1635 - مسألة : جائزة حسنة للشريك ولغير الشريك ، وللغني والفقير فيما ينقسم وفيما لا ينقسم ، كالحيوان وغيره ولا فرق . وهبة جزء مسمى منسوب من الجميع كثلث أو ربع أو نحو ذلك من المشاع والصدقة به
وهو قول ، عثمان البتي ، ومعمر ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ; ، وأبي ثور ، وجميع أصحابهم - وهو قول وأبي سليمان . إبراهيم النخعي
وقال : لا تجوز أبو حنيفة ، ولا الصدقة به - لا للشريك ولا لغيره ، لا على فقير ولا على غني - وتجوز الهبة والصدقة بمشاع لا ينقسم على الفقير والغني وللشريك ولغيره . هبة المشاع فيما ينقسم
والذي ينقسم عنده : الدور ، والأرضون ، والمكيلات ، والموزونات والمعدودات ، والمذروعات - والذي لا ينقسم عنده الرأس الواحد من الحيوان ، والحمام ، والسيف ، واللؤلؤة ، والثوب ، والطريق ، ونحو ذلك .
قال : لا تجوز ألبتة ، إلا من الشريك وحده - قال : والإجارة بمشاع مما ينقسم ومما لا ينقسم لا يجوز ألبتة ، لا من الشريك ولا من غيره . ورهن المشاع الذي ينقسم والذي لا ينقسم
قال : وبيع المشاع وإصداقه والوصية به - مما ينقسم وما لا ينقسم
- : جائز من الشريك وغير الشريك ، وكذلك عتق المشاع فاعجبوا لهذه التقاسيم التي لا تعقل ، ولا لها في الديانة أصل بالمنع خاصة في شيء من ذلك ولم يختلف عنه في أن الهبة والصدقة بشيء واحد مما ينقسم : كمائة دينار ، أو كدار واحدة ، أو ضيعة واحدة ، أو كر طعام ، أو قنطار حديد ، أو غير ذلك ، لغنيين لا يجوز - واختلف عنه في الصدقة بذلك على فقيرين ، أو هبة ذلك لفقيرين ، فروي عنه في الهبة في الجامع الصغير : أنها تجوز للفقيرين - وفي الأصل : أنها لا تجوز ، والأشهر عنه في الصدقة على الفقيرين كذلك ، أنها تجوز ، إلا في رواية مبهمة غير مبينة أجمل فيها المنع فقط . [ ص: 107 ] وقال : : إن محمد بن الحسن جاز ذلك ، فإن وهب لأحدهما الثلث ، وللآخر الثلثين فدفعها إليهما معا - : جاز ذلك ، فإن دفع إلى الواحد ثم إلى الآخر - : لم يجز ذلك . وهب دارا لاثنين بينهما بنصفين
ومنع سفيان من هبة المشاع ، إلا أنه أجاز - ومنع هبة واحد دارا لاثنين ، وهبة الاثنين دارا لواحد من هبة المشاع ، ومن هبة واحد دارا لاثنين فصاعدا ، وأجاز هبة اثنين دارا لواحد . ابن شبرمة
قال : وما نعلم لهم شغبا موهوا به إلا إن قالوا : قبض المشاع لا يمكن . فقلنا لهم : كذبتم ، بل هو ممكن ، وهبك أنه غير ممكن فلم أجزتم بيعه ، والبيع عندكم يحتاج فيه إلى القبض ، ولم أجزتم إصداقه ، والصداق واجب فيه الإقباض قال الله تعالى : { أبو محمد وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } : وقال تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } ولم أجزتم الوصية به ؟ ولم أجزتم إجارة المشاع من الشريك ، ومنعتم الرهن فيه من الشريك ، ومنعتم الهبة من الشريك - وأقرب ذلك لم أجزتم هبة المشاع فيما لا ينقسم والعلة واحدة . فهل في التلاعب والسخافة أكثر من هذا ؟ وموهوا أيضا بالرواية التي ذكرنا قبل من قول أبي بكر أم المؤمنين رضي الله عنهما : إني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا من مال الغابة فلو كنت جددتيه واحتزتيه لكان لك ، هذا دليل على المنع من هبة المشاع . قال لعائشة : هذا عظيم جدا ، وفاحش القبح لوجوه - : أولها - أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو محمد
وثانيها - أنه كم قولة ، لأبي بكر رضي الله عنهما قد خالفتموهما فيها كقول وعائشة ، وغيره من الصحابة رضي الله عنهم في الزكاة إن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، وكتركه التضحية وهو غني ، وكصيام أبي بكر عائشة أيام التشريق ، وقولها : لا صيام لمن لم يبيته من الليل وغير ذلك كثير جدا .
وثالثها - أن هذا الخبر نفسه قد أوردناه بخلاف هذه القصة .
ورابعها - أن اللفظ الذي احتجوا به مخالف لقولهم جهارا بل فيه إجازة هبة جزء [ ص: 108 ] من المشاع لغنية ; لأنه نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة .
ولا يخلو ذلك ضرورة من أحد وجهين - : إما أن يكون نحلها من تلك النخل ما تجد منها عشرين وسقا ، أو نحلها عشرين وسقا مجدودة ، فهي إما عدة بأن ينحلها ذلك - وهذا هو الأظهر ; وإما أنه نحلها وأمضى لها ذلك المقدار ، وهو مجهول القدر والعدد والعين في مشاع ، فرأياه معا بحضرة الصحابة جائزا ولا مخالف لهما منهم ، ولم يبطله لذلك . أبو بكر
فكذبوا في قولهم صراحا ، وإنما أبطله بنص قوله " لأنها لم تحزه " فقط ، ولو جددته وحازته لكان نافذا ، فعاد حجة عليهم ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبو بكر } . الحياء من الإيمان
فسقط كل ما موهوا به - ولله تعالى الحمد .
قال : فعدنا إلى قولنا فوجدنا الله تعالى قد حض على الصدقة وفعل الخير ، والفضل ، وكانت الهبة فعل خير ، وقد علم عز وجل أن في أموال المحضوضين على الهبة والصدقة مشاعا وغير مشاع ، فلو كان تعالى لم يبح لهم الصدقة والهبة في المشاع لبينه لهم ، ولما كتمه عنهم ، ومن حرم عن الله تعالى ، أو أوجب ما لم ينص الله عز وجل على تحريمه وإيجابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم المأمور بالتبليغ ، والبيان - : فقد كذب على الله تعالى ، وافترى عليه ، وهذا عظيم جدا . أبو محمد
فصح يقينا : أن هبة المشاع والصدقة به ، وإجارته ورهنه - : جائز كل ذلك - فيما ينقسم وما لا ينقسم - للشريك ولغيره ، وللغني وللفقير { وما كان ربك نسيا } .
ومن طريق نا ابن أبي شيبة نا وكيع شريك عن إبراهيم بن المهاجر عن " قال : { قيس بن أبي حازم } وهم [ ص: 109 ] يحتجون بالمرسل ، وبرواية أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبة شعر من الغنيمة ، فقال : يا رسول الله هبها لي ، فإنا أهل بيت نعالج الشعر . فقال عليه الصلاة والسلام : نصيبي منها لك شريك ، وإبراهيم بن المهاجر فما صرفهم عن هذا الخبر ؟ وقد صح عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت ، للقاسم بن محمد بن أبي بكر ولعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر : إني ورثت عن أختي مالا بالغابة ، وقد أعطاني عائشة بها مائة ألف ، فهو لكما ; لأنهما لم يرثا من أم المؤمنين شيئا إنما ورثا معاوية أسماء ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر - فهذه هبة لغنيين مكثرين مشاعة ، وفعل أسماء رضي الله تعالى عنها بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يعرف لها منهم مخالف ، وصدقات الصحابة على بنيهم وبني بنيهم بغلة أوقافهم أشهر من الشمس صدقة أو هبة لأغنياء بمشاع .
وروينا من طريق عن محمد بن إسحاق عن أبيه عن جده فذكر قصة عمرو بن شعيب حنين وطلب هوازن عيالهم وأبناءهم { ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون والأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم } وذكر الحديث . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان لي
فهذه هبة مشاع وهم يحتجون بهذه الطريق إذا وافقت تقليدهم .
والخبر الذي رويناه من طريق نا مسلم يحيى بن يحيى قال : أنا عن أبو خيثمة عن أبي الزبير قال : { جابر فتلقى عيرا أبا عبيدة لقريش وزودنا جرابا من تمر ، لم يجد لنا غيره ، فكان يعطينا تمرة تمرة أبو عبيدة } فهذه عطية تمر مشاعة . بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا
والحجة تقوم بما رويناه من طريق نا مسلم خلف بن هشام نا عن حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبيه { أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الأشعريين نستحمله فأمر لنا بثلاث ذود غر الذرى } وذكر الخبر - فهذه هبة مشاع لم ينقسم . أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من
[ ص: 110 ] وأما من النظر : فليس إلا ملك صحيح ، ثم تصرف فيما صح الملك فيه ولا مزيد ، فتملك الموهوب له والمتصدق عليه بالجزء المشاع كما ملكه الواهب والمتصدق ، ولا فرق ألبتة - ويتصرف الموهوب له ، والمتصدق ; والمكتري ، كما يتصرف فيه الواهب ، والمتصدق ، والمكتري ، ووكلاؤهم ولا فرق ، وتكون يد المرتهن عليه كما هي عليه يد الراهن ووكيله ولا فرق - وهذا لا مخلص لهم منه أصلا - وبالله تعالى التوفيق .