1838 - مسألة : ولا يحل للسيد إجبار أمته أو عبده على النكاح ، لا من أجنبي ولا من أجنبية ، ولا أحدهما من الآخر - فإن فعل فليس نكاحا .
برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } .
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه بإسناده { لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الثيب حتى تستأمر } وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان .
وقال أبو حنيفة في أحد قوليه : لا يزوج السيد عبده إلا بإذنه ، وله أن يزوج أمته بغير إذنها - وهو قول الحسن بن حي .
[ ص: 56 ] وروي عن سفيان الثوري أنه يزوجهما بغير إذنها .
وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : له أن يزوج أمته من عبده وإن كرها جميعا - وروي هذا أيضا عن أبي حنيفة .
وقال مالك : يكره الرجل أمته وعبده على النكاح ، ولا ينكح أمته إلا بمهر يدفعه إليها فيستحل به فرجها ، ولا يزوج أمته الفارهة من عبده الأسود لا منظر له إلا أن يكون على وجه النظر والصلاح يريد به عفة الغلام ، مثل أن يكون وكيله ، فإن كان على وجه الضرر بالجارية لم يجز .
قال : ويكره الرجل أمته المعتقة إلى سنين على النكاح . قال أبو محمد : أما قول مالك فظاهر التناقض ، لأنه أجاز إكراه السيد لأمته على النكاح ، ومنع من إنكاحها الأسود إذا كان فيه ضرر عليها ، وأجازه إن كان وكيله وأراد عفته بذلك - : فأول ذلك : أنها دعاوى بلا برهان .
ثم المناقضة في منعه إنكاحها إياه إذا كان فيه ضرر عليها ، ولا ضرر أعظم من الكراهة ، وإلا فلم خص الأسود لولا الكراهة له ، إذ لو راعى الضرر فقط لاستوى إنكاحها من قرشي أبيض ومن أسود إذا كان في ذلك ضرر من ضرب أو إجاعة غير الكراهة .
وأما من فرق بين إكراه الأمة فأجازه ، وبين إكراه العبد فلم يجزه فإنهم احتجوا بأنه لما كان الطلاق إلى العبد كان النكاح إليه ، ولما كان للسيد احتباس بضع الأمة لنفسه كان له أن يملك بضعها غيره .
قال أبو محمد : وهذا قياس ، والقياس كله باطل ، ثم لو صح شيء منه لكان هذا أسخف قياس في الأرض ، لأنهم لم يوافقوا على أن الطلاق بيد العبد ، بل جابر ، وابن عباس ، وغيرهما يقولان : الطلاق بيد السيد لا بيد العبد .
وأما قياسهم تمليك بضع الأمة لغيره كما له أن يحبسها لنفسه فسخف مضاعف ، لأنه لا خلاف أن للرجل احتباس بضع زوجته لنفسه أفتراهم يقيسون على ذلك تمليك بضعها لغيره ؟ إن هذا لعجب . [ ص: 57 ] وأما من أجاز إكراه العبد والأمة سواء على النكاح ، احتجوا بأن الله تعالى أمر بإنكاح العبيد والإماء ولم يشترط رضا .
وذكروا ما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في الأمة والعبد : لسيدهما أن يجمع بينهما ويفرق بينهما .
وبما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا جرير عن منصور عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون المملوك على النكاح ويدخلونه على امرأته البيت ، ويغلقون عليهما الباب .
قال أبو محمد : أما قوله تعالى : في إنكاح العبيد والإماء فإنه عطف عز وجل على أمره بالنكاح الأيامى منا ولم يشترط فيهن رضاهن ، فليلزمهم أن يجيزوا بذلك إنكاح الحرة الثيب وإن كرهت إن طردوا أصلهم الفاسد . فإن شغبوا أيضا بقوله تعالى : { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } إلى قوله تعالى { فانكحوهن بإذن أهلهن } ولم يشترط رضاهن ؟ قلنا : وقد قال تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ولم يشترط رضاهن ، وكل هذا قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن لا تنكح بكر حتى تستأذن ولا ثيب حتى تستأمر ولم يخص حرة من مملوكة : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ، { وما كان ربك نسيا } و { لتبين للناس ما نزل إليهم } فهذا هو البيان الذي لا يحتاج إلى غيره ، لا كالآراء المتخاذلة والدعاوى الفاسدة .
وأما خبر جابر : فليس لهم فيه متعلق ، لأن معنى قوله - رضي الله عنه - لسيدهما أن يجمع بينهما ويفرق فقول صحيح له أن يجمع بينهما بأن يهبها له وله أن يفرق بينهما بأن ينتزعها منه كما ينتزع سائر ماله وكسبه .
وأما قول إبراهيم : فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .


