كله باطل لما ذكرنا ; لأنه لم يوقع صدقته ، ولا هبته ، على مكيل بعينه ، ولا موزون بعينه ، ولا معدود بعينه ، فلم يهب ولا تصدق أصلا . 
وكذلك لا يجوز شيء من ذلك لمن لا يدري ، ولا لمن لم يخلق ، لما ذكرنا ، وأما الحبس فبخلاف هذا كله للنص الوارد في ذلك - وبالله تعالى التوفيق .  [ ص: 57 ] 
والقياس باطل ، ولكل شيء حكمه الوارد فيه بالنص . 
فإن ذكروا الحديث الذي روينا من طريق  مسلم  نا زهير بن حرب  نا ابن علية  عن  عبد العزيز بن صهيب  عن  أنس بن مالك    { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له دحية  يوم خيبر    : يا رسول الله أعطني جارية من السبي ؟ قال : اذهب فخذ جارية فأخذ  صفية بنت حيي  ، فجاء رجل فقال : يا رسول الله أعطيت دحية   بنت حيي  سيد قريظة  والنضير  وما تصلح إلا لك ، قال : ادعه بها ، قال : فجاء بها ، فلما نظر إليها صلى الله عليه وسلم قال له : خذ جارية من السبي غيرها - وأعتقها وتزوجها .   } 
قلنا : هذا أعظم حجة لنا ; لأن العطية لو تمت لم يرتجعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاشا له من ذلك ليس له المثل السوء ، وهو عليه الصلاة والسلام يقول {   : ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالعائد في قيئه ، كالكلب يعود في قيئه   } 
لكن أخذها وتمام ملكه لها ، وكمال عطيته عليه السلام له ، إذ عرف عليه الصلاة والسلام عينها ، أو صفتها ، أو قدرها ، ومن هي ؟ ؟ فإن قيل : فقد رويتم من طريق  حماد بن سلمة  عن ثابت  عن  أنس    { أنه عليه السلام اشترى صفية  من دحية  وقد وقعت في سهمه بسبعة أرؤس .   } 
قلنا : كلا الخبرين عن  أنس  صحيح ، وتأليفهما ظاهر . 
وقوله " إنها وقعت في سهمه ، إنما معناه بأخذه إياها إذ سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جارية من السبي ؟ فقال له : اذهب فخذ جارية - وبلا شك أن من أخذ شيئا لنفسه بوجه صحيح فقد وقع في سهمه . 
وقوله { اشتراها عليه السلام بسبعة أرؤس   } يخرج على أحد وجهين - : أحدهما - أنه عليه السلام عوضه منها فسمى  أنس  ذلك الفعل شراء . والثاني - { أن دحية  إذ أتى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : خذ غيرها ، قد سأله إياها ،   } وكان عليه السلام لا يسأل شيئا إلا أعطاه ، فأعطاه إياها ، فصحت له ، وصح وقوعها في سهمه ، ثم اشتراها منه بسبعة أرؤس . 
ولا شك في صحة الخبرين ، ولا يمكن الجمع بينهما لصحتهما ، إلا كما ذكرنا ، وما لا شك فيه فلا شك فيما لا يصح إلا به - وبالله تعالى نتأيد .  [ ص: 58 ] 
فإن ذكروا { قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر    : لو قد جاء مال البحرين  أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا .   } 
قلنا : هذه عدة لا عطية ، وقد أنفذ  أبو بكر  رضي الله عنه هذه العدة بعد موته عليه السلام - وهم لا يختلفون في أن من قال ذلك ثم مات لم ينفذ قوله بعد موته - وهذا قول  أبي سليمان  ، وأصحابنا - وبالله تعالى التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					