1969 - مسألة : ومن قال : أنت طالق إن شاء الله ، أو قال : إلا أن يشاء الله ، أو قال : إلا أن لا يشاء الله - : فكل ذلك سواء ، ولا يقع بشيء من ذلك طلاق .
برهان ذلك : قول الله عز وجل : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .
وقال تعالى : { وما تشاءون إلا أن يشاء الله }
ونحن نعلم أن الله تعالى لو أراد إمضاء هذا الطلاق ليسره لإخراجه بغير استثناء .
فصح أنه تعالى لم يرد وقوعه إذ يسره لتعليقه بمشيئته - عز وجل .
وقد اختلف الناس في هذا - : فقالت طائفة كما قلنا - كما روينا من طريق أبي عبيد نا معاذ بن معاذ عن ورقاء بن عمر عن ابن طاوس عن أبيه فيمن قال لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ؟ قال : له ثنياه [ ص: 485 ]
ومن طريق وكيع عن الأعمش عن إبراهيم النخعي فيمن قال لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ؟ قال : لا يحنث .
ومن طريق وكيع عن أبيه عن الليث قال : اجتمع عطاء ، ومجاهد وطاوس ، والزهري : على أن الاستثناء في كل شيء جائز .
ومن طريق وكيع عن حكيم أبي داود عن الشعبي فيمن قال : أنت حر إن شاء الله تعالى ؟ قال : لا يحنث .
ومن طريق الحكم بن عتيبة فيمن قال : أنت طالق إن شاء الله ؟ له ثنياه .
وعن أبي مجلز مثل ذلك - وهو قول عطاء ، وحماد بن أبي سليمان ، وسعيد بن المسيب .
ومن طريق عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال : إذا قال : إن لم أفعل كذا فامرأتي طالق - إن شاء الله - فحنث لم تطلق امرأته .
وبه - كان يأخذ أبو حنيفة ، وعبد الرزاق قال : والناس عليه .
وقال سفيان الثوري - من قال : امرأتي طالق إن كلمت فلانا شهرا إلا أن يبدو لي أنه إن وصل الكلام فله استثناؤه ، فإن قطعه وسكت ثم استثنى فلا استثناء له .
وقال الأوزاعي - في أحد قوليه - : إن قال : إن فعلت كذا فأنت طالق - إن شاء الله - فالاستثناء جائز ; ولا يقع الطلاق ، وكذلك العتاق .
وبه يقول الشافعي ; وأصحابه ، وأبو ثور ، وعثمان البتي ، وإسحاق ، وأبو سليمان وأصحابنا .
وقال آخرون : لا يسقط الطلاق بالاستثناء - : كما روينا من طريق أبي عبيد نا سعيد بن عفير حدثني الفضل بن المختار عن أبي حمزة ` قال : سمعت ابن عباس يقول : إذا قال لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ، فهي طالق .
وقد صح هذا عن سعيد بن المسيب ، والحسن ، والشعبي ، والزهري ، وقتادة ، ومكحول - وهو أحد قولي الأوزاعي ، ومالك ، والليث ، وأحد قولي ابن أبي ليلى . [ ص: 486 ]
وروي عن ابن أبي ليلى : إن طلق واستثنى فالطلاق واقع ، وإن أخرجه مخرج اليمين فله استثناؤه .
وقال مالك : فإن قال : أنت طالق إن شاء زيد - أو قال : إلا أن لا يشاء زيد - أو إلا أن يشاء زيد : فإنها لا تطلق إلا أن يشاء زيد - واحتجوا في ذلك بأن مشيئة زيد تعرف ، ومشيئة الله تعالى لا تعرف .
قال أبو محمد : وهذا باطل ، بل مشيئة زيد لا يعرفها أبدا أحد غيره ، وغير الله تعالى ، لأنه قد يكذب ، وأما مشيئة الله تعالى فمعروفة بلا شك ، لأن كل ما نفذ فقد شاء الله تعالى كونه ، وما لم ينفذ فلا نشك أن الله تعالى لم يشأ كونه - وهذا مما خالف فيه الحنفيون تشنيعهم بمخالفة صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف .


