1960 - مسألة : ومن طلق وهو غير قاصد إلى الطلاق ، لكن أخطأ لسانه ؟ فإن قامت عليه بينة قضي عليه بالطلاق ، وإن لم تقم عليه بينة لكن أتى مستفتيا لم يلزمه الطلاق .
برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } .
وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى } فصح أن لا عمل إلا بنية ولا نية إلا بعمل .
وأما إذا قامت بذلك بينة فإنه حق قد ثبت ، وهو في قوله : لم أنو الطلاق ، مدع بطلان ذلك الحق الثابت ، فدعواه باطل - . [ ص: 460 ]
روينا من طريق وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن خيثمة بن عبد الرحمن قال : قالت امرأة لزوجها : سمني ؟ فسماها الظبية ، قالت : ما قلت شيئا ؟ قال : فهات ما أسميك به ؟ قالت : سمني خلية طالق ، قال : فأنت خلية طالق ، فأتت عمر بن الخطاب فقالت : إن زوجي طلقني ؟ فجاء زوجها فقص عليه القصة ؟ فأوجع عمر رأسها ، وقال لزوجها : خذ بيدها وأوجع رأسها .
قال أبو محمد : أما مثل هذا فحتى لو قامت به بينة لم يكن طلاقا - .
وروي قولنا عن إياس بن معاوية .
وقال مالك : إذا قال : أنت طالق ألبتة - وهو يريد أن يحلف على شيء - ثم بدا له فترك اليمين ؟ فليست طالقا ، لأنه لم يرد أن يطلقها - .
وهو قول الليث بن سعد .
وقال الشافعي : ما غلب المرء على لسانه بغير اختيار منه لذلك فهو كلا قول ، لا يلزمه به طلاق ولا غيره .
قال أبو حنيفة وأصحابه : من أراد أن يقول شيئا لامرأته فسبقه لسانه فقال : أنت طالق ، لزمه الطلاق في القضاء ، وفي الفتيا ، وبينه وبين الله عز وجل .
وكذلك لو أراد أن يقول : أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار ، فقال : أنت طالق ثلاثا ، ثم بدا له عن اليمين ، أو قطع به عن ذلك قاطع فلم يلفظ بما أراد أن يقول فهي طالق في الفتيا ، والقضاء ، وبينه وبين الله عز وجل سواء دخلت الدار أو لم تدخل .
قال أبو حنيفة : فلو أراد أن يقول : أنت حرة إن دخلت الدار ، فقال : أنت حرة ، ثم بدا له عن اليمين ، أو قطعه عنه قاطع ، فهي حرة في الفتيا : وفي القضاء ، وبينه وبين الله عز وجل دخلت الدار أو لم تدخل .
فلو أراد أن يقول لها كلاما فأخطأ فسبقه لسانه فقال : أنت حرة ؟ قال أبو حنيفة : لا تكون بذلك حرة ، ولا يلزمه العتق ، بخلاف الطلاق ، وبخلاف المسألة في العتق التي ذكرنا آنفا - وقال أصحابه : كل ذلك سواء .
قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد والمناقضة .
وأما قول مالك - فمناقض لقوله في التحريم ، وفي حبلك على غاربك ، وسائر ما [ ص: 461 ] رأى التحريم يدخل فيه بأرق الأسباب - وبالله تعالى التوفيق .


